عضلات حماس المجروحة!
د. عادل محمد عايش الأسطل
حادثتان متتاليتان أثبتتا على ما يبدو أن حركة حماس، لا تزال تتقدم عسكرياً على الأقل، برغم حصولها على ثلاثة حروب إسرائيلية قاسية ومتتالية 2008، 2012، 2014، منذ سيطرتها على القطاع منتصف عام 2007، تكوّنت الحادثة الأولى، عندما اضطرّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد "غادي آيزنكوت" وعددٍ كبيرٍ من جنرالاته العسكريين، من حضور حفل التخرج لضباط جهاز الشرطة الفلسطينية على شاطئ البحر، ورؤيتهم ذلك الاهتمام الكبير الذي توليه حماس لجهازها الشرَطي، كونه يمثل صمام الأمان للجبهة الداخلية التابعة لها. والحادثة الثانية، وهي التي أدّت إلى قيام السلاح الجوي الإسرائيلي برفع مستوى التأهب لديه، حين سارع إلى إطلاق أسراباً من طائراته المقاتلة، في مقابل مشاهد الاستعراض العسكري الكبير الذي أقامته حركة حماس داخل القطاع في الذكرى 27 لانطلاقتها، والذي تهدف به، إحياء روح المقاومة من ناحية، وتسمين قاعدتها الشعبية من ناحيةٍ ثانية، وتعظيم قوّتها أمام إسرائيل من ناحيةٍ أهم.
المهرجان العسكري الذي تم بمشاركة الآلاف من مقاتلي الحركة، وشمل كافة الوحدات البريّة البحريّة والجويّة، حيث رأى الكل علاوة على ما أظهرته كتائب القسام-الجناح العسكري للحركة- من قوّتها البريّة (وحدة المدفعية، النخبة، الانفاق، القناصة، الدروع، والمشاة) ووحدة الدفاع الجوي، باستعراض القوّة الصاروخية الهجومية المختلفة، إضافةً إلى ما لم يكن متوقعاً، حين تمّ استعراض طائرة – أبابيل- استطلاع محليّة الصنع، إضافة إلى تطييرها لطائرة استطلاع إسرائيلية كانت قد أسقطتها إبان العدوان – الجرف الصامد- في يوليو/تموز الماضي، بما يدل على مقدرتهم على التصنيع، أو لديهم مُدربين ومصنّعين إيرانيين.
وكأنّ العرض وحده لم يكن كافياً لإظهار ما لديها من المفاجآت، أمام الإسرائيليين على الأقل، فقد لجأت الحركة إلى نشر صورٍ تشير إلى تواجد القائد العسكري "محمد الضيف" الذي استهدفه القصف الإسرائيلي إبان العدوان في تحدٍ صارخٍ لهم، وإلى بثّ ملفاتٍ حيّة لبعضٍ من عملياتها العسكرية الناجحة، ضد القوات الإسرائيلية خلال العدوان ذاته، والتي حملت انتصاراً آخر، تمثل بركوبها الحرب الرقميةّ، كونها استطاعت اختراق منظومة الجيش الإسرائيلي الإلكترونية ونسخها مقتنياته، ما يُمثّل خطراً مستقبلياً، ربما يكون أكثر جسامةً من الحروب التقليدية المعتادة.
وإن كان العرض العسكري (ككل) قد شكّل خيبة للإسرائيليين باعتباره حمل مفاجآت عسكرية، لكن ما لم يسرّهم أكثر، هو الخطاب السياسي للحركة، الذي لم يكن أقل حرارة من العسكري، الذي قالت به القيادة السياسية، والذي حمل، بأن إسرائيل هي العدو الأول بالنسبة لها، وأن كافّة الأنشطة العسكرية الحمساوية موجّهة إليها فقط، وكان حذّر الخطاب العسكري، والذي رشح عن "أبو عبيدة" الناطق باسم كتائب القسام، من أن قوّة الكتائب، هي التي يجري إعدادها للحظة الانفجار الآتية، والتي لن تكون في صالح الاحتلال.
قرّرت إسرائيل ولا ريب، التراجع عما ساد لديها من الاعتقاد بأن حركة حماس قد تعطّلت، وأنها هي المنتصرة، بناءً على مشاهدتها جملة العضلات المتماسكة والمنتشرة بكثافة في الجسم الحمساوي، والتي بيّنت بعضاً من قدراتها المقاوِمة واحدة تلو أخرى، حيث لا احتمال في تعطيلها أو الحد منها لاحقاً، وباتت تخشى أكثر من توسيع الهوّة، بحيث تصبح المؤسسة الإسرائيلية، عاجزة عن مواجهتها، والتي من شأنها أن تُنذر بعواقب سيئة على مصيرها بشكلٍ عام.
لكن، وفي المقابل، فإن لا أحد بوسعه إنكار بأن العضلات القسّاميّة هي ولا شك مجروحة، والإسعافات لناحيتها تبدو (عويزة) نادرة، وللتذكير فقط، فإن الحركة تكابد أنواعاً من المعاناة، وأهمها، الماليّة، والتي كانت سبباً رئيساً في تقليص نفقاتها المختلفة، بما فيها إلغاء مهرجان انطلاقتها السنوي، فهي بالكاد تجمع قوت يومها، وفي ظل أن قافلة إعمار القطاع لم تتحرك بعد، كما أن معاناة المصالحة مع حركة فتح، تبدو متنامية، والطُرق إلى ناحيتها لا تزال جميعها مُغلّقةً أمامها، وقد حرِصت على أن تسد رمقها بناءً على بنودها. أيضاً، فإن مسألة تسجيلها لدى الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، كحركة (إرهابية)، تعمل على عرقلة نشاطاتها المختلقة، وتُوقف سعيها نحو نسج علاقات خارجية مهمّة، ويمكن في هذا السياق، إبراز المعاناة الأعظم، وهي التي تأتي من الجارة الأهم والأكبر وهي مصر، التي لا تدّخر جهداً بشأن نبذها، والمساعدة في إظهار العداء لها.