تطهير الداخلية
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
كان الطالب محمد سعد ترك ؛ بالفرقة الثانية - كلية طب الأسنان، ولدا طيبا ،
متدينا وذا لحية خفيفة ، يكره الظلم والفساد ، ويحب الدين والأخلاق ، ويحلم بتقدم
وطنه وإصلاحه ، ولكن حظه العاثر جعل الرئيس المخلوع يفكر في مدينته الصغيرة بشمال
الدلتا ، أعني مدينة رشيد ، لتكون موضوعا لزيارة محتملة لفخامته ، ويقوم الجلادون
بمتابعة الإسلاميين والقبض على بعضهم ومنهم هذا الطالب ، بوصفهم خطرا على الرئيس
والنظام ، وقد تم استدعاؤه في شهر أبريل 2009 من قبل مكتب أمن الدولة بمدينة رشيد
لورود معلومات من مباحث وأمن الكلية تفيد أنه أطلق لحيته ، وقامت مباحث رشيد بتتبع
حالته الأمنية ومنذ 26 يوليو 2009 لم يظهر حتى الآن . وقد تقدم محمود رمضان زيدان،
المحامى بمحافظة البحيرة، ببلاغ للمستشار عبد المجيد محمود النائب العام ضد كل من:
اللواء حبيب العادلى – وزير الداخلية الأسبق – واللواء حسن عبد الرحمن – رئيس جهاز
أمن الدولة المنحل واللواء مجدي أبو قمر – مدير أمن البحيرة المقال – واللواء طارق
هيكل – مدير مباحث أمن الدولة المنحل والمقال – والبهي زغلول وناجى الجمال وعاطف
الجمال – ضباط بفرع أمن الدولة دمنهور – يتهمهم فيه بخطف الطالب منذ 26 يوليو 2009
بدون وجه حق وضربه وتعذيبه حتى الموت ، والقتل العمد والضرب والتعذيب حتى الموت
للمقبورين الذين تم إعدامهم ودفنهم بالمقبرة الموجودة حاليا بمقر أمن الدولة المنحل
بدمنهور.
وأوضح زيدان في بلاغه أنه بصفته وكيلا عن والد الطالب محمد سعد ترك أشار إلى أنه
بتاريخ 26 يوليو 2009 وعند قيام المسئولين بعمل استعدادات وإجراءات أمنية مشددة
لاستقبال الرئيس المخلوع حسنى مبارك في 30 يوليو 2009 وأثناء تجول الطالب المختطف
بمدينة رشيد تم إلقاء القبض عليه من قبل جهاز أمن الدولة برشيد ثم اختفى بعد ذلك
نهائيا ولم يظهر حتى الآن.
وأضاف زيدان أن والد الطالب المختطف ذهب إلى مقر أمن الدولة بدمنهور بعد أن نمى إلى
علمه بوجوده بمقر أمن الدولة بدمنهور لمقابلة الضباط – المشكو في حقهم بالبلاغ –
ولم يستطع مقابلتهم إطلاقا إلا مرة واحدة ، قابل فيها ضابطا لا يعرف اسمه وقال له :
"امشي من هنا ابنك منعرفوش فين" وطرده.
وكشف زيدان في بلاغه أنه أثناء مداهمة مقر أمن الدولة بدمنهور ، وبعد حرق
المتظاهرين له وجدوا به مقبرة خلف المقر ووجدوا بالمقبرة هياكل عظمية وعظام بشر،
والمقبرة خلف غرف الحبس والتعذيب مباشرة. وطالب زيدان بسرعة ضبط وإحضار المشكو في
حقهم جميعا وتوجيه تهمة الخطف والحجز والضرب والتعذيب للطالب المختطف حتى الموت.
كما طالب بإجراء المعاينة اللازمة على المقبرة التي تم ضبطها واستخراج العظام
البشرية التي دفنت بها وإجراء تحليل
DNA
على العظام البشرية الموجودة بالمقبرة وسماع الشهود الذي رأوا المقبرة وما فيها
لمعرفة عدد القتلى بها مع توجيه تهمة القتل العمد والضرب والتعذيب حتى الموت
للمقبورين الذين تم إعدامهم ودفنهم بهذه المقبرة الموجودة حاليا بمقر أمن الدولة
المنحل بدمنهور إلى الضباط المعنيين ( راجع موقع اليوم السابع 21/5/2011م) .
لقد حاول أهل الطالب أن يصلوا إلى معرفة أي شيء حوله أو معرفة مكانه دون جدوى . لقد
خاطبوا جهات رسمية عديدة ، وخاصة بعد سقوط جهاز السافك المصري ( أمن الدولة ) ،
ولكن أحدا لم يطفئ النار في قلب الأب أو قلب الأم الذي احترق على الابن الطالب
الشاب الطيب الذي كانت كل جريمته هي الانتماء إلى الإسلام !
لقد دفعت النخوة عدداً من أهالي مدينة رشيد فنظموا وقفة احتجاجية مساء 20/5/2011
بجوار نادي رشيد تضامنا مع الطالب المختطف من قبل مباحث أمن الدولة المنحل ،وأهله
المكلومين ، ولكن أحدا من المسئولين لم يشف غليلهم بكلمة !
هذا النموذج البسيط من نماذج إجرام ضباط الداخلية في جهاز السافاك ؛ يكشف إلى أي
مدى يجب تطهير وزارة الداخلية بحسم وقوة من عناصر الإجرام والقتل الذين لا يعرفون
ربا ولا دينا ولا خلقا ولا قانونا ، وظنوا أنهم آلهة الأرض والسماء ، لا يشاركهم
أحد ، ولا يسائلهم أحد ، حتى جاءت الثورة فكشفت جرائمهم ، وفسادهم وإفكهم ،
وعملاءهم ، وظلمهم للوطن والناس !
لقد قتلوا الأمل في النفوس والأفئدة ، وزرعوا الرعب والخوف في كل مكان ، وتغوّلوا
على كل شيء في المجتمع ، حتى صارت أجهزتهم هي النظام والسلطة والحكومة وكل شيء ..
وما اختفاء الطالب محمد سعد ترك إلا حالة بسيطة من حالات أخرى أكثر تعقيدا ودموية ،
ولعل أقربها قتل ما يقرب من ألف متظاهر في الثورة بالرصاص الحي ، وإصابة ما يقرب من
سبعة آلاف مواطن ، من بينهم أكثر من ألف وخمسمائة تحولت إصابتهم إلى عاهات مستديمة
، لأن المجرمين كانوا يصوبون أسلحتهم المتقدمة إلى العين والمخ والقلب لقتل الهدف
فورا ، ولكن شاءت إرادة الله أن ينجو الضحايا من الموت ، ليعيشوا بعاهاتهم
المستديمة ( العمى ، والغيبوبة ، والعجز الكلي ) ليكونوا شاهدا على بشاعة الأجهزة
الشيطانية التي يجب مساءلة كل من له صلة بها ، ومعاقبة المجرمين بأقسى العقوبات
وأشدها ليكونوا عبرة لمن لا يعتبر!
وقد أصدرت محكمة الجنايات يوم 22/5/2011م ، حكمها غيابيا بتحويل أوراق أمين شرطة
هارب ؛ بناحية شبرا الخيمة إلى المفتي انتظارا للتصديق على إعدامه بعد قتل والشروع
في قتل أكثر من عشرين مواطنا مصريا في مظاهرات الثورة ، وهذا الحكم قوبل بارتياح
شعبي كبير ،عبرت عنه ألسنة المتحدثين من الجمهور والمحللين على شاشات التلفزة
وصفحات الصحف، على أمل أن تتم محاكمة القتلة الكبار الذين أصدروا أوامرهم بسفك دماء
الأبرياء ، دون خوف من الله ، أو وخز من ضمير ، أو رادع من قانون !
وكان مصدر قضائي مطلع على التحقيقات التي يجريها جهاز الكسب غير المشروع حول تضخم
ثروات المسئولين السابقين، قد أعلن يوم 20/5/2011م ، أن الجهاز بدأ خلال الأسبوع
الماضي في التحقيق مع ( 100 ) مائة ضابط من مباحث أمن الدولة وبعض القطاعات الأمنية
ومساعدي وزير الداخلية الأسبق، حول قيامهم باستغلال النفوذ السياسي والمنصب الوظيفي
في الحصول على ثروات طائلة دون وجه حق وبالمخالفة للقانون، مما يعد كسبا غير مشروع.
وأشار المصدر إلى أن تقارير وتحريات الأجهزة الرقابية ومباحث الأموال العامة توصلت
إلى قيام المتهمين بتحقيق ثروات طائلة عبارة عن قصور وفيلات وشقق فاخرة بمناطق
مختلفة بالقاهرة الجديدة و6 أكتوبر والشروق ومدينة الغردقة وشرم الشيخ، بخلاف
الأرصدة البنكية بالداخل والخارج ، وأن ذلك جاء بعد استيلاء عدد منهم على بعض
الأراضي التابعة للدولة وآخرين حصلوا على عمولات في بعض الصفقات باستغلال النفوذ
السياسي والمنصب الوظيفي.
وكشفت التقارير أيضا عن أن ثروات بعضهم جاءت عن طريق حصولهم على مبالغ مالية من
خلال إلحاق الطلاب بكلية الشرطة نظير 500 ألف جنيه للطالب الواحد ، وإصدار تراخيص
سلاح للتجار نظير 100 ألف جنيه للواحد، وأنه بمقارنتها بإقرارات الذمة المالية
الخاص بهم تبين عدم تناسبها مع حجم الثروات التي يمتلكونها ، والآن ؛ فإن حالة
الأمن العام المتدهورة ، وخاصة في المدن الكبرى ، وتقاعس بعض الضباط والأفراد عن
القيام بواجبهم الأمني ، أيضا فإن ما يتردد عن قيام بعضهم ، وخاصة من جهاز أمن
الدولة المنحل بإثارة الفوضى الأمنية ، وإحداث الفتن في مناطق متعددة ، والتحريض
على الفوضى في أكثر من مجال ، كل هذا يحتم مراجعة النقاط الآتية :
أولا
: فصل كل ضابط أو فرد أمن يتخلف أو يمتنع أو يتخلف عن الخدمة ، وممارسة مهامه .
ثانيا
: مراجعة ملفات الضباط والأفراد جميعا ، وفصل كل من يثبت انحرافه ماديا أو معنويا ،
أو تفيد التقارير أنه مارس تعذيبا للمواطنين في الأقسام ومراكز الشرطة والمباحث
والمديريات ، أو قام بأعمال تتنافى مع الأمانة والشرف .
ثالثا
: حل ما يسمى جهاز الأمن الوطني الذي قام على أطلال أمن الدولة المنحل ، وتحويل
ضباطه الذين مارسوا التعذيب والعنف ضد المعتقلين ،إلى المحاكمة ، وفصلهم من الخدمة
، وتوزيع من بقي منهم على الإدارات التي لا علاقة لها بالجمهور .
رابعا
: تطهير جهاز المرور من المرتشين والذين يفرضون غرامات مجحفة وبغير القانون على
السيارات ، وخاصة سيارات الأجرة والنقل ، أو يتساهلون في الترخيص للسائقين المدمنين
، أو الذين يكثرون المخالفات .
خامسا
: تعيين بضعة آلاف من خريجي كليات الحقوق في وظيفة مساعد ضابط بعد تدريبهم لمدة ستة
شهور ، يخضعون بعدها لاختبار لمدة ستة شهور أخرى في النقاط والمراكز والأقسام ، ومن
تثبت جدارته يتم تعيينه ، وتتم ترقيته إلى رتبة الملازم .
وفي كل الأحوال فإن الاستعانة بالشرطة العسكرية تظل قائمة إلى ما بعد انتخاب رئيس
الجمهورية ، يكون لدينا بعدها جهاز شرطة نقي وقوي وصاحب ضمير وخادما للشعب وليس
سيدا له !