الحكاية ليست كاميليا
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
في برنامج صباحي تذيعه قناة رجل قروض شهير ، جلست المذيعة (
المستنيرة !)، ومعها مذيعة سابقة ( مستنيرة أيضا !) ، وتكلمتا عن السيدة
كاميليا ؛ المختطفة والمسجونة بسجن الكنيسة المصرية مع أخريات قيل إنهن أردن
الدخول في الإسلام ، فأعلنت الكنيسة الحرب عليهن ، ومن خلال التحالف الكنسي مع
النظام البائد تم تسليم هؤلاء السيدات إلى دولة الكنيسة ، لتفعل بهن ما تشاء .
كان بعض الشباب الإسلامي يقوم بمحاولة لمساعدة السيدة
كاميليا في إعلان إسلامها وحمايتها من الملاحقة المزدوجة ، من الكنيسة ومن جهاز
السافاك المصري ( أمن الدولة ) ، وكانت النتيجة أن الأمن اعتقلهم وقام بتعذيبهم
، واطمأنت دولة الكنيسة إلى الوصول إلى الطريدة ، وعدم المساءلة !
قامت المذيعة المستنيرة بالاتصال بأحد السلفيين لمناقشة
الموضوع . وعينك ما تشوف إلا النور ! . لم يكن الاتصال بهدف استجلاء الحقيقة
وتعريف المشاهد بما جرى أو أبعاد القضية التي تمثل تحديا صارخا للقانون واعتداء
على الوطن من جانب دولة الكنيسة ، ولكنه كان حفلة تقريع ومرمطة للشخص السلفي
الذي حاول أن يبين الحقيقة للسيدتين المستنيرتين جدا ، فقد أشبعتاه بوصلة من
التبكيت وما يشبه الردح ، والولولة على مصير مصر المظلم الذي ينتظرها على يد
أمثاله .. الشاب السلفي ليس من لصوص المال العام ، ولا من الجلادين الذين طغوا
في البلاد ، ولا من المثقفين الحظائريين الذين كذبوا على الله والوطن ولعقوا
حذاء السلطان البائد ، ومازالوا يكذبون ويتحكمون في وسائل الإعلام والصحافة
ويتمكنون ويترسخون مثل الطود الراسخ أو زعيمهم المفدى فقيه التحدي يحيى الجمل !
ولكن جريمة الشاب السلفي أنه مسلم ، ويتمسك بإسلامه ، ويدافع عن القانون ،
وهيبة الدولة التي استباحتها الكنيسة .
لو رأيت منظر المذيعة الجميلة وقد تحولت إلى نمرة شرسة تنشب
أظفارها الكلامية في رقبة الفتى السلفي ، وتضع تكشيرات الدنيا وهي تتحدث معه
باشمئزاز واشمئناط ، لأدركت كم هي كريهة رائحة الإسلام في أنف الست المذيعة
وضيفتها صاحبة الصوت الحياني !
ومشكلة كاميليا ببساطة لا تكمن في كونها مسلمة أو غير مسلمة
.ولكنها امرأة اعتقلت ضد القانون ، وصودرت حريتها رغم أنف القانون ، ووضعت وراء
الأسوار تحديا للقانون !
كاميليا ليست وحدها . ولكن معها أخريات أبرزهن وفاء قسطنطين
، وكريستين وماري ، وترى دولة الكنيسة أنهن من مواطناتها اللائي تتوجب حمايتهن
من الإسلام ومن الاندماج في دولة مصر العربية الشقيقة !
كانت دولة الكنيسة وهي تمارس الإرهاب الفكري والتمرد
الطائفي ، متحالفة مع النظام البائد ، تهدف إلى أمرين مهمين الأول فصل الطائفة
عن المجتمع الإسلامي الذي هو محيطها الطبيعي ؛ مع الاستمتاع بالامتيازات التي
يغدقها النظام الهالك على الكنيسة ابتزازا أو استجابة تلقائية ؛ لتدعمه في
استمراره بالبقاء على الكرسي ، والتوريث فيما بعد . الأمر الآخر هو تحريم
الإسلام على المسلمين من خلال فزاعة التطرف والتشدد والأصولية والإرهاب
والسلفية ، وكان الوقوف ضد الشريعة الإسلامية ورفض المادة الثانية للدستور من
أبرز علامات التحدي الطائفي للأغلبية الإسلامية الساحقة ، مع إحساس بالنشوة
والاستمتاع حين تتحرك لجنة الحريات الدينية في واشنطن ضد السلطة المصرية أو
النظام المصري كلما تباطأ في تنفيذ أي ابتزاز تمارسه دولة الكنيسة !
ساعد على ذلك تجنيد إمبراطورية إعلامية ضخمة ، طائفية صرفة
، أو يقوم بها معادون للإسلام من أبنائه ، في الصحافة أو الفضائيات ، وقد نجحت
هذه الإمبراطورية في تحويل الضحية إلى متهم ، والمتمرد إلى ضحية مظلوم يحتاج
إلى الحماية الأميركية والغربية ..
إن من ينظر إلى الصحافة يجد أن معظم الصحف الخاصة مملوكة
للمليارديرات الطائفيين ، وأتباعهم ممن لا يعبأون بقيم الإسلام ولا أخلاقه ،
ولا تتحرك في أعماقهم نخوة الانتصار للدين الحنيف ، أو الدفاع عنه أمام هجوم
التعصب البشع الذي تمارسه الأقلية ضد الأغلبية .
أما الصحف الحكومية ، فأغلب محرري الرأي فيها من أهل الهوى
اليساري الذي يجعل همه الأول التصويب على الإسلام واستهدافه ، ربما برواسب
النظرية الماركسية التي تعد الدين أفيونا للشعوب ، أو وفقا لمرحلة التأمرك التي
انتقل إليها اليساريون بصفة عامة .
دولة العباسية تملك في الفضاء مجموعة كبيرة من القنوات
الكنسية المتعصبة ، إلى جانب القنوات التي يملكها المليارديرات النصارى ، ثم
إنها تغدق على مجموعات المعدين والمذيعين والكتاب والصحفيين الذين يتحدثون عن
التمرد الطائفي ، ويقدمونه للناس على أنه مظلومية طائفية تحتاج إلى التعاطف ؛
دون أن يشيروا من قريب أو بعيد إلى مظلومية الأغلبية الساحقة الممنوعة من
ممارسة دينها وتطبيقه في الحياة العامة ، أو منع تدريس الإسلام عمليا في
التعليم العام وغيره .
فالمسلم الذي يعتز بدينه ولا يعترّ منه يمنع من تقلد الوظائف
الحكومية ، وخاصة وظائف القضاء والنيابة والجامعة والتعليم العام ، فضلا عن دخول
الجيش أو الشرطة والمخابرات وبقية الأجهزة السيادية ، وما ينطبق عليه يجرى على
أبنائه وأقاربه حتى الدرجة السابعة ، لأنه يصنف بوصفه متطرفا وإرهابيا وأصوليا
ومتخلفا ، يجب استئصاله حرصا على وجود النظام الفاشي الاستبدادي الخائب !
وبقية المسلمين تسعى في الأرض من أجل رغيف الخبز المسموم ،
ولا وقت لديها لتتطلع إلى مناصب أو مغانم ، فهذه محجوزة للصوص الكبار وأتباعهم
الذين يسرقون بالقوانين التي تصدر عن مجالس التشريع المزورة ! وهو ما كشفت بعضا
منه محاكمة بعض رموز النظام البائد مؤخرا !
الأغلبية الساحقة هي المظلومة بجوار الأقلية التي ترفل في
نعيم الثراء والشركات والمؤسسات ، ولا يستطيع أحد مهما كان أن يدوس على طرف
لنصراني ، فالكنيسة التي تحولت إلى دولة فوق الدولة ؛ من ورائه تحميه وتنصره ،
وتُصعّد قضيته إذا لزم الأمر إلى حكومات العالم القوية عن طريق خونة المهجر
الذين يحظون برضا الكنيسة وبركاتها !
إمبراطورية الإعلام الطائفي والمأجورون الذين ينتمون إلى
حزب الكاتدرائية ، فضلا عن التحالف مع النظام الفاشي الاستبدادي البائد ، جعلوا
للكنيسة نفوذا يفوق نفوذ الدولة المصرية العريقة ، وصار من تغضب عليه الكنيسة
أو يقف في وجهها محط اللعنة من جميع الجهات المسئولة والإعلامية وغيرها، ولذا
عندما فرضت الكنيسة من خلال تمردها أن تكون هي ماما وبابا النصارى بعيدا عن
الدولة الشرعية ، ورسخت في أذهانهم أن المسلمين غزاة يحتلون مصر ، وأن النصارى
هم أصحاب مصر الأصليين ، وأن اللغة العربية هي لغة العرب البدو الغزاة التي يجب
أن تختفي لتحل محلها اللغة الهيروغليفية ، كان من بين مهامها ردع من يفكر في
اعتناق الإسلام أو التعاطف مع المسلمين بوصفهم شركاء الوطن ، ومن هنا جاءت
عمليات الملاحقة العدوانية لمن يدخل في الإسلام ، وحرمان من يتعاطف مع المسلمين
بعدم الصلاة عليه بعد موته ، وخروجه من ملكوت الرحمة أو الجنة !
بالتأكيد ليس المسلمون في حاجة إلى كاميليا أو وفاء أو مئات
أو آلاف غيرها ، فهذا لن يزيد المسلمين أو ينقصهم ، ولن يغير واقعهم المزري
الذي صنعه الاستبداد والظلم الاجتماعي والقهر المتواصل على يد الطغاة والفراعنة
الذين باعوا الدين والدنيا جميعا لحساب أنانيتهم ونرجسيتهم وغرورهم المقيت .
المعضلة هي خروج الكنيسة أو دولة الكنيسة على القانون ،
وحرمانها لمواطنين غير قاصرين من حريتهم الطبيعية ، تحديا للسلطة القائمة ،
والقانون السائد الذي يفترض فيه أن يحقق المواطنة بين جميع من يسكنون وادي
النيل ، هذا التحدي هو الخطر الأكبر الذي يمثله رد رئيس الكنيسة على مقدم
برنامج يحاوره بقوله : وانت مالك؟ وحين يقول له : الشعب يسأل ، فيكرر مقولة
التحدي والاستهانة والغطرسة : وهما مالهم ؟
القضية ليست كاميليا ، ولكنها قضية القانون والمواطنة في ظل
هذا القانون ! ومن يطالبون العاملين على تحرير كامليا وغيرها من المحبوسين بغير
القانون ، بأن يبحثوا عن قضايا أهم وأخطر ؛ يجب أن يعلموا أن حرية مواطن واحد
تساوي العالم بأسره ، وأن هيبة الدولة أكبر من الكنيسة وأية قوة اجتماعية تخالف
القانون .
وأسأل إمبراطورية الكنيسة الإعلامية وحزب الكاتدرائية ؛
ماذا أنتم فاعلون لو قام شيخ الأزهر بحبس مسلم ارتد عن الإسلام واعتنق المسيحية
؟ هل كنتم تصمتون وتبحثون عن قضايا أخرى ؟
إن إسقاط دولة الكنيسة أمر ضروري في عهد الثورة لتبقى على
ضفاف النيل دولة واحدة اسمها مصر !
أما الحديث عن السلفيين والجماعات الإسلامية فهو لغو رخيص !
هامش : مذيعة لبست السواد على أحداث إمبابة ولم تلبسه على
شهداء التحرير ! عجبي!