لن يحرقوا مصر
لن يحرقوا مصر...!!
حسام مقلد *
عز على أعداء مصر في الداخل والخارج أن تنتصر إرادة المصريين وتنجح ثورتهم، وكانوا منذ البداية يسعون بكل جهدهم وطاقتهم لوأد هذه الثورة المباركة في مهدها، لكن خيب الله سعيهم وأخلف ظنهم ومَنَّ على المصريين بفضله وجوده وكرمه ونجحت ثورتهم المجيدة، وضربوا للعالم أجمع أروع المثل في قوة الإرادة والتصميم، وإمكانية التغيير بشكل راقٍ متحضر، واستطاع الشعب المصري ـ بفضل الله تعالى ـ في ميدان التحرير وغيره من الميادين أن يحدث تغييرا جذريا في مصر والعالم العربي؛ ونال بذلك إعجاب الدنيا كلها، وأثنى الكثيرون من زعماء وقادة العالم على هذا السلوك الحضاري الرائع المتميز الذي ظهر به الشعب المصري العريق.
لكن ذلك كله أثار حقد الحاقدين وحسد الحاسدين، وحرك مشاعر الغل والكراهية في نفوس المرضى والموتورين وأصحاب المصالح الخاصة؛ فراحوا يدبرون بليل لإجهاض الثورة المصرية وتقويضها وهي لمَّا تزل بعد في مرحلة البداية، وكانت خططهم الخبيثة في ذلك غاية في المكر والخداع والتآمر القذر الخسيس، واستخدموا أبشع أدوات الكذب والتضليل، وناصرتهم في ذلك ماكينات الإعلام والدعاية المضللة العالمية والمحلية، وحاولوا بكل طريقة إفشال هذه الثورة المباركة وتدميرها، واستخدموا كل الوسائل الحقيرة والأساليب الدنيئة لبث الرعب والهلع والذعر في قلوب المصريين، ومن ذلك:
· نشر حالة الفوضى والفلتان الأمني، وتخويف الناس على حياتهم وحياة ابنائهم وممتلكاتهم.
· خروج المظاهرات الفئوية في معظم إن لم يكن كل مؤسسات وقطاعات الإنتاج المختلفة، ولا شك أن من حق الجميع التظاهر السلمي للمطالبة بحقوقه، ولا خلاف في ذلك الحق مطلقا، لكن أن تتم استثارة الناس على هذا النحو بشكل دائم وممنهج، ودعوتهم للإضرابات المستمرة عن العمل وإيقاف عجلة الإنتاج، وشل الحياة العامة في هذا الوقت بالتحديد، فالغرض الوحيد منه هو تدمير الاقتصاد المصري لإجبار المصريين على التراجع.
· إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، واستغلال بسطاء الناس وإثارة المشاعر الدينية والحمية الشخصية للدفاع عن المقدسات، ومحاولة تأجيج نيران الحقد الطائفي وإيغار صدور الناس على بعضهم البعض لتعميق الهوة النفسية فيما بينهم، والسعي لتقويض الوحدة الوطنية القوية التى ظهر بها المصريون أثناء الثورة؛ أملا في أن يدفع هذا التصدع المصريين لحرب أهلية ضروس تجهض الثورة وتوقف مسيرتها!!
· تضخيم الخوف من السلفيين، وإظهارهم بمظهر المتشددين المتخلفين الرجعيين، أو المتوحشين المسعورين متحجري العقول جامدي المشاعر، الذين يستعلون على الناس ويعاملونهم بكل غلظة وفظاظة، والله تعالى يعلم أن ذلك كله محض كذب وافتراء، وأنه يجري استغلال مفضوح لبعض الحوادث الفردية أو التصريحات الفجة من هنا وهناك؛ للإيقاع بين هؤلاء السلفيين من جهة وبين جميع فئات الشعب المصري من جهة أخرى.
· الإيقاع بين الإخوان المسلمين والسلفيين، والعزف على وتر الخلاف الفكري المنهجي بين الفريقين وتضخيم وتعميق ذلك الاختلاف بين الشباب؛ وذلك لمنع الوصول إلى أية تحالفات فيما بينهم، والإجهاز على أي خطط عملية وليدة للتعاون البناء من أجل مصر ومصلحة شعبها، حتى ولو كانت هذه الخطط ما تزال مجرد كلام أو أفكار نظرية فقط، فالمطلوب دائما هو ضرب الإسلاميين ببعضهم، وتعطيل أي مشروع جاد يهدف إلى تحقيق نهضة مصرية حقيقية؛ لأن قوة مصر تعني بالضرورة ضعفا لأعدائها...!!
· ولم يكتفوا بذلك فقط بل عمدوا إلى بث الفرقة والشقاق بين رموز السلفية وبعضهم البعض، كما يحاولون زعزعة حركة الإخوان المسلمين ذاتها، وإثارة النزاعات والخلافات فيما بينهم؛ لشق صفهم من الداخل.
· إثارة الخلافات الفكرية المعروفة بين السلفيين والصوفية فيما يتعلق بالأضرحة وغيرها من المسائل القديمة.
· وأخيرا لجؤوا إلى حيلة شريرة غاية في المكر والدهاء، هي محاولة الوقيعة بين الشعب المصري الوفي وجيشه العظيم، وفي الحقيقة هذا لعب خطير بالنار...!! ولن يتوقف أعداء مصر عند هذا الحد، بل أتوقع أن تتفتق عقولهم الشريرة باستمرار عن أفكار ومحاولات أشد خطرا وأكثر خبثا في الأيام والأشهر المقبلة!!
وعندي أن الأيدي الشريرة الآثمة التي اتجهت لحرق وهدم بعض الأضرحة في هذا الوقت بالتحديد، هي نفس الأيدي الشريرة الآثمة التي اتجهت إلى حرق وتدمير كنيسة صول، وهي ذاتها الأيدي الشريرة الآثمة التي حطمت استاد القاهرة في مباراة كرة القدم الأخيرة لإحراج مصر أمام العالم كله، ويقينا هي نفسها الأيدي الشريرة الآثمة التي تحاول الوقيعة بين الشعب المصري وجيش مصر العظيم، إنها نفس العقول الشريرة التي تستخدم يد الغدر نفسها كل مرة وفي كل موقع سعيا لإجهاض الثورة المصرية، وتحطيم آمال المصريين، وصرف الناس عن جهود البناء والتعمير، وإيقاع الخلافات الحادة فيما بينهم ليفشلوا وتذهب ريحهم، فيسهل على الفاسدين والمستبدين بعد ذلك إخضاعهم والسيطرة عليهم من جديد!! ومن الطبيعي والمنطقي جدا إيقاف هؤلاء عند حدهم، وقطع هذه الأيدي الشريرة الآثمة فورا قبل أن يستفحل خطرها ويستطير شرها!!
وفي يقيني أن وراء ما يحدث في مصر جهتان شريرتان تعملان في الخفاء ـ معا أو كلٌّ على حدة... ـ ضد مصر ومصلحتها ومصلحة أبنائها، الجهة الأولى هي: أجهزة المخابرات العالمية، وهذا ليس محض وهم، ولا مجرد عشق أزلي لنظرية المؤامرة، بل هو نظرة موضوعية بحتة يؤيدها ويوثقها تحليلات علمية لمواقف تاريخية متعددة ـ لا مجال هنا لذكرها الآن ـ فالسياسة الدولية الراهنة ما هي إلا عالم أناني لا يعرف القيم ولا الأخلاق ولا المبادئ، عالم غامض مليء بالأسرار والألغاز والأحاجي، عالم براجماتي لا يعرف غير لغة المصالح، وأخلاقيات الناس في هذا العالم أشبه تماما بالحيوانات، فبعض الناس ماكر كالثعالب، وبعضهم يلدغ كالعقارب، وبعضهم يجيد نسج شباكه وشِراكه الخادعة للإيقاع بفرائسه تماما كما تفعل العناكب، وبعضهم انتهازيون كالضباع، وبعضهم يقتلون في صمت كالأفاعي، وبعضهم متلون كالحرباء!! والقاسم المشترك بين كل هذه التوجهات هو البحث عن مصالحهم الشخصية فقط!!
أما الجهة الثانية فهي: بقايا جهاز أمن الدولة المصري، ومن معه من فلول النظام البائد، ويساعدهم كل الموتورين الحاقدين الخائفين من الإسلاميين (بل الخائفين من كل الوطنيين المصريين الشرفاء مسلمين وأقباط) فهذه الفلول وحتى تنتقم لنفسها وتحمي مصالحها، وتبعد يد القصاص عنها تجلس وتخطط وتمول بل وتنفذ كل هذه الخطط والعمليات الإجرامية الرامية لإفشال الثورة المصرية!!
وعلى الشعب المصري الوفي الذكي الكريم الأبي، وعلى جيش مصر البطل القوي أن يفطنوا لكل هذه الألاعيب، ويتيقظوا لهؤلاء المتآمرين الأشرار ويخلصوا مصر من شرهم ومكرهم بإلقاء القبض فورا على رؤوس الفتنة وتقديمهم لمحاكمة عاجلة أمام القضاء المدني وكف شرهم وأذاهم عن مصر وشعبها، وإنقاذنا من تدبيرهم الجهنمي ومكرهم الشيطاني الذي قد يولد ـ لا قدر الله ـ حرائق واسعة تأكل الأخضر واليابس في مصر والمنطقة العربية كلها، وقبل ذلك وبعده ما زلت أكرر أننا جميعا بحاجة ماسة إلى بث الثقة فيما بيننا، وتخليص نفوسنا قدر المستطاع من أهوائها، وتقديم مصلحة مصر وأبنائها البررة على أي مصالح شخصية أو مطالب فئوية، وأنا على ثقة تامة بأن هذا الشعب العظيم الذي صنع هذه الثورة المباركة لن يعجز عن الحفاظ عليها وعلى ما حققته من إنجازات ومكتسبات،"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف : 21].
* كاتب إسلامي مصري