حول إدراج اسم العلامة يوسف القرضاوي على قوائم الانتربول
حول إدراج اسم العلامة يوسف القرضاوي
على قوائم الانتربول
هل يتحول الأنتربول إلى مخلب للمستبدين والإرهابيين !!!؟
زهير سالم*
في بادئة خطيرة ، في تاريخ الصراع بين طلاب الحرية والمدافعين عن حقوق الإنسان وبين المستبدين والطغاة أقدم جهاز الانتربول الدولي على وضع قامة سامقة من علماء المسلمين ورمز من رموز الوسطية والاعتدال على مدى ما يقرب من قرن على قائمته للمطلوبين ؛ بدعوى حكم زائف من قضاء شهد الكثير من قادة المجتمع الدولي على فساده وزيف أحكامه بما دأب على إصداره من أحكام إعدام بالجملة تعدم الناس أفواجا وبالمئات دون مراعاة لأي من قيم العدالة وقواعد التقاضي التي تعارف عليها الحقوقيون عبر التاريخ ..
إن استجابة جهاز ( الأنتربول ) الذي هو في الأصل جهاز لمتابعة الجريمة وملاحقة المجرمين حول العالم إلى قرار قضاة يأتمرون بأمر الانقلابيين والمستبدين الفسدة سيخلط بلا شك في بادئة خطيرة بين الجرائم الجنائية أو الإرهابية وبين نضال المناضلين للدفاع عن قيم الحرية والعدل وحقوق الإنسان ؛ إذ ما أيسر على طغم الاستبداد والفساد أن يستصدروا قرارات إدانة مزيفة بحق كل معارض وطني شريف ، فيحولوا جهاز ( الانتربول ) حال امتثل لإراداتهم الفاسدة إلى مخلب من مخالب الاستبداد يأتمر بأمره ويحقق أهدافه ومآربه ، ويكون رديفا عمليا لشرطته السرية التي تنتهك كل القيم وتسوم الشرفاء في أوطانهم سوء العذاب .
ثم إن إقدام جهاز الانتربول على ما أقدم عليه من وضع اسم العلامة الرمز الشيخ يوسف القرضاوي على قائمة ملاحقيه في هذا الظرف الإنساني والسياسي بالذات ، وفي الوقت الذي تزعم قوى دولية عديدة أنها تعلن حربا مفتوحة على الإرهاب وتقود تحالفا دوليا ضده ، يكشف حقيقة هذه الحرب مثيريها ، لتثبت لكل مسلم حر واع أن الحرب في جوهرها هي على الإسلام وعلى روح الوسطية والاعتدال متمثلة في شخص عالم رمز ربى جيلا من العلماء والدعاة والعاملين للإسلام والمتابعين والمريدين على منهجه وطريقته فقطع الطريق بذلك على الغلو ومدرسته ومنهجه والحاطبين في حياله . ..
لا يستطيع منصف أن يفصل بين خطوة إدارة الانتربول المدانة والمستنكرة عن إطارها السياسي وعن تداعياتها العملية على الساحتين الدولية والإقليمية .
وفي الوقت الذي يتابع قادة الرأي في الأمة المسلمة بقلق كبير صمت كل المؤسسات الأمنية والإنسانية الدولية عن جرائم الإبادة تنفذ بحق أبناء هذه الأمة في سورية وفي العراق وفي فلسطين وفي مصر وفي غيرها من دول الإسلام تطفو على السطح هذه الخطوة المنكرة في اتهام الأطهار الأبرار من قادة الأمة بتهم باطلة وزائفة وملاحقتهم بناء على ذلك .
ويحذر قادة الرأي هؤلاء من الارتدادات العكسية لمثل هذه السياسات والتصرفات الغبية والحمقاء والمجحفة التي يغذيها الحقد والكراهية والتعصب وتغذيه في الوقت نفسه في جدلية من التحريض على الكراهية والتعصب من شأنها لو استرسل الجهال في أمرها ألا تبقي ولا تذر .
وتعني هذه السياسات فيما تعنيه صب المزيد من الزيت على حريق التطرف والإرهاب ، الذي أرهق المسلمين قبل أن يرهق غيرهم ، وأرهق مشروعهم للوسطية والاعتدال ، أكثر مما يتشكى منه هؤلاء الذين يغذون مشروع الكراهية والتطرف بمعاييرهم العنصرية المزدوجة ثم يوظفون ما يسمونه حربا على الإرهاب في إدارة حرب حقيقية ضروس على أمة الإسلام ليس في عقائدها وشرائعها فقط بل في وجودها وعلى أرضها وعلى حساب مشروعها النهضوي وثرواتها ..
إن فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي ليس فردا كما يظن صانعو الاستبداد في عالمنا وصانعو الإرهاب على اختلاف طرائقهم حول العالم؛ وإنما هو أمة في رجل ، ومشروع في رجل ، وإن الاسترسال في سياق هذه الخطيئة التي وقع فيها جهاز الانتربول إن اعتبرناها مجرد خطيئة ستكون له تداعياته التي لا نحب ولا نرضى نؤكد على هذا نصحا وتحذيرا وليس وعيدا وتهديدا ..
ليس السياق سياق إدانة أو استنكار فالخطيئة الجريمة أكبر من الإدانة واكبر من الاستنكار . وفي مدرسة الشيخ يوسف القرضاوي تعلمنا أن نرتل في مثل هذا المقام (( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ )) . وحاق بآل فرعون سوء العذاب وصدق الله العظيم.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية