أيها المتسرعون تمهلوا قليلاً
الشيخ بلال سعيد شعبان مثالاً
أحمد النعيمي
http://ahmeed.maktoobblog.com
لا بد أولاً أن نعود إلى بداية الأحداث التي جرت في ليبيا، حتى
نحاول أن نرى بصيصاً من النور وسط هذه الأمواج المتلاطمة والظلام الحالك الذي مرت
به المنطقة، فسقط الكثير تحت تأثير العاطفة موجهاً التهم جزافاً، نحو أبناء ليبيا
الشرفاء الذين أرادوا أن يحصلوا على الحرية كما حصل عليها الشعب المصري والتونسي،
متناسين ما يجري على أرض ليبيا من إجرام خلال الشهر الذي مضى.
فقد بدأت الأحداث بالإعلان عن التجهيز لقيام ثورة في ليبيا في
السابع عشر من الشهر الماضي ضد نظام الطاغية القذافي، على غرار ما حدث في تونس
ومصر، وقبيل هذا الوقت المحدد للثورة بيومين قامت قوات الأمن لهذا المجرم باعتقال
المحامي المكلف في متابعة ما جرى من مجزرة في "سجن بوسليم" والتي ذهب ضحيتها ألفاً
ومئتين مسجون ليبي على يد قوات القذافي، ولأن هذا المحامي كان على وشك ربط هذه
الجرائم والوصول إلى الفعلة الحقيقيين لها تم اعتقاله، وخرج الشعب الليبي البطل في
بنغازي مطالباً بالإفراج عن المحامي، ولكن القوات الإجرامية جابهت هذا الشعب
بالرصاص الحي وقتلت العديد من المواطنين، فكان للثورة أن تقوم سلمياً ولكن أراد لها
هذا المجرم أن تكون دموية، مما اضطر أبناء ليبيا أن يدافعوا عن أنفسهم بالأسلحة
البسيطة التي تمكنوا من الحصول عليها من مخازن الأسلحة، وقوات الجيش التي انضمت
لهم.
وعلى غرار ما جرى في بنغازي قامت بقية المدن الليبية بالثورة،
وكادوا أن يصلوا إلى مقر العزيزية في طرابلس، إلا أن ضعف أسلحتهم لم تمكنهم من
تحقيق هدفهم، إلى أن استطاع هذا المجرم أن يستجمع أنفاسه، بعد أن صعقته المفاجأة
وخرج على التلفاز الليبي وهو يعوي متهماً أبناء شعبه بالجرذان، وأن القاعدة خلف هذه
الأحداث، وأنها تجبر الناس على شرب حبوب الهلوسة، لمشاركتهم في هذا التخريب، وبدأت
بعدها حرب تطهيرية بحق الشعب الليبية ارتكبت فيها أبشع المجازر وسرقت الجثث من
القبور، وسرقت المصابين من المشافي، وقتلت كل من رفض من الجيش الانصياع إلى أوامره،
بعد أن جرى تقيد أيديهم إلى الخلف. واستعان بمرتزقة جلبهم من كل دول العالم، حتى
قبل هذه الثورة كان يعيث بهم الفساد في أفريقيا جميعاً، ويتدخلون في تمزيق أواصر
الدول، كما جرى من دعم مرتزقة القذافي لدارفور ضد الحكومة فيها.
ورفض أن ينصاع لشعبه ويرحل عن سدة الحكم، وقرر أن يجري كل
أنواع الإجرام بحق هذا الشعب الأبي، وباتت المسالة واضحة إما أن ينتظر العالم اجمع
أن يباد هذا الشعب الذي كان عاجزاً عن الوقوف أمام تراسنة المجرم القذافي ومرتزقته،
والذي رفض أن ينسحب كما انسحب من قبله زين العابدين ومبارك، مما جعل الشعب الليبي
والذي أدرك أن تراجعه يعني أن يذبح من الوريد إلى الوريد، أو أن يقف هذا المجتمع
الدولي المتخاذل الذي يدعي العدل من أجل إيقاف هذه المجزرة، وبالفعل جاء الرد بان
هذه الدول ستتدخل لايقاف هذه الجريمة، من دون أي تدخل على الأرض.
ما جرى منع هؤلاء المسترعون أن يستوعبوا من القذافي كذبه ودجله،
ولعبه على الأوترة الحساسة، فالتلفزيون الليبي في كل مرة ينقل فيها خبراً، كانت
تقوم أجهزة الإعلام الأخرى بتكذيبه مباشرة، والتي كان آخرها أكذوبتهم بإعلان انضمام
عبد الفتاح يونس إلى القذافي، عارضين صوراً قديمة جمعت بين القذافي ويونس، والذي
خرج على أثره الأخير يكذب هذه الأخبار وأنه مع الثوار في بنغازي، وكذلك إعلانهم وقف
إطلاق النار قبل حدوث الهجوم على قوات القذافي ومرتزقته، ولكن الواقع كان يكذب ما
يجري وأن القذافي لا زال يقصف مدينة بنغازي والزنتان ومصراتة بأسلحته الثقيلة، بل
إن التلفزيون الليبي أعاد تكذيب نفسه حيث أعلن عن وقفه لإطلاق النار بعد يومين من
وقف إطلاق النار السابق.
وفي كل خطاب كان يخرج به هذا المجرم فإنه كان ينسف ما سبقه من
خطابات ويكذب أقواله الأقوال السابقة، ففي البداية يرسل رسائل إلى الغرب بأن ما حدث
في ليبيا وراءه القاعدة، وأن هؤلاء جرذان ومهلوسين، ثم في خطاب آخر يدعو الغربيين
إلى مساعدته في إخماد ثورة الشعب الليبي، والتي تتزعمها القاعدة بزعمه، كما ساعدهم
سابقاً في محاربة القاعدة، ثم في مقابلة مع التلفزيون التركي يؤكد للغرب والصهاينة
أنهم إذا لم يساعدوه في محاربة القاعدة فإن الطوفان سيصل إليهم، وفي رسائله إلى
ابنه اوباما أكد له مجدداً أن خطر القاعدة سيصل إليه، ويدعو هذا الابن لإنقاذه من
براثنهم، وعندما أدرك أن الغرب قد تخلى عنه فعلاً، هدد بأنه سيقف مع القاعدة في
حربهم ضد الغرب ويعلن الجهاد، وبعد ضرب قواعده يعلنها حرباً إسلامية، وهو الذي كان
يكفر بآيات الله قبيل قيام الثورة ضده، مكذباً أن تكون التوراة والإنجيل قد بشرت
بمحمد – صلى الله عليه وسلم – كما بينت هذا في مقالي: " القذافي يكذب القران
الكريم"، والكتاب الأخضر الذي حرقه الشعب الليبي يمتلئ بعشرات الأمور الكفرية،
والاستهزاء بآيات الله تعالى دليلاً على زندقة هذا المجرم الذي لو كان أهلاً لأن
يقود جهاداً ضد الغرب لما سلم سلاحه النووي خوفاً وهلعاً، فكيف له أن يعلنها
جهاداً، وهو ألد أعداء الإسلام، وما ارتكبه من جرائم، لم يرتكب مثلها إلا في مذابح
التطهير في الأندلس ضد المسلمين!؟
ومن أعجب ما سمعت من أكاذيبه وأنا استمع له في مقابلة لقناة
روسيا اليوم، وهو يتحدث عن القاعدة، قائلاً أنهم متشددون يريدون إقامة الخلافة، ولا
يؤمنون بالديمقراطية، ثم يتحدث بعد هذا بأنهم يدخلون إلى المساجد ومعهم السلاح
والخمر.. ويجمع المتناقضات هذا الكذاب الأشر، ونحن ننتظر إلى كل هذا ولا نبصر
شيئاً..!!
ولهذا فإن هؤلاء المسترعون كان الأولى بهم أن يتمهلوا، ويقرؤوا
ما يجري على الواقع، قبل أن يطلقوا التهم على الآخرين جزافاً، ويضعوا اليد على
الجرح، بدلاً من تعاطي منشطات ومهدئات، لن تزيد الجرح إلا اتساعاً، ولن تزيد الألم
إلا ألماً، وأن يعلنوا أن الذي قدم بهؤلاء الصليبيين هو هذا المجرم، الذي يقف
كالجرذ أمامهم، ويعيد أكاذيبه بإيقاف إطلاق النار، ولو أنه التزم بهذا الأمر لما
حصل ما حصل، ولما تدخل الصليبيون في ليبيا. والغريب أن يدعي هؤلاء المتسرعون الشعب
الليبي إلى الوقوف في صف واحد، وهذا المجرم الذي كان يظن أنه ربهم الأعلى لا زال
يحاول أن يقضي عليهم، ويُصفّيهم عن آخرهم، بينما هو يقف خائرا عاجزا عن أي رد فعل
ضد هؤلاء الذين يقصفون مواقعه، ويكتفي بتهديدهم فقط بأنه سيقوم بقصف مواقعهم في
البحر الأبيض.
الأمر الآن بيد هذا المجرم وهو وحده الكفيل بأن ينهي هذه الهجوم
الذي تتعرض له ليبيا، والذي سيدمر البلد وأسلحته، بأن يعلن أنه سيتنحى عن سدة
الحكم، وعندها يتوقف هذا الهجوم، ولنتذكر أن ابنه سيف الشيطان قد أعلنها من قبل،
انه إذا ذهب نظامهم فإنهم سيعودون بليبيا إلى عصور الظلام، وهم يفعلونها الآن بجرهم
الصليبيين إلى بلاد الإسلام!!