محور النفاق الإيراني - الأمريكي: تداعيات التحالف ضد "داعش"
محور النفاق الإيراني - الأمريكي:
تداعيات التحالف ضد "داعش"
علي حسين باكير
خلال الأشهر القليلة الماضية، حاول الجانب الأمريكي جاهداً إنكار وجود أي نوع من أنواع التواصل مع الجانب الإيراني، لمناقشة إمكانية التعاون المشترك في مواجهة تنظيم الدولة "داعش"، وذلك إثر الكشف عن فتوى للخامنئي في بداية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، تسمح للقوات الإيرانية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة "داعش".
وقد صدرت بعدها تصريحات أمريكية لاسيما عن وزير الخارجية جون كيري تؤكّد عدم إجراء أي اجتماعات أو مباحثات مع الجانب الإيراني حول الموضوع، وأنّ إيران ليست جزءاً من التحالف الدولي ضد داعش. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف إنّ واشنطن لن تنسق في أي عمل عسكري مع إيران، ولن تتقاسم معلومات معها، كما أنها لا تمتلك أي خطط للقيام بذلك مستقبلاً.
الرد الإيراني على التصريحات الأمريكية كان قوياً، إذ أكّد خامنئي أنّ واشنطن طلبت من إيران منذ الأيام الأولى للمعارك ومن خلال سفيرها في العراق التعاون ضد "داعش"، ولكن طهران رفضت لأن أيدي الأمريكيين ملطخة بالدماء على حد زعم الخامنئي، مؤكداً أنّ وزير الخارجية الأمريكي نفسه وجه أيضاً طلباًً مماثلاً إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، الذي رفض كذلك.
لم يمض وقت طويل حتى تبين فعلاً أنّ الطرفين يكذبان بشأن تصريحاتهما، حيث أكّدا في معرض النفي أنّ هناك نوعاً من التحالف غير المعلن، قد انطلق بين الطرفين مع كل ما يحمله ذلك من تماثل في المصالح والأهداف وما يتطلبه من تنسيق ومتابعة.
الطيران الأمريكي يقصف قرب أمرلي في العراق وقوات الحرس الثوري بقيادة قاسم سليماني نفسه تقود الميليشيات العراقية (حزب الله وعصائب أهل الحق وميليشيا الحشد الشعبي وآخرون) إلى جانب القوات العراقية على الأرض. الولايات المتّحدة تؤمن الغطاء الجوي والقصف، وطهران تقود التقدّم البري على الأرض ضد "داعش". المفارقة أن مصادر إسرائيل ربما كانت أول من أشار إلى هذا الموضوع، مع تأكيد بأن التنسيق جارٍ بين الطرفين في العراق وسوريا عبر الحكومة العراقية.
مرّة أخرى تنفي الولايات المتّحدة هذه المعلومات المؤكدة، وتظهر بشكل سيء عدم قدرتها على إخفاء الحقيقة أو إنكارها بشكل كامل. خلال الأيام القليلة الماضية، تمّ الكشف عن قيام طائرات حربية إيرانية بدخول الأجواء العراقية وقصف مواقف لتنظيم "داعش" في عمق الأراضي العراقية، وتحديداً منذ نهاية شهر نوفمبر، علماً أنّها ليست المرة الأولى، خاصة أنّ طائرات دون طيّار التابعة لإيران، كانت ومازالت تحلّق داخل العراق، لكنّ الفارق أنّ الطائرات الحربية الإيرنية هي من تولت هذه المهمة الآن، وقامت بقصف مواقع للتنظيم، لاسيما في منطقتي جلولاء والسعدية في محافظة ديالى.
طبعاً ما كان ذلك ليتم من دون حصول تنسيق كامل ومتابعة دقيقة من الجانب الأمريكي. التذرّع بأنه لم يحصل تنسيق وأنّ كل ما هنالك أنّ الجانب الأمريكي قد غضّ الطرف عن الخطوة الإيرانية، أمر غير دقيق في أحسن الأحوال؛ لأن الجانب الإيراني لا يمكن له أن يغامر ويدخل خطوة كهذه، ما لم يكن متأكداً مئة في المئة بأنّ الأمريكي لن يعترض، وهذا يتطلب تنسيقاً وليس قراءة في النوايا.
وكما جرى سابقاً، جهد الجانب الأمريكي في إنكار وجود أي تنسيق، وقام الجانب الإيراني بالرد بالمثل بإنكار قيامه بأية عمليات عسكرية أو قصف لـ"داعش"، وأن دعمه للحكومة العراقية يقتصر فقط على تقديم الاستشارات العسكرية. إنه نفي أشبه بالتأكيد الذي تفوق مصداقيته التأكيد العلني نفسه، في ظل الدلائل التي يتركها الطرفان هنا وهناك على تعاونهما.
مرّة أخرى أيضاً تكون إسرائيل حاضرة في المعادلة ، فالطائرات الإيرانية التي دخلت الأجواء العراقية هي من نوع (اف-4) فانتوم أمريكية الصنع، وتعتبر إيران الوحيدة تقريباً في العالم التي لا تزال تمتلك هذا الطراز، وكانت وفق ما تم الكشف عنه في التحقيقات التي أجرتها وكالة تحقيقات الأمن القومي الأمريكي (HSI) بداية العام 2014، قد حصلت على قطع غيار لعدد كبير منها عبر إسرائيل في عملية تمّت على مرحلتين في نهاية عام 2012 وفي نيسان/أبريل 2013 من خلال اليونان.
لماذا ينكر الجانب الأمريكي دلائل لا تستعصي على أحمق؟ من الواضح أنّ الهدف من الإنكار سياسي بالدرجة الأولى بغية أن لا يؤدي الإعلان عن وجود تحالف أو تنسيق، أو سمّه ما شئت بين إيران وأمريكا بشكل رسمي إلى نتائج عكسيّة تضر بالهدف الذي قام من أجله في الأساس. ولكي ندرك ذلك، ما علينا إلا أن نعرف أن الجانبن اجتمعا وخرجا ببيان مشترك عن تحالف بينهما، كما جرى مثلاً في اجتماع جدّة، ما هي النتائج التي ستترتب على ذلك؟
أولاً: لا شك أنّ ذلك سيؤدي إلى انسحاب معظم الدول العربية من التحالف ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي، كما سيؤدي إلى أضرار بالغة في شكل العلاقة بين هذه الدول وواشنطن في مرحلة حرجة، هي في أمس الحاجة فيها إلى غطاء شرعي لعملياتها في العمق العربي العراقي والسوري.
ثانياً: تغذية الوحش الطائفي الذي أطلقت عنانه كل من طهران وواشنطن منذ احتلال العراق عام 2003، وتأكيد مزاعم الجماعات الراديكالية السنيّة بأنّ هناك تحالفاً أمريكياً – شيعياً في المنطقة موجّه نحو السنّة بشكل أساسي، وهو أمر يثبت يوماً بعد يوم صحّته، وفقاً لتصحريات أمريكية وليس حتى عربية. في جواب على سؤال حول إذا كانت أمريكا اليوم حليفة لإيران في منطقة الشرق الأوسط، يقول فريديرك كاجان بروفيسور التاريخي العسكري ورئيس برنامج المخاطر الحرجة في معهد "أميريكان إنتربرايز": "نحن الآن أصبحنا وبشكل لا لبس فيه إلى جانب الإيرانيين وأذرعهم في المنطقة".
ثالثاً: تحوّل الجماعات المعتدلة في المنطقة برمّتها إلى جماعات راديكالية، وهذا يعني تغذية جماعات مثل "داعش" بآلاف المنضمين الجدد، وعملياً فشل الهدف في محاربة التنظيم في العراق واحتوائه في سوريا. كما أنّ الجزء الأكبر من الخطر سيصبح لدى "داعش" سوريا، التي سيكون لديها قابلية وحوافز أكبر للتمدد وكسب المنضمين الجدد، وهذا سيخلف تداعيات على أوضاع دول سيكون في مقدمتها لبنان والأردن.
رابعاً: العلاقات الأمريكية مع الحلفاء التقليديين من غير العرب في المنطقة كإسرائيل وتركيا. صحيح أنّ إسرائيل قد لا تكون متضررة من التعاون المباشر بين واشنطن وطهران بخصوص "داعش"، على اعتبار أنه سيكون بإمكانها استثمار ذلك للترويج لجهودها في محاربة ما تدعي أنه "ارهاب" في فلسطين، لكن تخوفها نابع من أن يكون ذلك مقدمة لتحالف شامل بين أمريكا وإيران، يحرم تل أبيب من التذرع بالخطر الإيراني.
أما تركيا، فإن طبيعة العلاقة معها ستتوقف على شكل هذا التحالف الأمريكي – الإيراني، فيما لو كان قد تم الإعلان عنه ومصير سوريا والعراق، ولا شك أن منحهما لإيران على طبق من ذهب سيؤدي إلى نتائج عكسية في الموقف التركي من العلاقة مع واشنطن.
من أجل هذه الأسباب لا نزال نسمع إنكاراً للتعاون الإيراني- الأمريكي فيما الحقائق على الأرض تقول عكس ذلك تماماً.