من روجيه جارودي إلى عبد الوهاب المسيري
الحداثة البديل...
زغلول عبد الحليم
منزل العودة تعـبير للدكتور "عبد الوهاب المسيري" ليس لنا حظ في تركيبة، وهو ككل تعبيراته في الأناقة والدقة والجمال، وكان رحمة الله من أشــد أنصـار "الأنموذج المعرفي المادي" ولكن الرجل ظل يعمل ويبحث ويدقق ما وسعه جهده واستطيع أن أقول أنه من القلائل في العالم أجمع الذين أخضعوا ذواتهم للفحص الدقيق للتعرف على أسرار ودقائق العلاقة بين (الله ـ الكون ـ الإنسان) وكان يري رحمه الله أنه بوسع العقل أن يقف على لحظة الإمتياز هكذا مجرداً من سلاح الإيمان بالغيب([1]) !
رؤية غربية لرجل نشأ في بيئة دينية تقليدية معظم سنوات حياته حتى قبل بعثته إلي أوربا وأمريكا قبل سنوات من عام 1967م وكانت رحلته من (دمنهور إلى أمريكا) شاقه وصعبة في الزمان والمكان والعودة. أنه الصدام الثقافي الخطير! بيئة تقليدية زراعية لها مفهومها الخاص عن الأب والأبن والجد والعمه والخاله والعم والأخت وأولاد العم والأقارب والجيران وبيئة أخرى الفرد هو بذاته فقط حتى وأن عاش بين أهله جميعاً! لا علاقة! لا علاقة لأحد بأحد! الفردية القاتلة مقابل مجتمع متراحم!
فكان لابد أن يحدث الصدام مجتمع متراحم ومجتمع لا يعرف التراحم. والتراحم هنا وعدم التراحم ثقافة قائمة دون شك يتعطاها كل فرد في المجتمع هنا أو هناك وكان على الوافد أن بتعامل ويختار بين ثقافتين. معضلة كبري. مجتمع تقوم حياته وفكرة وسلوكه على منظومة فكرية واخلاقية مستمدة من الفكر اليوناني الروماني الوثني ومجتمع أخر تقوم حياته وفكره وسلوكه على منظومة قيم مستمده من عقيدته التى آمن بها وأستقر عليها، وهذا لا يعني أن الغرب لم يعرف الدين، لا أنه عرف الدين الذي حرفه الأحبار وشكلوه على قيمهم وأصبحت المفاهيم الدينية خاضعة للأهواء والرغبات وليست هناك مفاهيم مقدسة حتى انتهي الأمر إلي سقوط مدوي ذهبت فيه المرجعيات وانحلت فيه عري القيم وصارت مفاهيم السوق هي المفاهيم الحاكمة.
أزمة ثقافية عاشها (الدكتور عبد الوهاب المسيري) وعاشها كل مهموم بالثقافة سواء من كان هنا أو هناك. لقد استطاعت القوى الاستعمارية أن تسقط جميع المرجعيات حتى يمكنها أن تسيطر على العالم أجمع لنهب ثروات الأمم وبناء ما يسمي بالنظام العالمي الجديد بعد سقوط الأفكار الاشتراكية وأخيرا الأفكار الرأسمالية وظهور ما يسمي بالنظام العالمي الجديد!
أزمة ثقافية عاشها (الدكتور عبد الوهاب المسيري)! ولكنه ليس كغيرة الذين بهرهم الأنموذج المادي فسقطوا في مستنقعه!
أن الدكتور (عبد الوهاب المسيري) قابـل الأنمـوذج المعـرفي المادي ببعض (اليقينيات الموروثه) وليس الموروث الثقافي العام الذي يتبناه العرف والتقالـيد الجامده المخالفة الشرع في معظم الأحوال ومن هذه اليقينيات التى تظهر بوضوح في كتبه (منزل العودة)! وتعود الفكرة إلي ما شاهدة الرجل من سلوكيات جدته وحتى تستعد للرحيل (تحضير الكفن والاستغناء عن معظم ما لديها من أشياء قليلة) فهـي تعـد (منزل العودة) وهو تعبير دقيق جميل يدل دلاله عميقة على الإيمان بالآخرة!
وأعده أنا شخصياً (مفتاح شخصية) الدكتور عبد الوهاب المسيري تأسيسا على الآيات القرآنية الكريمه رقم (1- 5) مـن سـورة البقـرة التـى تبـدأ بوصـف المتـقين بأنهـم أولا (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وبعـد آيات معـدودة، يوصـف المتقـين أيضـا بأنـهم (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) ثم يقول رب العزه (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) والدكتـور (عبد الوهاب المسيري) بايمانـه الشديد بالآخرة والذي يظهر من استخدام تعبير (منزل العودة) وكذا انتصاره للمبادئ الأخلاقية مثل:
- أنموذج التدوير بدلا من التبذير.
- أنموذج التراحم.
يتأكد للباحث أن قضية (منزل العودة) هي حجز الزاوية في فكر هذا الكاتب الكبير. وهي الفكرة التى أنكرها أهل (مكة) في مبدأ الدعوه. أنها فكرة من أهم أفكار عبد الوهاب المسيري ولا تعادلها فكرة أخرى وقد دفعته هذه الفكرة إلي فحص المعرفة ووضع المعيارية فكانت أول ضرباته للأنموذج المادي فسقط على أثرها! وسقط معه انبهار الدكتور عبد الوهاب المسيري بهذا الأنموذج وبدأ في كشف مستوراته فسقطت جميعها وأعلن الرجل عن فشل الأنموذج المادي وقال بالحرف الواحد:
[هذه بعض ملامح من رحله الانتقال من الزمان والمكان والفكر ثم العودة إلي الجذور رحله طويلة شاقة نتيجة تأمل طويل في الذات الإنسانية وفي الكون وأقتناع بفشل النموذج المادي في تفسير ظاهرة الإنسان وإدراك لاهمية البعد الديني في حياة الإنسان].
فهل يدرك هذا الكلام الذين أتعبهم الرقاد!
وعلى الجانب الأخر نجد الفيلسوف الفرنسي (روجية جارودى) يقف ويعلن في نفس الوضوح فشل النموذج المادي بل يكاد كتابه (حفارو القبور) صيحة جبارة ولطمه قاسية على كل الوجوه المادية بأشكالها المختلفة.
وسبحان الله العلي العظيم لقد تحطم الأنموذج المادي وبمجرد الإعلان عن بزوغ النظام العالمي الجديد كان طبيعيا أن تعاد (صياغة النظام الاقتصادي العالمي) وكما مارست أمريكا الهيمنة السياسية العالمية من خلال تحالفها مع دول أوربا الغربية فكذلك سعت لممارسة الهيمنة العالمية الاقتصادية من خلال تحالف الدول السبع الصناعية الكبري للاتفاق على الخطوط الرئيسية للإستراتيجية المشتركة لإدارة الاقتصاد العالمي مركزيا وكان المؤتمر السابع عشر لهذه الدول والذي إنعقد في لندن 15 ـ 17 يوليو 1991 قد اتفق فيه على الآتي:
أولا: ضرورة تسجيل مبيعات الأسلحة على مستوى العالم.
ثانيا: السيطرة المركزية على التكنولوجيا المتقدمة.
ثالثا: طرح فكرة مبادله ديون الدولة النامية بالبيئة.
رابعا: دفن النفايات بالدول النامية في مقابل المزيد من القروض
خامسا: السير ما نحو تحرير التجارة العالمية.
مخطط رهيب لتدمير العالم كما يقول د. فوزي طايل وما يؤكده الفيلسوف الفرنسي (روجية جارودي) الذي يقول : " آليه تسخير العالم الثالث لمصالح الغرب ويقوم بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أنشاتهما وتسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون عن طريق تقديم قروض للدول التي تمر بصعوبات معينة تحت شروط سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية تسمي بحياء "برامج الإصلاح" أو خطة الاصلاح البنيوي" حفارو القبور ص32".
ويستطرد جارودي قائلا:
" تحكم هذه "الليبرالية" الدول النامية بشكل أفضل من الاحتلال العكسري أو الديكتاتوريات العسكرية" حفارو القبور ص 33,.
قصدت من العرض السابق أن أبين بعض ملامح النموذج المادي الذي سقط ولكنه يتلون كما تتلون الأفعى!
لقد فشلت الحضارة الغربية بجناحيها الليبرالي والماركسي!
وإنهارت الحضارة الغربية المفرطة في ماديتها وقد تنبأ اللواء أ.ج الدكتور (فوزي محمد طايل) (رحمه الله في كتابه الجاد كيف نفكر استراتيجيا من منشورات مركز الأعلام العربي - مصر) .
نحن أذن أمام أقلام كبيرة
- الدكتور العالم (عبد الوهاب المسيري)
- الفيلسوف الكبير (روجية جارودي)
- اللواء أ.ح. د. (فوزي محمد طايل)
بينوا لنا تهافت المادية بكل اشكالها وسقوط رجالها ومجتمعاتها سواء كانت غربية أو شرقية وكل واحد من هذه الأقلام لديه ما يكفيه من الرصيد الإيماني الكبير الذي بني على قاعدته كل فكرة وفلسفته.
ومما يلفت النظر إلي عظمة ما يقوله كل من (عبد الوهاب المسيري ، وجارودي، فوزى طايل) تطابق رأي رئيس جمهورية التشيك ـ فانسلاف كلاوس ـ مع ما ذهب إليه كبار كتابنا من رأي في قضايا البيئة والاحتباس الحراري وتغير المناخ فقال فانسلاف كلاوس:
[ أن وراء هذه الحركة مصالح كبرى و سياسين مستفيدين تحولوا إلى ما يشبه السلطة العليا وجعلوا أصحاب الرأي المخالف لهم كأنهم متمردون].
ويصف كلاوس كلام آل جور المروج الأول لمقوله كارثة الكوكب (بالسخف والاعذار الزائف).
ويستطرد قائلا:
" فلا إجماع علمي ولا برهان ولا رأي قاطع يثبت أن الغازات المنبعثة المتبقية من نشاطات الإنسان تسبب احتباسا حراريا مؤذيا للأرض".
وأورد كلاوس أيضا
"أن م. هولاندر الأستاذ بجامعة كولومبيا قال أن ارتفاع درجة الحرارة في الأرض أو انخفاضها إنما يحدث منذ ملايين السنين في دورات هي جزء من المناخ الطبيعي للأرض عادى أذن أن تدفء حرارة الأرض في القرنين الأخرين بينما سادت البرودة في القرون الخمسة الماضية" نقلا من مقال الأستاذة مها عبد الفتاح المنشور بجريدة الأخبار ص12 في 13/2/2010 وقد قال هذا الكلام بالضبط الدكتور فوزي طايل في كتابه كيف نفكر استراتيجيا وقد سبق الإشارة إليه.
وقد عرضت لهذا المقال لتأكيد راي الأستاذ/ روجية جارودي في هذا الشأن من أن النظام العالمي الجديد بسيطرته على السياسة والاقتصاد إنما يحفر للإنسانية قبرها.
ويؤكد أيضا ما قاله الدكتور (عبد الوهاب المسيري) في ضرورة البعد الديني للإنسان. ويؤكد أيضا ما قاله الدكتور فوزي طايل وتبيانه من سقوط الفكر المادي بجناحيه اليبرالي والماركسي. هذا، وأن (مـنزل العـودة) فـي انتظـارنا جميعـا فـي الوقت المعلوم ولكل أجل كتاب. وبقـي أن أنعـي حـظ الأمـة فـي (الكتاب الأخضر) وأرحب مع غيري بكتاب (فلانسلاف كلاوس: كوكبا الأزرق في قيود خضراء).
لقد عمل (الدكتور عبد الوهاب المسيري) والعمل في الشريعة ليس أمرا ماديا بل نجد أن البعد الإيماني فيه أظهر فالعمل فريضة وقيمة وتنمية وفضيلة في أن واحد لذا فإنه كان من الضروري أن يقصد به وجه الله تعالي ـ والعمل يطلب ويؤدي لذاته ابتقاء وجه الله تعالي في المقام الأول وهذا أدعي إلي مراقبة الله واتقان العمل غلي درجة الإحسان ولأن العمل يكفر الذنوب ويعطي التوبه مصداقية.
يقول الأستاذ الكبير (روجية جارودي)
" هناك عقيدة أخرى تلقيناها عن أجدادنا، وهي أن الثقافة الغربية ليست لها سوي مصدرين: الأول: الثقافة اليهودية المسيحية، والثاني الثقافة اليونانية الرومانية إنها بالطبع رؤية قصيرة النظر أو فكرة وهمية إيدتها بعض النظريات الجامعية القديمة([2]) .
ويجرنا هذا الكلام إلي ما هو أعمق، أنه يقرر وهو الغربي المنشأ أن لكل أمة خصائصها الحضارية التى تميزها عن غيرها وهو في هذا يتفق تماما مع الواقع المعاش الحقيقي لا الواقع المزور المزيف ولا يمكن أن تعبر خصائص المجتمع اليوناني أو الروماني عن المجتمع العربي ولا العكس! ولا إعتبار لثقافة الغالب لإنها ثقافة مزورة مهما كان. والأدب على اختلاف أجناسه ما هو إلا تعبير عن خصائص الأمة ولا يمكن لقلم جاد أن يغترف إلا من واقعة الحقيقي، ولندع المفاهيم التجزيئية والتلفيقية وأن نسقط مفهوم الإنبهار بالغير ومحاولات التقليد الأعمي دون إعمال للعقل الفاحص في ضوء المرجعية الحضارية للأمة.
ولا توجد أعمـال أدبيـة إلآ ولها قاعدة فكرية تقوم عليهـا وإلا يكون المجتمع فاقداً للخصوصية التى تميزه عن غيره من المجتمعـات وقـد قـرأنا فـي الصبـا الباكر الأعمـال الأدبية الغربية بعد تمصيرها أي أخضعنـاها لقيم المجتمع وخصائصه حتى تحظي بالقبول، وهذه ليست دعوى لتمصير الأداب عمـوما فعندنا من الأجناس الأدبية القائمة على الخصائص الحضارية الذاتية ما يؤهلنا أن نعيد للعالم أجمع الصيغة الإنسانية التى فقدها خلال ما يسمي بالحقبة الاستعمارية سـواء في شكلها القديم أو شكلهـا الحـديث (الاستعمار العالمي الجديد)! التى تأسس عام 1992 علـى الفكرة التـى أذاعهـا الرئيـس الأمريكـي كلينتـون يـوم تنصيبه في 20/1/1993 وهي : [أن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا لنستشعر أن علينا التزاما مقدسا لتحويل العالم إلي صورتنا].
(.. To Transfer the world out image)
وهذا الكلام الخطير الذي أذاعة الرئيس الأمريكي كلينتون هو ما تفعله أمريكا بالضبط في محاولاتها لإزاحة القيم التى تحكم مختلف الأمم لتحل محلها القيم الأمريكية القائمة على المفاهيم التى تحكمها في مختلف النشاطات من أدب واقتصاد واجتماع وسياسه!! وقبولنا لهذا الأمر هو تنازل عن خصوصيتنا الحضارية دون أدني شك. فلتؤمن أمريكا بما تشاء!! ولا يعنينا إيمانها بهذه أو تلك!!
وقد لخص الأستاذ الكبير (روجيه جارودي) قيم الحضارة الغربية قائلا : [..حداثة فن البوب والرسم الحديث والموجه الحديثة والرواية الحديثة وأيضا الفلسفة الحدثية التى تتصف بإنعدام الفلسفة ـ تعمل على محق إنسانية الإنسان في كل مجالات الثقافة. أصبح هذا التغيب للإنسانية هو المعيار المهم للحداثة]([3]).
أن الحرب التى أعلنها (جارودي) على الحضارة المادية بجناحها الليبرالي والماركسي هي حرب عادله على النموذجين لافتقادها لعنصر الإيمان الذي لا غني عنه في قيام الحضارات مهما إدعي المتحذلقه وكهنه الفكر وسدننه! ومما تجدر الإشارة إليه أن الدكتور (عبد الوهاب المسيري) قد أعلن حرية هو الأخر على الحضارة المادية والنموذج المعرفي المادي قائلا :( أما أخفاقات الحضارة الغربية الحدثية فلا تقل ضخامه عن إنجازاتها الأزمة البيئية ـ الحروب العالمية ـ فقدان الاتجاه ـ ظهور العبثية ـ تحول الوسائل إلي غايات)([4]) .
وقد أنتهي الدكتور المسيري إلي الاعتراف بفشل الانموذج المادي! كما أنتهي من قبل الأستاذ روجيه جارودي إلي نفس النتيجة!
أن شعر الخيام ـ مع صحة نسبة إليه ـ فيه متعه فنيه، وشعر نزار فيه متعة فنية، وروايات البيركامي، فيها متعة فنية، ومسرح جان أنوي وبرخت وهنريك أبسن مشحون بالمتعة الفنية.
ولكن هل هذه الأعمال الأدبية تحمل رساله مفيدة للمجتمع؟ لا أعتقد أن شعر نزار قباني مثلا يحمل رسالة مفيدة للمجتمع، ولا روايات العبث مفيدة للمجتمع! بـل على العكس أنها تهدم قيمة فهي مخالفة لوظيفة الأدب! وفي قول منسوب للدكتور طه حسين [أن وظيفة الأدب هي أن يعلو بالجماعة لا أن يهبط بها..]
وأذكر أنني سألت الدكتور عبد السلام العجيلي وهو من كبار المثقفين في سوريا وله وزنه الثقافي في العالم، سألته عام 1976 عن هذه القضية فكانت إجابته خطاب مطول أنتهي فيه إلي أن [الأدب لابد أن يكون له رسالة مفيده للمجتمع ] وأعتقد أن الرسالة المفيدة هي الرسالة المقيدة بمنظومة القيم التى تحكم المجتمع والمستمدة من خصائصه الحضارية.
نعود فنسمع من يقول : رسالة مفيدة؟! ليس للإبداع حداً!! ليس للإبداع سقفا!! نقول له : إذا كان للعقل سقفاً أفلا يكون للإبداع سقفاً؟!! مليئة هي حياتنا بالغرائب!
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري :
" منذ عدة سنوات كتبت تقريرا لكلية الأداب بجامعة الملك سعود بينت فيه أن من أكبر أفات البحث العلمي في العالم العربي إنفصاله عن المعجم الحضاري الإسلامي وافتراض أن ثمة معرفة عالمية علينا أن نحصاها متناسين تراثنا وهويتنا وأشرت إلي أنه لا يمكننا أن نبدع طالما أستنمنا لهذه المقولة فهي تعني المحاولة الدائمة للحاق بالقرب (فالعالمي في منظورنا هو الغربي وحلا لهذه المشكلة أفترضت تشجيع الباحثين على الإنطلاق من منظور عربي إسلامي يساعد الباحث على اختيار إبداعات جديدة كما يساعده على أن ينظر إلي الغرب باعتباره تشكيلا ضمن تشكيلات حضارية أخرى وليس التشكيل الحاضري المطلق)([5]) .باختصار شديد: للأمة خصائصها الحضارية التى تميزها عن غيرها من الأمم، وأي محاولة للعبث بالفاهيم الحضارية التى تتشكل علـى قاعدة الدين هي محاولة لجر الأمة إلـي الـوراء تحت يفـط عـديدة أهمـها يافطـة الحداثة في رفضها للمرجعيات أو فكرة [الانشقـاق عـن الـتراث كمـا يقـول جارودى] لكننا مع الحداثة البديل التى تنمي وجودنا المادي ولا تنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود" رحلة المسيري([6]).
الحداثة البديل: في الأدب، في الاقتصاد، في الاجتماع، في السياسة، في العلم النافع، الخ...
لولا الوحي لظللنا عميانا! لقد صدق الدكتور (مراد هوفمان)! والرجل قدم للأمة الإسلامية الكبيرة والتى قوامها مليار ونصف مليار مسلم إجابات شافية عن الأسئلة التى يطرحها البعض من أمثال بسام طيبي، نصر أبو زيد، على حرب، حسن حنفي ومحمد أركون، وصلاح فضل، وكل (رواد الحداثه) في الفكر والأدب والأخلاق! لقد شغلوا الأمة عن قضاياها الكثيرة وأدخلوها في نفق مظلم ساعد النظام العالمي الجديد على إن يسدد للأمة الإسلامية ضربات موجعه لا تفيق من واحدة حتى تلطمها الأخرى وسواء كانت الأسباب معلومة أو مجهولة فالدور الذي يقوم به (رواد الحداثه) واضح لا يحتاج إلي بيان فهم على الجملة إمتداد طبيعي لدعاه الغزو الفكري الذي بدأ في 1798م باحتلال فرنسا لمصر تحت (دعوى التحديث)! امتداد طبيعي لأفكار (فرويد، أوجست مونت، وأميل دورحايم) وكل الذين ضمهم كتاب (هؤلاء علموني) للأستاذ سلامه موسي بالإضافة إلي تعميم الثقافة الاشتراكية التى ترسخت قيمها في المجتمع المصري اعتبارا من السنوات الأولي من قيام الجيش المصري بحركته عام 1952م وأمتدت أثار التعميم إلي الدول الإسلامية المجاورة.
ساعد في ذلك الانتصارات الدبلوماسية التى أحرزتها مصر في أزمة السويس، فكانت الثقافة الاشتراكية تعمل عملها إلي جانب ثقافة النخبة حينذاك وهي الثقافة الليبراليه وأصبح المجتمع المصري بين ثقافتين، ثقافة ليبرالية دخلت مع الغزو الفرنسي، وأخرى اشتراكية دخلت مع تزايد النقود الماركسي في مصر قبل أن يأتي إليها (نكيتا خرتشوف) والذي حرص على ألا يحضر قبل أن يخرج كل ماركسي من سجنه وأن يعفوا النظام الحاكم عنهم ويخيرهم في الوظائف ليحتلوا برغبتهم وظائف الثقافة والأعلام حتى تربوا على عرشها بعد حين بتأييد خارجي فاعل. وأصبحت مصر بين ثقافتين ثقافة اشتراكية وأخرى ليبرالية!! وتوارث ثقافة الأمة وإنزوت في ركن بعيد!!
نعم ، أن (رواد الحداثه) إمتداد طبيعي لما أحدثت الثقافات الوافدة من إجرام وتدمير في العقول والنفوس إنتهي إلي ترحيل ثقافة الأمة من فاعل إلي مفعول به وقام بهذا الأمر الشائن بعض أبناء الأمة!! إنهزامية وتبعية لا نظير لها في الأمم المغلوبة ولا شك أن حملة الأقلام الذين تربوا على ثقافة المحتل قد ساعدوا على غرس مفاهيمها في عقول الناس ساعدهم الإعلام الحكومي القوى بآلتة الإعلامية الجبارة التى غطت القارة الإفريقية!
وبنفس القدر عمل رواد التبعية والانهزامية على تهيئة الأمة لقبول المفاهيم (الليبرالية)، والتى غزت مصر في بدايات القرن الماضي بواسطة الكتاب الشوام (جورج زيدان) الذي تخصص في كتابه تاريخ الأمة الإسلامية.
وقد حوله إلي قصص للتسلية والترفيه!! هل هذا معقول؟! ولا أدري كيف يصف الدكتور (حسين مؤنس) الأستاذ (جورج زيدان) بأنه من طبقة المؤرخين المنصفين!؟
وسواء انتقلت (الحداثة) من مصر أو إلي مصر فالنتيجة واحدة.
يقول الأستاذ الدكتور " عبد العزيز حموده"
(نحن فعلا بحاجة إلي حداثة حقيقيا تهز الجمود وتدمر التخلف وتحقق الأستنارة لكنها حداثتنا نحن وليست نسخة شائهة من الحداثة الغربية)([7])
والسؤال الأن: هل الحداثة الغربية امتداد طبيعي للفكر الماركسي؟ وهل سقطت مفاهيم البنوية والتفكيكية وانتهت وماتت كما يقول الدكتور محمود حسين زيني.
والحقيقة أن النفر منا غدا لا يفهم شيئا أو استغلق عليه فهم الأمور لاختلاطها وصعوبة فرزها بعضها من بعض، والأمر على هذا النحو، تشعر أنك في سوق شعبي كل ينادي فيه على بضاعته! والذي أميل إلي اعتقاده أن حكاية البنيويه و التفكيكية ما هي إلا ألعاب يلهو بها البعض من الذين أرهقهم الترف الفكري! أصبحوا يشكلون للأمة ضغوطاً في كل نوع حتى تنسي لغتها وأدبها وثقافتها المميزة لها عن باقي الأمم. هذا ما نعتقده لأنه لا ينسجم مع أبجديات ثقافة الأمة ولا ينسجم مع خصوصياتها على الإطلاق.
أن الثقافة المزروعة في أرض غير أرضها لا يمكن أن تحيا، مهما حاول زراعها.
يقول الدكتور عبد القادر القط: " أن النقد في أيامنا هذه مصاب بداء تأثر الفاقد ببعض نظريات النقد الغربي ومناهجه في التطبيق وانتهي الأمر بهؤلاء إلي الاندماج الكامل مع الغرب في المنهج والأسلوب وتجاهل هؤلاء النقاد الفروق بين النصوص العربية...([8]) "
ويقول أيضا عن النص الأدبي: " يمثل النص الأدبي صورة فنية للحياة بقضاياها ومتناقضاتها ونماذجها و بقدرتها على إثارة الاهتمام أو المتعة أو الدهشة"([9]).
والدكتور عبد القادر القط من كبار أعلام الأمة الإسلامية في الأدب العربي ولكن كمال أبو ديب يرفض ومن هم على شاكلته ـ أن تكون للأمة خصوصية ومرجعية ويأبي إلا تكون أمته العربية الإسلامية تابعة مهزومة ولله في خلقه شئون.
إنه الإنبهار والتسليم الكامل للفكر الوافد وقبل كل هذا أنه الترف الفكري المجنون الذي يكفي فيه أن نقول كلاما فارغا ليشار إليك وتصبح في بؤرة الاهتمام وخذ عندك من المؤلفات الفارغة ما تعجز عن حصرة وبيانه وتكفي الإشارة إلي مؤلفات السدنه والكهنة الكبار من أمثال حسن حنفي، د. عابد الجابري، عبد الله العروي ومحمد أركون وعلى حرب ونصر حامد، وأخيرا د. القمني الحائزة على جائزة تقديرة لعلمه ونبوغه!!!
وسبحان الذي بيده ملكوت السماوات والأرض
نحن أمام مشكلة خطيرة تمس عقيدة الأمة. وهي تقدم (الزيف) في معظم أنشطتنا الأدبية وتراجع بل محاربة كل نشاط يتضمن تقوية عزائم الأفراد ويقويها ويحرضها على العمل الجاد والإخلاص وصولا إلي الأحسان الذي هو أعلي مراتب الإيمان.
أن الحداثة على النمط الغربي مجوم كامل، إسرار على التلفيق وأشارات جنسية واضحة فاضحة، وتعدي على القيم بشكل جنوني في محاولة لاسقاط حرمه الحدود، ومن أسف فقد نجحت المحاولات لأنها وجدت السند القوى سواء من الداخل أوالخارج، لقد نجنت بالفعل وسيطرت على الأفهام وأخذت تعمل عملها بنجاح، تراها تعمل كل في مجاله ويقف من خلفها جيش من المنظرين والمنظمين!
أنها حرب ثقافيه أعلنت على خصوصيات الأمة وتاريخها في محاولة جادة لنزع هذه الخصوصية!
ولكن هيا الله لهذه الأمة من يدافع عنها ويرد كيد الطادين وفي عصرنا نجد من آتاهم الله الحكمة يقفون في وجه كل ظالم معتد مروج للاباطيل، ليكشفوا عن حقيقته ويقدموه للأمة في صورته الأصلية!
وها هو الدكتور (مراد هوفمان) يكشف حقيقة (بسام طيبي)! وها هو الدكتور (عبد العزيز حموده) يكشف حقيقة الحداثة الغربية وروادها! ويفضح فكرهم الاستخرابي! وها هو أيضا الدكتور (عبد الحميد إبراهيم) يكشف هو الأخر في كتابه (الرواية العربية والبحث عن جذور) عن علاقة الرواية بمنظومة قيمنا وخصوصية الأمة!
فـي زمـن الكتابـة كنـا نقـرأ للدكتور (شكري محمد عياد) والدكتور (عبد القادر القط) والدكتور (أحمد هيكل) والدكتور (عنيمي هلال) وغيرهم ممن انتسبوا إلي فكرهم ومدرستهم، كنا نقرأ لهم ونفهم ماذا تعني كل كلمة على التحديد، وماذا يريد أن يقول الكاتب أما الآن فالقضية أكبر وأخطر وأعظم مما نتصور. أن شرف الكتابة يمرغ من الوحل! هل يستطيع النفر منا أن يفهم كلمة واحدة من كتاب أخرجه لنا حداثي صغير؟! لا.. والله غموض وطلاسم وأساطير وترهات! ويا ليتهم عالجوا الأساطير معالجة صحيحة في أطار تصور سليم عن الكون وخالقه ولكن جاءت أعمالهم جلها نسخة مزورة من (الأدب الغربي) فلابد أن يستغني بالأصل عن الصورة فجاءت أعمالهم كسراب بقيعه يحبسه الظمان ماء!! أدب مزور باهت!
في كتابه (فوضى العالم في المسرح الغربي) يطلعنا الدكتور عماد الدين خليل على خيبة الأمل في المسرح الغربي والذي تعتمد مفاهيمه على ترهات اليونان والرومان وكون العلاقة بين الله والإنسان علاقة خصام وحرب!! وتنسحب تكلم المفاهيم على المنتجات الأدبية من مسرح وقصة وشعر ألخ من الأجناس الأدبية وينتهي الدكتور عماد إلي أن لنا خصوصية ولهم خصوصية ولا يصح أن نتعامل بما أسسوا عليه فكرهم من اباطيل وخرافات والذين يتعاملون معهم حسب هذه الأسس ما هم إلا صورة مزورة باهته! وقد أكد هذا الكلام الأستاذ (محمد قطب) في معظم مؤلفاته.
إذن الحداثة على النموذج الغربي أو ما يتعلق بها من قريب أو بعيد صورة مزورة ومؤسسة على الأساطير اليونانية أو الرومانية أو غيرها من الوثنيات كالفرعونية والأشورية والبابلية والفينقية كانت الهجمات الاستعمارية المتتالية من الفرنسي والإنجليزي التى نكبت بها مصر من 1789م إلا لفرض نظام من الثقافة يخالف ثقافة الأمة ليسهل تمزيقها وما كانت الأفكار التى بذرت في أرض البلاد إلا بداية لتعميق الأفكار الوافدة حتى تأتي أكلها وبالفعل راحت الدوائر المشبوهة تعمل عملها على نشر الثقافات الوافدة إلي الدرجة التى زلزلت فيها العقول النفوس على أثر نشر كتابات مخالفة لما أستقرت عليه الأمة بدعوى التجديد والبعث والتحديث والنهضة والمعاصرة! فجاءت أعمال الدكتور طه حسين، والشيخ على عبد الرازق وسلامة موسـي ولـويس عـوض وجورجي زيدان مخيبة لأمال الأمة حيث نلقت إليها العديد من الأفكار التالفة والفـاسدة وأعتبر المستشرق هو المرجع النهائي!! هذه صـورة مجملـة مـن الـواقع وقد حفل كتاب الاتجاهات الوطنية للدكتور محمد محمد حسين في جزائية بكلام غاية في الخطورة عن علاقة معظم كتابنا بالاستشراق و إعتبار الأخير هو الملاذ والحكم وإليه يرد الأمر كله ولا حول ولا قوة إلا بالله وبدلا من أن تكون المرجعية العليا للكتاب والسنة أصبحت المرجعية العليا لفرويد وأوجست كومت ودودكاحم وماركس وسارتر! مصيبة ما بعدها ولا قبلها مصيبة. بل أحتل المستشرق في بعض الجامعات كرسي الأستاذيه مثل كرستوفر سكيب! وأحتل الآخر كرسي العضوية في مجمع اللغة العربية الذي لم ينشأ إلا لتحطيم اللغة العربية إلا أن أراده الله اعادته إلى الحق. عموماَ القضية فيها متسع للمناقشة أكبر مما يتصوره الفرد منا، لقد شمل معظم الكتاب الإحساس بالنقص أمام الفكر الوافد الذي ساعد على انتشاره بعض كبار كتاب الأمة أو قل نقولوه بلا حرص ولا تدقيق بدعوى التحديث والتجديد!! لذا على الواحد منا ضرورة إعادة فحص معرفته في ضوء مرجعيته الأساسية: القرآن الكريم والسنة النبوية.
وعند أعادة الفحص وجد أن البضاعة الواردة فاسدة وتالفة فوضعها في جوال من الأجولة وحدد لها مساحة معينة في أقصي زاوية من دماغه ليشملها النسيان مع غيرها من الأباطيل، ولكي لا نعود على القارئ باللائمه سأنقل إليه بعض ما قاله بعض كبار الكتاب:
يقول د/طه حسين: " للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ولكن ورود هذين الإسمين في التوراه والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القصة التى تحدثنا بهجره إسماعيل بن إبراهيم إلي مكه ونشأة العرب المستعمربه فيها" ص26 من الشعر الجاهلي.
ونظرناً لأهمية كلام الدكتور طه حسين فقد أعاد غالي شكري نشره كاملا بمجله القاهرة في عددها رقم (149) الصادر في إبريل 1995! ولا أدرى ما هي الأسباب التى تدعو مجلة تصدر عن هيئة الكتاب التابعة للدولة أن تعيد نشر هذا الكلام البذئي والذي تعرض صاحبة للمحاكمة في 19/10/1926. أين حرية الفكر في هذا الكلام؟! كلام يعرض عقيدة الأمة للخطر الداهم ويأتي رجل لا يعقل من أمرة شيئا كرئيس تحرير المجلة ليعيد نشرة! ألا يكفيه أن الكتاب توزعه مؤسسة حكومية أخرى هي دار المعارف بعد إجراء بعض التعديلات على ما جاء فيه ولكن بعد أن أحتل الكتاب من الأدمغة مساحة واسعة وساعد على انتشاره أنه كتب والاحتلال الإنجليزي جاثم على صدر البلاد والعباد! ثم يمنح الدكتور طه حسين القلادات والقلاطات والأوسمة ويلحق باسمه أنه عميد الأدب العربي! ثم، من منحه هذا اللقب؟!
وما علاقة الدكتور طه حسين بالعرب بعد إنكاره لوجود سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما الصلاة والسلام وذكره لهما بالاسخفاف الذي عرف عنه في مخاطبة الناس.
هل هذه هي الحداثة؟ نعم هذه هي الحداثة؟
ويذكرنا الحديث عن الدكتور طه حسين بما قاله الشيخ مصطفي صادق الرافعي عنه : " حسبه من العلم أن يقول أن ما كان لم يكن وان ما لم يكن يجوز أنه قد كان"!
وذلكم الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي وسنكتفي بما كتبه الدكتور عبد المجيد عبد السلام المحتسب [ولم يكن طه حسين يروج للفكر الرأسمالي والحضارة الغربية فحسب بل كان لا يفسح المجال لكاتب يكتب في مجلة يرأس تحريرها إلا إذا كان بوقا للحضارة الغربية على شاكلته!] ص16، كتاب طه حسين مفكرا، دار أحياء التراث، 1978.
وأحب أن أنقل لكم ما كتبه الأستاذ ميخائيل نعيمة عن الأدب العربي " أيضاً: [أسمع أصواتاً تنادي وأري أيادي تمتد نحوي والسنة تصب على النقم والكل يقولون:" وهل نسيت وأنت جاهل أسماء أمري القيس والنابغة الذبياني وليبد وعلقته وعنتره والمهلهل والمتنبي والهمذاني والأخطل وإبن رشد وإبن سينا.. الخ من الأقدمين وشوقي وحافظ والمطران وكثير من المحدثين؟ كلا يا سادتي أنا لم أنس هؤلاء كلهم بل لا أتجاسر أن أزعج سكينه قبور الراقدين منهم ولا أن أرفع عيني الخاطئين إلي أكاليل الغار وأهله النور فوق رؤوس الباقين في قيد الحياة. إنما أهمس لكم همسا كي لا أثير غضبهم: أن غثهم أكثر من ثمنيهم، وعلى كل لا أظنكم ظالمين إلي حد أن ترفعوا أحدا منهم إلي مصاف هوميروس وفرجيل ودانتي وشكسبير وملتون وبيرن وزولا وغودته وتولستوى خلقوا وماتوا (يقصد الشعراء العرب) ليتغزلوا بظاء الفلاه ولمعان المشرفيات ووقع سنابل الخيل وسفك الدماء ومشي الأبل وأطلال المنازل ونار القرى... الخ]([10]) .
هذا ما يقول الدكتـور عـبد الـعزيز حمودة عن مـا كتبه ميخائيل نعيمة: [ما أسهل أن نحني رأي ميخائيل نعيمة جانبا بدعوى أن الرجل كتب "غرباله" في نيويورك حيث تلقي تعليما غريبا خالصا في المهجر الأمريكي وأنه من المنطقي أن يصدر حكمة على انجازات العقل العربي من هوي مسبق وتحيز جاهز]([11])
ويضيف الدكتور عبد العزيز حمودة رحمة الله :" [وإذا كان ذلك كذلك فماذا تقول في حماس العقاد والمازني في ديوانهما الذي لابد أنهما كتباه في السنوات نفسها لكتابة مقالات نعيمة والتى تعود إلي عام 1919م أي قبل صدور جزاي الديوان في 1920 ـ 1921؟]([12])"
أخيراً
أقلام شغلت الأمة عشرات العقود ولا تزال كلماتها تعمل عملها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويأتي الذين أجهدهم الترف الفكري ليعلنوا للناس كافة ضرورة الحداثة وإلا ستكون النهاية والسؤال إي حداثة يعنون !! هل هي الحداثة التي يعنيها الدكتور عبد العزيز حموده وهي قوله بالنص[نحن فعلا بحاجة إلي حداثة حقيقيا تهز الجمود وتدمر التخلف وتحقق الأستنارة لكنها حداثتنا نحن وليست نسخة شائهة من الحداثة الغربية] أما إذا كانت حداثة محمد حرب وكمال أبو ديب فهي مردودة على مروجها مهما كانت وأين كانت.
والحمد لله رب العالمين
([1]) نذكر من الذين اخضعوا ذواتهم للفحص الدكتور عبد الرحمن بدوى رحمه الله قضي عمرة في الدفاع عن الوجودية وعاد في النهاية إلى الاعتراف القوي بإهمية البعد الديني للإنسان واصدر كتابيه (1) الدفاع عن محمد صلي الله عليه وسلم (2) والدفاع عن القرآن الكريم ضد منتقديه وكلاهما من نشر مكتبه مدبولي الصغير بمصر. ونذكر أيضاً عبد الهادي هوفمان سكرتير عام الحزب المسيحي الألماني سابقاً والرئيس الحالي للأكاديمية الإسلامية بألمانيا حالياً وسبحان الحي الذي لا يموت.
([2]) روحية جارودي، الإرهاب الغربي، ص112، مكتبة الشروق الدولية، ط1، 2004، مصر.
([3]) روحيه جارودي، حفارو القبور، ص83.، مكتبة الشروق ط3، 1998-مصر
([4]) د. عمرو عبد المنعم، رحلة عبد الوهاب المسيرى، ص130، الهيئة العامة لقصور الثقافة، (34)، 2006، مصر.
([5]) د. عمرو عبد المنعم، رحلة، مرجع سابق ذكره، ص68.
([6]) د. عمرو عبد المنعم، رحلة، مرجع سابق ذكره، ص214.
([7]) من المرايا المحدبة "سلسلة عالم المعرفة رقم 232/ الكويت، 1997، ص 11.
([8]) مجلة الأدب الأسلامي العدد رقم 45 ص19. (من مقال الدكتور/ محمود حسين زيني)
([9]) مجلة الأدب الأسلامي العدد رقم 45 ص19 (من مقال الدكتور/ محمود حسين زيني)
([10]) نقلا عن كتاب الرايا المقعرة للدكتور عبد العزيز حموده، سلسلة عالم المعرفة الكويت، العدد رقم 272، ص53.
([11]) د. عبد العزيز حموده المرجع السابق، ص59.
([12]) د. عبد العزيز حمده المرجع السابق، ص59.