لديَّ وصفة للبيع
بسام الهلسه
*لدي وصفة للبيع! وصفة أنيقة سهلة الحمل والإستخدام والإقتناء, ولا تتسبب بأية أضرار جانبية! تصلح لمراكز الأبحاث الجادة, وأساتذة الجامعات الرصينين, وربات البيوت من الطبقة الوسطى, وأصحاب وصاحبات الاعمال, وذوي المهن والوظائف العالية والمرشحين/ات للإنتخابات!
وتصلح بخاصة للساسة الحاكمين, والإعلاميين, والوعاظ المنشغلين بترويج التفاؤل وإقناع الناس بأن دوران الارض هو سبب ما يعانونه من صداع واضطرابات بيئية ومناخية! وأن الحل الجذري لهذه المشكلة هو الوقوف على رؤوسهم والكفَّ عن نقد اُولي الأمر وأبنائهم وأقاربهم ومحاسيبهم وحسدهم على استبدوه من سلطة وما اختلسوه من ثروة!
لدي وصفة للبيع! يمكن اسخدامها كعلاج مُنشِّط لليبرالية الجديدة, يفيد في اكتساب بلادة ضد احتجاجات وكآبة الطبقات الشعبية, ويساعد على تعزيز صفوف اليمينيين ومن والاهُم من اليساريين الطامحين لتيسير اُمورهم بعد عُسر! ويمكن أيضاً ترويجها كوصفةٍ إضافية تسَهِّل هضم وصفات صندوق النقد الدولي وتمريرها في الدول التي تُواجه فيها بمعارضة قوية!
لا يسألني أحد عن مكونات هذه الوصفة ومصادرها. فالأصل, في عصرنا, هو القبول والرضا بسيرورة التاريخ وحَادِيَتها الإمبريالية, التي أسبغت على البشر كرمها فوفرت لهم نماذج متعددة من الحروب, والكوارث, والأزمات, وأجهزة الهواتف الخلوية!
* * *
بدل السؤال, والقيل والقال, يجب الإمتثال, والثقة بحكمة ونزاهة الأسياد الحاكمين والمالكين الذين في أيديهم مفاتيح النوال!
فعلى سبيل المثال: لا بأس من شكرهم والإشادة بهم ــ بمناسبة وبدون مناسبةــ بما فيهم وبما ليس فيهم, فهذا مما ينفع في لفت انتباهم واستدرار عطفهم وتحسين الأحوال! إضافة الى ذمِّ خصومهم والوقيعة بهم في كل موقف ومجال. فمن يحتاج إلى الكلب, يخاطبه بقول:"يا سيدي"! وهذا يعني تكريس وتعميم قيم الوصولية والنفعية والإنتهازية, التي يجب إعادة النظر فيما لحقها من سمعة سيئة, وإعادة تعريفها بما يتلاءم مع مقتضيات زماننا المعولم السعيد التي تقوم على قاعدة موثوقة معتبرة هي: "أنا, ومن بعدي الطوفان"! وبدل القيم العامة الجامعة التي ترى بني البشر بعين المساواة, لا بأس من إطلاق كل اشكال الهويات والإنتماءات البدائية. ف"كُلُّه في حُبَّك يهون"! والمحبوب المقصود هنا ليس من غنَّت له "أم كلثوم", بل المصلحة الشخصية التي اُعلِنَ أنها هي الهدف الأسمى للحياة, ونهاية التاريخ والجغرافيا والضمير والعقل أيضاً!
* * *
ومن باب الإنصاف ورَدِّ "السوء" لأهله, لا بد من التذكير بأن هذه الآراء وما يشبهها, قد نادى بها فلاسفة ومفكرون معتبرون قالوا بأن "الفرد"ــ وليس الإنسانيةــ هو الأساس والمرجع والغاية, وأن الصراع من أجل الغلبة والتفوق ــ وليس التعاون من أجل الخير العام ــ هو قدر البشر وطريقتهم في الحياة. وتبنتها حركات وتيارات نافذة كالداروينية الإجتماعية التي رأت أن الإنسان هو محض امتداد متطور للحيوان. وطبقتها, كما هو معلوم, دول"متقدمة" في سياساتها تجاه الطبقات والشعوب التي شاءت الظروف أن "تتقدم" وتتسلط عليها. فلا حرج ولا لوم على من يدعو اليها ويمارسها, لأن الأصل في الناس أن يكونوا أعداء متربصين ببعضهم البعض ينقضُّ أحدهم على الآخر عند أول فرصة ويفترسه ليكون البقاء للأقوى والأقدر على تسخير غيره لمنفعته! وهذه عقيدة يهوديةــ صهيونية أصيلة راسخة ترى بأن الرب قد خلق البشر من غير اليهود,"الغوييم", لغرض واحد وحيد: خدمة اليهود بصفتهم "شعب الله المختار"! وهو ما أخذت به النازية وكيَّفته بما يتناسب مع مصالحها, فصنفت الاُمم الى مراتب متدرجة في "الرقي والإنحطاط", وأعلنت أن "المانيا فوق الجميع" وتتفوق عليهم!
* * *
يمكن, ويستحسن, وعظ الآخرين بقيم النجدة والتعاون والتضحية والتقشف والعدالة والحرية, وسائر مكارم الأخلاق المعروفة والتي سيتم اختراعها, من باب استغفالهم وتضليلهم. وهذا يفيد على مستويين: التظاهر بحب الخير العام من جهة, واستخدام من يؤمنون بهذه القيم من جهة ثانية. أما إذا ما صدقوها وطالبوا بتطبيقها في الواقع, فيمكن نعتهم بالتحجر والجمود, أو الإخلال بالنظام, ثم التخلص منهم عند الضرورة. وتواريخ الاُمم حافلة بالأمثلة على كيفية التعامل مع هذه الجماعات.
قد يسمي البعض هذا النوع من التعامل: غشَّاً ورياءً وتلاعباً بالعقول والقلوب..لا بأس! فالغش, والرياء, والتلاعب, من أهم صفات الدول"المحترمة" كأميركا, على سبيل المثال, التي تنشر جواسيسها وأساطيلها وقواعدها في العالم لترهبه وتهيمن عليه وتملي شؤونه, فيما تدَّعي بأنها مهددة! كما أن الغش والرياء والتلاعب, من أهم الأدوات التي يستعين بها الحكام وأصحاب المصالح في السيطرة على شعوبهم وفي نهبها واستغلالها. هذه النعوت ليست مهمة, ما دامت الشعوب تكتفي بالشكوى والتذمر فقط. المهم, وما ينبغي الإحتراس منه, ألا تتحول الشكوى الى فعلٍ واعٍ منظم يطور آليات المحاسبة والمقاومة والمطالبة بالحقوق. عندها يمكن اللجوء الى تكتيك التلويح "بالفتنة" التي تعني هنا إبقاء الأحوال على ما هي عليه من باب:" إمسك منحوسك لا يجيك الأنحس منه"! وفي حال تمادي الشعوب في "غيِّها" يمكن إتهام نشطائها بالعمالة لجهات أجنبية, حتى لو كانت قيادة الدولة نفسها عميلة! صحيح أن الإتهام سيكون مثالاً على الصفاقة والوقاحة, إلا أنه يفيد في خلط الأمور ببعضها بما يحقق تضليل العامة وتشتيت آرائهم وجموعهم والحيلولة دون تمكنهم من العمل متضامنين. ثم, من قال أن الحياء مطلوب؟ ألم يقل المثل:" اللي استحوا ماتوا"؟ ما لنا ولهذه الأخلاق الكئيبة؟ الشعار الذي يجب أن يُرفع ويعلو على ما عداه دائماً هو: ما هي مصلحتي؟ وما هي أنسب الطرق لتحقيقها بأقصر وقت وبأقل التكاليف والجهود؟
* * *
هذه هي عناوين الوصفة المعروضة, فعلى من تتوفر فيهم, وفيهن, الرغبة في معرفة المزيد, أن يتقدموا بما يثبت أهليتهم/هن لحجز طلباتهم/هن لدى الوكيل الوحيد المعتمد والحصري, الموجود في كل أنحاء العالم:الجحيم الدنيوي.
ــ دمتم, ودامت البشرية "السعيدة" بخير!