الحرب الباردة على الإسلام
( الخطر الأخضر )
زهير سالم*
هذا عنوان يستحق كتابا . يستحق بحثا أكاديميا موثقا أو رسالة دكتوراة ترصد في تاريخ أكثر من قرن ملامح حرب ثقافية وسياسية قادتها كتل حضارية ، ودول عظمى ، وأنظمة صغرى ، ونخب نَخِبة ضد الإسلام العقيدة والشريعة ومنهج الحياة ، وضد الإسلام الفكر والثقافة وأنماط السلوك ، وضد حملة المشروع الإسلامي على اختلاف طبقاتهم ، وتباين فهومهم وتوجهاتهم ، وضد الملتزمين بحظ قل أو كثر من شرائع الإسلام و شعائره .
ولقد كان الاحتلال ( الاستعماري) لبلاد المسلمين أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين أداة من أدوات هذه الحرب ، ووسيلة من وسائل التمهيد لها أو تثمير جهودها والتمكين لجنودها والمتواطئين عليها...
يكتب كثير من اليساريين في جنف من القول : إنه في أيام الحرب الباردة كانت الامبريالية أو الرأسمالية العالمية توظف البعد الديني أو الروحي من الإسلام في حربها على الشيوعية ( الملحدة ) . قول سطحي ينقصه التوثيق العملي لواقع التاريخ يلجأ إليه قائلوه لتسويغ الإخفاق الذي مني به مشروعهم في بلاد المسلمين كما أخفق في الوقت نفسه مشروع من عداهم . لقد كان من السطحية البالغة أن يمزج البعض بين أنظمة ملتحفة لعباءة الإسلام وبين أصحاب المشروع الإسلامي بتياراتهم ومدارسهم المتعددة . ولعل ما كشفته أخريات الأيام من حقائق يُسقط الكثير من دعاوى أصحاب ذلك التحليل.بل ربما نضيف إلى ما سبق أن بعض الأنظمة الأكثر ادعاء للحداثة وللعلمانية ولليسارية أو الاشتراكية والاشتراكية المادية أو العلمية قد التحفت هي الأخرى في حقبة عباءة الإسلام لإنجاح جهودها في الحرب عليه .
على مدى أكثر من قرن مضى ظل حملة المشروع الإسلامي في المنطقة تحت اشكال من الحرب الساخنة والباردة على السواء . ومورس عليهم الاستئصال بالقتل والاعتقال والتعذيب والتغييب والتهجير والتشريد ، والإقصاء والحرمان من الفرص الوطنية والثقافية والسياسية . كانت تلك بعض معالم هذه الحرب التي عاشها حملة المشروع الإسلامي على اختلاف توجهاتهم ومشروعاتهم ، وأصر على ألا يتم إسقاط ما يقرر هنا على جماعة أو حزب . وإن كان حظ جماعة الإخوان المسلمين من هذه الحرب أو هذا الظلم دائما هو الأكبر لأنها كانت الجماعة الأكبر . والتي كانت تشكل بصلوح مناهجها واعتدال خطابها ووسطيته وقبوله عند الشرائح المجتمعية الأكبر والأوعى الخطر الأكبر الذي يكيد له الكائدون ويمكر به الماكرون ويفتري عليه المفترون .
وإذا صحت المقارنة فإن ما مورس على الإسلام عقائده وشرائعه وشعائره ، مع احترام ظاهري ، من حرب وكيد ومكر بكل ضروب المكر يفوق مرات ومرات ما مورس على دعاته وأتباعه على السواء .
ومنذ العقود الأولى لانكسار دولة المسلمين ، ونظرا لما يتمتع به الإسلام من مكانة في عقول وقلوب الجماهير المسلمة فقد لجأ رجال السياسة إلى استحداث مصطلحات وعناوين يحاربون تحتها الإسلام بينما كان الكتاب والمثقفون أصحاب الأجندات أكثر جرأة وأكثر حدة فيما يطرحون ويقررون ...
فقد بدأت هذه الحرب تشن على الإسلام وأهله ودولته تحت عنوان مختصر ومعبر هو ( الرجل المريض ) . ثم حورب الإسلام سياسيا في مرحلة ما تحت مسمى ( الرجعية )، والماضوية ، وحورب اجتماعيا تحت مسمى العادات والتقاليد والجمود والتخلف .. وفي عصر أقرب إلى عصرنا بدأنا نسمع مصطلحات مثل ( التشدد ) و ( التزمت ) و( الأصولية ) و ( الإسلاموية ) و ( الإسلام السياسي ) . هذا ولا نريد أن نقف عند مصطلحات الإسفاف الإعلامي التي حفلت بها وسائل إعلام لدول وأحزاب وقوى ومنظمات ..
يذكر الشيوعيون جيدا في الحرب الباردة الثقافية التي شنتها عليهم الولايات المتحدة في أوج الحرب الباردة الثقافية القاضي الأمريكي ( مكارثي ) الذي أعطى اسمه لضرب من هذه الحرب القذرة ( المكارثية ) وإذا أردنا أن نتحدث بشيء من المقارنة سوف نقر جميعا بتحضر القاضي مكارثي إزاء ما مارسه ( فايز النوري) في سورية أو أضرابه في مصر . ( مكارثي ) العربي كانت له منصته في كل قطر وظل يقوم بملاحقاته ويصدر أحكامه خلال قرن على الناس بسبب عقائدهم وأفكارهم وأنماط سلوكهم .
والحرب الباردة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كانت تمارس ضد الإسلام والمسلمين في عقر دارهم كان يتعاون عليها الشرق الشيوعي والغرب الامبريالي . و تشارك فيها كل وسائل الدول المحلية وأدواتها المدرسة والمنبر الإعلامي والفيلم والمسلسل والزعيم أو الأخ الكبير فمن موسكو أعلن جمال عبد الحكم على الشهيد السعيد سيد قطب ، وبتعتيم إعلامي دولي نفذ حافظ الأسد مجازره ضد الشعب السوري ، وشرّع القانون 49 / 1980 والذي ما زال معمولا به حتى اللحظة كما لا زال بشار الأسد يحظى بالتعتيم الإعلامي نفسه الذي نعم به أبوه من قبل ....
حديثنا اليوم عن الحرب الباردة على الإسلام لم تعد تتوقف عند أنظمة ( ثورية ) في مثل سورية ومصر والعراق التي جعلتنا يوما نترحم على لون من الاستبداد زينه لنا البعض بعنوان رائق ( الاستبداد الأبوي ) ، فقد كشفت لنا الأيام أن الناس كلهم بكر إذا شبعوا كما قال الشاعر العربي .
ينتمي كاتب هذه الكلمات إلى الجيل الثالث من أبناء هذه الأمة الذين عايشوا هذا النوع من الحرب ، وكانوا لعقود من ضحاياها ، بل كان يظن أنها عاشها في ذروتها وحدتها ، ولكن ما تتكشف عنه الأيام الصعاب التي تعيشها الأمة اليوم تؤكد أن ما مضى كان الجزء الأهون من هذه الحرب مع انكشاف الأوراق وتكشير الشر عن أنيابه ، مع وهن وخلل في صفوف أمة الإسلام وجماعته وحملته حيث يسيطر على المشهد ( الغلاة المنبتُّون ) من جهة ويغيب عنه الحلماء العلماء العقلاء أولو العزم وأصحاب الهمم من الرجال من جهة أخرى..
الخطر الأخضر وريتشار نيكسون
وقد يحلل البعض أو يقدر أن الحرب الباردة المفروضة على الإسلام والمسلمين هي ردة فعل مباشر على أخطاء ورعونات بعض أبناء المسلمين . حيث يطيب للبعض دائما تحميل الضحية نتائج ما يفعله الجلاد . وحين نذكر اليوم اشتداد أوار الحملة الدولية والإقليمية والمحلية على الإسلام والمسلمين يبادر البعض إلى تذكيرنا بتنظيم القاعدة ، وأحداث 11 / 9 / وإعلان بعضهم الحرب على العالم ودوله العظمى ، مرة في الاتحاد السوفياتي في أفغانستان أو في الشيشان وأخرى بعمليات عبثية وإجرامية يرتكبها البعض باسم الإسلام في السفارات أو المطارات أو محطات الأنفاق . إن إنكارنا ورفضنا لهذه العمليات الإجرامية المنفلتة واستنكارنا لها لا يمنعنا من القول إنها عمليات فردية محدودة تحسب على مرتكبيها ، ولا يمكن أن تٌحمل مسئوليتها لدين وثقافة يشكل أتباعهما خمس سكان الأرض ..
إن كل ما يذكر من ذرائع في تبرير الحرب على الإسلام والمسلمين يذكرنا في حقيقة الأمر بذريعة الذئب وهو يحمل الخروف مسئولية تعكير ماء النبع من أسفل الجدول إلى أعلاه ..
( الخطر الأخضر )
مصطلح من مصطلحات الحرب الباردة التي استهدف بها الإسلام ، ورُمز به استراتيجيا إلى الحرب على المسلمين والإسلام . تم وضعه والتوافق عليه ووضع استراتيجية الحرب وأهدافها وأدواتها قبل ابن لادن وقبل تنظيم القاعدة وقبل أحداث 11 / 9 / وقبل تفجير السفارات والأنفاق المدانة ..
وقبل القبل كانت رحى الحرب تدور ربما بدأت مع أوربان الثاني ، أو مع نابليون بونابرت أو مع كرومر وغورو في محطتها قبل الأخيرة كان الرئيس الأمريكي الأسبق صاحب فضيحة ( ووتر غيت ) ومنذ 1989 يكتب لقومه في كتابه ( نصر بلا حرب ) مزهوا بما يتوقعه من نصر على السوفييت قبل سقوط امبراطوريتهم عن ( الخطر الأخضر ) ..
ففي كتابه ذاك يقترح الرئيس الأمريكي ، المزهو بنصر بلاده على السوفييت ، على قومه بالتحالف مع الصينيين الذين يصفهم بأنهم ( العملاق رغم أنفه ) ومع اليابانيين الذين يصفهم ( بالعملاق الذي يستيقظ ) ويدعو قومه في الوقت نفسه إلى اكتشاف الخطر قبل وقوعه ووضع الاستراتيجية المناسبة لمواجهة ما يسميه ( الخطر الأخضر ) . والاستراتيجية المفضلة التي يقترحها الرئيس نيكسون ( أفضل طريقة لخوض حرب ناجحة ألا يظهر عليك أنك تحارب ) بمعنى أنه لا يجوز أن يشعر المسلمون والرحى الأمريكية تطحنهم ، أن هذه الرحى أمريكية ، وأن المحرك الذي يديرها أمريكي وأن الرأس الذي يأمرها أمريكي أيضا ,,,,,
والهدف العام لهذه الحرب وكل ما أضعه بين قوسين مقتبس ومنقول ( العمل على تحويل اقتصاديات الدول إلى جزء من شبكة الاقتصاد الحر ) والمقصود هنا باقتصاديات الدول عائدات النفط العربي وبالاقتصاد الحر الاقتصاد الأمريكي بالذات ..
ويرى الرئيس الأمريكي أنهم محتاجون لخوض حربهم ( إلى فريق من الأشخاص الاستثنائيين ) والوسيلة للوصول إلى هؤلاء : ( بناء شبكة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي للترويج لفكرة مؤداها أن العالم بحاجة إلى الثقافة الأمريكية ليعيش القرن الأمريكي مع نهاية القرن العشرين )
ولا بد لينجح مشروع الترويج للثقافة الأمريكية من محو ما عداها من الثقافات والانتصار عليه ، وبالمناسبة فإن هذا حصل في روسية وفي الصين وفي اليابان ) بينما ما زالت الشعوب العربية تهتف ( مالنا غيرك يا الله ) . يؤكد الرئيس الأمريكي وهو يضع قواعد حلقة جديدة من حلقات الحرب الباردة على الإسلام والمسلمين ( لا بد من اكتشاف الخطر قبل وقوعه ، والتخلص من مصدره بوسيلة أو بأخرى حسب مقتضى الحال ، في إطار براغماتية الغاية تبرر الوسيلة .)
ثم إلينا هذا المفتاح الخطير الذي يقترحه السيد نيكسون لتنفيذ المخطط الرهيب والذي نحتاجه لقراءة الكثير من الأحداث مما يدور حولنا هذه الأيام : يقول من الضروري ( إعادة ترتيب أوراق الصراع والبحث عن طريقة الهيمنة على العالم بأيدي أبناء الشعوب وتصفية جميع الجيوب المقاومة ).
أكرر كتابة الوصية الأخيرة للسيد ريتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق : الهيمنة بأيدي أبناء الشعوب وتصفية جميع الجيوب المقاومة ... بشار الأسد والسيسي والقانون 49 / والسجن والاعتقال والتشريد والتهجير والحرب في الرزق وسيل الاتهامات بالفساد والإفساد ..
والحديث خطير والكيد عظيم وتتبع مواقع هذه الاستراتيجية على واقعنا يحتاج إلى عين البصير ومبضع الجراح ...
(( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ )) ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية