أخطاء الإخوان وخطايا خصومهم
أخطاء الإخوان وخطايا خصومهم
عبد العزيز كحيل
ليس من أخلاق الايمان ولا من شيم الرجولة تناول جماعة الإخوان المسلمين بالنقد فضلا عن الانتقاص والتجريح والشماتة في هذا الحقبة من تاريخها بل يجب على المؤمنين وأصحاب المروءة الدفاع عنها والانتصار لها لأنها تعيش محنة ظالمة انتصب لها خصوم الإسلام والحرية من عسكر متعطشين للسلطة وغلاة العلمانيّين وأتباع الكنيسة ، فيجب تناول هؤلاء الانقلابيين الدمويّين بما يستحقون من النقد وبيان جرائمهم في حقّ البشر والدين والبلاد ولأنهم هم سبب هذه المحنة الخانقة وعدم الاصغاء لما يستميتون فيه من " بروبجندا " تقلب الحقائق وتصوّر الباطل الصريح حقا والحق المتألق باطلا ، أما تصديقهم بعد كلّ ما كان فهو منتهى الغباء أو خيار التخلّي عن المبادئ والقيم والأخلاق من أجل مصالح ومنافع او استجابة لفتاوى دينية مغشوشة تنبعث منها رائحة الجهالة والمواقف العاطفية السلبية التي تنضح حقدا وشماتة.
وإذا أصرّ بعضهم على وضع الطرفين في ميزان الجرح والتعديل – بمصطلح علماء الحديث – فالحقّ أنه إذا كان للإخوان أخطاء فإن لخصومهم خطايا ، والأمر واضح كالشمس ، فالإخوان وصلوا إلى السلطة بطريقة شرعية ، سواء في المجالس النيابية أو رئاسة الجمهورية ، واختارتهم أغلبية الشعب بأحسن وأجلى ما تكون الحرية والشفافية والنزاهة ، أما خصومهم فوصلوا إلى السلطة عبر انقلاب عسكري تلطّخت يداه بالدماء البريئة من الوهلة الأولى ، فكيف ننتقد من جاء به الصندوق و نسكت عمّن جاءت به الدبابات وباركته أمريكا والغرب والكيان الصهيوني أو نُسوّي بين الطرفين ؟ هذه لعمري قسمة ضيزى...بل يجب الدفاع عن الإخوان بشدّة لأن في ذلك دفاعا عن حرمة صوت الشعب وشرعية الانتخاب والثقة في الصندوق ، وأيّ مصداقية لانتخابات تجري في ظلّ الحكم العسكري وديمقراطية الواجهة ؟ وقد جرّبت الجزائر بعد انقلاب 1992 الاقتراعات من هذا النوع وذاقت مرارة التزوير المكشوف حين قرّر العسكر منذ رئاسيات 1995 ألاّ يخسروا أيّ انتخابات بعدها ، وما زال قرارهم هذا ساريا إلى اليوم ، وقد غُيّب الشعب عن تقرير مصيره لأن العسكر المدعَّم من قوى الاستكبار العالمي ومن الأوساط العلمانية والإقليمية لا يسمع إلا صوته هو .
ويجب الدفاع عن الإخوان لأن في قياداتهم وصفوفهم علماء في مختلف التخصصات من شأنهم خدمة المجتمع و وضع الخطط المناسبة لدفع عجلة التنمية كلما أتيح لهم أن يعملوا وينجزوا ، أما الانقلابيون فلا تعنيهم تنمية ولا تقدم ، لا يقدمون أصحاب الكفاءة ولكن أصحاب المصالح والمآرب الدنيئة من المنافقين وناثري البخور والفاشلين ، لذلك تراجعت مصر أثناء سنة واحدة في جميع المجالات وبلغ اقتصادها والخدمات فيها الحضيض كما لا يخفى على أيّ متابع للوضع هناك ، تماما كما هو شأن البلاد المختلفة التي ابتليت بالانقلابات العسكرية وتسلّط النُخَب العلمانية المتوحشة.
لماذا لا ندافع عن الإخوان وقد كانوا يعملون في جوّ مشحون ضدّهم ليل نهار ؟ كان الجيش والشرطة والقضاء والإعلام يعرقلهم بشتّى الوسائل بلا توقّف ، أمّا سلطة الانقلاب فتحظى بتدعيم كلّ هذه الجهات – بالإضافة إلى رموز و أموال نظام مبارك – وتجيّشهم فقط لمطاردة المعارضين المسالمين وتصيّد الوجوه الوطنية النزيهة ، وهي راضية عن نفسها تستمتع بمديح المنافقين وأبواق الفتنة وصكوك الغفران التي يقدّمها رجال دين من المسلمين والمسيحيين باعوا ذمّتهم لمن يدفع لهم وليس لمن يخدم مبادئ وقيما وشعبا.
على كلّ منصف أن يدافع عن الإخوان لأن معارضيهم بخسوهم حقّهم ولم يمكّنوهم من أداء مهامّهم الدستورية لا في مجلس النواب الذي حلّه القضاء غير النزيه والمنحاز علانية للنظام البائد ، ولا في الرئاسة حيث حوصر الرئيس محمد مرسي منذ انتخابه حصارا ظالما شديدا لم يترك له حيّزا للتحرّك لتطبيق برنامجه ، فلا استطاعت الجماعة أداء وظيفة التشريع ولا التنفيذ ولا شكّلت الوزارة بل كان تمثيلها فيه ضئيلا وأقرب إلى الرمزية بسبب ضغط أكثر من طرف داخلي وخارجي من دوائر الثورة المضادّة .
فعلى أيّ أساس يُحاسب نواب الإخوان ود.مرسي ووزراؤه ومحافظوه ؟ يقتضي العدل أن يُعطى ممثلو الشعب والرئيسُ الفرصة الزمنية الكاملة للحكم عليهم ، وعلى كلّ حال يلاحظ القريب والبعيد تراجع الحقوق والحريات في ظلّ الحكم العسكري تراجعا رهيبا وقد كانت في ظلّ الإخوان مصونة مكفولة للجميع بشكل مذهل ، وقد حكم العسكر مصر 60 سنة عانى فيها الشعب من إرهاب الدولة والإفلاس الاقتصادي والغزو الثقافي والتردّي الاجتماعي ، وها هو في الطريق إلى المزيد ، والعسكر تغريهم القوّة الباطشة التي يستحوذون عليها وعدم المساءلة من أيّ طرف لأنّ صوت الشعب مغيّب ، وكذلك التشجيع الذي يلقونه من أوساط الفاسدين والنفعيّين وأعداء مشروع الحرية وخصوم الإسلام الرافضين له كمرجعية حضارية ومشروع مجتمعي حتى من بعض المعمّمين الذين يرتّبون مصالحهم المادية والمعنوية قبل مصلحة الأمة والبلاد والدين ذاته ، فهم لم يتورّعوا – مع أمثالهم من " المثقّفين " الانتهازيّين و" الفنانين " أرباب الخلاعة والمجون - عن الاصطفاف مع رموز الالحاد والتنصير والإفتاء بوجوب تقتيل الإخوان ومناصريهم من المعتصمين والمتظاهرين الأبرياء المسالمين والتدليس على الرأي العام بالآراء الشاذة التي تسيء إلى الاسلام ذاته لأنها تتكلم باسمه.
وقد تلطّخت صورة الدعوة السلفية باختيار ما يسمّيه بعضهم " حزب الزور " لمعسكر الانقلاب وانغماسه في التأصيل الباطل للباطل في مسعى تطغى عليه الأحقاد والحسد ، فكان ذلك وصمة عار على جبين تيار طالما تباهى بالاستناد إلى الشرع في كلّ صغيرة وكبيرة وحركة وسكنة ، فدلّ موقف الطائفة البرهامية على قسوة في القلوب و إغلاق في الأذهان و سطحية في التفكير وجهل مهول بالسياسة والتوازنات الداخلية والخارجية ، لكنّ رموزا ذات وزن كبير في الساحة السلفية أدانت الحزب والبرهامية بشدّة وناصرت الإخوان وانحازت إلى الشرعية فبرّأت الدين والدعوة والذمة .
وأخيرا ، هل يظنّ من أعماهم الغرور أو جرفتهم الغِرّة أن المشوار قد انتهى وان الانقلاب سطّر نهاية التاريخ ؟ قد يحدث هذا لو كان الإخوان أفرادا وعواطف وطفرات ، لكنهم جماعة أصيلة متأصلة في القلوب والعقول ، لها في أقطار الأرض مؤسسات وهياكل تتجاوز الرجال والمراحل ، قد تخسر معركة هنا أو هناك لكنها تفوز في النهاية لانسجامها مع حركة التاريخ رغم انف التنظيم الدولي للثورات المضادّة الذي تقوده دول عربية أطغاها المال الوفير والدعم الغربي... والفضل كل الفضل لمن عرف قدرها وقدّر إنجازاتها وتألّم للظلم الذي أصابها فآزرها في محنتها وانتصر لها ضدّ أعدائها ، مع حقه في الاختلاف معها في كثير أو قليل من مواقفها واختياراتها.