ما نفع الكتابة ؟. ولمن نكتب ؟
كاظم فنجان الحمامي
ما نفع الكتابة إذا كان المسئولون من خارج تشكيلات وزارة النقل يصمون آذانهم, ولا يأبهون لما نكتب في الصحف والمنتديات؟, وما فائدة الكتابة إذا كان أصحاب الشأن لا يقرأون ما نكتب, بدليل التزامهم جانب الصمت المطبق في الرد على كتاباتنا النقدية التصحيحية, ولمن نكتب إذا كان أصحاب القرار لا يستفيدون من توصياتنا ومقترحاتنا, ولا يأبهون بآرائنا التوجيهية, ولا يحاولون إصلاح عيوب الأجهزة الإدارية الفاشلة, التي اشرنا إليها مرارا وتكرارا في كتاباتنا الاستقصائية ؟, وما نفع الكتابة إذا كانت بعض المؤسسات الحكومية لا تعير همومنا أي اهتمام ولا تكترث بآلامنا ومتاعبنا ؟.
لقد كتبنا مئات المقالات في المحاور السيادية والجغرافية والاقتصادية والتجارية والسياحية والزراعية والبيئية لشط العرب, لكن كتاباتنا ذهبت مع الريح, وكتبنا عن البطالة البحرية في القطاع الخاص, وعن تعطل سفن الصيد وافتقارها إلى الدعم والرعاية من قبل وزارة الزراعة, وكتبنا عن جفاف الاهوار, وعطش الفاو, وارتفاع مستويات الملوحة في الجداول والأنهار, وخراب بساتين النخيل, وانكماش سواحلنا, وانحسار ثرواتنا السمكية, من دون أن نتلقى أي استجابة لما ورد في كتاباتنا وكتابات غيرنا, وكنا نتمنى أن تُعرض كتاباتنا على المسئولين, فينظروا فيما يطرح من خلالها من توصيات وأفكار ومقترحات مستقبلية.
فهل نحن نكتب لكي ننفس عن هواياتنا المكبوتة, التي استطعنا أخيرا أن نمارسها على نطاق واسع في ظل التأرجح الصحفي المتذبذب بين التصريح الجريء والتلميح الخجول ؟, أم أن المسئول لا يقرأ المواضيع الجادة, وتكاد تقتصر اهتماماته الصحفية على قراءة برقيات التهاني والتعازي, التي بعثها ليجامل بها من هو أعلى أو أقوى منه.
لقد بدأت مشواري الكتابي منذ أكثر من ثلاثة عقود, وانصبت اهتماماتي مذاك على السعي نحو استنهاض قدراتنا الوطنية الواعدة, والعصف بها نحو تجاوز العقبات, والقفز نحو الأمام لتحسين صورتنا, والوقوف بحزم نحو استعادة أمجادنا الحضارية المزدانة بالإبداعات الرائدة. وجاءت توجهاتي الكتابية متوازية مع جهودي المهنية, ومتوافقة مع نشاطاتي الميدانية في شط العرب, حتى صرت الكاتب البحري الأغزر إنتاجا, والمرشد البحري الأقدم في عموم الموانئ العراقية, لكن ما حصل معي قبل بضعة أيام لم يكن ليخطر على بالي أبدا, فقد استوقفني شاب متنكر بزي الصيادين إثناء قيامي بإرشاد سفينة أجنبية عبر ممراتنا الملاحية, وطلب مني بنبرة غاضبة الانصياع لأوامره, والتوقف عن الحركة, والخضوع لتوجيهاته, كانت تصرفاته مثيرة للعجب, وتوحي بانتهاكات صارخة لكل الأعراف والقواعد, وتنم عن التخبط المهني الذي توصلنا اليه, وتعكس عدم إدراك العناصر الفتية لحدود المسئوليات المتفق عليها. .
ألهذا المستوى وصل بنا الحال ؟. وهل صار زمام الأمور بيد أصحاب الابلام وزوارق الصيد ؟؟.
ختاما نقول أننا سنواصل انتقاد الظواهر السلبية على الرغم من تذمر أصحاب الشأن والقرار من مواقفنا التصحيحية الصادقة, لأننا نرى في النقد والكتابة مسئولية وطنية, ووسيلة للتغيير نحو المستقبل الأفضل, لذا فأننا سنكتب لندافع عن تشكيلات وزارة النقل, وعن حقوقنا السيادية في مياهنا وممراتنا الملاحية, وسنكتب لنضم أصواتنا إلى الأصوات المغيبة, وسنواصل الكتابة والنقد البناء لنفضح الممارسات الخاطئة, وسنكتب لكي نعبر عن رأينا الخالص لوجه الله من دون هوى أو غضب, ومن دون اندفاع نحو الهدم والإحراج والانتقام, وإنما لإبداء الرأي والنقد الهادف إلى البناء والتقويم, وتلبية مصالحنا الوطنية, فالكتابة الجادة الهادفة بالنسبة لنا ليست ترفا فكريا, أو هواية تافهة نتوخى منها إهدار الوقت في التلهية الكلامية والمناقشات الفارغة, بل هي ضرورة من ضرورات استقرار العراق, وفلاح شعبه وتوازن أحواله واعتدالها.