ضحايا معارك عيد الأضحى
كاظم فنجان الحمامي
تجددت اشتباكات الصغار والأطفال في معارك عيد الأضحى, التي انطلقت شرارتها في اليوم الأول من العيد, وشملت الأقطار العربية كلها, من المحيط إلى الخليج, لكنها كانت على أشدها في المدن العراقية المتأثرة بثقافة العنف, ورواسب الاحتلال.
ويبدو أن الأسواق العراقية كانت على أتم الاستعداد لتجهيز هذه المعارك الموسمية, وتغذيتاها بأحدث ما أنتجته ترسانة الألعاب الصينية من مسدسات, وسيوف, ورمانات يدوية, وقاذفات, وبنادق قنص مزودة بمؤشرات ليزرية لتحديد الهدف, وقاذفات مدمرة, ورمانات يدوية, وسكاكين وخناجر, ومفرقعات صوتية وضوئية, وأسلحة نارية أخرى مطابقة تماما من حيث الشكل والمواصفات العامة للأسلحة التعبوية الفعلية, وحرصت أسواقنا على تجهيز أكبادنا بالعتاد اللازم لخوض القتال التشبيهي الميداني, وتجهيزهم بالذخيرة والاطلاقات, التي غالبا ما تكون على شكل كرات حديدية أو بلاستيكية متباينة الأحجام والألوان.
كانت الأسلحة كافية تماما لتلبية رغبات الصغار في تقليد حماقات الكبار, ومحاكاة ميولهم العدوانية, وتجسيد نواياهم الشريرة, وملائمة تماما لإعادة تمثيل أفلام الأكشن, والرسوم المتحركة القائمة على فكرة النسف والتدمير وإزهاق الأرواح, ومسلسلات العنف والترويع, التي تعرضها الفضائيات العربية ليل نهار, والعاب الكومبيوتر والأتاري, وهكذا تراكمت الممارسات العدوانية, وتعمقت في أذهان الأطفال, فحفزتهم على تقمص ادوار رامبو, والرجل الوطواط, والرجل العنكبوت, وجاكي شان, ومراد علم دار, وفان دام.
استعد الأطفال لمعارك العيد, وأعدوا العدة قبل بضعة أيام, فحصلوا على الأقنعة, والشارات, والأصفاد, والبدلات المرقطة, والأحزمة الناسفة, وتسلحوا بالمعدات الحربية الخفيفة والثقيلة, لكنهم اخفوا ساعة الصفر, ووضعوها طي الكتمان, وكأنهم يدركون أن عنصر المباغتة في تنفيذ الضربات الاستباقية قد يحسم المعركة لصالحهم, ويحقق لهم النصر المؤزر ضد أبناء الجيران. أو ضد أشقائهم الأصغر منهم.
كانت حرب الشوارع هي الصفة العامة الغالبة على تحركات معظم فيالق الأطفال, بينما راحت فيالق أخرى تمارس العاب الاغتيال والخطف المسلح وقطع الطريق, في حين كانت مجاميع أخرى تمارس هوايتها المفضلة في نصب الكمائن والانقضاض على خصومهم في الأزقة الضيقة, أو تقليد تصرفات عناصر الحماية في الموكب الاستفزازية لرجال الدولة, ومنهم من ركب باصات الأجرة, وتأبط بندقيته المعبئة بالخرز الأصفر, وراح يمارس الألعاب العبثية المتأثرة بمدرسة الإرهاب والقتل العشوائي, ويطلق العيارات البلاستيكية على الناس وعلى السيارات الأخرى المارة في الجوار.
أسفرت المعارك عن خسائر لا يستهان بها, تمثلت بتحطم زجاج النوافذ المنزلية وتهشم أواني المطابخ, وتعرض عيون عشرات الأطفال لإصابات العيون, وخدوش عميقة في القرنية, مصحوبة بنزيف تحت الملتحمة, وتسببت بعض الإصابات في انفصال القزحية, وانفصال في المنطقة الصفراء في الشبكية, وغصت مستشفيات المدن العربية من أقصاها إلى أدناها بضحايا المفرقعات والألعاب النارية شديدة الانفجار.
لا نريد الخوض بتحليل هذه الظاهرة, ولا نريد التطرق إلى آثارها السلبية المدمرة لسلوك الأطفال, لكننا نوجه اللوم والعتب إلى الجهات الرسمية الحكومية التي ماانفكت تتفاخر بخططها المستقبلية الرامية لتجفيف منابع الإرهاب, في حين نجدهم غير قادرين على تجفيف منابع بيع وتداول هذه الألعاب الحربية المطاطية, والمؤسف له ان الحكومات العربية ماضية في سياسة التطنيش واللامبالاة, وليست لديها رغبة حقيقية ملموسة للحد من استيراد هذه الألعاب النارية الخطيرة, ومنع تدفقها إلى أسواقنا المحلية. .
وقفة:
يحكى أن عائلة عربية من جنوب العراق هاجرت إلى السويد, وعقدت العزم على الإقامة في الربوع السويدية الآمنة, وكان اصغر أبنائها خبيرا بالألعاب النارية, شأنه شأن أي طفل عراقي يمارس القتال التشبيهي على هواه, وصادف أن التحق هذا الولد بفصول المدرسة الابتدائية القريبة من منزلهم, وفي يوم من الأيام طلبت معلمة الرسم من التلاميذ أن يرسموا شيئا ما, فرسم الطفل العراقي البريء دبابة روسية الصنع من طراز تشفتن ذاتية الحركة, فسقطت المعلمة مغشيا عليها من هول الصدمة, واستدعت ناظر المدرسة والكادر التدريسي كله, لمشاهدة (هتلر الصغير) وهو يتفنن برسم أدوات الموت والدمار. وانتهت هذه الحكاية بعزل الطفل المهووس بالحروب والمعارك عن بقية التلاميذ, وإدخاله في مصحة عقلية تقويمية, لكي يتعلم كيف يرسم وردة. . . . .