لماذا لا يقرأ الحكام العرب التاريخ ويتعظون بأحداثه
لماذا لا يقرأ الحكام العرب
التاريخ ويتعظون بأحداثه؟!
محمد فاروق الإمام
أستغرب كون الحكام العرب لا يقرؤون التاريخ، ولو أنهم قرؤوه لوفروا الكثير من المصائب على شعوبهم، ودفعوا عربة التنمية والازدهار والرقي والتقدم لبلدانهم، وجعلوا شعوبهم تعيش أعزة وأوطانهم حصينة منيعة تتكسر على أسوارها سنابك خيل الغزاة والطامعين.
نعترف أن حال الأمة اليوم وما يحل بها من مصائب ونكبات وهزائم وانكسارات شيء يدمي القلوب، ويعود ذلك إلى عدم اتعاظ الحكام من أحداث التاريخ التي مرت على هذه الأمة كحال من سبقهم.. وكيف يتعظون وهم لا يقرؤون، فقد ألهتهم متع الدنيا وزينتها، وأنساهم هموم الأمة انشغالهم بديمومة الحكم والتمسك بصولجان السلطان!!
فقد حدثنا التاريخ عن أمة (هي التتار) جاءت كالإعصار تغزو وتدمر وتقتل وتسلب وتعيس فساداً، مستفيدة من ضعف حل بهذه البلدان لانشغال الحكام بالقيان والجواري والملذات والجور والظلم والتصارع على النفوذ، ومن بين هذه الدول الدولة العباسية في بغداد، التي كانت رمزاً للشموخ والقوة والحضارة عندما كان أميرها الذي كان همه الفتوح والعلم والعدل وإحقاق الحق وإشاعة الأمان بين الناس.. يخاطب السحابة التي مرت فوقه قائلاً: (أمطري أنّا شئت فإن خراجك سيأتيني) وعندما أصبح أميرها همه ملاعبة الغلمان والجواري والقيان والظلم والجور وبناء الجدران بينه وبين الرعية سُلب ملكه وذل وقتل.
وشاء الله أن يعيد للأمة من يجدد شبابها ويعيد لها كرامتها وعزتها على يد شاب مسلم شجاع مؤمن هو المظفر قطز حاكم مصر الذي تلقى رسالة تهديد وإنذار من ملك التتار الذي استباح بغداد وقتل فيها ما يزيد على مليون من سكانها، وأجرى نهر دجلة يتشح بالسواد ستة أيام لكثرة ما ألقى فيه من كتب ومخطوطات ودراسات وبحوث.. يقول فيها:
(بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلّطنا على خلقه..الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس "المماليك"..صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها..إنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلّطنا على من حل به غيظه.. فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر.. فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم.. قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ.. فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى.. فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد..فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب.. فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق، وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال. فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان..فأبشروا بالمذلة والهوان (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)..وقد ثبت أنّا نحن الكفرة وأنتم الفجرة.. وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة..فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم علينا من سبيل.. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب.. قبل أن تضرم الحرب نارها، وتوري شرارها.. فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً، إذ أزتكم رماحنا أزاً.. وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية..فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم).
لقد استشهد التتار ببعض آيات الله وكذلك إسرائيل عندما احتلت الجولان كتبت على يافطة علقتها على مدخل القنيطرة وكتبت الآية الكريمة: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين).
واستسلم العرب عام 1967 لما فعلته إسرائيل ورضوا بما تقرره وتريده، أما المظفر قطز فقد كان له موقف آخر، فعندما تسلم رسالة ملك التتار التي أراد بها زرع اليأس داخل قلوب المسلمين، انتفض كالليث يزمجر رافضاً الخنوع والاستسلام، فذبح رسل ملك التتار، وعلق رؤوسهم على أبواب القاهرة ماعدا واحد حمل الأجساد إلى قائدهم.
واستنهض المظفر قطز همم المسلمين وناشدهم نبذ خلافاتهم، واستجماع قوتهم، والتصارع على النفوذ والحكم، والإعداد لمواجهة التتار، وقرب المستشارين من العلماء والحكماء والعقلاء وشرفاء الأمة، وعمل بعظاتهم ونصائحهم وعلى رأسهم الشيخ (العز بن عبد السلام)، فصدق قطز العمل وهبَّ لنصرة الله ودينه والذود عن حياض الوطن ودفع الغزاة عن بلده، فكان النصر من عند الله تحقيقاً لقوله تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
وما أشبه اليوم بالبارحة.. فهذه رسائل الصهاينة تصلنا تباعاً قتل وتدمير وحرق وتجريف واغتيال واستباحة أجواء ومياه وأرض وشجر وحجر ومقدسات، ولا نزال نحن في صراع داخل كل قطر، وتنابذ وخلافات في مابين بلداننا العربية، ولا تلوح في الأفق أي بادرة خير يمكن أن تبشرنا بغد خير من يوم مضى، فاتقوا الله يا حكام العرب واستفيقوا من غفلتكم فالإعصار قادم يريد الجميع وفي المقدمة أنتم فهلا قرأتم التاريخ واتعظتم بأحداثه؟!