عندما يعتلي العوام المنابر
يحيى بشير حاج يحيى
أزعم أنني قرأت عدداً كبيراً من كتب الخطابة التي تتحدث عن صفات الخطيب ومؤهلاته وواجباته ، إلا أنني ـ وهي وجهة نظر خاصة ـ لم أجد في أي منها ما وجدته في كتاب " كيف تكون خطيباً " لمؤلفه التونسي عبدالرحمن خليف ، والذي طبعته إدارة الصحافة والنشر في رابطة العالم الإسلامي منذ سنوات .
تحدث المؤلف في المقدمة عن عدد من الأسباب التي أدت إلى ضعف أثر الخطبة في المجتمعات الإسلامية ففجر عندي بعض المواجع ، وأخص منها قوله : إن الخطبة أسندت في كثير من بلاد المسلمين لغير الأكفاء ، فذكرت ما رأيت وما سمعت وما قرأت عن هذه الحال !!
من ذلك أن يصعد الخطيب وبيده كتاب اصفرت أوراقه لطول العهد ، ليقرأ منه على المصلين ما سمعوه مرات ومرات ؟! ولربما تمزقت بعض الصفحات ، فتتداخل الأفكار وتتشابك الموضوعات ؟
ومن ذلك ما حدثني أحد الأصدقاء به ، إذ عين معلماً في إحدى القرى ، فقدر له أن يحضر خطبة الجمعة ويستمع للخطيب الذي بادر المصلين بضرورة التبكير إلى المسجد مرغباً لهم بثواب من يحضر في الساعة الأولى وكأنه قدم " بَدَنَهُ " أي ناقة أو بقرة بالتاء المربوطة لا بالهاء " الضمير " .
وحين انتهى من الصلاة تلطف له وأراد أن يفهمه أن الضبط خطأ .. فأصر الخطيب على أنها " بَدَنَهُ " وعلل ذلك بأن تقديم البدن فيه من الكرم والجود أكثر من تقديم البقرة وما سواها واحتدم النقاش ، فلم يقتنع الخطيب ، ولم يسلم له المعلم ولكن العوام الحاضرين أنهوا الحوار بالغضب لخطيبهم قائلين : كلام خطيبنا مثبت وصحيح فسكت المعلم وانسحب خاسراً ؟!!
وسمعت من أحد المعارف أنه حضر خطبة في إحدى القرى الواقعة في طرف البادية ، فصعد الخطيب وأخرج كتاباً تالفاً وبدأ يقرأ منه على المصلين ؟ وكان من جملة ما قال : لا تفعلوا كما يفعل بعض اللاهين ، يركبون المراكب ، ويغنون ويرقصون وهم في النيل ، فتنقلب بهم ويغرقون !!
قال : فنظرت إلى المحوقلين والمسترجعين الذين آلمهم أن تنقلب المراكب : وقلت : سبحان الله متى وصل النيل إلى هذه البادية ؟.
وحضرت إلى إحدى القرى في أحد أيام الجمعة ، فلم أسمع صوت الأذان وقت الظهر ! فسألت صاحبي عن السبب ! فقال : إن الخطيب الذي اتفقت معه القرية ، يذهب كل صباح جمعة إلى أرضه ، ولا يعود إلا قرب العصر ، لأنهم لم يدفعوا له الأجرة التي اتفق معهم عليها ؟!
فمتى نعيد لهذه المنابر دورها الحقيقي في توجيه المسلمين وإرشادهم ، ونكسبهم إلى صف الدعوة من خلال خمسين لقاء أو أكثر في العام ؟