اغتيال العلماء

في عزل الخيرة من المعلمات وأساتذة الجامعات

سياسات الضلال الشامل

زهير سالم*

[email protected]

يحسب البعض أن صلاتنا المتكررة: (اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ.) تتعلق بصراط يوم الدين فقط ... نحن مع كل صلاة ندعو الله أن ييسرنا لليسرى، أن يهدينا الصراط المستقيم في أمور دنيانا وأخرانا، وأن يثبتنا عليه، وأن يسددنا في كبير أمرنا وصغيره ..

نحن في صلاتنا المتكررة كل يوم ندعوه، ربنا تبارك وتعالى، أن ينعم علينا بالهداية وأن يجنبنا طريق الضلال، كل الضلال. إن اعتبار الضلال من مصطلحات علوم الدين فقط، وقصرِ مفهومه على ميادين الآخرة، فيه الكثيرَ من الجَنَف والضيق. نعوذ بالله من الضلال أن يكتنف حياتنا العامة والخاصة فيردينا على المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. يردينا فتكون معيشتنا ضنكا ويكون معادنا أعمى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)..

وإنه الضلال السياسي الذي يجعل أمة تعجز ، وقد توفرت لها الإمكانات المادية، عن أن تحمي وجودها، وتحقق ذاتها..

وإنه لضلال ثقافي وفكري أن تظل أمة (اقرأ) تتردى في غمرات الجهل والأمية والانقطاع عن معطيات العصر الذي تعيش فيه.

وإنه لضلال اقتصادي أن تسقط بلاد الميرة والخير في حبال الجوع.. وأن تستحكم الأزمات في حياة الناس، وتغرق المعيشة الضنك الفرد والجماعة، ويكون الكدح بغير ثمر، والنَّصَب مع الجوع ، فريق من الناس يكد ويتعب وآخر يجني ويكسب..

وإنه لضلال مبين أن تعرض دولة أو حكومة عن الخطط التربوية الراشدة التي تؤهل الفرد لكي يكون عضوا فعالا منتجا في مجتمعه، فيستهلك رءوس الضلالة أعمار أجيال من أبناء المجتمع في علوم لا تنفع، ومهارات لا تُرتجى..

وإنها لضلالة ما بعدها ضلالة أن يُنحى كل خبير صالح عن موقعه، تحت أي ذريعة أو شعار أو عنوان ليوسد الأمر إلى غير أهله، على صعد الحياة كافة؛ فيكون فينا كالذين قال الله فيهم (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ .. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ).

ويوما بعد يوم، تلتف سياسات الضلال الشامل على أعناق شعوبنا، وتضرب بظلمائها مربعات وجودنا، وتغلق على أمتنا طريق مستقبلها.. يمسك بأمرها رءوس جهال يَضلون ويُضلون

تقوم سياسات الضلال الشامل في أول أمرها على اغتيال الرشد في أشخاص الراشدين، واغتيال العلم باغتيال العلماء، وتتكرس بنفي أهل الطهر عن مرابعهم (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ).

 في عصر الضلالة الممنهجة لم يعد الموت هو السبيل الوحيد لانتقاص ثمرات العقول. ففي بلادنا المبتلاة بألوان الشر والسوء تتعدد أساليب الغيلة، تطفئ مصابيح العقول لتضرب العنكبوت على حياة الأمة بنسجها. فيغتال دعاة الخير، ويعزل حملة مصابيح الهدى، ولتكون الكلمة لرءوس الجهل على كل صعيد يَضلون ويُضلون..

وتأمل

كم صاحب عقل رشيد ذوى عقله في أعماق الزنازين؟! وكم صاحب علم حوصر وعلمَه في الرطب المظلم، وتحكم فيه من لا خلاق له من الجهلة والأغمار. لأن رءوس الضلالة لا يحتملون بهرَ نور المعرفة ولو وصوص من بعيد..

تأمل هذه العقول المهاجرة أو المهجّرة التي لم تجد في موطنها موضعا لبذار حبة ولو كانت لتنبت سبع سنابل.. تأملها تعمر بعيد الديار، تبني فتعلي، وتعلّم فتهدي، وتشير فترشد؟!

 تساءل ..حين يدفعون عالما إلى التلبس في موقف يسقطه من أعين الناس، فيضطر المفتي إلى إصدار الفتوى التي تعجب صاحب السلطان، أو حين يوضع على كرسي الإفتاء آخر لا هم له إلا إرضاء صاحب السلطان في الأولى اغتالوا العالم وفي الثانية اغتالوا العالم والمنصب معا..

تذكر أنهم في بعض الأوطان أمروا أئمة المساجد أن يصطفوا بعمائمهم في حلقة رقص احتفالا مهينا .. ألم تكن تلك جريمة مدبرة لاغتيال العمامة قبل صاحبها..

وحين يعزل الخطيب عن منبره، والمدرس عن كرسيه، والناصح لله ولرسوله ولعامة المسلمين عن موقعه..

حين تأتيك الأخبار أن فاطمة وعائشة ونسيبة وخولة والخنساء لم يعد لهن منبر في مدارس الشام تذكر حديث الرسول الكريم:

"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلمَ بقبض العلماء. حتى إذا لم يترك عالما، اتخذ الناس رءوساً جهالاً. فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا..". رواه مسلم

وهاهم اليوم يسجنون، ويهجرون، ويفسدون، ويعزلون، ويعينون .. فيَضلون ويُضلون..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية