لا نريد كفاءات بل نريد ولاءات

محمد فاروق الإمام

لا نريد كفاءات بل نريد ولاءات

محمد فاروق الإمام

[email protected]

قبل سنوات نازع الحنين والشوق البروفيسور برهان غليوم إلى وطنه سورية بعد هجرة طويلة أمضاها بين الكتب والعلوم والدراسات والأبحاث والمختبرات وجامعات الغرب، ممنياً النفس بالعودة إلى الوطن الذي يعشق ويحب ليفرغ ما في جعبته من أفكار وعلوم ومعرفة وخبرة اكتسبها خلال سنوات الهجرة الطويلة في خدمة بلده والمشاركة في دفع عجلة التنمية والتقدم فيها. ولكنه فوجئ بعد أن وضع قدماه على أرض الوطن في مطار دمشق أنه غير مرحب به ولا بكل ما يملك من كفاءات، فقد أفهمه ضابط الأمن الذي كان أول من استقبله قائلاً: نحن هنا لسنا بحاجة إلى كفاءات إنما بحاجة إلى ولاءات!! وعاد البروفيسور برهان غليوم إلى بلاد المهجر مجدداً مخلفاً وراءه وطناً يبحث حكامه عن الولاءات وليس عن الكفاءات.

ما دفعني لاستذكار ما جرى مع البروفيسور برهان غليوم إمكانيات وخبرة وتجربة وكفاءة ونظافة يد القائمين على الحكم في دمشق وفي كل المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمعلوماتية والدبلوماسية والسياسية والعسكرية والإدارية لأجد العجب العجاب من الفراغ والمحتوى من كل ما ذكرنا، فكل القائمين على الحكم بلا استثناء لا يملكون من الخبرة والمعرفة والتجربة إلا الولاء والتطبيل والتزمير والهتاف والتسبيح والتحميد والتمجيد لقائد المسيرة وترديد الشعارات الجوفاء لحزب البعث التي مجتها الجماهير السورية وقرفت منها لكثرة ما سمعتها على مدار نحو نصف قرن، ولم تجد شعاراً واحداً من هذه الشعارات قد طبق على الأرض!!

أخبار الفساد والقمع وهدر حقوق الناس وملاحقة أصحاب الرأي والصحافيين كل ما يجيده هؤلاء من أصحاب الولاءات للنظام والحزب القائد والموجه للدولة والمجتمع، فوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية العربية والعالمية تزخر بأخبار سورية المحزنة والمخزية، لما لأهل الحكم في دمشق من باع طويل في الفساد واختلاس الأموال وتبديد الثروات وهدر حقوق الإنسان وقمع أصحاب الرأي الآخر، وهذا دفع العديد من الفنانين السوريين الساخرين من هذا الوضع إلى دبلجة الأفلام والمسلسلات التي تحكي فصول مآسي أهل الحكم في دمشق ومخازيهم، ومنها: (مرايا، وضيعة ضايعة، وبقعة ضوء، ومسرحيات غوار الطوشة وحسني البرظان.. وغيرها كثير)، والمضحك في الأمر – وشر البلية ما يضحك – أن هذه الأفلام والمسلسلات تعرض في الفضائيات السورية للتسلية والضحك والترويح عن النفس، ولتشق طريقها بقوة لتعرض في معظم الفضائيات العربية على مختلف أنواعها وتوجهاتها، تحمل في مضمونها ورمزيتها فضائح القائمين على الأمر في دمشق من (راسها حتى مداسها).

ولعل آخر أخبار أصحاب الولاءات دون الكفاءات في بلدنا ما ذكرته صحيفة (الوطن) السورية الخاصة أن القيادة القطرية أعفت عدنان محمد العزو أمين فرع حزب البعث في مدينة حماه وسط سورية بسبب ما قالت التقارير إنها تجاوزات وسلوكيات شخصية ارتكبها المسؤول وعدد من أقاربه، تخالف قيم البعث ومبادئه، ويعتبر أمين فرع حزب البعث في سورية أعلى سلطة على مستوى المدينة، كون البعث هو الحزب القائد في سورية والمفروض به أن يكون الرقيب على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي والإداري والسياسي في المدينة. وما أدلى به رئيس وزراء سورية مؤخراً (الرفيق المهندس ناجي العطري) لجريدة الرأي الكويتية واصفاً فريق الرابع عشر من آذار صاحب الأغلبية النيابية والحاكم في لبنان بأنه (هيكل كرتوني) لدليل قاطع إلى أن أهل الحكم في دمشق هم حقيقة من أصحاب الولاءات وليسوا من أصحاب الكفاءات، فسعادة الرفيق عدنان محمد العزو خان الأمانة واستباح وأقاربه المال العام والمراكز الإدارية الحساسة، وما قاله العطري لا يقوله إلا رجل لا يملك أبسط معاني الكياسة والدبلوماسية والسياسة، فأي ممانعة وأي تصدي وأي تحدي يواجه به أهل الحكم في دمشق العدو الصهيوني وأجندة دوائر المتربصين بالشام وأهله، وكلهم من أهل الولاءات وليسوا من أهل الكفاءات؟!