إحسان دبابسة.. حِمىً مستباح
إحسان دبابسة.. حِمىً مستباح
ماهر أبو عصب
كالنار في الهشيم انتشر مشهد الفيديو الراقص, يظهر فيه جندي إسرائيلي يتراقص ملاصقا للأسيرة إحسان دبابسة, غير أن هذا الفعل لم يتبعه رد فعل مناسب ومواز لحجم الجريمة التي يجمع على بغضها كل مواطن حر في هذا العالم, وبعيدا عن كل هذه الأوصاف التي تقال، فان الإعلام والأحزاب السياسية لم تأخذ دورها المأمول ليشفع لها تقصيرها المرافق عند اقتحام معمعة السياسية.
الحالة النفسية للأسيرة المحررة إحسان عبرت عنها بدموعها الرقراقة والتي قالت لم يفارقني مرارة الأسر منذ خروجي منه ولم استطع نوم ليلتي عند مشاهدة الفيديو للسجان الراقص, حالة نفسية ستلازمها وتنعكس على شخصها كون الإعلام تلقى مادة دسمة تصلح لنشرات الأخبار وبث الحالة المجردة دون التطرق للحالة النفسية التي ستلازمها بعد انقضاء الحدث وورود خبر آخر يطغى عليه بالتقادم.
الإعلام الفلسطيني والعربي بأشكاله المتعددة لم يأخذ دوره الجاد حيال هذه الظاهرة الآخذة بالاتساع والانتشار, فبعد المتابعة المضنية والمتواصلة لنشرات الأخبار لم يشف الغليل طبيعة التغطية الواردة, فما قيمة أن يتم استضافة الضحية والبوح بكلام اليم ورؤية الدموع المنهمرة ان لم يتبع هذا الحال تبنيان كامل لقضيتها, ولتكون صوتا ومنبرا حرا متابعا لملفها في المحاكم الدولية سيما اذا علمنا ان متابعة هذا الملف سيعود بالنفع الكبير على الأسرى أو من يتم اعتقالهم في مرات لاحقة.
انتشار الفيديو في موقع اليوتيوب يفرض على الاعلامين وهواة الشبكة العنكبوتية إعادة ترتيب أولوياتهم في الاستخدام الفاعل لها, والمتابع لحال الإعلام الجديد خاصة الاجتماعية كالفيس بوك والمدونات تتعزز إليه أهمية الاستخدام النشط وتسخيرها لخدمة قضايانا وفضح ممارسات المحتل, سيما ان حكومات سقطت نتيجة فضح ممارساتها على هذه الوسائل الحديثة.
ان توالي نشر هذه الصور والفيديوهات لجنود ينكلون بأسرى فلسطينيين يوحي بدلالات خطيرة فما عاناه ويعانيه الأسرى الفلسطينيون منذ عقود من شبح وتعذيب مرورا بحالات أخلاقية مشينة لم يتم الكشف عنها على الملأ حتى لا يتورط السجان الإسرائيلي في أزمات وملاحقات قانونية أمام العالم لتثقل كاهله وتضعه في موقف محرج أمام القضاء الدولي.
وهذا يشير إلى احتمالية حدوث ممارسة أفعال مشينة بحق البعض لم يفضل أصحابها الحديث عنها على الملأ وأمام شاشات التلفاز خاصة وانه تم استخدام أساليب مهينة مع الأسيرات, ونشير إلى انه تم تهديد بعض الأسيرات باغتصابهن إن لم يُدلين باعتراف كامل.
عله من المصادفة أنّ نشر هذا الفيديو جاء في غمرة الحملة التضامنية التي تقيمها الجبهة الشعبية في الوطن للتضامن مع الرفيق احمد سعادات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين غير أنه في مقابل ذلك لم نلمس ازديادا في الالتفاف الشعبي حول هذه الحملة لإظهار أن هذه المشاهد تزيدنا قوة وتوجها نحو المطالبة بحقوقنا.
ومع حفظ كامل الود للقادة السياسيين المأسورين في زنازين العزل ومع حقهم على مجتمعهم بتنظيم الحملات الداعية للإفراج عنهم إلا إني أجد نفسي معاتبا للأحزاب السياسية والمؤسسات المدنية لتقصيرها بنقل ما يعانيه الأطفال الأسرى والأسيرات كونهم الرهان الأضعف في حلقات الأسر المتتالية, فما يتعرض له الأطفال في المعتقلات الإسرائيلية من محاولات إسقاط وابتزاز لأمر يستدعي الوقوف بجانبهم ومساندتهم في محنتهم وحتى إرشادهم ومتابعة شؤونهم بعد الإفراج عنهم.
إحسان دبابسة حالة إنسانية يرزح خلف ظلها مئات الحالات التي لم يستطع الإعلام توثيقها غير أن ما ندركه أن هذه الحالة الإنسانية بإمكانها تقديم دافع من اجل الالتفاف حول قضية الأسرى ودعم صمودهم وتصوير معاناتهم ونقلها للعالم عل الضمير العالمي يصحو من سباته, فيقول قولته ويشرق يوما وهم بين أهلهم ومحبيهم.

