التحول إلى الآخر ليس ترف الحرية بل معتقد جديد

بهاء الدين الخاقاني

التحول إلى الآخر ليس ترف الحرية

بل معتقد جديد

بهاء الدين الخاقاني

[email protected]

[email protected]

تعليق على مقال الأستاذ مصطفى العمري:

امكانية القبول والتغيير .. الى الفكر الآخر

20/8/2010

........................................

أخي العزيز

أبا مؤمل المتنور المحترم

دعني أبدأ بمقدمة للتعليق على موضوعك ذي الفكرة الرائعة المهمة ،وهي فكرة تأخذ من التسائل مبدأ البداية .

 إن التحول الى الآخر ليس بميزان قبول الآخر ، ففي التحول هدم كامل لما كان المرء معتقد به، بل وهدم لنفسه وذاته نحو بناء نفس جديدة وأكتشاف ذات أخرى، وبكل تأكيد كل من التحول الى الآخر أو القبول بالآخر يحتم علينا وعيا عاليا ومعرفة ببواطن الأمور بعد ظواهرها، فضلا عن اليقين بمثل هذه المنهجية للتحول أو القبول .

 القبول بالآخر أمره محسوم في تقاليدنا ومعتقدنا وأعرافنا وهو أمر رباني لا جدال فيه بالنسبة للمثقف الأنساني والحر وهو من صلب معتقدنا وحتى قوميتنا العربية والتأريخ يثبت ذلك . فدعني أذن أبقى في رؤية التحول الى الآخر والتي استشفيتها من المقال ، لأن التحول الى الآخر منهج فردي أكثر مما هو جماعي وأمره يشبه منهجية الأيمان بشيء ما، أوأمر أو رب ما، أودين ورسالة أو صنم ومعتقد ، حيث يمارس هدمه حين يتبع في صراعه الأعتقادي على حياته تسلسلا زمنيا واضحا ، بل يعتمد وعيه المقاطع الحدثية والصراعات التي لست لها حلا أو جواب و سبب مركزا على الاشتغال على اللغة الأم بالدرجة الأولى، مبتعدا عن كل نظام خارجي لغوي لأنه لابد أن يفكر بلغته كي يستوعب الفكرة حتى ولو كان عرف بدقة لغات أخرى فأنه لايمكن أن يفكر أو يحلم بها ، وهذه المعرفة من صلب منهجية التحول الى الآخر والا باتت كل المنهجية مصابة بمرض فكري ومأزق مصيري يؤدي بها الى الأدعاء والتزوير وليس الأيمان .

التحول متسائل لفعل الأيمان ذاته، ومعتمد سيرة الواقع بالدليل وليس الوهم والخيال ،حيث لم يعد النص الذي كان عليه  يعكس معتقده ، بل يسائل يقينه ، إنه يضع الرأي في الشك بدل اليقين، وهكذا فأن الأيمان الجديد ليس هو الواقع الذي عاشه ، بل هو الواقع الجديد الذي يرغب به، أي أنه عمل ثوري وليس رومانسي يأخذ من الوهم أمنية وطموح، أي ربما يكون بالضد من كل ما أحبه وعشقه فضلا عن ما اعتقده. فالمتحول ما يفتأ يسائل اليقينيات، ويشكك فيها من داخل الرأي والنص والأيمان ، وسيعتمد توظيف الحوار والجدل الحسن والظن انطلاقا من نصفين أساسيين:

- النص كثقافة تعرفت عليه نشأته وتربيته ومعتقدات أهله وعشيرته وربما أمته.

- والنص الآخر ودعنا نسميه الجديد ، لأنه لايمكن أن يكون هناك تحول في فوضى أو من فوضى أي أن التحول عمل ثوري ورأيا تحرري، وهذا يضعنا أمام نص حقيقي مقدس آخر ولايمكن أن لايكون مقدسا واِلّا لا يمكن أن نصف الأمر بالتحول الى الآخر ، لأن القدسية تنكتب اذا لم نقل توحى  من خلال نصوص أخرى مقدسة وليس خيالا ووهما والا كانت عبثا وفوضى وتدهورا أنسانيا، موظفة إياها ضمن معتقداتها الخاصة حيث لابد من معتقدات حتى ولو كانت بحجر .

 فالذاكرة كمعتقدات ذاتية متعارف عليها ومغايرة ستوظف النص القديم ضمن تصور معين للنص الجديد ، وانسجاما مع خطاب الرأي الذي تبنيه، إنها تتناص مع مجموعة من النصوص، فتقوم بتحويله بشكل كلي لصالحها، معيدة التشريع والأستقراء والأستنباط أي منهجية الأجتهاد ضمن حيز التحول  . هكذا فالتحول في هذه الحوارات التي من المفترض أن تكون ايمانية ذاتية، لا يحتفظ سوى بالإطار العام للنص بعد أن يفرغه من المحتوى الأصلي، ليُضمِنه دلالات جديدة يبررها نسق النص ذاته، لنكتشف أن النص الجديد يجلو ما يُخفيه النص القديم ضمن المعتقد الذي عاشه  ممجدا صيغ الأفعال التالية: الأمر والمستقبل، بدل الماضي ، مما يبين أن هذه السلوكية ان كانت صادقة وليس ادعاء لا تعني التحول في اتجاه مجهول ما ، ونص يتم استشراف بناءه على أثر ما تقوم به العملية التحويلية من تفاعل ورؤى واجتهاد .

فبجانب النص الجديد غير متعارف عليه والذي بدى يتجلى بقدسيته ليكون مقدسا شيئا فشيئا في معتقد وايمان المتحول الى الآخر، هناك النص القديم المقدس ايضا والمتعارف عليه، والذي بات يفقد قدسيته شيئا فشيئا لحساب الطرف الآخر المقابل له، لأنهما معا يدخلان في منهجية تنصيص يواجه الهوية والاختلاف ولا أقول الاتفاق، لأن الاتفاق من عناصر القبول بالأخر وليس التحول الى الآخر وهذا ليس موضوعنا .

فإذا كان للنص الأول أهداف معينة من داخل الثقافة التي تُكتب فيها الايمانية الذاتية أي الفطرة ولا أريد أن أخوض بذلك الآن، لأن الموضوع يطول وربما ننحرف عن موضوعنا الأصلي ، فلابد وان يكون النص الثاني يتم الاشتغال عليه من أجل خلخلة ثوابته وتأزيمه من داخل لغته، ومساءلته في كثير من البديهيات التي يمتلكها باعتبارها يقينيات لا مجال للشك فيها كي نصل لمرحلة التحول النهائية بيقين وايمان ونلمس المعتقد الجديد الراسخ.

هكذا فالتحول الى الآخر بتوظيفه النص الجديد سيجعل الآخر غريبا في لغته، وبذلك يكون قد اخترق نص وحي الأول ولغته السلطوية المقدسة ، وقام بتهديم القوالب المتعارف عليها في معتقده الأول ورأيه الماضي الذي كان مقدسا، وإدخال أراء الجديدة بقوة الدليل والمعرفة الثابتة الى منهجية اللغة، مما سيجعل أسطورة تفوق الآخر واهية ولا أساس لها.وسيتبادر سؤال للباحث والمتابع وحتى الراغب بالتحول ان كان عالما وليس جاهلا ، هل للنص الجديد مثل هذه القوة ليتحقق التحول ، وهل للنص القديم مثل هذه الهشاشة ليضمحل ؟

 اِن مثل هذا التسائل هو استنتاج للتاريخ ومحطات التحول الكبرى التي طرأت على الفرد وربما الأمم وهي نادرة ومحدودة علميا ومعرفيا.

  إن نص الذاكرة الجديدة والتي باتت من صفتها عند المتحول الى الآخر ثورية تحررية ، يشتغل على توظيف نصوصها انطلاقا من تصور فلسفي نقدي، فيقوم بتحويلها وخرقها من أجل تأسيسات رأي أو قبول نص وحي، تخترق المعايير والثوابت، سواء داخل الجنس المعتقد أم ضمن النسق الثقافي العام.

نخلص إلى أن الذاكرة بعنوانها الجديد والقديم من حقائق التحول كواقعية متناهية  من حيث اختراق المعايير والقواعد الأساس للنصوص تلك التي مسخت أو هذي التي قبلت، فالأستلهامات والوحي والأجتهادات والذاكرة ، كانت وما زالت عوامل قد اشتركت كلها في تأزيم الحقائق التقليدية المتعارف عليها وان كانت معتقدات صحيحة وقد ساعدت بتأزمها لأنتاج وإعداد نص آخر.

فاذا التحول الى الاخر كما قلت ليس هو قبول الآخر وان التحول هذا ليس ترفا ثقافيا بحجة تبرير حرية الاختيار بل هو معتقد جديد يرتقي ليكون دينا جديدا وهو بالفعل في رؤية الانتماء ركن أساس للتحول كليا .

هنا أحب أن أوضح: ربما يكون المعتقد الأول الذي أردنا ان نتحول منه الى الآخر هو الذي سنتحول اليه قبل أن نغادره لأن حجته أقوى ومعتقده يقينيا ورأيه أيمانيا ،عند ما تكون منهجية التحول الى الأخر خاضعة للصدق مع المعرفة وليس رد فعل لأزمات فكرية او مواقف متزلزلة من مدعين وليس من المعتقد نفسه، وبالتالي فالمعتقدات الحقيقية الراسخة لاتعطل فكرة التحول الى الآخر لأن الراغب سيتحول اليها من جديد ، لأنها لم تفرض القدسية بل التحول الجديد سيكشف انها كانت مقدسة، وهكذا تتجدد بها العصور والأجيال لأنها حرّمت العصبية والانحراف والتصنيم والتوثين ، هذه المحرمات التي تدفع البشرية دوما الى التحول الى الأخر بثورية وتحررية .

واخيرا دمت ايها الاخ أبا مؤمل على هذا التنوير

اخوك

بهاء الدين الخاقاني