الفتوى بين السياسة والدين
الفتوى بين السياسة والدين
أصالة ومعاصرة ، حداثةٌ و تقليد ،تنويرٌ أم تضليل ؟!!
د. عبد اللطيف الرعود
أصبحت مرجعيات الأمة الدينية والسياسية تتلهى بقشور الدين ومظاهر الحياة الخادعة ، وأصبحوا بمثابة تجار "موضة" أو حبا ً للظهور باحثين عن دور مفقود ، بينما تتجاهل فتاواهم وفقههم النوازل العظمى والكوارث الكبرى التي تمر بها الأمة .
ويحدث ذلك الانحراف في الفتوى عند التمسك بظواهر النصوص وأخذ الظاهر منها دونما تمحيص وتدقيق من دون معرفة مقاصد الشرع منها ، كالعمل بعكس المعنى المراد بمبدأ "الضرورات تبيح المحظورات" وتكون على غرار" كلمة حق أريد بها باطل ".
وقد ضيق الإسلام على الميل نحو الحرام ضمن دائرة المحرمات وذلك بمبدأ "الحلال بيّـن والحرام بيّـن وبينهما أمورٌ مشتبهات ومن اتقى الشبهات فقد استبرئ لدينه وعرضه " .
ولكن الشريعةً أعطت فسحة وعذر لمعرفة الخالق سبحانه بظروف عباده ومعرفته بأن الإنسان خلق من ضعف
" يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا " (النساء28).
ولهذا قال الله تعالى بعد أن ذكر تجاوز الإنسان لبعض محرمات الطعام ومنها لحم الخنزير " فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم " (البقرة 173) ولكن آيات المضطر قيدته بأن يكون "غير باغ ولا عاد " غير باغ للذة وطالبا لها ولا عاد حد الضرورة متجاوز في الشبع والترف؛ من هنا أقرّ الفقهاء مبدأ "الضرورة تقدر بقدرها" مع أن الخضوع لدواعي الضرورة ينبغي أن لا يستسلم المعني لها بل يجب أن يظل مشدودا إلى الأصل الحلال باحثاَ عنه حتى لا يستمرئ الحرام أو يستسهل بدافع الضرورة .
من هو المفتي؟
هناك قاعدة دقيقة قالها وزير الأوقاف السوداني الأسبق الداعية عصام البشير في تعريف من هو المفتي : "هو الذي يفتي بعلم يعصمه من الجهل ، وبورع يعصمه من الهوى ، وباعتدال يعصمه من أن يكون فريسة الوقوع بين طرفي الإفراط والتفريط أو الطغيان" ، فإن هذا التعريف يتفق مع ما جاء به الفقهاء الذين وضعوا شروطاَ للمفتي لا ينبغي تجاوزها وهي العلم ويندرج في رأيي تحتها "العلم بمقاصد الشريعة والعلم باللغة العربية والإلمام بجانب كبير من ثقافة عصره وان يكون ذا دراية وفطنه تمكنه من الإطلاع على أحوال الناس والإلمام بالمشاكل المعاصرة بشكل عام "وبهذه الصفة يتبرأ من صفة الجهل ، وصفه مهمة أخرى هي التقوى التي تعصمه من هوى النفس ، والوسطية الصفة الأخرى التي تمنعه من الغلو والتشديد "التزمت" وبين التساهل لدرجة التحايل على شرع الله .
رجال دين أم موظفي دوله؟!!
برزت ظاهرة رجال الدين كموظفين دولة أو ما يسمى مشايخ السلطان ومفتي الديار وعلماء البلاط في بداية العصر العباسي لتفسير الشريعة بما يخدم الدولة ويثبت أركانها ، أما منصب المفتي العام فقد ابتدعها العثمانيون كنوع من التقليد عن البابوية لإضفاء نكهة شرعيه على الخليفة العثماني وثوب إسلامي تنطوي تحته الدولة المترامية الأطراف وأصبح حديثا منصبا ً حكوميا ًمرموقا ً بمزايا خاصة لعل من أهمها القرب من السلطان والتمتع بحصانه شبه مطلقه وأصبح أداه من أداة الحكم تماما كالدور الذي كان يتمتع به رجال الكنيسة في عهد الإمبراطوريات الرومانية ، وتطورت مسميا ت الوظيفة لدى رجال الدين أهمها قاضي القضاة ، هيئة كبار العلماء ، المفتي العام ، مدير الإفتاء... الخ ، وتتبع لهم كليات علوم شرعيه ، يدرس الطلاب خلالها الأحكام التي تضفي إلى شرعية الدولة التي تفرض سيادتها على المواطنين من خلال هذه الأحكام الشرعية وأهمها وجوبُ طاعةِ ولي الأمر مطرزه بشهادة رئيس القضاة أو فتاوى هيئة علماء المسلمين أو المفتي العام وغير ذلك من أسماء وظائف رجال الدين وهيئاتهم المعتمدة من الدولة .
متجاوزين شروط الولاية معتمدين على مبدأ تقديم مصلحة الحكم على درئ مفسدة الفوضى التي من شأنها زعزعة النظام والأمن ، ودرئ المفسدة يعني ثبات أركان الدولة معززه بتلك الفتاوى المُحْكًمةِ والتي لا يجوز تجاوزها أو المس بسيادتها مع وجوب الطاعةِ للحاكم رغم وجود المفسدة !!
وأصبحت مسميات رجال الدين المذكورة يضاف إليها الوظيفة المستحدثة وزير الشؤون الدينية في يد الحاكم في التعيين أو الاستغناء وهذا الأمرُ جرد رجال الدينِ "الموظفون" من صلاحية المعارضة لرأي الدولة أو التفوه بأي كلمة تعارض أي أمر من الأمور الدينية ذات الصبغة السياسية ،فالفتوى جاهزة تشابه في معظمها فتاوى الكنيسة التي كانت تصدر عنها في العصور الوسطى.
فوضى الفتاوى :
ظهرت مؤخراً فتاوى من بعض العلماء "شيوخ العصر" فتاوى تثيرُ السخرية والاستهجان والجدلُ وأحياناً تنحط لمستوى السذاجة و السخافة والفوضى الغير خلاقه ، و فيما يلي ندرج بعضا منها: فتوى "إرضاع الكبير، وإرضاع المرأةِ لزميلها في العمل ، إقامة صلاة الجمعةِ في التاسعةِ صباحاً من دون سبب ، إباحة الزواج العرفي ، جواز الاختلاط بين الجنسين ، إمامة المرأةِ للرجال في الصلاةِ ، تحديد حواجب المرأةِ ، إباحة الغناء والاستماع له،حرمت تصفح المرأة للإنترنت بدونِ محرم وكذلك استعمال الهاتف الجوال في غياب الزوج ، تناول العقاقير والحقن الطبية أثناء الصيام و عن جواز أكل لحم القرد ، في بلاد لا يوجد فيها قرود !! وجواز من أراد الارتداد عن الإسلام من دون بلبلة وتشهير" ، وهناك فتاوى مذهبية سنية وشيعية ذات طبيعة تكفيرية بين بعضا من كلا المذهبين ، وهناك فتاوى جنسية ساقطة تدخلت في تفاصيل العلاقة الحميمة بين الرجل وزوجته مثيرة للشهوة أكثر مما تكون فتوى ومذكرةً بالقصص الإباحية دونما خجل، ساعد على ذلك انتشار مواقع إلكترونية وقنوات فضائية معظمها تتبع أسلوب الإثارة في الطرح مسوقةً لثقافة غير أخلاقية وغير منضبطة .
إن فوضى الفتاوى وصورها النمطية المعاصرة تخدم تصور الغرب عن الإسلام والمسلمين في جانبين :
الأول : تقدم للمتطرفين الحاقدين في الغرب على الإسلام الحجج التي تؤازرهم في حملتهم المسعورة في التضييق والإيذاء والإساءة للمسلمين كأشخاص وللدين كعقيدة .
الثاني : يستغلها الغرب في فكرة تخليص الفكر الاجتماعي " حرية الفرد وحقوق الإنسان" من سلطة رجال الدين في العالم الإسلامي وتدعم حجتهم بأنهم باتوا يحللون ويحرمون على هواهم وفق اعتبارات وتقاليد موروثة ومصالح خاصة .
معززه بذلك جهودهم الداعية إلى "فصل الدين عن الدولة" على غرار ما حصل من ردة الفعل على تسلط رجال الكنيسة وأخطائهم في القرن السابع عشر فانتصرت العلمانية وانهزمت الكنيسة ، وهناك فريق من العلمانيين العرب يؤيد الأفكار الغربية بقوه ويميلون إليها ، كما أن فوضى الفتاوى تثير البلبلة والجد ل العقيم والشك خاصة لدى جيل الشباب ، كما تعد مدعاة للفرقة والنزاع والشًّحناء بين المذاهب والطوائف المختلفة ، وتدعو إلى تفكك المجتمع والأسرة على حد سواء.
جدل بيزنطـــــي
هل فوضى الفتوى تحتاج إلى فتوى!!
هنا نذكر الجدل البيزنطي الذي راح يضرب على الفراغ والسطحية والاستخفاف بعقول الناس ، أيهما خلق أولا ً البيضة أم الدجاجة ؟!! وكم ملك من الملائكة يستطيع أن يقف على رأس دبوس؟!! وإن بعضا من هذه الفتاوى المعاصرة لا تقل جدلا عن ذلك ، وقد تطرق الرسول الكريم {صلى الله عليه وسلم} إلى ذلك بقوله "هلك المتنطعون قالها ثلاثا" رواه مسلم .
والتنطع معناه:
1- التشدق باللسان مع التغيير في الكلام بتكلف ليصنع من الكلمات ما يميل قلوب الناس إليه والنتيجة لا معنى ولا فائدة ولا مضمون من التقعر والتشدق .
2- الغلو في العبادة والمعاملة وابتداع المشقة على الناس .
3- الخوض فيما لا يعني والبحث فيما لا يغني والسؤال والإجابة بما لا ينبغي ، وهذا يندرج بما يسمى اليوم بالجدل البيزنطي .
وقال { صلى الله عليه وسلم } فيما يخص التلفيق والجدل "إنني أخاف عليكم ثلاثا وهن كائنات ، زلة عالم وجدل منافق بالقراّن ودنيا تفتح عليكم" نستخلص من الحديث الشريف أن الجدل والتنطع تؤدي إلى الفتوى الضالة التي تحلل ما حرم الله وتتحايل على شرعه .
الفتوى والسياسة :
التحايل الفقهي والتلاعب في أمر الشرع ، غلو وتفريط من ملامح مدرسة التساهل والتيسير وقد نهى الرسول { صلى الله عليه وسلم}عن ذلك قال "لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" .
وأكد الإمام القرافي على أنه "لا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والأخر فيه تخفيف ، يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف ، ذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين" إلى أن الأمر قد تطور على يد الساسة فأصبحت الفتوى تدور في مساحه ضيقه تبين الحقوق وتؤكد على الواجبات" أي أن الأمر منوط بالدولة التي تعطي الحقوق حسب إرادتها وتلزم المواطنين على أداء واجباتهم تجاه الدولة ضمن قوانين وضعية وغايتها خدمة الدولة وتقوية بنيانها،غايتها بالأساس خدمة المنتسبين إليها.
غياب الفتوى في تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم:
هذا ما ينطبق على واقع الحال إذ تكاد الفتاوى غائبة تماما في نقد أو تجرؤ الخوض في إشكالية القوانين الوضعية التي حلت محل الأحكام الشرعية في المعاملات أو الشراكة معها قال تعالى " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " . الشورى (21)
وكما غابت تلك الفتاوى عن انتقاد أو البت في شكل الحكم وبناء الدولة ، ولكننا نجد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد فسر الآيات الكريمة التي حددت علاقة الحاكم بالمحكوم .
1- "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون" . المائدة (44)
معنى الآية – الحكم فيه يخالف شرع الله ولكن باعتقاد الحاكم إن حكمه أفضل للناس وكما انه يجوز الحكم بما انزل الله
2- " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون " .المائدة (45)
معنى الآية – الخروج عن حكم شرع الله مع الاعتقاد بأن حكم الله هو الأفضل ومع اليقين بأن هناك معصية صريحة بالإضرار بالمحكومية بغير ما انزل الله والحكم فيه جور وظلم واستبداد .
3- "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون" .المائدة (47)
معنى الآية – الحكم بغير ما انزل الله مع الاعتقاد بان حكم الله هو الأفضل وإلا نفع للناس ولكن هوى النفس والمصلحة التي تعود على الحاكم وبطانته بالنفع ويتأكد معنى الآية فأولئك هم الفاسقون .والآيات التالية تؤكد على أن الحكم يجب أن يكون لله وبما أنزل من أحكام كما قال تعالى: "ألا له الحكم" الأنعام (62)"إن الحكم إلا لله " يوسف (67) "له الحكم" القصص( 88) "لا يؤمنوا حتى يحكموك فيما شجر بينهم" النساء (65) .
تبين هذه الآيات أن الحكم لله وتبين علاقة الخالق بالمخلوق وعلاقات المخلوقين فيما بينهم "يحكموك فيما شجر بينهم" أي الحكم في النزاع بين الأفراد والجماعات وعلى مستوى الحكم بين الدول "ومن أحسن حكما من الله " المائدة (50).
علاقة الدول الإسلامية بالدول الكبرى:
من مظاهر الولاء للأجنبي في هذا العصر هو نتيجة تفتت الأمة إلى كيانات هزيلة وضعيفة الإرادة أمام القوى الدولية التي جعلت من مفهوم المصلحة الوطنية "القطرية" غاية للحفاظ على هذا الكيان من الخطر ،ومن أبرز صور هذا الولاء:
1- التحالف معهم لقتال أي بلد إسلامي أو تقديم أي نوع من الإعانة .
2- تقديم التسهيلات العسكرية والإستخباراتية وإنشاء القواعد ومخازن الأسلحة اللوجستية التي تستخدمها البلدان المجاورة المسلمة .
3- تسخير اقتصاد البلاد ونهب الثروات بحيل ومسميات كالاستثمار الأجنبي وإيداع أرصده ضخمة في بنوك الغرب وبيع الممتلكات العامة للشركات الأجنبية والمجازفة بأموال الأمة بالبورصات والبنوك التي تحتمي بقوانين بلدانهم وتتبخر هذه الأرصدة عند إعلانها الإفلاس "كما حدث مؤخرا بالأزمة المالية العالمية" .
4- الارتهان السياسي للدول الكبرى مقابل تقديم الحماية لهذه الأنظمة وبالتالي تنعدم حرية القرار السياسي وتصبح الدولة في " دولة تصريف أعمال ".
5- الدخول معهم في تحالفات سياسية قائمة تتعارض كليا أو جزيا مع العقيدة الإسلامية .
6- تعطيل أو إلغاء أي ركن من العقيدة بالخداع والتزييف إرضاءً لهم كركن الجهاد ومقاومة المعتدي وذلك تحت مسمى "الإرهاب" الذي يعطي الذريعة لقمع وغزو المسلمين في عقر دارهم .
7- التدخل في النظم التعليمية والدينية والإعلامية والتي تعطيهم مجال أوسع في الهيمنة وراء الحوار غير المجدي في منظمات حوار وحده الأديان وبما يتعارض مع مبدأ الولاء والبراءة وإحلال مكانها قوانين ونظم تخدم مصالحهم وإطماعهم ومنع وحظر أية أنشطة علمية وتكنولوجية كالبرامج النووية السلمية والتكنولوجية الأخرى .
8- الانسياق وراء الحوار غير المجدي في منظمات حوار وحدة الأديان وبما يتعارض مع مبدأ الولاء والبراءة .
جدلية التيسير والتشدد في الفتوى:
هناك فريقان :1- مسلك التشديد : إلزام الناس بما لا يطيقون و المشقة عليهم بحجة التحوط بمسالك التيسير في الفتوى وهذا سببا في تنفير الناس من دين الله بإحراجهم بشيء أوجد الشارع لهم فيه فسحه فكان مخالفا للسنة "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" .
2- مسلك التفريط : "المبالغة في التيسير والتسهيل" فجعل من التيسير مدخلاً للحيل والتلاعب بدين الله وتتبع الهوى .
ومنهم من سلك مسلك التلفيق في الفتوى وتأويل النصوص انهزاما ً ومسايرةً ً للواقع الفاسد الذي جاء الشارع لإصلاحه لا لموافقته والاحتماء به.
فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة مرفوض لأن الله لا يطاع حيث يعصى ؟!!
وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئٍ ما نوى، تعطى على وجهها الحقيقي فلا تلاعب ولا خداع بآيات الله ، ولا مخاتلة " تلبيس إبليس " قال تعالى "يخادعونَ الله والذينَ امنوا وما يَخدعون إلا أنفسهُمْ ". البقرة (9)
أما المنهج الوسطي المعتدل في الإفتاء:
لا يذهب إلى الشدة ولا إلى الانحلال ، لأن الشريعة الإسلامية تميزت بالوسطية لذا ينبغي على أهل الفتاوى النظر في أحكام الفتاوى دون غلو ودون تيسير مفرط أي "كفتي ميزان " أن تكون في الوسط المعتدل .
ولا بد من ذكر نموذج من فتاوى التشدد والتيسير ،فقد أفتى العلامة مولانا أبو الكلام أزاد في جريدة "أهل الحديث" الصادرة في أمريستارفي 30- تموز-1920 حث فيها مسلمي الهند على الهجره كخيار بديل لعدم التعاون مع البريطانيين ،وقد صدرت فتاوى أخرى مؤيده لفتوى أبو الكلام مثل فتوى مولانا شوكت وأخرى لمولانا عبد الباري ،وكان تأثير هذه الفتاوى مثير لدرجة أن آلافا من المسلمين غادروا الهند بسبب انتهاك حرمات حقوقهم الدينية وتعرضهم لأقسى أنواع البطش والتنكيل.
غير أن فتوى العلامة أحمد رضا خان الذي استطاع إيقاف الهجرة الجماعية للمسلمين في الهند بسبب هذه الفتوى الشهيرة والتي جاء فيها:
"إن الهند ديار إسلام وكان المسلمون يحكمون الهند منذ ألف عام تقريبا قبل أن يحتلها البريطانيون ،ونحن نعيش مع الهندوس في وطن واحد ،نتقاسم كل أسباب الحياة بجوار طيب ,احترام متبادل ،فلماذا نغادر بلادنا ،عودوا إليها إنها ديار سلم وإسلام إن شاء الله" ، إننا نلاحظ في الفتوى الأولى شدة وتضييق على الناس أكثر من الشدة التي ذاقوها من المستعمر البريطاني ، إذ أنه لا يعقل بترحيل عشرات الملايين من الناس وترك وطنهم وممتلكاتهم ليصبحوا لاجئين ومشردين ، وفي الفتوى الثانية أستعمل فيها منهج التيسير على الناس وبقوا في أوطانهم .غير أننا شاهدنا غلوا ً في منهج التيسير والتسهيل طالت ثوابت الدين بالمكر والحيل وفتوى ماردين مثال على ذلك .
فتوى ماردين " الدار المركبة "وفتوى ماردين المعاصرة :
أولا ً : فتوى ماردين الدار المركبة ( ابن تيمية ) 699 هـ سئل رحمة الله عن بلده ماردين الواقعة جنوب شرق تركيا حينما احتلها التتار هل هي بلد حرب أم بلد سلم ؟
وهل على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا ؟ وإذا وجبت عليه الهجرة فلم يهاجر؟ وعن مسألة مساعدة أعداء المسلمين بنفسه وماله هل يجوز أم لا ؟
فأجاب : " الحمد لله ، دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا سواء في ماردين أو غيرها وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم والمقيم بها إن كان عاجزا ً ًعن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه ، وإلا استحبت ولم تجب.. ، ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم ويجب عليهم الامتناع عن ذلك بأي طريقة أمكنهم من تغيب أو ممانعة.
وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان ، ليست بمنزلة دار السلم ولا كونها دار حرب أو سلم التي تجري عليها أحكام الإسلام وكونها ضد مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه" .
ثانيا ً : فتوى ماردين المعاصرة :
جاءت ردا ً على فتوى ابن تيمية في مؤتمر عقد ببلدة ماردين التركية في 27-28/3/2010 وقد أطلق عليه"مؤتمر قمة السلام "حضره 15 عالما ً من بعض الدول الإسلامية ستة من علماء( السعودية) " الطريري ، البراك ، الحنيني ، الدوسري ، فلمبان ، عبد الله نصيف " والعلامة عبد الله بن بيه( موريتانيا )، ومصطفى سيرتيش ( البوسنة ) والحبيب الجفري ( اليمن) وآخرون ،وقد حرصوا على بيان الفتوى التي مضى عليها أكثر من 700سنة غير صالحة لزمن العولمة الذي أصبح فيه العالم يعيش في فضاء متسامح تحترم فيه العقيدة وحقوق الإنسان وأن تقسيمه للبلاد دار حرب ودار سلام غير مبرر وأنه يجب ربط الفتوى بسياقها التاريخي لعدم مجاراتها للعالم المعاصر .
وغايات ونتائج المؤتمر :
1- سياسية : ملاحظة التركيبة الفقهية المجتمعية رغم اختلافاتهم المذهبية ؛ سلفية ، صوفية ، شيعية ، علمانية وعدم التجانس الفكري ولكن ما يجمعهم هو انتماءهم إلى مدرسة سياسية واحدة تصب في خانة النظام السياسي والنظام الدولي القائمين والتأكيد على الخطاب السياسي لهذا النظام والقائم على تحديث مفاهيم الإسلام ومحاربة الإرهاب .
2- العالم قد تغير نحو التعايش السلمي !!!
مقولة العالم قد تغير ؟!! في رأيهم أن التغيرات التي طرأت على البشرية استلزمت جعل العالم كله " فناء للتسامح والتعايش السلمي وتنضوي تحته النظم السياسية والنظام العالمي وأن كل منظماته صحيحة وشرعية ومتفق عليها بين الأمم ومعترف بها .
هذا التعايش الذي يبدو للمجتمعين ملموسا ً على أرض الواقع في كل من" العراق وفلسطين وأفغانستان وباكستان والصومال والشيشان والبوسنة والسودان والجزائر و تايلاند والفلبين" وأن الفضاء الإنساني لم تخرقه الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها وعددهم 32 دولة بغزو العراق وتدميره بدون قرار أو تفويض من مجلس الأمن .
3- إسقاط ركن الجهاد :
أكد البيان الختامي للمؤتمر " أن المسؤولية تقع على علماء الأمة في إدانة كل أشكال العنف في التغير أو الاحتجاج داخل المجتمعات المسلمة "
أما فيما يتعلق ب القتال في سبيل الله " أناط الشرع صلاحية تدبيره وتنفيذه بأولي الأمر باعتباره قرارا ً سياسيا ً تترتب عليه تبعات عظيمة" ، فلا يجوز للفرد المسلم ولا لجماعة من المسلمين إعلان حرب أو الدخول في حالة جهاد قتالي من تلقاء أنفسهم درءا ً للمفاسد وإتباعا ً للنصوص الواردة في هذا الشأن . ومن المعلوم أن قرارات هذا المؤتمر قد سبقها قرار الدول العربية والإسلامية بإسقاط بند الجهاد من جدول أعماله في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي انعقدت في 23-12-1991 في دكار عاصمة السنغال.
في موضع آخر فتوى أخرى لشيخ الإسلام ابن تيمية يقول فيها " أما قتال الدفع"المقاومه" أورد الغازي، فهو أشد أنواع الدفع ولأن دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب ، ولا يشترط له شرط وهو اضطرار أما قتال الزيادة حما ً للدين وإعلانه ولإرهاب العدو ذلك قتال اختيار" ( السياسة الشرعية ص 171) .
لقد أناط علماء المؤتمر أمر القتال والجهاد بيد ولي الأمر .
وهنا يطرح السؤال من هو ولي الأمر ؟!!
ما هي شرعيته، وكيف وصل إلى الحكم ،عن طريق الانقلاب الدموي، أم عن طريق الثورة المسلحة، التي رافقها شعارات تدعي تحقيق الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة والتنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية، وتحقيقاً لذلك استغلت هذه الشعارات لتصفية الحركات الوطنية المنافسة والمعارضة ثم انكشف المستور لولاة الأمور وتآكلت شرعيتهم السياسية بفشلهم في مواجهة التهديدات الخارجية والحفاظ على الوحدة والاستقلال الوطني والفشل الذريع في تحقيق برامج التنمية والفشل في إدارة أزمات البلاد والفشل في التنمية السياسية بعيدا ً عن العقلانية السياسية فأذكت الطائفية والإثنية والعشائرية،
رفعوا الوحده وسقطوا شرك الانعزاليه القطريه ،لا وحده ولا نهضه
وانتصار بحرب!! وتوكؤا على ديمقراطيه عرجاء لسيطرة الفرد الواحد والقوى المتحالفة معه على موارد الدولة ومقدراتها وتسخير جميع أجهزة الدولة وتوظيفها لمصالحهم الخاصة.
وماذا عن عقيدة ولي الأمر ؟!! وإن كانت فاسدة فإن ذلك مبرر، لأن مبدأ درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة !! بحسب فتاوى شيوخ وفقهاء النظام.
وماذا عن شروط الولاية ؟!! وهل من يجرؤ أحد من المفتين أو الفقهاء إعلان حق الأمة في خلع الوالي وتجريده من ولايته إذا ما ثبت عليه الخيانة أو التحالف مع الأعداء، إذا علمنا أن هناك نماذج في التاريخ الإسلامي كثيرة دلت على ذلك .
وماذا عن الطائفة المنصورة هل وجودها وعدمه منوط فقط بولي الأمر؟!!
التفريط في الجهاد:
قال سبحانه وتعالى في ترك الجهاد " إلا تنفروا يعذبكم عذابا ً أليما ً ويستبدل قوماً غيركم" التوبة ( 39 )، وقال تعالى " انفروا خفافا ً وثقالا ً وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم " التوبة (41 ) ، وقال ابن حزم رحمه الله " والجهاد فرض على المسلمين فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور المسلمين ، سقط فرضه على الباقين وإلا فلا ".
4- الولاء والبراء :
الأحكام التكليفية الخمسة " الوجوب ، الندب ، الإباحة ، الكراهة ، الحرمة "
حسب المؤتمر الولاء والبراء لا يكون مخرجا ً من الملة ما لم يكن مرتبطا ً بعقيدة كفر وانه لا يجوز حملها على معنى واحد يكفر به المسلمون !!
وعلى ما يبدو فإن قرارات علماء المؤتمر باعتبار الشرعية الدولية وكل القوانين الوضعية وبحسب البيان معترف بها وأنها ليست شرائع كفرية لاغين بذلك فتاوى معظم العلماء المعاصرين ، فمن أعطاها الشرعية وهل نعتبر قول الشيخ عبد الله بن بيه ومن أيده في المؤتمر " لا يوجد تباين كبير بين المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالحرب والسلام .. وأن الوضع يمتاز بوجود معاهدات دولية تحكم العالم بأسره؟!! وقد إتفق المؤتمرون على الآتي :
1- إلغاء التقسيم التقليدي للديار في الإسلام فلا دار إسلام ولا دار كفر بعد اليوم وإنما يوجد " فضاء سلام عالمي "
2- عدم إباحة الخروج على الحاكم مهما فعل .
3- إلغاء مفهوم الولاء والبراء التقليدي لأنه غير عصري وغير ضروري ،في عالم يؤمن بتعدد الأفكار وحرية الممارسات الدينية .
4- إعادة طبع كتاب الفتاوى لابن تيميه مع إجراء تعديل على نص الفتوى وذلك بشطب جملة (دار مركبة يقاتل فيها الخارج عن ملة الإسلام ومن ظاهرهم ) إلى التالي :" دار مركبة يعامل فيها الخارج عن ملة الإسلام "( فقد استبدلت يقاتل بــ يعامل ) جاء هذا التعديل بحجة أن أحد المؤتمرين يحمل مخطط يؤيد ذلك .
فتاوى حول الإسلام السياسي:
ظهر مصطلح الإسلام السياسي مع تنامي الصحوة الإسلامية ، ووصفته وسائل الإعلام الغربي بالإسلام الثوري أو الأصولية الإسلامية وألصقت به تهم الإرهاب والعنف والتطرف ، بينما يراه المسلمين بالإسلام الفاعل المؤثر الذي تنضوي تحته جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت لواء الشريعة الإسلامية ، وان يكون فيه الحكم لله .
وكثيرا ما يوصف دعاة الإسلام السياسي بالإسلاميين الذين لم يسلموا من نقد وذم جماعات العلمانية ويسمونه بالإسلام المنحرف تشويها ً لصورته وضلالا ً في فهمه ويتهمونهم بذوي الجهل والسذاجة وأصحاب المصالح الخاصة.
أهم ما قيل عن الإسلام السياسي:
1- د.فرج فوده صرح تصريح خطير بأن "الإسلام ليس دوله ، وأن الدولة الإسلامية شكلت على مدى التاريخ عبئا على الإسلام وانتقاصاً منه {كتاب تهافت العلمانية ص16}
2-أما المستشار محمد العشماوي فيقول "إن تسييس الدين أو تدين السياسة لا يكون إلا من عمل الفجار أو عملا من أعمال الجهال غير المبصرين لأنه يضع الإنتهازيه عنوانا من الدين ويقدم للظلم تبريرا ،ويضيف مدعيا" بأن القراّن الكريم لم يتضمن آية تتعلق بالحكم السياسي أو تحدد نظامه وكما يدعي أيضا أن الأحاديث الشريفة لم تتضمن أي حديث في هذا الصدد{الإسلام السياسي ص158}
وهذا إنكارا منه بالمطلق على أن لا يكون للإسلام أي صله بالسياسة!!.
3- يقول محمد فوده "...في ظاهره حديث دين ،أمر سياسة وحكم ,وإن صوروه لكم على أنه أمر عقيدة وإيمان حديث شعارات..يستهدفون الحكم لا الآخرة والسلطة لا الجنة،والدنيا لا الدين،. يتأولون الأحاديث على هواهم ،فأن كان تكفيرا فأهلا وسهلا وإن كان تدميرا فأهلا وسهلا{الحقيقة الغائبة ص11 ص12}
4- د.فؤاد زكريا يضيف"أن أقبح أنواع الخطأ هو الخطأ الذي ينبثق من تحت عباءة الحكم الديني ويرتكبه حكام يتصورون أن أهواءهم ومصالحهم الضيقة تجسيد للإدارة الإلهية ويوهمون الناس أن كل ما يفعلونه مستلهم من وحي الشرع الإلهي الذين يحكمون بمقتضاه،"{الوهم والحقيقة تهافت العلمانية ص38}وإنني هنا أستغرب من كلام د.فؤاد زكريا إذ أنه لم يدلنا على حاكم واحد من حكام بلاد المسلمين الذي يحكم بالشرع ، بل على العكس الشريعة مغيبه والحكم علماني بلا علم دساتيره مستوحاة من دساتير الغرب ،ولم تعطى الشريعة الفرصة في الحكم منذ انتهاء حكم الخلافة الراشدة والخلافة العباسية ،إذ أخذ الحكم بعدهم منحى التوريث ومنحى القطرية " الدولة في الوقت الحاضر " على حساب الأم"الأمه"وهذا في حد ذاته مخالف للشريعة الاسلاميه وكان سببا في ضعف الأمة وانحطاطها .
وأما عن الهجوم على صلب العقيدة وما تضمنته من الكتاب وألسنه فهذا جهل وغباء وتطاول وحقد أعمى لأن القرآن الكتاب السماوي الوحيد الذي يعد صالحا لكل زمان ومكان بدليل حيويته المستدامة وخلوه من الأخطاء سواءً ما يتعلق بالبشر أو بالكون أو بالتشريع أو بأي أمر في الأمور البسيطة أو المعقدة التي تهم البشر وهو كذلك على مدى الماضي والحاضر والمستقبل ولأنه محفوظ بحفظ الله .
وقد صدق الرافعي حينما رد على من هاجم الإسلام"يقولون أنهم يريدون الأمة ومصالحها .. إن طغيانهم في الكلام واقتدارهم على الثرثرة ،حتى إذا فتشت وتحققت لم تجد في أقوالهم إلا ذواتهم وأغراضهم وأهواءهم أن يبتلوا بها الناس في دينهم وأخلاقهم ولغتهم ،كالمسلول يصافحك ليبلغك تحيه وسلامه ،فلا يبلغك إلا مرضه وأسباب موته.
وبإضافة للتحليل والاستنباط لما تحتويه الشريعة من كم زاخر في أمور الحكم والسياسة تناسوا المنتقدين الكتاب العظام ومؤلفاتهم مثل" أبي يعلا الفراء "الأحكام السلطانية"،وابن تيميه "السياسة الشرعية"،وابن القيم" الطرق الحكيمة" والقرافي والمارودي وغيرهم... .
أما في العصر الحديث"نظام الحكم والسياسة في الإسلام" للقاسمي ،"ونظام الحكومة النبوية" للكتاني وغيرهم مفكرين في الحاكمية و الأصول الفكرية الإسلامية الحديثة. ومن هؤلاء محمد الغزالي ووراشد الغنوشي وعبد الله النفيسي ، ومحمد سليم العوا وطارق البشري وفهمي هويدي وأحمد كمال أبو المجد .
ومفكروا الفكر الاصلاحي، مثل محمد عمارة وفهمي جدعان، ووجيه وأما الذين عادوا بالفكر الإسلامي كوثراني ورضوان السيد ومحمد فتحي عثمان.
اما اصحاب المشروعات الفلسفية فهم :أبو يعرب المرزوقي وجورج طرابيشي.،حسام الألوسي ،حسن حنفي.،رشدي راشد،سمير أمين،طه عبد الرحمن. طيب تيزيني.،عبد الله العروي،.عبد الوهاب المسيري،محمد أركون ،محمد عابد الجابري ،محمود اسماعيل، محمود أمين العالم و.نصر حامد أبو زيد.وغيرهم ...، إن الكيل بمكيالين والمغالطات التي تتهم الإسلام والمسلمين صفه ملازمه لمن ينصب العداء بينما يتجاهل الإرهاب والعنف الذي يمارس على بلاد المسلمين على مدى التاريخ ، فالنصارى طوائف تتصف غالبيتهم بالتطرف والأصوليه ويمثل اليمين المتطرف الخطر الأكبر على الإسلام والجاليات المسلمة، وإسرائيل دوله عنصريه تقوم على أساس ديني وتتصرف في ضوء التوراة والتلمود،والفاتيكان دوله نصرانيه في قلب أوروبا و من عاصمتهم الروحية يشن الهجوم والإساءة على المسلمين ودينهم الحنيف .
فتاوى التدخل الأجنبي المباشر والغير مباشر :
إن فتح أبواب البلاد بدواعي الاستثمار وبيع المرافق العامة وإعطاء الامتيازات للأجانب دولا ً أو جماعات أو أفراد وإغراق البلاد بالديون.. فتبدأ منهما سياسة (التغلغل السلمي ) فيمتلكون الأراضي والعقارات ، وينشئون الشركات والمصانع وموارد البنى التحتية ،فتكون هذه ذريعة للتدخل الأجنبي السياسي والاقتصادي والعسكري ومن ثم بدواعي الحفاظ على حقوق رعاياهم وأعوانهم المتحالفين معهم، فيصعب على البلاد بعد ذلك الخلاص منهم ، في الوقت نفسه يبدؤون باللعب على وتر حقوق الأقليات، فتبرز الوطنية و القومية و الطائفية، ثم يطالبون بحرية النظام القضائي وتعليم حضاري معاصر واقتصاد حر، و يفتح الباب على مصراعيه للعلمنة والتغريب . وعند التدخل المباشر للمستعمر تبدأ عمليه شرعنة وجوده ،عن طريق الفتاوى السياسية ،وأول من استعمل الفتوى السياسية هو المستعمر الانجليزي في الهند فلجأ إلى بعض العلماء يستفتيهم في مسألة الجهاد هل يجوز أم لا ؟ واصدر البعض فتاوى تخدم المستعمر وذلك بأن الجهاد في حالة عدم التكافؤ بين قوة المسلم وقوة المستعمر بأنها "عبث" ومضيعة للنفس والمال وان المستعمر مادام لم يتدخل في إقامة الصلاة وأداء الفرائض فلا تكون البلاد بلاد حرب ...! وكانت هناك فتاوى مضادة منها فتوى الشيخ "مولانا شاه عبد العزيز الرهلوي الذي دعا لرفض سلطة المستعمر الانجليزي وحذر من النظام العلماني الذي سيحكم المسلمون في الهند ،ويأتي التخوف من الإسلام في حالة تطبيقه والحكم به أن ينتصر وتقوى الأمة به وأن تفككها يعطي العكس وهذا ما يؤمن به مفكرو الغرب من هنا أوجد الإنجليز" مبدأ فرق تسد"، وأوجدوا أنظمه تابعه تحكم بدساتير غربيه بعيده عن الشريعة أنظر لما قيل"إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية فإن الإسلام ينتصر في هذه البلد ، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها"المستشرق الأمريكي " وك سميث الخبير بشؤون باكستان "
غياب فتاوى التصدي للهجوم على الإسلام:
تعرض الإسلام للهجوم من الغرب ندرج بعضا منها:
بند يدكت بابا الفاتيكان :
أ-شبهة انتشار الإسلام بحد السيف فهناك نصوص قاطعه تكذب ذلك الاتهام وتحرمه قال تعالى :"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"البقره(66) ،وقد نسي البابا بأن التنصير هو الذي انتشر بحد السيف،في الشمال بسيف الملك شارلمان وملوك الدنمرك والنرويج،ثم تم تنصير مسلمي الأندلس عنوه،و أما في الجنوب فبسيف الإمبراطور قسطنطين على الوثنيين واليهود،والتنصير ومازال قائما على قدم وساق على المسلمين وغيرهم ...
ب- نعت العقيدة الإسلامية باللامنطقيه:
أين المنطق في تحقير العقل والمنطق نقرأ في العهد الجديد "اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء!!"
"الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطله!!"{كورنثوس1:27-28}
وأين ذلك من قوله تعالى"إنما يخشى الله من عباده العلماء"(فاطر28)
وقولهم في المسيح إنه إله,ابن الله ويشكل ثالوثا مقدسا؟!!.
ج-أثار البابا ما قاله الملك البيزنطي في القرن الرابع عشر والذي كان قد هاجم به الإسلام في الكتاب المنسوب إليه مستخدما البابا تلك العبارات ومدعيا أنها ليست من كلامه بل من كلام صاحب الكتاب!!
د- مسلسل إهانات متتالية للمسلمين بدأت هذه الإهانات بإحراق المسجد الأقصى المبارك ومحاولة تهويده، وانتهت بإحراق صفحات من المصحف الشريف وبالرسومات المسيئة للرسول الكريم،.ومنع بناء المآذن للمساجد في سويسرا ومنع ارتداء النقاب في فرنسا والحجاب في بعض الدول الأوروبية الأخرى، وقد دعا أخيرا القس تيري جونز إلى ما أسماه"اليوم العالمي لحرق نسخ من المصحف الشريف"وقد ربط القس جونز راعي كنيسة دوف بولاية فلوريدا التوقف عن حرق نسخ المصحف بالعدول عن بناء مركز إسلامي بالقرب من مبنى التجارة العالمي الذي دمر في هجمات الحادي عشر من سبتمبر،وقد أثارت دعوته هذه موجه إعلاميه واستنكار عالمي ،لكنها أثرت في عقول المتطرفين الأمريكيين فقام مواطن أمريكي في نفس الموقع بولاية نيويورك بحرق صفحات من المصحف باللغة الإنجليزية وسط حضور إعلامي، وهنا لا بد من التساؤل:أين حرية الأديان المصانة في الغرب؟وهل إيذاء الآخرين مسموح به ؟ ،أما عن ردود الفعل الإسلامية الرسمية فلم ترقى إلى مستوى الإدانات الرسمية في العالم الغربي نفسه!!.
غياب الرؤى في فتوى تزاوج الأصالة بالمعاصرة :
يعد التراث من الأصالة لكن الشريعة ليست تراثا ً،بل هي أحكام ودستور وقوانين مرنه غير جامدة ،فيه مترادفات بحيث لا يطغى النقل على العقل ولا درئ المفاسد على جلب المصلحة والعكس صحيح، تدعوا للعلم النافع وتحض عليه.
وعلينا أن نعي بأن معنى الأصالة يجب إن لا يعني لنا التمسك بالجانب المظلم من تاريخ الأمة بسب النكسات التي تعرضت لها ولا نقطع صلتنا بالحاضر المنفتح وذلك بحجة اختلاط الضار بالنافع، كما أن المعاصرة يجب أن لا تصادر هويتنا الحضارية وتجعلها بلا جذور ، فقد عبر عن هذه الفكرة غاندي المفكر الهندي حيث قال" يجب علي أن أفتح نوافذ بيتي لكي تهب عليها رياح كل الثقافات ولكن بشرط أن لا تقتلعني هذه الرياح من جذوري "
وعليه فلا مانع من الاندفاع نحو الحداثة شرط التمسك بالهوية الذي تصون الأمة من الانحلال والاندماج بحضارة الاّخر و تحميها من الاندثار لتعرضها لهذا المد الحضاري الهائج ..
فما المانع من اخذ ما هو ضروري من الحضارة الغربية التي نحتاج إليها للنهوض والتقدم دونما تناقض مع قيمنا وأصالتنا ،إذ أن تزاوج الأصالة بالمعاصرة أمر ضروري للنهوض من الانحطاط دونما أن نخسر شيئا من مقومات الثقافة الأصلية ، واليابان مثال حي على ذلك فهي تخوض تجربة تاريخية ناجحة حيث استخدمت الحضارة الغربية الوافدة كأداة في مؤسساتها الصناعية والزراعية وغيرها مع محافظتها على تراثها وثقافتها ... وهنا نشير إلى أقوال المؤرخين المسلمين ، ابن تيميه قال"الانتفاع بآثار الكفار والمنافقين في أمور الدنيا جائز كعلم الطب وغيره من العلوم"أما الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فقد قال هو الآخر "الحضارة الغربية أربع لا خامس لهما "ترك الحضارة نافعها وضارها،الثاني أخذ الحضارة نافعها وضارها ،الثالث أخذ ضارها وترك نافعها،الرابع أخذ نافعها وترك ضارها ".
وأعتقد أنه في الوقت الحاضر بات العرب والمسلمون عاجزون عن الأخذ بهذه المعطيات وباتوا عاجزين عن ترجمة مفرداتها على أرض الواقع .
غياب الفتوى بين الأمة والدولة :
الأمة صنعت أمجاد وبنت أجيال، ولها موروث تاريخي كما ساهمت في بناء حضاري وثقافي واقتصادي و جاءت الدولة القطرية لتدمر بناء الأمة وتعري أوصاله ،
لقد ابتعدت الدولة ككيان سياسي وإداري عن الأمة وخياراتها ومارست عمليات الإقصاء والتهميش لقوى الأمة ودخلت بعدها في نفق مظلم على مدى عقود ونشأت علاقة متوترة وصراع طويل بين الدولة وجارتها الدولة على أنقاض الأمة،ونتيجة التخلف والجهل الذي رافق ذلك توقف التقدم الحضاري للأمة وغاب الدور والإرادة بين الأمة كوعاء جامع وبين الدولة أداة الفرقه" وأما عن الفتوى في الدولة فأصبح هناك تخبط بين الرأي والفتوى وهل صح لنا القول "بأنه أصبح حرام الأمس جائز اليوم"؟!!
في رأيي هذا التخبط راجع لسببين هما:
1-خواء الدولة وضبابيتها فلا هي مدنيه بمعنى دوله عصريه متقدمه ولا هي دينيه بمعنى أنها تطبق الشريعة الإسلامية وتلتزم بها ، فمدنيتها خادعه بألوان وأقنعه تسوق لنفسها بهما في النظام العالمي ،أما تدينها والتفافها بعباءة الدين فهو شكل ولون باتجاه الداخل يقوده شيوخ وفقهاء النظام بالدعوه لسيادة الدوله بذلك تستمد قوتها من قوة الدين.
وهوية الدولة في هذه الحالة ضائعة لا هي دينيه ولا مدنيه ،والمواطن فيها حائر في كلا الحالتين، وأصبح يشك في تصديق فتاوى فقهاء الدولة والمهيمنين على الإفتاء وذلك لما تحتويه فتاواهم من محاباة و من سخافات وترهات لم تشهد لها الأمة مثيل.
والمواطن ضائع أيضا لعدم وجود الدولة المدنية التي تحترم قراراتها وهي في حالة انفصام في تعاملها مع معطيات الواقع الذي يتمثل في السير المتعثر فيما بين الأصالة والحداثة ومجاراتها لهما.
2-غياب العقل وتلوثه نتيجة الخداع والتضليل والجهل فلم تعد الفتوى الرسمية قادرة على الموائمة بين العقل والنقل والحداثة والأصالة، فقد غاب العقل العربي منذ إنهاء عصر المعتزله ،وأصبح لكل دوله دور إفتاء تخصها ،وفي حالات كثيرة تختلف الفتوى مع اختلاف الساسه وتصح وتبطل في دولتين متجاورتين،والخلاف على بدأ شهر الصيام وعيد الفطر مثالا على ذلك وزواج المتعة والمسيار والعرفي ..الخ.لقد غاب عن دور الإفتاء في كل دوله الهيئات والخبراء والمثقفين الذين يوائمون ما بين المعاصرة وواقع الدين لتوفر لهم قاعدة معلومات عن النوازل والأحوال التي تعصف بالأمة،وأصبح هناك خواء فكري يتواءم مع خواء الدولة فلا عجب إذن من انتشار الفتاوى الضالة والسخيفة مختومة ومصادق عليها من قبل الدولة.
ولا تصلح هذه الأمور إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة والذي تتحدد بموجبهما علاقة الفرد والمجتمع والدولة واللذان يشكلان فضاء الأمة الإسلامية الواحدة القوية كما كانت لتتحدد العلاقة بموجبها مع جميع الأمم الأخرى على هذا الأساس.
الهوامش:
1-القرآن الكريم
2-الحديث الشريف
3-أ.د عبد الرحمن عباد مفهوم التنوير في التصور الإسلامي"بين الأصالة والمعاصرة"دار الفتوى والبحوث الإسلامية القدس فلسطين
4-د.أكرم حجازي مراجعات ابن تيميه شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي 10-4-2010
5- د.مشفر علي القحطاني فقه النوازل /ضوابط الفتوى المعاصرة - علماء الشريعة
6-د.علي بادحدح الإسلام السياسي hamasna إسلاميات
7- منهج التيسير المعاصر"دراسة تحليليه" رسالة دكتوراه عبد الله إبراهيم الطويل تلخيص د.خالد بن علي المشيقح ملتقى أهل الحديث
8-خالد أبو الفتوح جذور العلمانية والتغريب في العالم الإسلامي-حصاد العلمانية
9-الحيل الشرعية-شبكة صفوي الإخبارية
10- لا جهاد بدون طلب ولي الأمر "منتديات أخبار مكتوب"
11- أقوال كبار العلماء في حكم من لا يحكم بما أنزل الله"هل هو كافر أم لا" منتديات الجزيرة توك ثم أنظر "كتاب التوحيد ص39 دار إيلاف الكويت.
12-هشام طلبه يرد على البابا بنديدكت موقع برهانكم للرد على النصارى
13-سعد بن طفله،عجائب الفتاوى في عصر البلاوي ،صحيفة الشرق الأوسط عدد10420 تاريخ 9 يونيو 2007
14-طارق القزيري"تقرير" بعد 700 عام هل مراجعة فتوى ماردين "تحديث أم صراع"إذاعة هولندا العالمية
15- شيخ السلطان أم المفتي العام "شيوخ السلطان أم شيوخ الفضائيات" النهر الثقافي –منتديات النهر.