رجل على السرير

رجل على السرير

 نجاة الحجري

 [email protected]

قرأت في أحد المواقع الالكترونية الأدبية مقالا للكاتب أحمد محمود القاسم بعنوان " لغة الجنس عند الكاتبات والأديبات العربيات ، وأثرها على القارئ العربي " ، ثم قرأت ما علق على موضوعه في أكثر من موقع . لقد أثارني حقا انتصاره للمرأة _ المظلومة دائما من الرجل ! _ واستعداده لأن يكون تحت قيادة امرأة ذات مستوى ثقافي وفكري عال . لكأن غاية الأمر أن يقع أحدهما تحت سيطرة الآخر ، لا أن يحققا التكامل المطلوب وفقا لقدرات كل منهما ، وموقعه ، وغاياته ، وآرائه .

ومما أدهشني أيضا رده على أحد التعليقات الواردة على مقاله ، والذي يرى أن أولئك الكاتبات قد يصدرن في كتاباتهن عن عجز، أو كبت ، أو حرمان ، أو ولع بالأمور الجنسية . فرد الكاتب بأنهن جميلات جدا ، وأنيقات ، وبأنهن إن أردن المتعة فحسب ، لوجدنها في سبل المتعة الرخيصة المتاحة ، دون الحاجة إلى إجهاد الذات من خلال الكتابة .

فخطر لي أن كونهن جميلات وأنيقات لا يحكم أبدا بأنهن لم يعانين الكبت أو الحرمان ، فهذه أمور داخلية لا تظهر بالتصريح ؛ لأن كشفها يزيد الإنسان وجعا . فقد يكون هذا التأنق والتحرر الذي يراه علامة لذاك الكبت والحرمان ، ووسيلة للهروب المزيف من حقيقة مؤرقة بالحرمان من تغزل الرجل مثلا ، قد تلجأ إليها المرأة لإثارته ليشهد لها بما حرمت منه ، هذا على سبيل التمثيل فقط . أما الولع بالأمور الجنسية فلا يعني أيضا أن يلجأ الإنسان إلى التعبير عنه بطرق فجة ورخيصة ، فالأنا العليا قد تفرض على المرء أيضا قيودا داخلية تمنعه من تخطي حدودها ، فقد يرى الكاتب أن الانخراط في أمر ما قد يسيء إليه أمام نفسه فلا يلجأ إليه ، ويلجأ إلى وسائل أكثر ترفعا للتعبير عن ولعه غير المشروع ، بحرية ، وبلا حدود .

أنا هنا لا أقرر دوافع الكاتبات ، ولا أنقد كتاباتهن ، لكنها وجهة نظر ، على وجهة نظر . فقديم هو ، هذا الصراع من أجل المرأة ، الذي أصبح _ منذ أن كان ربما _ غاية تسوغ وسائل شتى ، أو لعله وسيلة تبلِّغ غايات شتى . كلمة حق أريد بها باطل ، حتى عادت حرية المرأة نفسها كالمومس المأجورة ، تجني المال لغيرها ، وتجني هي اللعنة والسقوط والتغييب !

لقد أثار مقال القاسم جدلا ، ونقاشا  لحساسية الفكرة التي تعرض لها ، إلا أن المقال رديء فنيا ، وغير محكم ، ولغته ضعيفة ، وفيه تكرار عجيب ، كأنما وقع صاحبه تحت وطأة مس من إنجاز المرأة العظيم في فضح الرجل ؛ فصار يردد : " أن ينقلن للقارئ رؤية ونظرة الرجل الذكورية للمرأة ، بشكل فاضح وبلا حياء ، وبطريقة مشوقة ممتعة" لماذا ؟  " ليقلن لنا من هي حقيقة هذا الرجل ، الذي سامها شتى أنواع الاضطهاد والقمع والعذاب ، عبر عصور التاريخ ، وما زال يسيمها في أحيان كثيرة ، وفي أماكن كثيرة ، شتى أنواع الذل والاستعباد في عصرنا الراهن ، خاصة وهو على فراش الزوجية ، أو على فراشها خارج مؤسسة الأسرة الشرعية ، ونطاق الزوجية المزيف " ثم في الفقرة التالية يكرر : " تمكنت النساء الكاتبات والأديبات ، أن ينقلن لنا شعورهن ، وشعور الرجل نحوهن ، وممارسته معهن ، خلال لقاءاتهن الرسمية أو العابرة ، بأسلوب سلس وممتع وشيق ، ليقلن لنا ، ما كنهه هذا الرجل ، خلف الجدران ، وما هي حقيقة ممارساته في الغرف المغلقة ، وماهي حقيقة رجولته " ويكمل : " تمكن النساء الأديبات والكاتبات العربيات من ان ينقلن لنا صورته بشكل مشوق أحيانا ، ومضحك في أحيان أخرى ، وهو يترنح أمام أجسادهن العارية ، ونهودهن النافرات ، من أعلاهن إلى أخمص أقدامهن " ثم الفقرة التالية : " المرأة الكاتبة والأديبة ، أظهرت الرجل على حقيقته في كتاباتها وقصصها الأدبية ، وأظهرت كل تصرفاته أمامها ، ونقاط ضعفه ، على فراش الزوجية ، أو على فراش العشق والحب الخارج على القانون ، وخارج فراش الزوجية ، أمام جسدها البض ، المليء بمراكز الأنوثة والإثارة " . وفي الفقرة التي تليها : " وبذلك تمكنت النساء والكاتبات والأديبات ، من أن ينقلن لنا رأيهن بكل وضوح ، ودون خوف أو وجل أو خجل ، بالرجل بشكل عام ، والرجل الشرقي بشكل خاص ، وممارسته معهن في السراء والضراء ، وفي السر والعلن " .

بعيدا عن الأخطاء الإملائية واللغوية التي يعج بها المقال ، أتساءل أين ظهرت عظمة المرأة في هذا الكشف الذي يراه ، والذي أصابه بهوس التكرار ؟ لكأنما لا تملك المرأة لفضح حقيقة الرجل إلا أن تعري نفسها ، وتظهر ( نهودها النافرة ) للجميع ، لتؤكد لهم أنه ضعيف ، و" نمر من ورق " . لكأنما لا تملك ثمنا لحريتها إلا أن تبرز استعباد جسدها للرجل؟ فأين الحرية التي جنتها ؛ مادام أنه ما زال يستعبدها بفكرة ( أنها مستعبدة ) ، ويجب أن تثبت حريتها من خلال شبقه ، ومادامت ستواصل التواطؤ معه ، لكن بشكل علني ، هذه المرة ؟ أهذه هي الحرية المنشودة ؟ أهذه حرية العلاقات الجنسية ، والمساواة فيها التي تطالب بها ؟ وهل كان الرجل في علاقاته الفاضحة ممدوحا من المجتمع كله ، وإن غض المجتمع الطرف عن ممارساته تلك لأسباب متخلفة ؟ ألم تعاني هي أيضا من تلك العلاقات التي أهانت كبرياءها ؟ أتنتقم لها منها ؟ أم هل كانت المرأة الأمَّة ، كالرجل الفرد ؟ أين هو من مكانتها ؟ أين هو ممن حملت بداخلها حياة كاملة ؟

مما ورد للقاسم في ردوده على أحد التعليقات على مقاله مدافعا عن المرأة أنه كما هناك امرأة قحبة _ على حد تعبيره الفج _  فهناك رجل قحب.  لربما كان من المساواة التي تطلبها المرأة ، ويطالبون بها لها أن ( تتقحب ) كما ( يتقحب ) الرجل دون محاباة في النظرة لهذا ( التقحب ) . يغنيني عن القول هنا قول الرافعي في هذا : " قالت : فكأن الرجل عندك أطهر فجورا من المرأة ؟ قلت : بل هو هي في اللعنة والسقوط ، والنعل أخت النعل ، واثنتاهما على طراق واحد . ولكنه إن لم يكن أعقل من المرأة بفكره ، فهي أعقل منه بحواسها  ، وإن يكن أقدر في قوته ، فهي أقدر في عواطفها ، وإن يكن في البلية عود الثقاب ، فهي بعد الحريق كله ! ولذا كان من الطبيعي أن تحاط المرأة في الاعتبار بالمعاني الاجتماعية الكبرى ؛ إذ كانت هي الغرض الذي تمتثله القسي الرامية ، فهي في معنى الكمال الأصل لأنها الأمومة ، وهي في  العفة الأصل لأنها الزوجية ، وهي في الحياء الأصل لأنها العرض وكذلك هي الأصل في المعركة الجنسية لأنها المقاومة والمدافعة للرجل ، والأصل في الفضيلة الإنسانية لأنها المنشأ والمربى للطفل ، والأصل في الشرف الاجتماعي لأنها المثال الأدبي للجميع . ومن ثم كان سقوطها سقوطا لهذه المعاني كلها ؛ فهو تهدم الأساس لا الحائط ، وفساد الجذع لا الفرع ، وعلة نفس الاجتماع ، لا علة جسمه ".

لست ضد دخول الجنس حيز الأدب ، بل إني أرجو أن يدخل كل مجالات النقاش الأخرى ؛ لأننا نعاني حقا أزمة في التعامل مع الجسد ، وعلى رغم ذلك نؤثر أن نعاني بصمت . فتتنفس تلك الرغبة المحبوسة قسرا عن مآس وكوارث ، تتسرب من جدار الممنوع والعيب والحرام ، تلك المصطلحات التي أخضعنا معانيها لتناسب أهواءنا بمفاهيم ما أنزل الله بها من سلطان ! وحين تسربت ، ورأيناها ، شهقنا ، ثم عاودنا الصمت .

لكنما أتساءل ما غاية أن نبث المشاهد الجنسية الساخنة في مشاهد روائية ، أو شبه روائية ؟

قد أرى أن الحديث عن أفعال الرجل الجنسية المشينة بحق المرأة أمر يستحق الوقوف أمامه ؛ لما يخفيه من حقائق نفسية ، واجتماعية ، وتداعيات خطيرة ، ومناطق مظلمة مهجورة عمدا ، ولما يحمله من أبعاد إنسانية بالدرجة الأولى . كما أحبذ الحديث عن الدوافع الجنسية لإضاءة أماكن معتمة في النفس الإنسانية ، لمعرفة تداخلاتها ، والاقتراب منها بأسلوب أدبي راق ، رغم كشفه للعلامات الحمراء . لكن ما علاقة ذلك بالموقف الذي ننظر فيه إلى غرف النوم المغلقة بتلذذ أو بشكل مثير للغرائز ، كما وصف القاسم في مستهل مقاله  : " أثرت لغة الجنس ، والعواطف الجياشة ، والمثيرة للغرائز ، التي احتوتها مؤلفات وقصص الكاتبات والأديبات العربيات ... أثرت بشكل عام على القارئ العربي ، وبشكل إيجابي ، وجذبته إليهن كثيرا " ؟ ما جدوى أن نعيش رواية تدور في كلها في غرفة نوم إرادية ، حيث يتساوى الرجل والمرأة في الاستمتاع ، والرضا ، والإرادة ؟ أهي رغبة في كشف كل مستور ، بحجة أنه مغيب عمدا بسبب الموروث الديني أو الاجتماعي أو ما سواه من المواريث المتخلفة كما يرونها اليوم ؟ فلم لا يتعرى الجميع ، ويمارسون الجنس بالطرقات كسرا للقيود التي تفرضها العادات ، والدين ، والمواريث الأخرى ؟ لم لا يكشف الجميع عوراتهم ، ويستسلمون لنداء الطبيعة ، والعيش دونما أقنعة اللباس ؟ ولم كانت شاذة مستنكرة تلك الحركة التي تنادي بالتعري اتحادا مع الطبيعة ، وعودة للأصل ، مع أن دوافعها ليست إباحية جسدية قد تثور عليها أحكام المواريث ؟ ولم استنكرت في مجتمع غربي لا تخنقه القيود كمجتمعنا العربي الذي نحمله كل خيباتنا ، وسوئنا ؟

إذا ما أردنا الحديث عن الجنس بعده أمرا عظيما ، يستحق النظر ، كما هو أصلا في حقيقة حياتنا ، فلا بد أن ننظر إليه في أعمالنا بهذا المنظار . فنحن لا نمضي الليل والنهار بممارسة الجنس ، أو بالحديث عنه بشكل غرائزي . بل له حيزه الذي يجب أن يعطى له بأمانة ، كما أنه لا يأتي إلا واجهة للمشاعر الإنسانية الدافئة الأخرى ، التي إن تعرى منها ، صار عملية ديناميكية لا روح لها ، تنحدر بالإنسان _ خاصة المرأة _ من الإنسانية رأسا إلى الحيوانية ؛ لأنها حينئذ تكون المستغلة بطريقة مهينة . أما من يشغل حياته بالجنس ليل نهار ، وبكل مشهد ؛ فلا يختلف اثنان في أنه مريض نفسي ، مختل بشكل أو بآخر . فلم لا نحكم على رواية تبدأ بقبلة فرنسية ، وتنتهي برعشة الجنس بأنها مختلة ، ومريضة نفسيا !

 أما إن كان المغزى من تلك الأعمال كشف المستور ، لمجرد أنه مستور ، فلنتعر ، ولنمارس رغباتنا بالشوارع ، ولا بأس بأن نقضي ليلنا ونهارنا بذلك !

لكنما يبدو أن المغزى شيء آخر ؛ إذ " استطاعت المرأة العربية الكاتبة والأديبة، بعد انقضاء عدة عصور وقرون من الزمن، بكتاباتها الجريئة والصريحة، والتي كانت محظورة جدا في أزمنة ماضية، خوفا لما تسببه من فضائح اجتماعية، أن تعبر عن شعورها بكل حرية وجرأة، لأن مثل هذه الكتابات، التي تتكلم عن الجسد وعنفوانه ولهيبه وناره، وكيفية تأثيره على الرجل، كانت من المحرمات في العقود السابقة " .

لقد استطاعت المرأة أن تتحرر من عبودية التابوهات ، ومن عبودية الرجل أيضا . أجاءت كل تلك الأعمال لتعري حقيقة الرجل ، وتكشف زيف رجولته فتحرر المرأة ؟ أجاءت لتعبر عن قدرة المرأة على الوجود أخيرا ، لتنطق كفرا ، على سبيل المثل العربي ، لا على سبيل الحقيقة ؟ أجاءت لتثبت هي حقارة الرجل من خلال حقارتها ؟ أكانت شجاعتها في أن تدين نفسها ، ليدان الرجل ؟ أكل ما يثبت وجودها منوط بالرجل ؟ وهل ستثبت المرأة وجودها أمام الرجل حين تكشفه على السرير ؟ ألا يمكن أن تثبت تفوقها عليه بعيدا عن الجنس الذي هو أصلا مظهر يبدو فيه الرجل والمرأة على غير حقيقتهما الصلبة لما يتطلبه الموقف ؟ ألا تمتلك المرأة شيئا أغلى من جسدها لتثبث به جدارتها على الرجل ؟ أم أن سيطرة المرأة على الرجل وإبرازها لمدى ضعفه أمام جسدها مجال وحيد تستطيع أن تستعيد به قيادتها المفقودة أو الغائبة ؟ أكل ما يعبر عنها في علاقتها مع الرجل هو الجنس ؟ أكل ما يدين الرجل في علاقتها معه أفعاله الجنسية الوحشية ؟ إذن فهذا يشي بأمرين : إما أنها لا تطلب منه إلا ذلك ؛ فأوجعها شديدا ألا يقوم به ، على رغم أنه يسيء في الأمور الأخرى ، أو أنه يحسن إليها في بقية لقاءاتهما التي لا يحتل الجنس إلا جزءا يسيرا منها . و أظن أنها لا تقر بالأمرين معا . وسواء أقرت أم لم تقر، ففي الحالين تكون مسؤولة كالرجل تماما عن السوء الذي وقع . فكما أن الرجل مطالب بأن يوسع أفقه ، فالمرأة مطالبة أيضا بذلك ، فهذا من قبيل المساواة أيضا . ولم يخل عصر مهما بلغت درجة انحداره من امرأة متمردة دافعت عن ذاتها بشدة ، ولم يكن الجنس الفاضح دوما وسيلتها .

إن المجتمع الذكوري يعطي الحق للرجل في أن يفعل ما يشاء ، متى يشاء ، دون رقيب أو محاسب ، ومما شاءه الرجل استباحة المرأة كيفما أراد . لكن أليس اعتداد المرأة الزائد بأنوثتها ، والبحث عن كل سبل إبرازها ، وإثارتها ، والتفنن في وصفها ، ووصف قهرها للرجل ، وجها آخر لذاك المجتمع الذكوري ؟ أم لأن تلك الأوضاع وتفاصيلها الحمراء المثيرة واجهة شديدة الإيحاء بسيطرة المرأة وضعف الرجل في مجتمع يسحق المرأة فكريا ،عددناها انتصارا وفتحا لها ؟ أهذه هي المساواة في الأمور القيادية التي تريدها المرأة ؟ أليست هذه الكتابات ترسيخا للنظرة الذكورية ، لكن من وجه آخر ؟ كأن لم تجد المرأة مجالا تتنفس فيه عن سوء الرجل إلا بإبداء جسدها ، وإظهار لهاثه أمامه ، لتكشف زيفه وسوءه . فكانت صورة المجتمع الذكوري الذي يحاربونها تتكرر ، لكن بتسليط الضوء على المرأة هذه المرة .

وعلى رغم أن المرأة في التمسك بعبودية أنوثتها تصنع الوجه الآخر للمجتمع الذكوري الذي نناهضه ، نراها ضحية ؛ لأنها عبرت عن ذلك ، للطبيعة التي أباحها لها المجتمع الذكوري أيضا ، وهي الثرثرة ، وكثرة التشكي . ولا نرى الرجل ضحية مجتمعه الذي يأبى عليه البكاء (كالحريم ) ، على رغم أنه يعاني هشاشة الروح ، وضحالة الفكر حين يتعلق الأمر بالمرأة ، وعدم القدرة على التخلص من عبودية فحولته ، مهما بلغ من درجات الثقافة . فيظل ناقص الإرادة ، لأنه فاقد السيطرة على جانب لم يكلف نفسه مشقة فهمه ، ويظل عاجزا ؛ لأنه لا يتكئ إلا على رؤية وحيدة للمرأة ، تفقده أن يرى نفسه ، ويراها هي على حقيقتهما الإنسانية . ومن ثم سيخطئ النظرة إلى العالم كله ، الذي تمثل النساء جزءا صارخا فيه ؛ فيبدو متخلفا بربريا ، مهما توشح بأردية التمدن . كل هذا وهو لا يدري ، ولا يدري أنه لا يدري ، وهذه الفاجعة الأعظم . قد تخرج المرأة من مأساتها بفهم آخر لنفسها ، وله ، وللعالم ، أما هو فبم سيخرج ؟

ثم لم هذا الظل  يتأرجح دائما بصورة مفزعة أحيانا ، ومربكة أحيانا أكثر، على جدران حياة المرأة ، حتى وهو ضحية مجتمعه مثلها ؟ ألا يشي هاجس المرأة الدائم بالمساواة ، حتى حين تحصل عليها ، بعقدة نقص قديمة ؟ لماذا يجب أن تتفوق على الرجل لتكون متفوقة ؟ لماذا يجب حضور الرجل في كل مجال امتياز للمرأة ؟ ألا يمكن أن تتميز إلا إن تفوقت على رجل ؟ لم لا تتميز لأنها مميزة أصلا ؟ لم لا تتميز لأنها مبدعة أصلا ؟ أتتميز فقط حين تكشف الرجل وشهوانيته وحيوانيته أمامها ؟ أتتميز حين تكشف ضعفه ، ودفاتره الحمراء المخبأة تحت عضوه الحساس ؟ لماذا يجب أن تعتد به مقياسا لمدى تقدمها أو تأخرها ؟ لم لا يتضح عالمها إلا حين ترش عالمه المخفي باللون الأحمر ؟ أليس ذلك دليلا آخر على عقدة نقص فرضها المجتمع ورضيت بها المرأة المظلومة ؟ أليس دليلا آخر على مجتمع ذكوري صنعته هي ؟ 

إن وعي المرأة بقيمة ذاتها بعيدا عن الجنس ، والجسد ، والرجل هو المحك . ماذا ترى المرأة في نفسها بعيدا عن كونها أنثى ؟ ماذا ترى في نفسها حين تعجز عن التعبير عن أنوثتها بشكل أو بآخر ، مجبرة أو مختارة ؟ ليس الرجل وحده سبب المشكلة ، بل نظرة المرأة إلى نفسها ، هي المشكلة الحقيقية . وحين أرادت أن تعبر عن حريتها ، وصفت كيف يسيل لعاب الرجل أمام طغيان جسدها العاري ؛ فيتعرى له من رجولته وصلابته ، " وهو يقبل الأرض تحتهن، ويلعق بلسانه وشفاهه، كل بقعة من جسدهن، بحيث لم يبق سنتمترا واحدا من أجسادهن، إلا لثمه بشفاهه، وان لم يستطع، لعقه بلسانه " .  وهنا أتساءل أليس من الطبيعي أن يبدي الرجل ضعفه لامرأته ، ألا تحب هي ذلك ، سواء أكانت مظلومة ، أم قاهرة ؟ أليس شيئا معروفا لدى الجميع ؟ وليس فيه ما يعيب الرجل ، لأنه إن لم يفعل ذلك ستراه إساءة لأنوثتها . فما الذي فضحته المرأة _ إن كان غايتها الفضح _ غير هذا الضعف المحبوب منها ، والمطلوب منه ؟ وما الذي تلبس بالقاسم ، ليكشفه منفعلا كالممسوس ؟ إلا أنها عرضت نفسها للجميع دونما جديد ، قد يشفع تعريها ، إلا ذاك الجديد الذي يستهوي المراهقين في أفلام الجنس الممنوعة . إنها لا تقوى الفرار من بطش الرجل ، فتبقى مأسورة في دائرته تحت مفهوم التحرر ، والمساواة ، بصورة استعباد من نوع آخر. وكما يقول المفكر الإسلامي علي شريعتي : " أما حرية المرأة هنا فتعني تحررها من الملابس والزينة التقليدية واستعبادها في سوق بيع السلع الاستعمارية الاستهلاكية ، ولا علاقة لها في الأصل بشعورها وثقافتها وروحها وقوة إدراكها ورؤيتها الشخصية والكونية وثورتها الفكرية وتغيير استحقاقها وجدارتها " .