نحو فهم صحيح لمسألة تعدد الزوجات

  بلال محمود القصاص

  بلال محمود القصاص

باحث تاريخي

[email protected]

انتشر في مجتمعنا الحالي فكرة تعدد الزوجات وأنه شيء مباح وسنة يجب الأخذ بها والعمل بها، ولكن هل كل ما فعله النبي ^ يفعله المسلمون.

إن تعدد الزوجات أمر يختلف حسب المكان الذي يعيش فيه الإنسان، فهناك مجتمعات لا تقبل نسائها مسألة التعدد؛ بل ويخلق التعدد فيها مشاكل كبيرة، وهناك مجتمعات أخرى يعتبر التعدد فيها أمر طبيعي، ولكن ما العلة أصلا من إباحة التعدد.

يقول العلماء أن الإسلام لم يخترع مسألة التعدد وإنما هو شيء كان موجودا في الجاهلية وأباحه الإسلام بضوابط بأن جعل أقصى حد للتعدد أربع نساء فقط ولا يجمع بين أكثر من أربعة، بل إنه إذا طلق إحداهن وأراد أن يتزوج غيرها عليه أن ينتظر حتى تقضى عدتها.

كما أن الشرائع السماوية عرفت التعدد قبل الإسلام، فيحدثنا التاريخ عن إبراهيم ويعقوب، وداود، وسليمان، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين بأنهم عددوا، كما أن التعدد كان موجودا أيضا في أوربا حتى عهد شارلمان والذي أشار القساوسة على المتزوجين بأكثر من واحدة في عهده أن يختاروا لهم واحدة من بينهن، يطلق عليها (زوجة) ويطلق على غيرها اسم (خدن) أي صديقة.

ونظرا لكثرة فوضى الفتوى التي نعيشها الآن نجد أن كثير جدا من الدعاة الذين انتشروا من خلال الفضائيات ويعتبرون أنفسهم فقهاء يتكلمون في مسألة التعدد ويوجبوه ويحثوا الناس عليه من خلال توضيح إيجابياته فقط دون سلبياته وأضراره، ويصفون حالهم بأنهم من المعددين وأنهم يعيشون حياة سعيدة جدا، مما جعل الكثيرين يرغبون في التعدد لتطبيق سنة النبي ^ كما يدعون، فهل طبق المسلمون كل سنن النبي ^ حتى يطبقوا التعدد إن كان التعدد هو الأصل كما يدعون؟!!!.

فمن ضمن الإيجابيات التي يقولون عنها هي حل مشكلة العنوسة، ونحن نعلم أن في مجتمعنا تفاقمت هذه المشكلة؛ ولكن هل تزوج جميع شباب المسلمين حتى نرى إن كان هناك شابات مسلمات لم يتزوجن فعندها نناقش مسألة التعدد؟، إننا لا نعاني من عنوسة لدى النساء فقط ولكننا نعاني من عنوسة لدى رجال أيضا، فهل يقول لي دعاة التعدد ماذا فعلوا لكي يتزوج الشباب، وبعدها نتكلم في مسألة التعدد، وإيجابية أخرى يقول عنها أنه يزيد الرزق ويتعللون بالرجل الذي أتى إلى النبي ^ يشكو له قلة الرزق فقال له تزوج، فتزوج،ثم أتى إليه يشتكي قلة الرزق فقال له تزوج حتى تزوج أربعة، وزاد له الله في رزقه، ولكن هذه حالة واحدة، فلم نسمع عن غيرها، ولكن  التعدد الآن يقل الرزق لا يزيده نظرا لكثرة المشاكل التي يخلقها لدى المتزوجين بأكثر من واحدة.

يقول الدكتور علي جمعة: (أنه لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخري‏ ,‏ وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودا لذاته وإنما لأسباب‏، فالتعدد لم  يرد في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه‏,‏ فالله ـ عز وجل ـ قال‏:: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [ النساء: 3]

فالذين فسروا الآية الكريمة أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي فسروها بمعزل عن السبب الرئيسي الذي أنزلت لأجله‏,‏ وهو وجود اليتامى والأرامل‏,‏ إذ أن التعدد ورد مقرونا باليتامى,‏ حيث قاموا بانتزاع قوله تعالي‏:(‏فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع‏)‏ دون القول السابق‏,‏ والذي صيغ بأسلوب الشرط‏(‏ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى‏)‏ وكذلك دون القول اللاحق‏,‏ والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل‏,‏ حيث قال‏:(‏ فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة‏)‏ فمن ذهب إلي القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها‏,‏ وقد سلكت السنة النبوية السلوك نفسه قولا وعملا‏,‏ ففي الرواية أخبر أنه خلق آدم وله زوجة واحدة ولم يعدد‏,‏ فأصل الخلقة الواحدة، وفي التشريع أباح ولم يأمر وشتان بين أن يكون الإسلام أمر بالتعدد وأن يكون قد أباحه فحسب‏,‏ فضلا عن أن تكون تلك الإباحة مرتبطة بأسبابها ومقيدة بأكثر من قيد في قوله‏:(‏ فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة‏)‏ وقوله في آخر الآية‏:(‏ ذلك أدني ألا تعولوا‏)‏ أي‏:(‏ ذلك‏)‏ وهو الاكتفاء بواحدة‏,‏ أقرب ألا تجوروا وتميلوا عن حقوق النساء‏,‏ إذ التعدد يعرض الرجل إلي الجور وإن بذل جهده في العدل‏:‏ فللنفس رغبات وغفلات‏,‏ وهذا ما يتفق وظاهر قوله سبحانه﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: 129]) انتهى.

أما ما يحدث الآن في مصر نجد أن معظم الشباب والشيوخ الكبار يلجئون إلى التعدد، والمرأة في مصر لها من العزة والكرامة ما يجعلها ترفض أن يشاركها في زوجها امرأة أخرى، مما يولد مشاكل كثيرة جدا لا يعلم مداها إلا الله، حيث تنهار العلاقة الزوجية نهائيا، ويعيش الزوج بين زوجاته في مشاكل جمة، فمثلا نجد أن الزوج لا يكون له علاقة بأبنائه من زوجاته، وكثيرا ما يقع الشقاق بين الأخوة من أجل أن هذا ليس أخوه لأنه من أم أخرى، بينما في مجتمعات أخرى تقبل التعدد ويعتبر أمر طبيعي لديها أن يتزوج الرجل أكثر من امرأة، ففي دول الخليج مثلا تقبل المرأة أن يتزوج زوجها عليها، مما يجعل الأمر راجع إلى طبيعة المكان الذي يعيش فيه الإنسان بقدر كبير، ولكننا نجد في النهائية قوله سبحانه (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) ماثلا أمامنا، فلا أحد يستطيع أن يعدل بين زوجاته.

وإذا كانوا يقولون بأن الشخص وحده هو المرجع في تقدير خوفه من عدم العدل، وهو المطالب فيما بينه وبين الله بتطبيق الحكم المناسب لما يعرف من نفسه ولا سبيل ليد القانون عليه، وشأنه في ذلك، هو شأنه في سائر التكاليف التي تحاكم الشريعة فيها المؤمن إلى نفسه، كالتيمم، أو الإفطار في رمضان إذا خاف المرض أو زيادة باستعمال الماء أو بالصوم، فكلام جميل ولكن من يضمن للمرأة حقها إذن ومن يضمن للأبناء أن يكونوا على خلق وأن ينشئوا في بيئة طيبة، يقولون يضمن للمرأة حقها القانون، ولكن من يأخذ للأطفال حقهم في تربيتهم وتنشئتهم بين أبويهم في سعادة، قليل جدا في مجتمعنا وخصوصا مصر أن نجد رجل متزوج بأكثر من واحدة ويعيش حياة سعيدة ويربي أبناؤه تربية سليمة وينشئهم نشأة صحيحة.

ونحن لسنا مع من يقولون بوضع قانون يحد من التعدد فهذا مخالف للشرع، ولكن يجب إبانة الحقيقة في مسألة التعدد، فمن يقولون أن الاقتصار على امرأة واحدة هو الأصل فهو مخطأ ومن يقول بأن التعدد هو الأصل أيضا مخطأ؛ كلاهما مخطأ، ولكن لندع الأمر متروك للشخص وللبيئة التي يعيش فيها، ففي مصر ينظر المجتمع للمتزوج بأكثر من واحدة بأنه رجل ظالم ضيع أبنائه وزوجته الأولى، بينما في غيرها من البلدان يعتبر أمر التعدد أمر طبيعي فقد قص علي صديق خليجي أن زوجته تحثه على الزواج بأخرى وأن هذا أمر طبيعي في بلدهم، فالأمر متروك للبيئة ولكن مع أن هذا مباح شرعا، ثم  ألم يفتي الشافعي في العراق بشيء، وفي مصر بشيء آخر، ونجد أنه يقول قال الشافعي في القديم، وقال الشافعي في الجديد، فلماذا يقولون أن هذا ليس في تعدد الزوجات، وأنه ليس متروك لطبيعة البيئة التي يعيش فيها المسلم.

إن الناظر للتاريخ الإسلامي يجد أن هناك من الصحابة من لم يرد في سيرهم أنهم جمعوا بين أكثر من زوجة في وقت واحد؛ صحيح أنهم تزوجوا أكثر من واحدة ولكنهم لم يجمعوا بينهم، فعلى رضي الله عنه مثلا لم يتزوج إلا بعد موت فاطمة رضي الله عنها بل إن النبي ^ لم يوافق على ذلك وتزوج علي بعد وفاتها مباشرة، وأيضا من التابعين فخلفاء بني أمية وعلى رأسهم الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز لم يعددوا، كذلك لم يعدد بعد الأئمة مثل أحمد بن حنبل والذي تزوج بعد وفاة زوجته، هذا إلى جانب بعض العلماء والفقهاء على مر العصور المتعاقبة لم يعددوا واكتفوا بامرأة واحدة، ففي العصر الحديث مثلا لم يتزوج الشيخ الشعراوي أكثر من واحدة، كما لم يرد في سير بعض مشايخ الأزهر ومفتي مصر بأنهم عددوا، فكان أولى بهؤلاء جميعا وهم الراسخون في العلم أن يطبقوا ما أمر به الله أو ما أباحه الله لهم، ولكنهم كانوا على فهم بما أراده الله من التطبيق، وأن هذا الأمر متروك حسب البيئة وطبيعة المجتمع دون وضع قيود لمنعه أو قيود لإباحته وانتشاره.

               

مراجع تم الاعتماد عليها:

محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة، ط 18، دار الشروق، 2001.