لا بد للقيد أن ينكسر
سامح عوده/ فلسطين
اعتاد الفلسطينيون أن يخصصوا (17 نيسان) يوماً للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مطالبين بالإفراج عنهم ومناشدين كل من له علاقة أو صلة..!! أن يحركَ ساكناً أمام القمع اللانساني الممارس بحقهم، وها هو 17 نيسان يطل ُ بشمسه الدافئة ومازال الأسرى في سجون الاحتلال وأقبية التحقيق يجردون من إنسانيتهم قابعين تحت عتمة الزنزانة وبرودة جدرانها ، تمارس بحقهم كافة أشكال التعذيب والتحقيق الذي أصبح مهنة ً يتباهى بها الاحتلال وجيشه، عبر أساليب قذرة هدفها تغيب مناضلينا عن الساحة ومسحهم من دفاتر الوجود، لذلك أوغل الاحتلال في ابتكار كل ما يمكن ابتكاره، واستحداث ما يمكن استحداثه لقهر إرادة الفلسطينيين وتركيعهم للاحتلال، أو تغييبهم وتفريغ الأرض من أصحابها الحقيقيين ..
يطل ُ علينا 17 نيسان من العام 2008 م بمشهد ٍ غاية في السواد، صورة مؤلمة وواقع ٍ مأساوي يندى له الجبين، حيث يضع الاحتلال القانون الإنساني جانباً، ضارباً عرض الحائط به، ورامياً بالاتفاقيات التي نصت على معاملة الأسرى الفلسطينيين في أدراج موصده تاركينها للعبث والإهمال، غيرَ مبالين بالحقوق الطبيعية التي وهبتهم إياها الانسانيه كونهم بشرا على وجه الأرض، وأمام بشاعة المشهد وهمجية الصورة النمطية للاحتلال يقف القانون الدولي الإنساني والمؤسسات التي ترعى تطبيق تلك القوانين صامتين عاجزين مكبلين بقيود إراديه..!! غير قادرين على الإدانة أو حتى التلويح بقرار يدين سياسة الاحتلال وممارساته الهمجية التي أصبحت مكشوفة للعيان واضحة كضوء الشمس، فالشواهد اليومية والإفادات التي ينقلها المحامون من سجون الاحتلال مشابهة لسياسة الإبادة العنصرية في جنوب إفريقيا، بالرغم من التطور النوعي الذي حدث على القانون الدولي الإنساني وازدياد مؤسساته التي تراقب كل شيء الا ما يحدث ُ في فلسطين من أسر وعزل وقتل، فالفلسطيني إما أسيراً لزنزانة أو أسيراً لجدارٍ عنصري ظالم يأكل الأرض ، أو أسيراً لنيران حقد ظالم تأتيه من جميع الاتجاهات فلا تترك شيئاً على الأرض إلا وتطاله ..
تعج سجون الاحتلال بآلاف المعتقلين الفلسطينيين وتشير المعطيات الواردة عن مؤسسات رعاية الأسرى " نادي الأسير الفلسطيني " و " وزارة شؤون الأسرى الفلسطينية " إلا أن عدد المعتقلين الفلسطينيين حتى بداية نيسان من العام 2008 يبلغ 11 الف معتقل وأن 25% من الفلسطينيين تعرضوا للاعتقال معتقل، يتوزعون على عشرات المعتقلات ومراكز التحقيق التي أقيمت خصيصاً لتعذيب المناضلين وأخذ اعترافات منهم بالقوة قبل أن ينقلوا إلى المعتقلات، فهذه المراكز المنتشرة لا تخضع لأي رقابه من المؤسسات الدولية، لذلك يقوم جنود الاحتلال بانتزاع اعترافات في بعض الأحيان بأساليب حيوانيه لا تمت للآدمية بصلة، تجويع وتعذيب وعزل انفرادي وتفشي للأمراض وإهمالاً طبي وانتشار للجراذين والحشرات داخل غرف الاعتقال ..
ولم يقف الإجرام الصهيوني المنظم عند هذا الحد فإن التعذيب البشع والإهمال الصحي قد أدى إلى استشهاد ( 195 ) أسيراً منذ العام 1967 م وحتى الآن بحسب معطيات نشرتها وزارة شؤون الأسرى مؤخراً ، والعملية لم تتوقف فهي في ارتفاع مخيف فالعام الماضي 2007 م هو العام الذي سُجِلت فيهَ أعلى نسبه من شهداء الحركة الأسيره الفلسطينية ، وآخر الشهداء سقط داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 29- 2 من هذا العام وهو الشهيد الأسير " فضل عطيه عوده شاهين " 47 عاماً من مدينة غزة نتيجة الإهمال الطبي .. وبناءً على ما ورد من أرقام ٍ مذهلة من قبل المؤسسات الراعية لشؤون الأسرى يلاحظُ بما لا يدع ُ مجالاً للشك أن حياة الأسرى الفلسطينيين في خطر دائم وان ما يمارس بحقهم من إرهاب يزداد يوماً بعد يوم ، وذلك ينذرُ بكارثة ٍ إنسانية إن لم يتوقف ذلك القمع المبرمج، بات من الضروري الآن أن تتوحد الجهود الفلسطينية والعربية والمؤسسات الدولية الراعية لحقوق الإنسان لتجميع كل الوثائق الخاصة بالأسرى الشهداء، وتوثيق كل الانتهاكات اليومية الممارسة بحقهم والتي تحط من إنسانيتهم، كالتفتيش الليلي العاري كما يحدث مع معتقلي سجن النقب الصحراوي ،والانتهاكات التي تقع في مراكز التوقيف الاعتقالي كمعتقلي عوفر وحواره، إذ من الأهم الآن أن يحاكم الاحتلال وقادته كمجرمي حرب وفق ما تنص عليه الاتفاقيات الانسانيه الدولية ..
وبمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي جاء في عام تمتلئ به السجون الاسرائيليه بالمعتقلين الفلسطينيين، والوضع ُ داخل المعتقلات يرثى له في ظلِ إهدارٍ تامٍ لحقوق المعتقلين الفلسطينيين ، على القيادة الفلسطينية وكافة وطاقمها التفاوضية أن تضع ملف الأسرى الملف الأول على طاولة المفاوضات كون الإنسان أغلى ما نملك، وليكن الشعار معلناً " لا سلام دون الإفراج التام عن جميع الأسرى " فالأسرى وعائلاتهم اللذين ينتظرون بفارغ الصبر ان تحل قضيتهم حلاً نهائياً وتتوقف معانتهم اليومية ..
آتى يوم الأسير الفلسطيني هذا العام ومئات الروايات المخجلة تطالعنا بها وسائل الإعلام عن الوضع الكارثي وللأسف لقد كانت تلك الروايات واقعيةً حدثت تحت مرآى ومسمع من المبصرين وأمام صمتٍ دولي غليظ، فالمعتقلات الفلسطينيات يلدن فلذات أكبادهم داخل الزنازين المظلمة ورباط القيد يدمي معصمهن، والسجان خلف الأبواب الموصدة بالمرصاد يحرمهن وأطفالهن من التمتع بحياة كريمه كباقي البشر في جو آمن مليء بالعطف والدفء، ففي بداية العام الماضي ولد الطفل " براء " ابن الاسيره "سمر أبو صبح " لينضم الى قائمة الأسرى الطويلة ِ مرغماً، وما كاد برد كانون يصفع الكون حتى ولد ملاك آخر داخل السجن انه الطفل الأسير "يوسف الزق " ابن الأسيرة " فاطمة الزق " ، ليسجل خرقاً آخراً من خروقات حقوق الإنسان لكنه هذه المرة خرقاً مزدوجاً يحرم الطفل من طفولته ويحرم الأم من أمومتها، ويبقى السؤال معلقاً : ترى أي مستقبل ينتظر هذه الملائكة ؟
سؤلٌ يبقى للتاريخ وللإنسانية المتحضرة عسى ان تجيب عنه يوماً ما ..!!
الانتهاكات لم تتوقف عند هذا الحد فقد ذكرت أرقام صدرت مؤخراً ان ما مجموعه ( 344 ) قاصراً مازالوا يقبعون في سجون الاحتلال محرومون من ابسط حقوقهم المدنية والتعليمية ، يخضعون لبطش ادارة السجون الإسرائيلية وتعذيبها التي تعمل وبكل ما أوتيت من قوة لتدميرهم نفسياً وجسدياً ..
تعالت نداءات الأسرى عالياً وهم يستصرخون كل الضمائر الحية العمل على تخفيف آلامهم وشقائهم لذلك قرروا أن يحيوا شعائر يوم الأسير الفلسطيني 17نيسان بالإضراب المفتوح عن الطعام داعين لمساندتهم والانطلاق بفعاليات تضامنية مع الأسرى تزلزل كيان السجان، فمهما علا موج البطش، ومهما طال ليل الظلم، ومهما نخر البرد جدران الزنزانة فلا بد للقيد أن ينكسر ولا بد أن يستجيب القدر ..