لماذا (عين العرب – كوباني)؟
معاذ عبد الرحمن الدرويش
أخذت معركة (عين العرب – كوباني) من الإهتمام ما لم تأخذه الثورة السورية برمتها، رغم أن جبهة (عين العرب – كوباني) لا تمثل على أي صعيد من الأصعدة لا الجغرافية و لا العسكرية و لا الإنسانية سوى نقطة صغيرة سواء لو أخذناها بمعيار الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد أو بمعيار الحرب الدائرة بين التحالف الدولي مع الدولة الإسلامية (داعش) و الممتدة على طول سوريا و العراق .
لكن لماذا كل هذه الاهتمام ؟ سواء على الصعيد الإعلامي أو على الصعيد السياسي ، و قد صدرت تصريحات كثيرة و من أكبر سياسي و عسكريي الولايات المتحدة و الغرب و هم يتحدثون عن (عين العرب – كوباني).
و الحقيقة الخفية أن (عين العرب – كوباني) تمثل نقطة تحول كبير في مستقبل المنطقة كاملة سياسياً و جغرافياً.
فالقوة الصاعدة في المنطقة هي قوة الأكراد ،و بقرار دولي طبعاً ، و لعل أول هدف تم تحقيقه من حرب التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية (داعش)هو تقوية البشمركة بشكل خاص و معظم القوى الكردية في سوريا و العراق بشكل عام.
فالحاضر اليوم ابتسم للأكراد و لعلهم هم من سيقطف ثمرة الربيع العربي ، في حين أن أصحاب الربيع لن يعودوا بخفي حنين و إنما سيعودون بدون أقدام و بدون أرجل أيضاً.
فالخارطة الجديدة للمنطقة دولة كردية في الشمال تهدد كل من تركيا و سوريا بشكل مباشر و العراق و إيران بشكل غير مباشر.
لا شك أن للأكراد طموحات كبيرة في اقتطاع الحدود الشمالية من سوريا كاملة و ضمها إلى كردستان المنشودة
في حين أن تركيا لن تسمح لو استطاعت بإضافة حبة تراب سورية إلى التراب الكردستاني.
كما أن السوريين يحلمون بسوريا موحدة بدون آل الأسد.
لكن للأمريكان و للغرب مصالح تتعارض مع مصالح الجميع ،من أجل ذلك لن يتحقق كامل حلم أي من الأطراف الثلاثة ، فالأكراد سيعطون جزءاً من حلمهم الكردستاني في سوريا ، و تركيا لن تسطيع أن تمنع كامل الاحلام الكردية،في حين أن السوريين هم الحلقة الأضعف في المنطقة ، و لا حول و لا قوة لهم في لعب أي دور سياسي في المنطقة الآن.
و المتوقع بشكل أدق إقامة فيدرالية كردية شمال سوريا ، و ليس مد حدود دولة كردستان العراق لتشمل شمال سوريا،بحيث تكون الفيدرالية تابعة شكلياً لسوريا ، و تابعة ضمنا لكردستان العراق، فالكعكة لا تقدم مرة واحدة في عالم السياسة.
من أجل ذلك جاءت (عين العرب – كوباني) ليمر من خلالها المشروع الأمريكي الغربي، فمن خلال كوباني تم وضع أول إسفين حقيقي بين العرب و الكرد السوريين ، حيث لاحت في الأفق آثار ذلك الإسفين عندما اختلفوا على تسمية (عين العرب أم كوباني) و كان للإعلام دور بارز و مقصود في تأجيج ذلك الخلاف البسيط ظاهرياً ، العميق حقيقة، و من ناحية ثانية طلب من تركيا طلب غير منطقي و لا يتوافق مع سياستها الإقليمية و لا يتوافق مع موقفها الحساس من الأكراد و لا يتوافق مع أحلامها المستقبلية ، في حين لو انتصرت الثورة السورية على جارها العدو بشار.و تم من خلال حرب (عين العرب- كوباني ) تعميق الجرح الغائر بين الأتراك و الاكراد.
و بناء على المعطيات السابقة فإن كردستان سوريا لن تشمل كامل الحدود السورية الشمالية كحل وسطي للمعطيات السابقة ، و سيتم تحقيق الحلم الكردي ، من القامشلي لكنه سيتوقف عند حدود (عين العرب – كوباني) لتبقى – مع كل المناطق الغربية منها - نقطة ملتهبة دائمة بين الأكراد و السوريين و الأتراك.
من ناحية ثانية ، يلوح في الأفق مشروع دولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ، و هذا ما يؤكد أن إسرائيل ستصبح دولة مستقرة في المنطقة ، و بعيدة عن أي صراع، و هذا ما يرجح إشعال الجبهة الشمالية في سوريا ، لكي تكون الجبهة الجنوبية آمنة مستقرة ، بعد أن يرحل حارسها الأمين المتمثل بنظام آل الأسد.