قالوا هذا الإسلام الذي نريد
الشيخ محمد بلمختار
- منذ أن درجت في رياض العلم، والتثبت في النقل يعد عندي ملازماُ للفهم، هكذا أراد لنا سادتنا العلماء أن ننهج نهج الألمعي بعيداً عن ألغاز الأصمعي .
فأول خوض في معترك الحياة ، الذهاب إلى مقاصد الوافد نحمل العلم خير رافد، فودعنا الأحباب وقصدنا بلاد الضباب، فسألنا أين أبناء الجالية ؟ فقيل لنا : بل أبناء الدار الباقية، وانتبه على من تلقَ السؤال ، فلا يجيب عندنا إلا من هو أب للمذاهب ومتعدد المواهب، فنحن لدينا لكل مذهب لواء ، وإذا قال السلف : لا يفتي إلا عطاء، الفتيا هنا لابن الرضا .
فقصدنا أول مهيع ، وقابلنا من له الناس تطيع، قال حاجتكم : قلنا نازلة، فأجاب : سلوا تعطوا، قلنا :على أي المذاهب ؟ قال :على مذهب سهل. فأجبنا السهل التستري، قال : بل مذهب سهل بن لايت بن فاسيل- light facil- ، من الشيخ المتسامي عن الإفريقية إلى الأوربية، فأعطيناه سؤالاً ، فأجاب لا حرج لمن خرج من تحت الدرج. تملكتنا من أمرنا حيرة ، وركبت رؤوسنا الغيرة، فلما رأى آيات الانزعاج ، تدراك بسؤاله عن مآلات الإحراج، فأوضحنا الواضح وكررنا الناتح، فأغرته حماقته وتفوه بغربوا ياغرباء ! .
ثم يمننا شطر لواء أخر، فسألنا من المفتي ؟ فقالوا: المعطي، شيخ المخارج ، فقلنا : من أين ؟، قال: من وادي الحيل، هل معكم درهم أو دينار فإني لا أفتي ولا أرقي إلا بأخي الدولار، وأجيز القمار في بلد الكفار .
ونحن في حيص بيص، إذ اطلع علينا منادي يقول: جاءكم سليل آل بيبرس، حامل لواء الجرح والتنكيل، وله التوكيل، فجتمع عليه القوم بعضهم بلباس النوم، سألهم أحدهم أين نحن ؟ قال في أرض حُرم، وإنها أحلت لي ساعة ، فقالوا: صدقت فعجبنا لهم يسألونه ويصدقونه ! ، فعن لنا سؤال، فقلنا: ما المشيخة ؟ فقال: ألا تتعلق بالمسبحة وتتعلق بالمرافقة، وعليكم بالنحوعلى نحو أنا ولي وعندي، فإنها من ألفاظ الخصوص ، وابتعدو عن كل عموم، فإذا بتم تنامون على هموم فعليكم بالشيخ جوجل مفتي النات والبنات ، فهو نائبي في النوازل والزلازل ، ثم فتح كتاب أحد أعلام الجادة ، من ثم شَرع يشرح ويمرح، فقرة من المؤلف الجهبذ، وفقرات يبدأها بقلت ، فدفعني الفضول لهمس بقولي لو أنه أبدل قاف قلت باءً، استقام المعنى .
ثم رفع لنا لواء أخر، يقال له لواء الحِجر، وإذ برجل يوصي أحد المفتنونين به، بعدما لقنه سبائك العكي، في أصول الفهم والتعامل الحرَكي،" إذا تعارض عندك نص ومصلحة فستفتي عقلك، وعليك بالرياضات فهي نعما العلم ، والفيزياء ، هل تعلم أن من أحضر عرش بلقيس لسليمان
أحد أفذاذ الفيزياء وقتئذ ، والنملة كلمت سليمان عقلاً ، واطلب العلم ولو بالصين هذه وصية الأمين، ويجوز كشف الشعر للمرأة لأن بلقيس كشفت ساقيها، غاب على من عاب علة اتحاد البدن، فقال من يلازمه دائماً حتى لو دخل الحمام اعقلها وتوكل ، فنظرت من أتباعه فإذ بهم، بل بهن كل من نشأ في الحلية . فأذن ابن أم مكتوم فاستعذت من الشيطان، فسألت من لقيت ، فقالوا ما أنت بإبراهيم، وما نحن بيوسف .
خرجت من باب المسجد ، والذي أدهشني اسمه مسجد الفتح القريب، مكتوب على بابه ترد المفاتيح إلى الخزنة لا إلى السدنة .
هنالك دعا أحدهم : اللهم أبرم لهذا المسجد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ... .
قلت في نفسي ما عساي أرى في قابل الأيام، فهتف بي هاتف : سترى الضعينة المتبرجة السافرة تطأ بحافرها حرم المسجد لا يردها إلا ملل نفسها، لأن المسلمين عندئذ قد تنوروا وتحرروا وتحدثوا، ويكتب على الباب لا مرحباً بالجبة والجلباب، وترى من يقدم الخس على الخمس، وترى من لا يعرف إلا القلب فقط للتغير، وهناك ترى من تفيض أعينهم من الدمع من قلة المعدود.