إشكالية المصطلحات في الفكر الإسلامي
إشكالية المصطلحات في الفكر الإسلامي
السيد شعيب
باحث في الفلسفة الإسلامية
كثرة المصطلحات الإسلامية وتشعبها وتنوعها هي إحدى المعضلات التي مني بها الفكر الإسلامي قديما وحديثا منذ تحرر العقل المسلم وانطلق محلقا في آفاق المعرفة الإنسانية وسطع نجم الفلاسفة والمتكلمين والأصوليين واتجهت همم العلماء والمفكرين إلى التنظير للعلوم الإنسانية والإسلامية حتى غرق الفكر الإسلامي في بحر من المصطلحات العقدية والفكرية والفلسفية والكلامية والصوفية والعلمية واللغوية والفقهية ...إلخ.
ولم يقف الأمر عند ذلك بل تطورت المصطلحات من مصطلحات مجردة إلى مدارس ومذاهب وفرق وتيارات متجادلة متقاتلة.
ومن المصلحات الشائعة حينذاك في مجال العقيدة الإسلامية على سبيل المثال:
الاعتزال، السلف، العقل، النقل، الفلسفة، التصوف، السنة، البدعة ...إلخ
لقد تحورت أو تبلورت هذه المصطلحات في شكل مدارس وفرق وتيارات إسلامية كثيرة وتوزعت عقول الناس ومداركهم وانتماءاتهم ما بين المعتزلة والقدرية والسلفيين وأهل السنة والجماعة والمبتدعة وأهل الكلام والفلاسفة وغيرهم.
وللأسف ورث الفكر الإسلامي الحديث هذه الإشكالية بكل تعقيداتها وجدلياتها فعاد مصطلح السلفية مثلا ليظهر بقوة من جديد وتنازعت عليه كثير من التيارات والحركات الإسلامية ،كل يدعي أنه صاحب العقيدة السلفية والفكر السلفي على حد قول الشاعر:
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
كما برزت على السطح موجة أخرى من المصطلحات الجديدة بعضها أصيل والبعض الآخر يعد وافدا من هذه وتلك:
التنوير، الوسطية، العقلانية، العصرانية، الحداثة، الحوار، التقريب...إلخ
حتى إن بعض المصطلحات المضادة للإسلام بدأت تلتصق بالإسلام أو تنتسب إليه مثل: الاشتراكية الإسلامية ، واليسار الإسلامي، و العلمانية المعتدلة، والديمقراطية..إلخ
وطبيعي أن تتبلور هذه المصطلحات وتتطور إلى حركات وتيارات حتى أصبحنا نسمع عن العقلانيين والتنويرين والوسطيين والحداثيين والسلفيين...إلخ دون أن نجد حدودا فاصلة بين كل منهم حتى إنه من الممكن أن ترى بعض المفكرين يحسب على أكثر من تيار مثال على ذلك:
الإمام محمد عبد وتلميذه الإمام رشيد رضا والشيخ الغزالي والدكتور محمد عمارة فهؤلاء تارة ينعتون بالسلفيين وتارة بالعقلانيين وتارة ثالثة بالتنويرين وهكذا..
هذا من شأنه أن يطرح تساؤلات عدة منها:
ما الفرق مثلا بين السلفية والوسطية؟
أو ما العلاقة بينهما أهى علاقة تضاد أم تكامل أم اشتمال ؟
هل الوسطية فكر أم منهج أم تيار؟
ماذا ينبغي أن يكون عليه فكري هل يكون سلفيا أم وسطيا أم عقلانيا أم تنويريا؟
هل من الضروري بصفتي باحثا أن أنتمي إلى مدرسة بعينها أم يكفي أن أكون مسلم الفكر والاعتقاد دون توصيف أو انتماء؟
إذن هنالك إشكاليات كثيرة _ ليس في وجود المصطلحات في حد ذاتها_ ولكن في كثرتها وإطلاقها الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التعمية والإلباس.
نعم قد يقال: إنه لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات .. بمعنى: أنه لا حرج على أي باحث أو كاتب أو عالم في أن يستخدم المصطلح، وبصرف النظر عن البيئة الحضارية أو الإطار الفكري أو الملابسات المعرفية أو الفلسفية والعقدية التي ولد ونشأ وشاع فيها.. فالمصطلحات والألفاظ ذات الدلالة الاصطلاحية هي ميراث لكل الملل والمذاهب والحضارات، ولجميع ألوان المعرفة ونظرياتها، ولكل بني الإنسان..
ولكن نحن بحاجة _وحاجة ماسة وشديدة _ إلى ضبط معاني المصطلحات، وتقييد إطلاقها،
وتحديد نطاق الصلاح والصلاحية التي يشيع عمومها من عموم ما تحمل من ألفاظ.[من كلام د/محمد عمارة: معركة المصطلحات بين الشرق والغرب]
الأمر الآخر الذي أود أن أشير إليه هو أنه ينبغي ألا تنصرف جهود العلماء والمفكرين إلى البحث عن مصطلحات إسلامية جديدة لبناء نهضة أمتنا بقدر ما يجب أن تنصرف إلى صياغة نموذج تطبيقي عملي للمسلم الصالح وهذه هي مهمة الفكر الإسلامي في تقديري.
كذلك يجب أن تتجه الجهود إلى تجميع شتات المفكرين والعلماء حول فكر إسلامي وحدوي لا يستغرق أو يستهلك في الشكليات أو الجزئيات بقدر ما يحرص على التجميع والتقريب بين وجهات النظر المختلفة وزيادة مساحة الحوار والاتفاق.