القصف الجوي الأمريكي استهدف الأراضي
عبد الباري عطوان
السورية.. والنظام والمعارضة يتسابقان للترحيب به
لم تحتج الطائرات الحربية الامريكية وصواريخ “التوماهوك” اذنا من السلطات
السورية لضرب مواقع لتنظيم “الدولة الاسلامية” وجبهة “النصرة” جناحي
تنظيم “القاعدة” الى جانب “احرار الشام” داخل الاراضي السورية، لان
امريكا باتت الحاكم الناهي المسيطر على المنطقة، ولذلك لا تعترف بسيادة
اي دولة عربية على اراضيها او اجوائها، فالسيادة لها فقط، وما على
الآخرين غير تقديم “البيعة” لساكن البيت الابيض الذي لم يبق له غير تنصيب
نفسه”خليفة” للمسلمين، والعرب منهم خاصة، سنة او شيعة.
انها حرب امريكية بامتياز وبغطاء عربي اسلامي من دول محور “الممانعة”،
ومن دول محور “الاعتدال”، من المسلمين السنة، ومن المسلمين الشيعة على حد
سواء، فقد تساوى الجميع، وذابت الفوارق المذهبية والعقائدية والسياسية
وبات الجميع، ودون اي استثناء يخدم الاجندات العسكرية والسياسية
الامريكية، وهو استثناء تاريخي غير مسبوق في تاريخ المنطقة، فلم نسمع
صوتا معارضا واحدا لهذا التدخل، ولو من قبيل التحذير من العواقب.
اربع دول خليجية، علاوة على الاردن، تباهت علانية بالمشاركة في هذه
الضربات الامريكية، ليس من خلال فتح قواعدها الجوية، وخزائنها المالية،
وانما ايضا بارسال طائرات للمشاركة الفعلية في الغارات على مواقع
الجماعات الاسلامية المتشددة التي ساهمت بدور كبير، مباشر او غير مباشر،
في تمويلها وتسليحها، ووصولها الى ما وصلت اليه من قوة وعنفوان، من اجل
تصفيتها، حتى لو ادت هذه الغارات الى قتل مدنيين سوريين ابرياء، ومن
بينهم اطفال ونساء بطبيعة الحال، فلا نعتقد ان مقاتلي الجماعات الجهادية
المتشددة سيقفون وسط الصحراء السورية ويقولون للطائرات الامريكية تفضلي
اقصفينا، كما ان هذه الجماعات لا تملك قواعد او مقرات لوزارات او بنوك
مركزية او قصور لقادتها حتى تكون هدفا واضحا، وانما ستذوب قياداتها
وافرادها وسط السكان بحيث تصبح ابرة وسط جبل من القش.
***
الشعب السوري لم يعد يعرف هذه الايام على يد من سيقتل، على يد النظام
وبراميله المتفجرة، ام على يد فصائل المعارضة المسلحة وقصفها، ام بقذائف
الطائرات الامريكية المغيرة، ام بحمم صواريخ “توماهوك”، ام قنابل
الطائرات الخليجية، الامريكية الصنع، التي من المفترض ان تكون “قنابل
صديقة”.
الجميع يتفق حاليا ويتكاتف ويتحالف على قتل المواطنين السوريين سواء
كانوا في خندق النظام او في خندق المعارضة، ودون ان يكون لهذا الشعب اي
ذنب، غير انه كان وسيظل عربيا مسلما مخلصا لعروبته واسلامه وقضايا امته.
سوريا تحولت الى حقل تجارب للقتل واختبار فاعلية الاسلحة الحديثة، فها هي
الادارة الامريكية ووزارة دفاعها “البنتاغون” ترسل احدث ما في ترسانتها
ومخازنها من اسلحة وطائرات مثل طائرة “اف 22″، الى الاجواء السورية للمرة
الاولى منذ دخولها الخدمة، لتجرب حظها في القتل، وقياس مدى دقة وفعالية
صواريخها، واداء طياريها.
ندرك جيدا ان مشاركة طائرات حربية خليجية في الحرب على الجماعات
الاسلامية المتشددة هي مشاركة “رمزية”، او “كمبارس″ عمليا، فالمهمة
الكبرى ملقاة على كاهل الطائرات الامريكية، ولكنها مشاركة خطرة جدا، وعلى
درجة كبيرة من الاهمية ستظهر مخاطرها لاحقا، لانها توفر “الغطاء الشرعي”
العربي والاسلامي لهذه الحرب الامريكية، وتوزع دم الجماعات الاسلامية
المتشددة على القبائل العربية، التي اصبحت دولا ترفع اعلاما على مضاربها
“العصرية”، وتعطي “صك براءة” لامريكا وكل جرائمها السابقة واللاحقة في حق
اهل المنطقة.
نعرف اليوم الموعد او التاريخ الذي يؤرخ لبداية هذه الحرب، ولكننا لا
نعرف، ولن نعرف في المستقبل المنظور، متى ستنتهي، وكيف ستنتهي، ومن
الخاسر والرابح فيها، وان كنا نشك بأننا كعرب ومسلمين سنكون من الرابحين
بالقياس الى جميع الحروب الامريكية السابقة في منطقتنا، امريكا لن تواجه
الا الحد الادنى من الخطر، لانها تقاتل من الجو، بينما الخطر الاكبر
سيلحق بالذين سيقاتلون على الارض، وهم بكل تأكيد من العرب والمسلمين،
سواء كانوا يقاتلون في الخندق الامريكي او الآخر المقابل له.
الغارات الجوية الامريكية “العربية” المشتركة قد تغير معادلات كثيرة في
المنطقة، ولن نستغرب ان نرى في الايام او الاسابيع المقبلة “توحد” اكبر
ثلاثة فصائل اسلامية فرقهما العداء، والخلاف الايديولوجي، ونقصد بذلك
“الدولة الاسلامية” وجبهة “النصرة” و”احرار الشام” وهي اكثر الفصائل
المعارضة قوة وشكيمة وتأثيرا، ولن نستبعد حدوث اعمال انتقامية ضد
الحكومات العربية والاسلامية التي شاركت في هذه الحرب بطرق مباشرة او غير
مباشرة من قبل هذه الجماعات وانصارها، ونحن نتحدث هنا عن الاردن والدولة
الخليجية الاربع الاخرى (السعودية، قطر، الامارات، البحرين).
جميع التدخلات العسكرية الغربية التي قادتها امريكا في المنطقة خلقت دولا
فاشلة، وفوضى امنية عسكرية، وملاذا للجماعات الجهادية المتطرفة، وانهيارا
للدولة ومؤسساتها وعدم وجود اي بديل افضل، ولنا في ليبيا والعراق وسورية
خير الامثلة.
نعم هناك انصار ومؤيدون لهذه الحرب، ولكن اكثر الناس تأييدا وحماسا هم
الذين يقفون في خانة الانظمة الحليفة او حتى غير الحليفة لواشنطن التي
ترى في “الدولة الاسلامية” خطرا عليها، وكأن هذه الدولة قوة عظمى تملك
الطائرات الحربية واسلحة نووية وصواريخ باليستية، ولكن ماذا عن الغالبية
الساحقة من الشباب المحبط الذي يعاني من البطالة والفقر والحرمان والفساد
والتهميش؟ وماذا لو لم تنجح هذه الحرب في تحقيق اهدافها؟
***
نسأل هذا السؤال لان الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي قال في خطابه قبل
اسبوعين انه سيهزم “الدولة الاسلامية” مثلما هزم “القاعدة” كان يجافي
الحقيقة، او يضلل مواطنيه، فاذا كان هزم القاعدة فعلا لماذا يضرب جماعة
“خراسان” التي يقول ان مواطنا كويتيا يقف خلفها (عبد الرحمن الفضلي)
وكانت تخطط لشن هجمات ضد الغرب، وتعتبره فرعا لتنظيم “القاعدة” ثم لماذا
يعود الى العراق بطائراته وصواريخه بعد اربع سنوات لمحاربة تنظيم “الدولة
الاسلامية” وجبهة النصرة واحرار الشام والقضاء عليها قضاء مبرما؟ وهو
الذي اعلن ان الحرب على الارهاب اعطت اؤكلها والعراق “تحرر” وبات نموذجا
في الديمقراطية والاستقرار.
“الدولة الاسلامية” تشكل خطرا كبيرا، وتعتنق ايديولوجية دموية يختلف معها
غالبية المسلمين لدمويتها وارهابيتها، ولكن علينا ان نسأل هل القتل على
ايدي سفاحي “الدولة الاسلامية” محرم بينما هو حلال زلال اذا جاء بصواريخ
الطائرات الامريكية والعربية المشاركة معها في عمليات القتل الجوي هذه؟
وهذا النظام السوري الذي بارك هذه الحرب ورحب بها لاستئصال الارهاب، الا
يدرك انه المستهدف الاول في هذه الحرب، سواء بعد القضاء على التنظيمات
الارهابية او ربما قبلها؟
المنطقة مقبلة على كارثة جديدة ربما تكون اكثر خطرا وتدميرا من كل
سابقاتها، وسيهرب الامريكيون مثلما هربوا بعد كل تدخلاتهم العسكرية
وهزائمهم السابقة، ونحن العرب الذين سندفع الثمن من دمنا ومالنا ووحدتنا
الجغرافية والديمغرافية والاسلامية.