مرفوضات دينا و عقلا وذوقا..

مرفوضات دينا و عقلا وذوقا..

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

 الكلمات المشتقة من هذه الجذور اللغوية: ع. ل. م , ف. ك. ر, ف. ق. هـ, ب . ص . ر, ن. ظ . ر. ك. ت. ب... الخ من أكثر الكلمات ورودا في القرآن الكريم, نعم الإسلام دين العقل, فهو يدعو إلي النظر والتفكير, والاعتبار, وتحصيل العلم, وتوقير العلماء, لذلك نعى على الكفار تقليدهم آباءهم  تقليداً أعمي دون نظر أو تقدير. {واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنااو لو كان الشيطان يدعوهم إلىعذاب السعير}[لقمان21.
     وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم المسلم أن يكون إمّعة, ودعا إلي ما يمكن أن نسميه «الحوار الداخلي» أو الذاتي للوصول إلي اليقين, وذلك في قوله صلي الله عليه وسلم «استفت قلبك وإن أفتوك», وننبه إلي أن من معاني القلب - في اللغة العربية والسياقة القرآنية - (العقل) كما نري في قوله تعالي: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها } [الأعراف: 179] وقوله تعالي{افلم يسيروا فىالأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها[الحج: 46.
      أقول هذا لأني أري كثيرا من المسلمين تجري ألسنتهم بكلمات وعبارات ومصطلحات علي سبيل تقليد الآخرين, دون تحكيم العقل وإعماله لمعرفة معناها, ودلالاتها, ومرجعيتها. ولو فعلوا ذلك لاكتشفوا أنها تدخل في نطاق المحرم, أو المكروه,أو المجافي للذوق والمروءة.     وفي السطور الآتية نعرض بعضا من هذه المرفوضات دينا, وعقلا, وذوقا:

يا ماما.. يا بابا

     رأيت بعض الزملاء والأصدقاء ينادي زوجته.. أمام الآخرين بـ «ماما».. والزوجة تنادي الزوج بـ «بابا».. وعلل أحدهم ذلك تعليلا عجيبا خلاصته: أنه أصلا من «الأرياف» حيث يعد نداء الزوجة باسمها «عيبا», والشق الثاني يجيء من قبيل المقابلة أو المتابعة, حتي يتوازن الاستعمالان: ماما وبابا.
   ضحكت وقلت: أردت أن «تكحلها فأعميتها»: فالكلمتان غير عربيتين, والصحيح أن تقول: يا أمي , وتقول هي: يا أبي, وهذا أيضا مرفوض, فقد قرأت في إحدي الموسوعات أن هذا الاستعمال (ماما للزوجة, وبابا للزوج) استعمال ماسوني يأخذ به أعضاء المحافل الماسونية, بدعوي تقوية الروابط بين الزوجين, وذلك بتشبيهها برابطة الأمومة والأبوة, وهي أقوي العلائق النفسية والروحية والإنسانية, وأخبرني أحد أساتذتنا الأجلاء أن اليهود - أيام النبي صلي الله عليه وسلم - كانوا يسخرون من آية الظهار {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإتهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور ََّ} [المجادلة: 2]. وينادي الزوج اليهودي زوجته بـ «أمي», وتناديه هي بـ :أبي.
        وأقول للأخ المسلم إن من السهل عليه أن يوفق بين «عادات» الريف, وسلامة العقيدة بأن ينادي الزوجة بالكنية «يا أم فلان أو فلانة». وإذا لم يكن لها أولاد فلتكن كنيتها بالأب «أم فلان» وفلان هذا أبوها. وهذا الاستعمال عادة ريفية معروفة في مثل هذه الحال.

زنوبة .. وخدوجة..
      والمصريون - خصوصاً في الأرياف - يدللون «زينب» بـ «زنوبة».. وخديجة بـ «خدوجة».. ولكنهم يطلقون «زنوبة, وخدوجة» أيضا علي نوعين من «المداس» أو «الشبشب المنزلي» , وفي ذلك إهانة لاسمين عربيين إسلاميين, وقد دأب اليهود والملاحدة علي إهانة الشعارات والأعلام والقيم الإسلامية, فمن سنوات طرح في الأسواق المصرية والعربية أحذية, و«مايوهات» مكتوب عليها لفظ الجلالة. ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

إنه رمز الإسلام!!.. ؟
      إن من أعظم الخدمات التي قدمها الإسلام للمجتمع الإنساني: قضاءه علي «القيصرية» و«الكسروية», وبها يكون «كسري» أو «قيصر» هو الملك , وهو الدولة , وهو النظام والقانون, وربما تأله, وبنيت له هياكل العبادة, كما جاء في تاريخ نيرون.
    وحرصا علي صحة العقيدة يرفض الإسلام «الرهبانية» , ويرفض «الكهنوتية». ويفصل بين «الدين» و«عالِم الدين», أو بين الدعوة والداعية, فعالم الدين مهمته نشر الدين, وتوجيه الناس للحق, وإعلاء كلمة الله , وهو - ككل عباد الله - مصيره إلي الموت, أما الدين فحي خالد لا يموت.
   والرسل أنفسهم ليسوا هم الدعوات التي منّ الله بها عليهم, إنما هم مبلغون عن ربهم, وإلا لماتت الدعوات بموتهم { قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا ان ناتيكم بسلطان إلا باذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [إبراهيم: 11]. وقد حسم القرآن هذه القضية بالإلحاح علي «بشرية» الرسول صلي الله عليه وسلم {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحىإلي انما إلهكم إله واحد } [الكهف: 110. وهي حقيقة أكدها خلفاؤه وصحابته من بعده, فحينما انتقل إلي الرفيق الأعلي, وارتج المسلمون, واستبد بهم الهلع, أعاد إليهم أبو بكر الصديق نفوسهم إذ خطب فيهم قائلاً: «يا أيها الناس: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت, - {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرينّ} [آل عمران: 144]. ولذلك كان الإطلاق القرآني علي معتنق الإسلام هو «المسلم» لا  " المحمدي ".
      وكان النبي صلي الله عليه وسلم يستمع للرأي الآخر, ويأخذ نفسه به, وإن جاء أحيانا مخالفا لرأيه , فأخذ برأي «الحباب بن المنذر» بتغيير موقع نزول الجيش مرتين: مرة في بدر, ومرة في خيبر. وخلافا لما كان يري , أخذ برأي الآخرين - وخصوصا الشباب - بقتال الكفار خارج المدينة في أحد. وحينما خاطب النبي صلي الله عليه وسلم المسلمين قبيل بدء القتال في بدر قال «.. ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فلا يقتله, فإنه إنما أخرج مع الكفار مستكرها» . قال جندي من جنود المسلمين هو «أبو حذيفة بن عتبة»: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوتنا وعشيرتنا ونترك العباس?, والله لئن لقيته لألحمنَّه بالسيف , أي لأضربنه بالسيف حتي يخالط السيف لحمه. لم يعاقبه رسول الله صلي الله عليه وسلم, ولم يعزله عن جيش المسلمين, ويحرمه من الجهاد. وكل ما فعل أن وجه كلامه لعمر بن الخطاب في هدوء قائلا     

" يا عمرأيرضيك أن يضرب وجه عم رسول الله بالسيف "؟ وكم قيل له ولخلفائه «اتق الله . » وسماحته وإنسانيته في التعامل مع رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول معروفة. ولم يُبرز ويواجه الآخرين بوصف  «النبوة والرسولية» , لرفض الرأي الآخر إلا فيما نزل فيه وحي.

ونخلص من كل ذلك إلي أن الإسلام لا يعرف, ولا يعترف بمقولة تتردد كثيرا هي: الإنسان الرمز  . فيوصف عالم من العلماء بسبب «منصبه العالي» أو «علمه الغزير» بأنه رمز الإسلام.  وأن «معارضته» ونقده, ورفض فتواه «إهانة للدين وإساءة إليه», لأنه لا قيمة لعالم - مهما علا منصبه, وغزر علمه - إذا لم يأخذ نفسه «بأخلاقيات النبوة» من خشية الله, ورعاية الحق, وإيثار الأمة, والجرأة في الحق, لا يخشي فيه لومة لائم, ولا فقد منصب, وضياع جاه. وفرض علينا أن نحمل, ونبدي لمثل هذا «العالم» كل تقدير. أقول كل تقدير, وأخطأ من يخلط بين «التقدير» و«التقديس» . والفرق بينهما يحتاج إلي و قفة أخري.