فلسفــــة الإنســان الهجيـــن

د.محمد سالم سعد الله

فلسفــــة الإنســان الهجيـــن

د.محمد سالم سعد الله

أستاذ الفلسفة والمنطق والفقه الحضاري / جامعة الموصل

يتجه الوعي المعرفي المعاصر إلى التعامل مع الموجودات بوصفها إمكانيات علمية يمكن إعادة صياغتها وفقاً لما تقتضيه الحاجة العلمية المعاصرة ، وينحو البحث العلمي ـ طبقاً لذلك ـ إلى بناء تصورات جديدة للكائنات الحية ، انطلاقا من توسيع رقعة التوظيف في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ـ وربما السياسية ـ ، وتستدعي صيغ التوظيف تلك تنظيمات تصطبغ بمسوغات ـ تعدّ سلفاً ـ لتبرير النتائج المبدئية التي يمكن الحصول عليها بعد مسيرة معرفية بين أروقة المختبر وميادين صناعة القرار .

ويؤمن البحث العلمي المعاصر بمبادىء معقلنة هدفها إيجاد البدائل عند الحاجة إليها ، والاهتداء إلى روابط علمية بين الموجودات ، كانت إلى حدّ تاريخ قريب منفصلةً : تطوراً وسلوكاً ووظيفة ، ثم تجهيز الحلول المناسبة لمعالجة الحواجز الحمراء التي منعت الإجابة عن المسيرة العلمية زمناً ، وفي ذلك سعي نحو امتلاك منطلقات التوازن بين مفردات التطور ، ومنعها من ثَمَّ من الوقوع في ساحة الفوضى واللامنهجية .

وقد امتلك البحث العلمي المعاصر خصيصة أنسنة الأشياء ، وتضييع هويتها ، من خلال تقنية التضايف التي فسحت المجال أمام إنتاج نماذج من ( الهجائن ) تمتلك أكثر من جنسية دلالية واحدة في عالم كثر فيه إنكار احتكار الصبغة المعرفية لسلالة معينة ، والجنوح نحو استغلالها في مشاريع تطال الإنسان والحيوان والنبات ، وإذا كان الإنسان المعاصر قد نجح ـ نوعاً ما ـ في أنسنة الإله واغتصاب حكمه ، فإن الحاجة الآن تدفعه إلى السعي جاهداً نحو التلاعب بالسلم الوراثي ، والدخول بلا استئذان إلى شفرات أرشيف الإنسان المسؤولة عن وظائفه ، والموجهة لسلوكه ، والمانحة لتميز الذات بين نماذج الآخر ، والمرتكزة على بصمات مخصوصة متناهية في الدقة والإتقان .

إنّ لجوء البحث العلمي المعاصر ـ لا سيما البايولوجي منه ـ إلى تخطي ما كان مسكوتاً عنه ، وإلى القفز على حواجز الترتيب الأكاديمي لتلقي العلوم ، كان سببه الأساسيّ هو الخروج من دائرة الروتين الحضاري الذي اكتسب صفة السلوك المُمجد للذات ، ومحاولة تحطيم فكرة المصير المحتوم الذي يتخذ أشكالا تقليدية مدرَكة من قبل المجموع ، فضلاً عن توجه الإنسان المعاصر إلى اكتساب فكرة التخليـق ـ لا الخَلق ـ من خـلال التلاعب بأنظمة الموجودات الفطرية ، إنطلاقاً من محاكـاة الإله ، والارتقـاء بالوعـي العلمي المعاصر لرفض كلّ العوالـم التي تنتمي إلى حقل ( اللاسببية : uncausality) ، والقبول بفكرة سلطة النتائج المختبرية وإن كانت غريبة ولا تنتمي إلى هندسة التأقلم المتوارث .

لقد اتسم التعامل العلمي المعاصر مع البيئة الجديدة بالبحث عن تكنولوجيا حديثة ، ميزتها تجاوز معطيات البايولوجيا التقليدية ، وإعادة التفكير في مظاهر حياة الكائنات ، واكتشاف أبعاد جديدة في الزمان والمكان ، وإنتاج صيغٍ معينة تمزج التقنية بالفسلجة ، والاختراع بالفطرة ، وتلجأ إلى البحث عن مفردات الخلود الوراثي ( الجيني ) ، في مقابل مجاوزة مفردات الفناء الجسدي ( الجنسي ) ، والتلاعب بالتطور التدريجي لفكر الإنسان ، ومحاولة العبث العلمي بصيغه الحياتية ، وتوسيع مدارات ذكائه ، وتغيير أيقوناته الثابتة لتحلّ محلّها الهجائن المختبرية ، وتعليل ذلك يتجه إلى القول : أنّ الإنسان المعاصر المرتبط ببيئته لا يريد التعامل مع مفردة الفناء (الموت) لأنها تجربة ثيولوجية مخيفة ، ويبحث بشكل متواصل عن طريـقٍ يقود إلى اقتناص الخلود أو التشبه به ، لكنّ هذا الإنسان قد نسي أنّ الموت يعطيه معنى وتحفيزاً وتنشيطاً ، ويجعل الحياة تحمل قيمة رمزية دلالية متوجهة نحو التواصل والاستمرار ، فضلاً عن أنّ سمة الموت جعلت للإنسان تاريخاً مجيداً ، حافلاً بسلسلة تطور سلوكيات العقل في التعامل مع الظواهر والأشياء ، ولا يفوتنا ذكر أنّ العقل العلميّ المنفتح على المجالات كافة ، قد خرج من كينونته ليلتقي مع صيغ الافتراض التي تُولد فنتازياً وتُسوّق مرئياً وتطبق مختبرياً لتتحول من ثمَّ إلى صيغ واقعية معيشة .

إنّ الحديث عن فلسفة الإنسان الهجين هو حديث عن تقنية غامضة ومستقبلية ، ولا يُعلم نتائجها بدقة ، وقد تكون غير آمنة ، مثيرةً الرعبَ لمستقبل الإنسان ، في ظلّ حركة تكنولوجية لا تعرف التريث أو التمهل، وعمل بايولوجيّ دائب ، تصبح الأشياء معه مختلفة عمّا ألفناه أو تعارفنا عليه ، وهذا الاختلاف ناتج عن تلاعب قصدي بالجوهر الإنسانيّ الذي تمثله الجينات الوراثية ، لتتحول إلى صيغ أخرى حسب رغبات (الصانع ) الجديد ، الذي سيحاول ـ وقد حاول فعلاً ـ إنتاج الأطعمـة المعدّلـة وراثيـاً ، وتقديـم الحيوان ذي الصبغـة الوراثيـة المعدلـة جينيـاً ، والدخـول في حيـز الأفكـار التي تؤثـر في مشاعـرنا والتأثيـر عليهـا سلبـاً وإيجابـاً ، ضمن مسلسل علمـيّ لا تُعرف له نهايـة أبـداً ، موسوم بـ(الهندسـة الإحيائيـة ) ، ضمن علــم : ( البايو- تكنولوجي : Bio-technology ) .

ومن الجدير بالذكر أنّ الكلام السابق قد وضع الإنسان المعاصر أمام ضغوطات كثيرة تنحصر بين ثنائيات عدة في إطار الاشتغال بمستجدات الصيغ المقدَّمة ، منها : ( إفعل ولا تفعل ، حلال وحرام ، يجوز ولا يجوز ، أخلاقي وغير أخلاقي ، مفيد ومضر ، عجز الإنسان الأصيل وحيوية الإنسان الهجين ، قتل الروح وسمو الجسد ، .. ) ، ولهذا السبب تنوعت الأصداء والمواقف الدينية واللاهوتية والرسمية والمؤسساتية تجاه المستجد من القضايا المتعلقة بهذا الموضوع ، بين منكِر وقابل ، وبين معادٍ ومستقبل ، وبين رافض وموافق ، بين من يجد في ذلك دعوة للتشاؤم ومن يجد فيه دعوة للتفاؤل ، بين من يخشى أن يقع الإنسان أسيراً للتكنولوجيا ومن يقول أنّ ذلك ضرورة ملحة للخروج من العجز الإنساني إلى صيغ النشاط اللامتناهي .

إنّ مقصديتنا في الحديث عن فلسفة الإنسان الهجين هي مشروع ( الإستنساخ ) ، أو ما يسمى : بـ( تقنية نقل النواة وترحيلها ) ، فما هو الإستنساخ ، وكيف يتم ، وما أنواعه ، وما هي عوامل بقائه بوصفه تقنية علمية متطورة ، وهل يمكنه الدخول في ميادين الكائنات كافة ، ثم هل لديه إيجابيات وسلبيات ، كلّ تلك الأسئلة وغيرها ستكون مدار حديثنا القابل .

تقدم معاجـم اللغـة دلالة الاستنساخ على أنها السعي وراء عمل منتوج ثانٍ مطابق للأول ( لسان العرب ، مادة : نَ سَ خَ ) ، ومنه قوله تعالى : ( إِنّا كُنَّـا نَسْتَنْسِـخُ مَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ ) ، ( سورة الجاثية ، من الآية : 29 ) .

وتشير الدلالة الاصطلاحية إلى إيجاد كائن جديد ثانٍ ، يتسم بالصفات الوراثية نفسها للكائن الأول الذي أُخِذَ منه ، وفي هذا السيـاق يمكننا الحديـث عن الفـرق بين التسميات الآتية :

1. Cloning .

2. Copying .

3.Nuclear Transfer  .

تشير المفردة الأولى إلى عملية إيجاد نسخة جديدة طبق الأصل من الأولى دون أي تغيير بينهما ، وتستخدم في الميادين العلمية الحياتية ، وتحيل المفردة الثانية إلى عملية صنع صورة جديدة ، لها مواصفات شبيهة بالأولى ، وتستخدم في الميادين العملية التقليدية (Photocopy) ، ويطلق عليها أحياناً عملية الـ( تصوير ) ، أما التسمية الثالثة فتشير إلى عملية الإستنساخ العلمية الدقيقة التي يتم فيها نقل النواة وتحفيزها لتكوين مخلوق يكتسب صفة المستنسخ منه ، ويحمل وظائفه وأرشيفه الوراثي ، فالمفردة الأولى هي ( إيجاد نسخة ) ، والثانية هي ( عمل صورة ) ، والثالثة هي ( صنع كائن ) ، لذا فإنّ المقابل العلميّ الذي نتبناه للإشارة إلى مصطلح الإستنساخ هو : (Nuclear Transfer) ، كونه الأقرب دلالة ، والأكثر حملاً لمدلول العملية .

ولدت عملية نقل النواة من خلال تراكم علميّ ، بدأ مع سعي الإنسان الدؤوب والحيوي إلى اكتشاف الجديد ، وإعلان الثورة على التقليد والجمود ، واستمر مع تطور بحوث علم الأحياء الذي يتعامل مع الخلايا (Cells) بالدرجة الأساسية ، فالكائن الحيّ عبارة عن مجموعة من الخلايا غير المحدودة ، وتكتسب هذه الخلايا صفة البقاء والنشاط والحيوية والاستمرار من خلال ميكانزم حيوي هو : النواة (Nucleus) التي تحمل صبغاتٍ دقيقةً تكتنز الصيغ الوراثية ، عن طريق أجسام تسمى : (Chromosomes) وعددها (46) كروموسوماً ، وتحوي هذه الأجسام شرائط ثنائية وظيفتها تخزين أرشيف الإنسان الوراثي ، والمحافظة على تواصله وانتقاله عبر الأجيال ، وعددها لا يحصر في رقم معيـن ، يطلق عليها : شرائط الحامض النووي (DNA) الذي يحتوي على المعجـزة الإلهية وهي : الجين (Gene) ، وقد يُطلق أحياناً على العصر الحالي عصر العلم الجيني ) ، نسبة إلى أهمية اكتشاف الجين،وتحديد وظائفه،وخطورة التلاعب به. وبعد أن عرفنا هذا ، ما هو الجديد في عملية الاستنساخ ، وما الفرق بينها وبين عملية التكاثر التقليدية ؟.

إنّ الإجابة عن هذا التساؤل يحيلنا إلى الحديث عن الفرق بين نوعين من الخلايا التي يتركب منها الكائن الحيّ ، وهما :

1.الخلايا الجنسية ( التناسلية ):Sexual Cells (Genital) .

2.الخلايا الجسدية ( النوعية  ):Somatic Cells (Qualitative)

تتضمن الخلايا الأولى نوعين اثنين حسب ( عدد محدود ) ، هما : ( النطفة ، والبويضة ) ، ويحمل كلّ منهما (23) كروموسوماً ، أما الخلايـا الثانيـة فتشمـل كلّ خلايا الكائن ما عدا الجنسية منها ( عدد غير محدود ) ، ويحمل كلّ منها (46) كروموسوماً .

إنّ الخلايا الأولى لها علاقة بعملية التكاثر ، إذ تستقبل البويضةُ النطفةَ ويتم التلقيح لتكوين الجنين ، أما الخلايا الثانية فلها علاقة بعملية الاستنساخ ، إذ يمكن أخذ خلية جسمية غير محددة وتحفيزها ، وتوفير الفرصة المناسبة لزرعها في رحم يكون لها وعاءاً ، لتكوين المخلوق الجديد ، ويمكن توضيح ذلك بالمعادلة الآتي :

عمليـة التكاثـر (46) = النطفة (ذكر) خلية جنسية (23) + البويضة (أنثى) خلية جنسيـة (23) = الجنين (46) .

 ( خلية جنسية بنواتها + خلية جنسية بنواتها ) =

عملية تلاقح ( نسب ) :Copulation   

عملية الاستنساخ (؟) = الخلية الجسمية (ذكر أو أنثى) (46) + البويضة (أنثى) خلية جنسية (23) = الهجين (؟) .

 ( نواة خلية جسمية  + خلية جنسية بلا نواة ) = عملية نقل ( لا نسب ) :  Nuclear Transfer

ومن الجدير بالذكر أنّ الهجائن نوعان : هجائن مختلفة النوع ( كوضع جينة كلبٍ في قطٍ ) ، أو هجائن متحدة النوع ( كالاستنساخ الحاصل في الإنسان ) ، وقد سار الاستنساخ في الحيوان إما للحفاظ عليه من الانقراض ، أو لحفظه وتخزين أنسجته ، أو إحياء المنقرض منه ، أو إيجاد أنواع لم تكن موجودة من قبل ، ويدخل في هذا السياق : ( النعجة دوللي وهلفي ، والغزال الجبلي البيكاردو ، والقطة سيسي ، والخنزير تابيلا ، .. ) ، وسنحصل مستقبلاً على الأسد السيفي ( جدّ الأسد ) ، والماموث ( جد الفيل ) ، والخرتيت ( جد الديناصور ) ، وسنتجول في محميات الحيوانات ، أقل ما توصف به أنها حيوانات لا تنتمي للكرة الأرضية ، وهذا ما يتم العمل عليه ، فإنّ العلماء الآن يدرسون إمكانية تغيير وظائف بعض الأعضاء وتعديل ملامحها ، أو إصلاح التشوهات الخَلقية التي تلحق بها ، أو التأثير على قدرات الحيوان الذكائية للقيام بمهام مستقبيلة ، أو التلاعب بالذاكرة وفقاً لضرورات علمية ، مثل : استنساخ دولفين بيدي إنسان ، واستنساخ حصان لا يرتفع عن الأرض سوى قدمين اثنين حسب ، واستنساخ فأر بحجم فيل ، وفيل بحجـم فأر ، وإيجاد نوع من القرود وظيفتها الأساسية خدمة الإنسان ورعايته دون طلب الأُجرة منه ، ثم تسخيرها لجانب مخابراتي في نصب الألغام ، والقيام بالتفجيرات ونحو ذلك ، وستكون الحيوانات التي سنتوصل إليها كائنات غريبة عجيبة ، كما أنّ هناك جانباً آخر مفاده : استخدام الحيوانات بوصفها مصانع قطع غيارٍ للإنسان ، بمعنى استخدامها في توفير أدوات احتياطية له إذا ما احتاج لذلك ، وبمعنى أكثر دقة : صناعة أعضاء بشرية في المستقبل ، تُؤخذ من بعض الحيوانات المعدّلة جينياً ، وذلك عن طريق إضافة جينات إنسانية إلى الحيوانات لإضفاء الصبغة البشرية عليها .

ولا يخفى أنّ تكنولوجيا الترحيل الجينيّ ، والتعديل الوراثي تثير مخاوف عدّة ، وتطرح تساؤلات تمتلك إجابات محيرة غير تقليدية ، فالعقل العلميّ الذي توصل إلى هذه الإمكانيات الرائعة كانت له مواقفه الفلسفية الخاصة تجاه الإنسان ، فقد انبثق البحث في الأساس من إيمانه المطلق بمعطيات العقل أولاً ، ثم توجهه إلى فصل الجانب المادي عن الجانب الروحي ثانياً ، وقد استدعت هاتان النقطتان صيغاً نفسية واجتماعية ، متجهة نحو تمجيد الأنا العارفة ( الفردنة ) ، في مقابل استغلال طاقة المجموع ( المنهجة ) ، فضلاً عن ضياع لقيم الروابط الأسرية وهدمها ، وتفكيك للحدود الاجتماعية باجتماع الرجل بامرأة ضمن عقد شرعيّ ، وتجاوز للمشاعر الإنسانية المرافقة للعملية الجنسية التقليدية ، وضرورة توافر الطرفين المختلفين جنساً والمتحدين هدفاً ومقصداُ ، والدعوة إلى مشاعية العلاقات ، ثم الابتعاد عن مفردات : مشكلة النسل ، وتضخم السكان ، والإجهاض ، وإباحية الشذوذ الجنسيّ ، وسن قوانين معينة للمثلية وغير ذلك .

ونعتقد أنّ للاستنساخ بعداً غائباً يتمثل في  تجاوز الحديث عن أنّه تقنية علمية وكفى ، إنما يُدرك بوصفه إفرازاً حضارياً غربياً ، وفلسفة معاصرة تثير الشك وتدعو للترقب والفحص المستمرين ، منبثقة من أولويات هذه الحضارة في عزل الإله وقتله ، واغتصاب حكمه ، والتشبه به في التعامل مع عملية الخَلق ، وإطلاق الأحكام والقضايا والتشريع ، ومنطلقة من مرحلة الإشباع الجنسي التقليدي ، للتوجه إلى مفردات التكوين دون هدر للطاقة في عملية الالتقاء المعروف ، والمسألة التي تستوجب التأمل والدهشة هي : إمكانية العلماء مستقبلاً من استنساخ فرد ذكيٍّ جداً في مقابل فرد غبيٍّ جداً ، وإيجاد كائن شرير جداً في مقابل كائن ودود جداً ، والإكثار من الهجائن التي تحمل جين القوة في مقابل أفراد ضعفاء جداً ، لأنّ العلماء في تقنية الهندسة الوراثية يسعون جاهدين لاكتشاف الجينات المسؤولة عن القوة والشر والذكاء وتحفيزها ، وبهذا ستولد عندنا مجتمعات ذكية وقوية وشريرة في مقابل مجتمعات أخرى أقلّ ذكاءً وقوةً وشراً ، وهذا ما سعت إليه طبيبة فرنسية من أصل يهودي تعمل في مؤسسة ( رائيل ) للبحوث العلمية المختبرية البايلوجية ، فقد قامت باستنساخ فتاة تمتلك مواصفات كاملة ومرغوب بها ، وأطلقت عليها (Eve) ومعناها حواء .

وبعد : هل يمكن القول أنّ الإنسان المعاصر مصاب بمنهجية اللاإستيعاب ، وأنّه غير مؤهلٍ للعيش في زمنٍ متسارع الاكتشافات والتقدم العلمي ، وأنّه آن الأوان للخروج من النمطية المتوارثة في التعامل مع الموجودات ، إنطلاقاً من قاعدة نسبية المعرفة وتباين الحقيقة ، وهل سيمنح هذا الخروج توفيـر الوقايـة المناسبة للإنسان من الأهوال القابلة والمتسعة ، ثم هل سيشكل الاستنساخ ـ بوصفه تقنية البدائل الهجينة ـ الوصيَّ ( الشرعي ) المناسب لعملية تواصل الإنسان وتوالده واستمراره إلى أن يشاء الله ، أم أنه سيمثل عبئاً مضافاً لن يتحمل هذا الأخير حمله ؟! ، هذا ما سيقدمه البحث العلمي المقبل ، فإننا ما زلنا في بداية الطرح وحسب .