على هامش مفهوم الجودة في النقد الأدبي

على هامش مفهوم الجودة في النقد الأدبي

شعر : د. كمال أحمد غنيم

[email protected]

 النص الأدبي الجميل يحتاج إلى حسن التذوق، والذوق في الغالب فطري مطبوع، تتدخل فيه على مدار الأيام متغيرات تؤثر عليه سلبا أو إيجابا، تبعا لتلك المتغيرات!!

 وما نسميه بالضحالة على مستوى الفكر واللغة أمر وارد نتيجة ظروف الجهل أو التجهيل ومحاولة الكثيرين تسطيح القيم الخلقية والفكرية والفنية و... مما يسهل عليهم السيطرة على الجماهير.

وإذا كنا لا نقبل إزاحة الناس عن درب الأخلاق والدين واعتبرنا هدايتهم للحق رسالة، فينبغي أن نفهم أن الرسالة بمضمونها الحضاري الشامل لا تعني فقط الصلاة والصوم والتعفف عن الكذب والمحرمات، وإنما تعني نهوضا حضاريا على صعيد العلم والثقافة بكل مكوناتهما، وأقول هنا بوضوح: إن غياب الكثير من جماليات القرآن الفنية ستفقدنا الكثير من كنوز الإقناع والتأثير، والأدب بمجمله يتعلق بتلك القيم الجمالية، وزعمنا هذا يفسر إقبال العلماء على رواية الشعر وحفظه ونقله للأجيال رديفا لفهم القرآن، حتى الشعر الجاهلي!!

أما عن الهوى فلا تسأل! (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء)، وأعتقد أن الهوى كحسن التذوق فطري!! هل أناقض نفسي إذا؟! لا ، ولكني أومن بقوله تعالى: (إنّا هديناه النجدين)، فالصواب والخطأ والعدل والهوى والإيمان والكفر والقبح والجمال ما هي إلا جدليات ثنائية امتلكها الإنسان، وبالتالي نتوقع ممن منّ الله عليه بالهداية أن ينصرف عن الهوى إلى العدل استجابة لقوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وأما من زاغ عن الهدى فنتوقع منه البعد عن الموضوعية، والحكم بميوله الذاتية وحسب...

اللهَ ، اللهَ يا شيخ كمال، وكيف يفهم الناس الهوى من العدل، والصواب من الخطأ، والقبح الحقيقي من الجمال الحقيقي؟ أقول: ولماذا امتلكوا القلوب والعقول؟!

 أما عن الجوائز التشجيعية والاحتفالات التكريمية، فما هي إلا أدوات من أدوات النقد، تخضع للمعيار ذاته: الحكم بالهوى أو بالعدل والموضوعية، وماذا يفيد الأديب والشاعر شهرة زائفة وتكريم كاذب إن كان أدبه ضعيفا أو منحرفا؟! أما إذا كانت الشهرة والمكانة مطلوبتين بحد ذاتهما؛ فالأمر أيسر من خداع الذات بأدب قد يصعب أو ينكشف، فوالله إن مما ابتلانا به الزمان من ازدحام آلاف الجماهير في احتفالات المغنين والمغنيات ومن لفّ لفهم لأكبر دليل على سهولة الوصول إلى مكانة دنيوية رخيصة فانية في الدنيا لا في الآخرة وحسب، وإن في خلود أعمال أدباء حاربتهم الدنيا واقتنصت رؤوس بعضهم المقاصل والمشانق والبنادق، واحتبست بعضهم في الزنازين والمعتقلات الصغيرة (المعتقلات الحقيقية) والكبيرة (الأوطان المغلّقة على شعوب بأكملها) لدليل آخر على مفهوم الجائزة الحقيقية، إنها المدافعة والمراغمة: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات...)، إنه مفهوم الامتحان حيث لا يفيد من غشّ وزيف غشه وزيفه، وحيث يفرح المؤمنون والمبدعون الصادقون.

والجميل في هذه المعادلة المنسجمة مع نواميس الكون الكبرى: أن لا جمال مطلق، فالمبدع في محور الجمال والعدل والهدى لا الهوى، خاضع لمعايير النقد المبنية على نقص البشر، فالكمال لله وحده، والجمال نسبي متفاوت.