وانتصر أصحاب السبت

عبد العزيز كحيل

[email protected]

بعد سنوات من الضغط العلماني المركز والمتعدد الأشكال قررت الحكومة في الجزائر تغيير عطلة نهاية الأسبوع من الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت.

جاء القرار انفراديا لم يعرض للنقاش على الرأي العام ولا على البرلمان "المنتخب" الّذي يفترض أنه يمثل الشعب ويفصل في الخيارات الوطنية الكبرى، وهو نقطة كبيرة سجلها التيار العلماني لصالحه في المعركة الفكرية والسياسية والحضارية الّتي تدور بينه وبين الأغلبية الساحقة من الشعب المتمسكة بالإسلام مرجعية وقيما ورموزاً، ويعلم الجميع أن هدف التغريبيين المعلن بوضوح هو تبني ما يسمونه "نهاية الأسبوع العالمية" أي عطلة السبت والأحد، وانتصار "أصحاب السبت" اليوم مقدمة لانتصار الأحد أي تجاوز رمز إسلامي  له وزنه في الحياة الاجتماعية وفي لاشعور الناس، ولا يصدق أحد المبررات "الاقتصادية" الّتي يتذرع بها العلمانيون المتحكمون في القرار السياسي فهي مجرد ذرائع للتغطية على الداعي الحقيقي لمسعاهم وهو معاداة الإسلام حتى في رموزه الحضارية وهويته المتميزة، ولو كانوا يستندون إلى حقائق علمية كما يزعمون لأحالوا المسألة للنقاش بين الخبراء والمختصّين... لكن الرأي العام هو آخر اهتماماتهم، وقد عوّدونا على مثل هذه الإجراءات الفوقية المعادية للتوجه الإسلامي بل وللأحكام الشرعية الصريحة.

بدؤوا في مطلع التسعينات من القرن الميلادي الماضي _ وكانت البلاد في أتّون فتنة دامية عمياء _ بإصدار قرار يمنع على الموظفين إطلاق اللحي وارتداء القميص وبرروا ذلك بمحاربة الإرهاب "الإسلامي" فاضطر حتى أئمة المساجد إلى الإذعان للأمر ولم تشفع لهم حجة الحرية الفردية التي يتغنى بها العلمانيون، ثم تلا ذلك قرار سيء السمعة والصيت هو منع رفع الأذان في التلفزيون لتصبح بذلك الجزائر البلد العربي الوحيد _ مع سوريا _ الّذي يطبق هذا الإجراء، ولا يغيب عن اللبيب بعده الرمزي،، وبعد سنوات اتخذ الرئيس _ وليس البرلمان المخوّل بذلك دستوريا _ قراراً يضمّن الدستور مادة تنص على "أن الأمازيغية لغة وطنية" رغم أن هذه الأمازيغية عبارة عن لهجات مختلفة وغير مكتوبة توارثتها بعض المناطق محلّيّاً ولا يفهمها أغلبية الجزائريين فضلاً عن أن تطالب بترسيمها ، لكنها مطلب دائم للأقلّيّة التغريبية لمزاحمة العربية والتضييق عليها باعتبارها من أكبر رموز ومعاني المرجعية الإسلامية التي يتبرمون منها ويرفضونها تصريحا وتلميحا، وقد صرح الرئيس بوضوح تام عقب إمضائه مرسوم "دسترة" الأمازيغية أنه لجأ لهذا الإجراء لعلمه أنه لو عرض الأمر على البرلمان أو للاستفتاء العام لكان مصيره الرفض ! وقد صدق في هذا لأن تشبث الجزائريين باللغة العربية جزء من احتضانهم للإسلام، لكن للأقلية التغريبية من وسائل الضغط ما يمكّنها من تجاوز الشعب وقناعاته ومؤسساته.

ولم يمض سوى وقت قصير حتّى اتخذت الحكومة إجراء آخر كان كالصاعقة على عموم الناس فضلا عن الطلبة والمدرّسين ويتمثل في إلغاء شعبة "العلوم الإسلامية" من التعليم الثانوي وبالتالي من شهادة الباكالوريا، وكانت الحجة أن سوق العمل لا توفر مناصب لأصحاب هذه الشعبة، وقد علق المراقبون والإعلاميون آنذاك أن هذه السوق لا تتسع _ في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة _ لخرّيجي أي شعبة... فلماذا تستبعد العلوم الشرعية وحدها؟

وكانت النتيجة الحتمية الأولى لهذا الإجراء أن الجامعات والمعاهد الإسلامية لن تستقبل إلاّ طلبة عاديين من فروع أدبية أو تقنية مما يعني أنها ستفقد تميّزها الطبيعي لتصبح مجرد مؤسسات تعليمية يقصدها أصحاب النتائج الضعيفة والرتب المتدنية، وهذا بالضبط ما يهدف إليه الإجراء الّذي يدخل في إطار سياسة تجفيف منابع التدين _ أو الإرهاب كما يطلقون عليه _ المتبعة على المستوى العربي والإسلامي والتي ستنتهي _ لا قدر الله _ إلى إلغاء الجامعات والمعاهد الشرعية.

وثارت ثائرة طلبة العلوم الإسلامية فقاموا بالإضرابات والاعتصامات وقاطعوا الامتحانات وكتبوا العرائض وناقشوا الأمر بالبراهين واستعانوا بالأصوات الإسلامية ذات الوزن لكن ذلك لم يجد نفعا وطُبّق القرار، وفي سياقه لم يبق من حضور لحصص التربية الإسلامية في مختلف مراحل التعليم سوى دقائق معدودة خلال الأسبوع كله، وكان هذا نصراً كبيراً للعلمانيين فشحذ همهم لطلب المزيد.

وجاءت طامة أخرى  تمثلت في إدخال تغييرات على قانون الأسرة-أي الأحوال الشخصية-كان أخطرها إلغاء شرط ولي المرأة من عقد الزواج بحيث تستطيع أي فتاة أن تقترن بمن تشاء رغم أنف وليها,وقد رفض الشارع الجزائري ذلك الإجراء ودل استطلاع للرأي أن نسبة مؤيديه لا تتعدى 11%  ...لكن التعديل اكتسب قوة القانون رغم رفض الأغلبية,وهو خطوة أولى يأمل العلمانيون أن يصلوا بعدها إلى إلغاء أحكام الميراث الشرعية وتسوية نصيب الرجل بنصيب المرأة نهائيا أسوة بتونس المجاورة التي يحكمها " التنويريون التقدميون "

هكذا ينتقل التغريبيون من مرحلة إلى أخرى لتقويض أركان الدين و'علمنة' المجتمع بقوة القانون حتى لا يبقى للإسلام وجود سوى في الطرق الصوفية التي يشجعونها بقوة لأنها تمثل 'الإسلام الروحي' نكاية في "الإسلام السياسي " الذي يهدد - سلميا- عروش العلمانية.

بقيت الإشارة إلى أن كل هذه الإجراءات المناهضة لتعاليم الإسلام تمت مع تواجد حزب إسلامي في الحكومة بعدد من الوزراء لا يقل عن خمسة...فماذا يفعلون هناك ؟

هكذا انتصر أصحاب السبت ...فهل سيأتي يوم تعلو فيه راية أصحاب الأحد؟وكل من اليومين يشير إلى استبعاد دين الله تعالى من الحياة وحتى من الرموز والإشارات ليتم إلحاق بلاد الإسلام بالمرجعية الغربية وفلسفتها وقيمها...الخطر محدق ولكن معنا حديث من لا ينطق عن الهوى:''لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " _ رواه مسلم _

فأين هم ومتى يتحركون لحماية الأمة ونصرة الدين؟