الصوفية في مواجهة الإسلام الأصولي
الصوفية في مواجهة الإسلام الأصولي
مصطفي زهران *
1
"...شهدت مصر في العقد الأخير من القرن الماضي معارك فكريه وايديولوجيه ومسلحه احيانا بين الحركات الإسلاميه المختلفه بتياراتها المتعدده وخاصه الراديكاليه منها مع النظام المصري ,والتي تصفه بالكافروالعميل ,والتي اسلم معظمها في النهايه الي ما يسمي بفكر المراجعات , ,الأمر الذي دفع النظام المصري للسعي نحو الدعم المباشر للجماعات الصوفيه بطرقها المختلفه و المتعدده ,وتنشيط دورها في المجتمع المصري ,الأمر الذي وصل لحد الترويج لها اعلاميا,لتقف امام المد الأصولي بأشكاله المختلفه.."
2
"....لن تجد الحركه الصوفيه في مصر فرصه لبسط نفوذها ودعم سلطتها الروحيه في قلوب مريديها واتباعها ومحاوله استقطاب المئات لتدعيم صفوفها مثل هذه الفتره الراهنه , بعد ان ضيق الخناق علي الحركات الأصوليه, وخاصه الراديكاليه منها التي دخلت في صراع مسلح مع النظام المصري ,وبائت بالفشل في نهايه المطاف ,مالأمر الذي اورث الرهبه والخوف من تنامي تلك الحركات مره اخري علي غرار سابقيها فبحثت النظام المصري عن بديلا تمثل في الصوفيه البعيده عن المواجهه والعنف....لتجعله في مواجهة مثل هذه الحركات,وتحد من نشاطاتها.."
3
"....وفي اوائل الثمانينات كانت جماعتي الجهاد والجماعه الإسلامية المصريتين يطفوان علي مسرح الأحداث في مصر ,منذ قيام الأولي بإغتيال الرئيس المصري" محمد انور السادات حتي اواخر التسعينيات "والتي تعد من اشد الفترات دمويه في تاريخ مصر الحديث,ولكن تعامل النظام المصري الحذر بعد تولي "الرئيس مبارك"الحكم 1982م والتي اتسمت فترته بالكياسه والقوه في التعامل مع تلك الحركات في صعيد مصر وجنوبها ,خاصه الوجه البحري الذي عج باالاف من حركات التكفير والهجره,عن طريق قمعهم والزج بهم في السجون لفترات طويله حتي تم القضاء علي احلامهم وطموحاتهم نحو تحقيق مايسمي بالإماره الإسلاميه والحكم الاسلامي....وفي نهايه المطاف خرجت من السجون رسائل ماتسمي بالمراجعات الفكريه التي يعلنون من خلالها نبذهم للعنف وتراجعهم عن حمل السلاح وتكفير الحاكم,والتي عرفت بمراجعات الشيخ إمام.."
4
"...الإخوان المسلمون أقدم الحركات الإسلاميه في مصر منذ إنشائها علي يد حسن البنا في 1928م وكانت لها وجود قوي وضمت تحت لوائها الألاف من مختلف محافظات مصر ,إلا ان هذه الفتره التي بزغت فيها نجم الحركات الاسلاميه الاصوليه الراديكاليه ,كانت تشاهد الاحداث عن قرب لتنأي عن الدخول في مواجهه هي الاخري مع الحكومه وأصدرت الجماعه خلالها الكتب المختلفه ضد الأفكار الراديكاليه والأصوليه,وكان للمرشد السابق عمر التلمساني والهضيبي دورا كبيرا ساند الحكومه المصريه انذاك وصدرت الكتب المتعدده التي تؤيد عدم التصادم مع الحكومه والنظام المصري , مثل كتاب" دعاه لاقضاه"...والذي وجه من خلاله خطابا لاذعا ضد فكر هذه الجماعات التي كانت تنظر في الوقت ذاته لحركه الاخوان المسلمون علي انها مترخصه وخانعه ..."
5
"...لم تدم علاقه الود بين النظام المصري والإخوان طويلا نظرا لغياب الحركات الاسلاميه الراديكاليه الأصوليه, بعد الزج بها داخل السجون المصريه في مشاهد مأساويه ,بعد تعبئه الرأي العام المصري ضدها ووجهت وسائل الإعلام المصريه اشد حملاتها ضد أفكار هذه الجماعات المسلحه مماساعد علي اختفائها من الساحه المصريه ناهيك عن حالات منفصله علي سنوات متباعده ,فدخلت في سجال سياسي بينها وبين النظام المصري الذي دفع بقادتها الي محاكم عسكريه وعمل علي قص جناحها كلما نبت لها ريشا وحاولت الطيران مره اخري ..."
6
نشطت في خضم تلك الظروف السابقه الحركه السلفيه بقوه وتعددت تقسيماتها وانواعها فمنها السلفيه الجهاديه والسلفيه المتشدده وهو التيار الأكثر شعبيه في المجتمع المصري ,ومنه التيار السلفي القائم علي العلم والتربيه ومن ابرز مشايخه الشيخ محمد حسين يعقوب وحسان والحويني والذي اصبحت لهم قاعده كبيره في اوساط المصريين وخاصه بعد ظهورهم علي القنوات الفضائيه التي ساعدت علي ترويج افكارهم اكثر من ذي قبل,فانتشرت ظاهره النساء المنتقبات في مصر بشكل ملحوظ عن ذي قبل,وتعاظم اعداد الشاباب الملتحي ذي الجلباب القصير.
7
كل ذلك دفع الحكومه المصريه الي التوجه نحوالدعم المباشر لجماعات الصوفيه في مصر ,من خلال اعطائها الحريه الكامله في إقامه الموالد الخاصه بمشايخهم وأسياد طرقهم مثل مولد البدوي والشعراني والسيده زينب والسيده نفيسه ...إلخ من المقامات والاضرحه المنتشره في مصر ,ناهيك عن المؤتمرات التي تدعمها الدوله لنشر الفكر الصوفي والذي لعب الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعه الأزهر الأسبق دورا كبيرا في الترويج لهذا الفكر الي ان وصل الشيخ علي جمعه الي دار الافتاء والذي كان بتحلق حوله المئات من المريدين له في مسجد السلطان حسن والمعروف بموقفه الحاد من السلفيه وفكر محمد بي عبد الوهاب النجدي.
8
تراهن الجماعات الصوفيه في مصر علي الوجود بقوه ,مع الصلاحيات التي تقدمها لهم الحكومه المصريه ,و تعتمد الصوفية بشكل عام على مجموعة ممارسات تقوم على نبذ الدنيا والعمل والتفرغ التام للطاعة والعبادات بالإضافة إلى مجموعة من الأوراد والأذكار يتوارثها الصوفيون من شيخ إلى آخر. وإتباع شيخ هو شئ أساسي في الفكر الصوفي (من لاشيخ له فالشيطان شيخه "فهم بعيدين كل البعد عن الخوض في معترك السياسه والحكم الذي يؤرق مضجع اي نظام حاكم.
لذلك تشرع الحكومه المصريه بإصدار قناه فضائيه يغلب عليها الجانب الصوفي لتقف أمام الإعلام الأصولي .....ولكن هل تنجح الصوفيه في وقف مد الحركات الأصوليه علي الساحه الداخليه المصريه كالسلفيه التي تنتشر يوما بعد يوم بإعلامها المتزايد وصورها المختلفه ...هذا ماسنرقبه في المستقبل القريب.
*كاتب مصري وإعلامي بوكالة الأخبار العربية القاهرة
0020106988149