موبايل لكل (جاهل!) عربي!!

محمد حسن العمري

[email protected]

كاتب أردني مقيم بصنعاء

يطلق بعض العرب كلمة ( الجهال ) دون ادنى حرج على الاطفال ، يستخدمونها حتى على اطفال

الطبقة السياسية ، فصارت كلمة بديلة بالمطلق ، وربما نعرف بعد ان نطوي هذه الصفحة من هم

 ( جهال ) العرب ، كبارهم او صغارهم!!!

***

في السنة اللاولى للالفية الثالثة ، واقصد هذا التعبير للدلالة الكبيرة له ، كنت اقف في محل لبيع الخليوات في شارع الشرطة بالعاصمة ابوظبي عندما دخل ( مواطن!) اماراتي وهذا اللفظ الذي يرغب الاخوة الخليجيين باطلاقه على انفسهم ، دخل ( المواطن ) المحترم الى معرض لبيع الهواتف الخلوية ، وكان ابنه ربما ابن العامين  تحمله خادمة اسيوية ، وطلب عرض احدث الموديلات من الاجهزة المتاحة ، وفعل البائع الهندي ان اخرج له مجموعة يتفرج عليها ، وكان من ابنه الصغير ان التقط هاتفا عن طاولة العرض ،

فاستثار البائع الهندي ، خوفا ان يكسره ( الجاهل! ) ، فغضب والد ( الجاهل !) وقال للبائع ، بكم ثمنه ، وكان بحدود الفي درهم ، فوضع بيد البائع الفي درهم وقال للجاهل: ( اكسر الموبايل ..!!!!)

لكن الطفل ابن العامين لم يقدر على ذلك وربما – اقول ربما – كان اعقل من والده ، فاعتقد ( الجاهل ) ان الاصدقاء الفلنديين لم يكتشفوا هذه الاجهزة ليكسرها الجهال..!

في نفس التاريخ او يزيد قليلا ، كان برفسور كندي في الطب يلقي محاضرة في مستشفى توام الشهير في مدينة العين ، وكنت حاضرا ، وكان يحمل هاتفا نقالا من ماركة موتورولا القديم جدا والذي يشبه راحة اليد بحجمه الكبير ، ومازحه احد الاطباء العرب المقيمين بالمستشفى قائلا : ان هاتفك قديم جدا ، فرد عليه البرفسور ، اعتقد انه مازال قادرا على الكلام..!

***

ينتابني هذا التناقض الكبير ، بين ما يعتقده العالم المتحضر الذي ابتكر الموبايل من اهمية الموبايل ، وبينما يعتقده العالم العربي اليوم من مظاهر الزيف المرتبطه بهذا الجهاز الصغير الذي صار الى كل يد طفل عربي ، حتى الطفل الذي استوقفني ذات مرة امام احد محلات الشاورما في شارع عبدالله غوشة غرب العاصمة عمّان ، وطلب دينارا واحدا ليسجل مغامرة امام اقرانه ، طلب مني دينارا بحجة انه فقد نقوده ، في وسيلة شحاذة عالية المستوى لابناء الذوات ، هذا الطفل كان يحمل موبايل فاخر ، ويرتدي ( تي شيرت ) مكتوب عليه بالعريض ماركة ( اسبريت) وحذاء رياضي قدير ، وشورت جينز محترم كذلك ، مجموع ما يتجمل به ابن العشر سنوات يفوق المائتي دينار اردني ، ويطلب بمهارة دينارا..!

اتذكر ذلك وحال برفسور في الطب ، ليس معنيا بالبهرجة العربية يحمل جوالا يخجل طالب مدرسة عندنا وفقط عندنا ان يحمله بين زملائه الطلاب..!

***

من اكثر الاشياء التي اشعرتني يوما ما بالخجل من الذات العربية هذه ، ما قرأته عن مستشرق غربي كتب بعد ان زار اكثر العواصم العربية عراقة وهي صنعاء ، وشاهد ابناء القبائل يتحدثون بصراخ في الشوارع بالاجهزة الخلوية ، وسجل بعدها مقولة مؤلمة تغور في اعماق الكبرياء العربي المنهار من عهد القبائل ، سجل المستشرق بالحرف : وجدت الانسان الاول يعبث بحضارة القرن الواحد والعشرين...!

***

لا اعرف اليوم الى اين تقودنا هذه اللوثة التجارية الفارغة من التباهي في تكنولوجيا ، لم نساهم قيد شعرة فيها ، نستخدمها ونحن اجهل الناس بها ، في الوقت الذي تسجل فيه دولة عربية هي السعودية ، تسجل فيه رقما قياسيا للشركات الصانعة للاجهزة الخلوية في تبديل وتكرار استخدام الاجهزة الخلوية على مستوى العالم ، لا اعرف على وجهة الدقة كم من الاموال تنفق على ذلك ، لكنني ادرك اليوم ان

 ( جهالنا ) ما كانوا ليجدوا بدا من التجاهل هذا ، لولا قول المعري : (ولما رأيت الجهل في الناس فاشـيا تجاهلت حتى قيـل إني جاهـلُ)..!