جهالة اللغة العربية بين أبنائنا..
حسن محمد نجيب صهيوني
لا غريب ما يدور في الوسط العربي بين أبنائنا من إقحام كلمات أجنبية يتداولونها في محادثاتهم الشفاهية ورسائلهم الهاتفية التي باتت تجرد العربية من خصائصها وتسبغ عليها شِرعة الجهالة، ألعيب يعتري لغتنا التي قال الله تعالى عنها في محكم تنزيله (قرآناً عربياً غير ذي عوج) أم استُنفذت كلمات العربية، فما بقي لها إلا الجهالة والغربة والناس أعداء ما جهلوا. وهذا الأمر حدا بمنظمة اليونيسكو ان تعلن أن اللغة العربية من اللغات المعرضة للانقراض والاندثار والضياع، وهذا ليس مستحدثاً على اللغة العربية؛ فهي تتعرض لأشكال مختلفة من الغزو بين الوقت والآخر.
إنَّ اللغة العربية هي السبيل لمعرفة هوية أمتنا الإسلامية وخصائصها، وهي اللغة التي ما فتئ عطاؤها من إثراء العرب وإذكائهم فكرياً وحضارياً واجتماعياً، حتى أضحت نواتهم الأساسية والموجهة لسفينتهم في بحر الحياة، وهي لغة القرآن الكريم الذي وصفه الله تعالى بقوله (بلسان عربي مبين)، فعُلم هنا أن سائر اللغات قاصرة عنها، كيف لا وقد كلّلها الله بها الشرف والعظمة والخلود.
ومن أهم مظاهر عزلة اللغة العربية عن الألسن هو ابتعاد الناس عنها بدعوى صعوبة اللغة وصعوبة قواعدها. وصعوبة اللغة علة يركن إليها كثير من الناطقين بالضاد على اختلاف بلدانهم، إذ نجد بلداناً عربية تعاني من الازدواجية بين اللغة الفصحى واللهجة العامية إلى الحد الذي لا يستطاع به تميييز اللغة الأصيلة عن اللغة الدخيلة، وهذا بحد ذاته سبب أساسيّ لضعف اللغة العربية.
من ذلك أيضاً الانسلاخ عن اللغة من بعض الطبقات دون غيرها وهذا يختلف من طبقة إلى أخرى بحسب تشرّبها للمؤثرات الأجنبية ومحاولتها إضفاء الصبغة الأجنبية محل اللغة العربية، فقد نجد بعض الأسر يتحادث أفرادها فيما بينهم باللغة الأجنبية زعماً منهم بان اللغة الأجنبية هي اللغة العصرية وحال العربية بات قاصراً عن مواكبة تطورات الحياة ومستجداتها. وهذه النظرة صاحبت فئة من المجتمع العربي ممن يتناولون الأمر بالتفكير والفلسفة، ولكننا نجد فئات من المجتمعات العربية تختلف عندها أسباب الانسلاخ، فقد يكون السبب هو التباهي أو التعالي أو تجهيل ما عداهم. ولا شك أن ذلك دليل على انحدار مستواهم الفكري أو الثقافي أو المادي؛ لأننا إذا استعرضنا نموذجاً من هذه المجتمعات الأوروبية فسنجد العكس تماماً، ففي ألمانيا مثلاً يظهر الاعتزاز بلغتهم الألمانية من فرضها في كل المجالات، فاللغة الألمانية هي اللغة الوحيدة التي يمكن أن تسمعها في كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بالرغم من كونها لغة فقيرة في عدد جذورها اللغوية.
ولا نظن أن كل الطلاب في ألمانيا محبون للغة، بل إن منهم من يرونها لغة صعبة التعلم، ولكن لم نجد من الألمان من خرج إلينا؛ لينسلخ عن لغته ويتنصل منها بدعوى صعوبتها وعدم القدرة على تحصيلها، وأن لغات أخرى كالإنجليزية مثلاً أسهل منها. وذلك لأمر هام يغيب عن هؤلاء وهو أن لغتي هي أنا. هي ذاتي، هي وجودي هي كياني، هي حضارتي وتاريخي، أما لغة الآخر فهي لغة الآخر وليست أنا.
إن لمجامع اللغة العربية في الوطن العربي دوراً هامًّا وللهيئات المعنية والجمعيات الرسمية والأهلية كذلك، ولكن الدور الأكثر أهمية – في نظري – هو وجوب البحث في كيف يمكن لكل عربي أن يكون فاهماً للغته متقناً لها معتزًّا بها فخوراً بانتسابه إليها.
ويرى كثير من العلماء أنَّ الكلام بغير العربية دون حاجة هو من قبيل النفاق، ونرى أن البعض الآخر قد اوجب تعلمها وإتقانها، فقد قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: "تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم"، وقد كره الشافعي التحدث بغير العربية لمن يعرفها إلا لحاجة، وقال ابن تيمية: "إنَّ اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، لأن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بالعربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهوواجب".
أخيراً، فإن الاهتمام باللغة والحفاظ عليها واجب باعناقنا، فنحن كعرب من واجبنا ان نفخر باللغه العربيه ونعملها أطفالنا ونؤصل حبها في نفوسهم.
نحن مع تعدد اللغات وان يتعلم أبناؤنا اللغات الاخرى لأن ذلك من مصلحتنا ومصلحة بلداننا واوطاننا، ولكن يجب ان لا يكون ذلك على حساب لغتنا الاصلية.
يجب العمل على إيجاد الوسائل الكفيلة بحماية لغتنا العربية والحفاظ عليها وذلك بهدف توفير الحماية الواجبة لمستقبل العربي حتى يظل فخورا بلغته وبثقافته وحضارته وبفنونه وآدابه وبتقاليده وأعرافه وبشخصيته المميزة وبهويته الخاصة.