المرأة بين مطرقة الإباحية و سندان الرجعية2

المرأة بين مطرقة الإباحية و سندان الرجعية-2-

هيفاء علوان *

مساواتها للرجل في الحقوق السياسية :

فلها أن تكون ناخبة في انتخاب خليفة المسلمين ومبايعته على الوفاء بحقوقه عليها .قال تعالى (ياأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ) الممتحنة 212.

 وللمرأة حق في أن ترث وكثيراً ما كانت تُحرم قديما من الميراث ولكن ديننا العظيم ضمن لها هذا الحق وقد أثار بعض الناعقين شبهة مفادها :لمَاذا كان الذكر نصيبه مثل حظ الأنثيين نقول لهم إن هذا الحكم الشرعي لم يقصد النيل من إنسانيتها أو يقلل من قيمتها ,وإنما بنى الحكم على أساس ما تقتضيه حكمة الله سبحانه وتعالى وتتطلبه طبيعتها العملية .

قد يتساءل أحدهم لماذا فضَّل الله عز وجل الرجل في الميراث مثلا وجعل له القوامة في البيت و. . و. .  نقول :إن الله تعالى فضل الذكر في خلقته بقوة في الجسم والعقل كان بها أقدر على الكسب وتحصيل الرزق ,وعنده من قوة الشكيمة والحمية ما يجعله أقدر من المرأة على الدفاع الخاص عن الأسرة و عن الدولة وفُرضت عليه النفقة . وبها كان الرجال قوامين على النساء قال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )النساء 34 ,ومن مقتضى الفطرة اختصاص المرأة بالحمل والرضاع وحضانة الأطفال فرجال المستقبل يحتاجون لمن يتفرغ لهم لتوجيههم وتقييم سلوكهم ,إذ ليس البيت بمثابة الفندق يجتمع فيه  أفراد الأسرة للمنامة والطعام ,إنما هو حجر الأساس في المجتمع وهو المدرسة الأولى للطفل وبقدر ما تكون الأم على قدر من العلم والوعي والفضيلة يكون الطفل قال الشاعر :

الأم مدرسة إذا أعددتها             أعددت  شعباً طيب الأعراق

وإذا ما أهمل الأبوان رعاية وتربية أولادهم كان أولادهم بمثابة اليتامى ولله در الشاعر حين قال :

ليس اليتيم من انتهى أبواه     (م)     من همِّ الحياة وخلفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي  تلقى له            أماً تخلت أو أباً مشغـولا

والمرأة لها الرياسة في جميع الأعمال الداخلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل في بيته راع ٍوهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها  . .)

ينبغي أن يعلم المشككون أن الرجل ليس مستبدا وإنما رئاسته شورية لا استبدادية قال تعالى في كتابه الكريم (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) النساء 19.

وفي الحديث الشريف ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلق رضي آخر )رواه مسلم .فالقاعدة  التي يجب أن تسود في البيت التزام كل من الذكر والأنثى بإرشاد الشرع والتشاور والتراضي في غير المنصوص عليه ومنع الضرر والضرار وعدم تكليف أحدهما الآخر ما ليس في وسعه قال تعالى (و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة )البقرة 233, وقال عز من قائل :

( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم )الشورى38

وفي الحديث الشريف (قال رسول الله : استوصوا بالنساء خيرا ًفإن المرأة خُلقت من ضلع أعوج وإن َّأعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته ,وإن تركته لم يزل أعوج ) وفي الحديث ( خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي عن عائشة , وابن ماجة والطبراني عن معاوية وهو حديث صحيح .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه عن آية الوعيد على كنز الذهب والفضة ( ألا أخبرك بخير ما يكنز المرأة الصالحة , إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته )أبي يعلى ,ابن أبو شيبة داود وغيره .إسناده ضعيف قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا كما فضلن عليهن في الميراث، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء .

وقال النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة ,كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا .      

4- احترام رأيها واعتباره مهماً فيمن يتقدم لزواجها .فلها الحق في إبرام عقد الزواج واختيار زوجها وليس لولي أمرها أن يجبرها على الزواج ممن لا تريد .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن ,قالوا يا رسول الله وكيف أذنها قال : أن تسكت ).

5- مسؤوليتها العامة بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفضائل والتحذير من الرذائل قال  تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ).التوبة 71

وقال الإمام محمد شلتوت (إن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أكبر مسؤولية في الإسلام  وقد سوى الإسلام فيها بصريح العبارة بين شطري المجتمع: المرأة والرجل).

6- أهليتها في التصرفات المالية والتجارية واحترام حقها في امتلاك ما تشاء والتصرف بما تشاء ,  قال تعالى (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن )النساء32 صدق الله تعالى الحقُّ العدل .

7- وهي تنال قبل الرجل ما بين ثلاث إلى ست سنوات –وهذه المدة هي التي تسبق بها الأنثى الذكر قبل سن البلوغ -: أ- تتسلم أموالها من يد الولي أو الوصي لتنفرد هي بالتصرف فيها .

 ب-حقوقها السياسية ناخبة ومنتخَبة .

ج-تختار لنفسها عند البلوغ إذا زوَّجها قبل البلوغ الأولياء من غير الأب والجد .

د- ويكون لها حق تزويج نفسها –على رأي مَن يقول بذلك –على أن تكون مع بلوغها عاقلة رشيدة وأن تزوج نفسها من كفء , وإلا كان لوليها حق فسخ النكاح .وحين ساوت القوانين الوضعية بين الرجل والمرأة في سن البلوغ , وجعلته سن الثامنة عشر لكليهما في غالب البلاد الإسلامية،أُصيبت المرأة بالضرر , لأنه سيتأخر نيلها لحقوقها التي ذكرت للمادة التي بُينت .

والأشد وطأة من كل ذلك وضعها تحت إكراه قانوني للعيش مع من لا تحب لمدة تتراوح بين ثلاث إلى ست سنوات , إذ سيتأخر اختيارها لنفسها طول تلك المدة في حالة تزويجها وهي صغيرة من غير أبيها أو جدها,فإذا زوّجها أبوها أو جدها , فلا خيار لها عند البلوغ , وذلك لظهور شفقتهما, ولعدم التهمة منهما في غالب الأحوال.

8-قبلت الشريعة الإسلامية شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه إلا النساء . كإثبات البكارة أو عدمها , وإثبات الولادة للمولود, وإثبات استهلال المولود , أي خروج صوت منه بعد ولادته وقبل وفاته ,أو إثبات ولادته ميتاً .

وفي إثبات ما تقدم من الآثار الخطيرة ما لا يخفى :

 1- فبولادة المولود حياً يستحق الميراث وما أوقف عليه من وقف وهو جنين ,وما أوُصي إليه به وهو جنين.

2-وقد يثبت له الملك في الملكيات الوراثية , فهي تشهد على صحة ولادة الأم له وليس كونه مولوداً مدَّعَى.

وكم من مفاسد في التاريخ حصلت بهذا الادعاء أو التبديل .فإذا لم تشهد القابلة بالولادة والولادة مع الحياة فقد تكون التركة تقدر بالملايين التي لا تدخل في ذمة هذا الوليد وبالتالي لا يستحقها ورثته ،بل تنتقل إلى ورثة مورثه عداه , وكذلك استحقاقه للارتزاق في الوقف , أو دخول المال الموصى به في ذمته, وقد تكون تلك الأمور أموالاً جمة  لا يستحقها هو أو ورثته , إن مات بعد ولادته حياً. فأية ثقة هي تلك الثقة التي أعطاها الشرع الحنيف للمرأة القابلة الواحدة . فإذا علمنا أن (حد الزنا ) لا يثبت إلا بشهادة أربعة من الرجال فقط كانت حينئذ شهادتها تعدل أربع شهادات للرجل لأن الزنا واقعة .  . والولادة واقعة ! فإذا نصَّف الشارع الحكيم فهو قد ساواها بأربعة رجال في مواضع أخرى.

9-اختصاص المرأة دون الرجل ببعض صيغ طلب الفعل في خطابات الشارع ,وطلب الفعل يكون بصيغ معلومة في اللغة العربية هي :

أ-صيغ فعل الأمر كافة .

ب- المصدر النائب عن الفعل وهو لا ينوب إلا عن فعل الأمر .

ج-اسم فعل الأمر .

د-الفعل المضارع المقترن باللام .ً

و-صيغة الخبر الدالة على الطلب.

فإذا كان الخطاب للرجال والنساء كان بالصيغ الأربعة الأولى ,وفيها شدة تناسب الطلب ,وتأكيد على طلب التنفيذ فإذا كانت المرأة مع الرجل في ذلك الخطاب , أصابها من الشدة الذي خوطب بها ومن التأكيد القوي ، وإذا كان لها الخطاب دون الرجال خوطبت بالطريقة الخامسة الدالة على : الرقة والتحبب والتحنن, والقائمة على الثقة بالمخاطبة والتمثيل على ذلك بالتسلسل كما يلي :

1-قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)   (سورة البقرة 43) وقوله سبحانه(قوا أنفسكم و أهليكم ناراً ) (سورة التحريم 6)

2-قوله تعالى (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا ًبعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها  .  .) (سورة محمد4)

3-مثل : صه,  آمين , مه .

4- قال تعالى (ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين على اجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتقِ الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل)البقرة 282 

5- قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً)البقرة 234.  وقوله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهنّ)الطلاق.

6-    وقوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف.  )البقرة 233 .فالآية الأخيرة تعني أيتها المرأة إن تزوجت ورزقت بولد,فسترضعين ولدك حولين كاملين إذا أراد الزوج ذلك , فالله عز وجل لا يقول لها أرضعي .  . أو رضاع .أو  لترضعي . فكل ذلك فيه شدة وقوة وجزم وحزم  وكل ذلك لا يتناسب  مع رقة المرأة وشدة حساسيتها فناسبها الخطاب الذي خوطبت فيه! فجلت حكمة ربنا عز وجل .

وهذا الأسلوب أدعى إلى الاستجابة بسبب ما ذكر ,ولما يتضمنه من الإيحاء بالمطلوب , بحيث يكون القرار أخيراً للفاعل وكأنه عمل الفعل من نفسه ,وهذا أسلوب تربوي ونفسي عالٍ جداً ولهذا يكون عقاب العاصي لهذا الأسلوب اشد , وهذا ما يفسر قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً أفظع , ورأيت أكثر أهلها النساء .لأن عصيانهن بعد تلك الخصوصية من العظائم , ولأنه أعطاها أكثر من

الرجال , فمخالفتها تكون أشد مؤاخذة وعقاباً, وهذا من العدل الإلهي الذي فيه توازن بين النعم والنقم ,وبين العطايا والتبعات وحين يخاطب الباري عز وجل الله عز وجل الرجل –في نفس الآية يخاطبه بما يناسبه –فيقول ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن . .) ومعلوم أن لفظ على من ألفاظ الإيجاب وفيها من الشدة مالا يخفى على العاقل المتدبر .       

7-حقها في حضانة أولادها حين يقع الطلاق بينها وبين زوجها ويختلف الفقهاء في سن الحضانة وفي كل الأحوال فإن الزوج مُكلَّف بالإنفاق عليهم مدة الحضانة .

8- حقها في أداء عباداتها , وليس للزوج أو ولي الأمر أن يمنعها عن ذلك ولكن شرط عدم المبالغة والتفريط في حقوق الزوج .

9- حقها في طلب الفراق من زوجها إذا كان الزواج يضر بها أو كان هذا الزواج يؤدي إلى المنكر ولكن هذا الحق في الواقع ضيق جداً لأن الإسلام يميل إلى إبقاء وحدة العائلة .

10- وهنالك حقوق جانبية للمرأة أخرى يمكن إجمالها بما يلي :

أ- حقها في الحصول على أجور مساوية لأجور الرجل في العمل .

ب- حقها في أن تحصل على  ما يكفيها من مؤونة البيت من زوجها وإن كانت تعمل , والبنت لها حق المؤونة المذكورة من أبيها أو ولي أمرها.وقد جعلت الشريعة الإسلامية نفقة الزوجة على زوجها وإن كانت غنية وذلك جزاء الاحتباس له ,وهو من توازن التبعات الدقيق في شريعتنا الغراء وإن لم تكن متزوجة . فنفقتها من مالها الخاص إن كانت غنية وإلا فنفقتها من مال عصبتها –أقاربها من الذكور-لأنهم يرثونها إن كانت غنية .قال تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تَكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك .  . )

فهي غير مُلزَمَة بالكسب , ولا تحمل أعباءه,ولا الخروج لأجله , مع ما في ذلك من مشقة غير منكورة , وتحمل مضايقات الرجال , أو تلصصهم عليها بالنظرات لإشباع نهمهم, فصانها منهم ورفّعها عليهم فهم يسعون بين يديها , وتبقى هي درة مكنونة,وسيدة مصونة !, ولأجل هذا وغيره نُصِّف ميراثها !

نعم إن خرجت للكسب جاز بحسب الأحوال, ووفق الضوابط الشرعية , وإنما رُفِع الإلزام عنها , ولم يُرفَع الجواز عند الحاجة .

ج- وعلى الرجل إسكان الزوجة على سبيل الوجوب .قال تعالى :

(أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تُضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى * لينفق ذو سعة من سعته ومَن قُدِر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً ) الطلاق6.   

بل حتى لو طُلِّقَت المرأة فتبقى لها حقوق كثيرة منها في قوله تعالى (ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة *فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) .  الطلاق 1 -2.  .    

ج- بعض الحقوق الشخصية الأخرى , كحقها في الحفاظ على اسمها بعد الزواج.وبقدر ما كانت المرأة قد حصلت على حقوق فإن عليها واجبات فهي مُخاطَبة كالرجل في التكاليف .  . عليها ما عليه إلا ما كانت المخاطبة خاصة بجنس أحدهما فلا يلزم الآخر , وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم :

 (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) يجمل الأمر بشكل واضح .

د-لقد اعتنى الإسلام بالمرأة كثيرا وذكر النساء في كثير من الأحيان بصورة مباشرة,ثم نزلت سورة كاملة تحمل اسم النساء تكريماً لهن .وكان النبي يوصي بالنساء خيرا ًفيقول (استوصوا بالنساء خيراً)وكان صلى الله عليه وسلم يسمع شكاواهن ويشترك في حلها ,وكان يبعث في طلب أزواجهن فيأمرهم بمعاملة نسائهم برفق, وكان عليه السلام يستفسر منهن عن بعض الأمور, وخاصة فيما يتعلق بأمورهن النسوية ,إذ لا مصلحة للمجتمع في تجاهلهن, فرأينا أن المرأة قد أبدت تجاوباً مبكرا مع رسالة الإسلام منذ أيامه الأولى وقد سجل لها التاريخ مآثر كثيرة منها :

1-إنها قد ناصرت الإسلام, أسلمت ودعت له تماما ًكالرجل بل لربما تفوقت عليه لكونها أول من آمن بالرسالة كما فعلت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها, وكانت المرأة أول شهيدة تهب حياتها للإسلام كما فعلت (سمية بنت خياط)رضي الله عنها ,فنحن نجدها تثبت على الإيمان وترفض النطق بالكفر رغم أن ابنها عمار بن ياسر رضي الله عنه قد نطق به اتقاء الموت , فسجلت باستشهادها مأثرة لا يمكن للتاريخ أن ينساها.

2-ولم تكن الدعوة إلى الإسلام محصورة في الرجال,إذ إن النساء قد شاركن فيها , فكانت صفية بنت عبد المطلب وأم سليم بنت ملحان ونسيبة بنت كعب هذه المجاهدة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها (ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا ورأيت أم عمارة تقاتل دوني) .

كانت رضي الله تعالى عنها إحدى اثنتين بايعتا بيعة العقبة كان قلبها يخفق فرحاً للقاء الحبيب صلى الله عليه وسلم, لم يغمض لها جفن في تلك الليلة ,فؤادها كاد يطير من الفرح من بين ضلوعها شوقاً إلى نبيها , بايعت الرسول من غير مصافحة . عادت أم عمارة إلى يثرب فرحة بما أكرمها الله به من لقاء الرسول الأعظم ,عاقدة العزم على الوفاء بشروط البيعة,مضت الأيام سراعاً,حتى كان يوم أحد كان لها فيها شأن وأي شأن خرجت أم عمارة إلى أحد تحمل سقاءها لتروي ظمأ المجاهدين , ومعها لفائفها لتضمد جراحها لاعجب كان لها في هذه الغزوة زوجاً وثلاثة أفئدة هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وولداها حبيب وعبد الله ,رأت أم عمارة كيف أخذ القتل يشتد في صفوف المسلمين وكيف زلزلت الأقدام وتفرق المسلمون عن رسول الله حتى لم يبقَ معه إلا نحو عشرة مما جعل منادي الكفار يقول لقد قتل محمد ,عند ذلك ألقت سقاءها ,وانبرت إلى المعركة كالنمرة التي قصد أشبالها بشر .,ولما انكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلمكم تقول رضي الله عنها كملت إليه أنا وزوجي وابني وأحطنا به إحاطة السوار بالمعصم وجعلنا نزود عنه بكل ما نملكه من قوة .ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ترس معي أقي به نفسي من ضربات المشركين ثم أبصر رجلاً موليا ًومعه ترس فقال له ( ألق ترسك إلى من يقاتل فألقى الرجل ترسه ومضى فأخذته وجعلت أتترس به عن النبي , وما زلت أضارب عن النبي بالسيف وأرمي دونه بالقوس حتى أعجزتني الجراح وفيما نحن كذلك أقبل ابن( قمئة ) كالجمل الهائج وهو يقول : دلوني على محمد ,فاعترضت سبيله أنا ومصعب بن عمير فصرع مصعبا بسيفه وأرداه قتيلاً , ثم ضربني ضربة خلفت في عاتقي جرحا ًغائرا ًفضربته ضربات لكن عدو الله كان عليه درعان , وفيما كان ابني يناضل عن رسول الله ضربه أحد المشركين ضربة كادت تقطع عضده أخذ الدم يتفجر من جرحه الغائر فأقبلت عليه وضمدت جرحه ,وقلت له انهض يابني وجالد القوم .  . فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ومَن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة)ثم قٌدم الذي ضرب ابني فقال النبي عليه السلام (هذا ضارب ابنك يا أم عمارة ),فما أسرع أن اعترضت سبيله وضربته على ساقه ,فسقط صريعاً على الأرض فأخذنا نتعاوره بالسيوف ونطعنه بالرماح حتى أجهزنا عليه فالتفت النبي الأعظم إلي مبتسما وقال( لقد اقتصصت منه يا أم عمارة والحمد لله الذي أظفرك به وأراك ثأرك بعينك) ومما حدث عنها ابنها :شهدت أُحدا ًمع رسول الله ,فلما تفرق الناس عنه دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال ابن أم عمارة ؟قلت:نعم قال:ارم فرميت رجلا من المشركين بحجر فوقع على الأرض ,وحانت منه التفاتة فرأى جرح أمي على عاتقها يتصبب من الدم فقال:أمك .  . اعصب جرحها بارك الله عليكم أهل بيت لمقام أمك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل بيت ) فالتفتت أمي وقالت :ادعُ الله أن نرافقك في الجنة يا رسول الله .فقال(اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة )فقالت أمي :ما أبالي بعد ذلك ما أصابني في الدنيا.رحمها الله,حقاً ومَن يطيق ما تطيقه أم عمارة ‍‍.‍ ألم يكن جهادها ومكابدتها تفوق بعض الرجال ؟ ‍‍‍  

3-وعندما قاطع المشركون بني هاشم وهم عشيرة النبي عليه السلام والأقربون وأجبروهم على الدخول في شعاب مكة فإننا نجد أن المرأة حالها في ذلك حال الرجل قد واجهت مشاق القطيعة , فتحملت الجوع والعطش وهي تأبى إلا أن تناصر النبي صلى الله عليه وسلم ودينه وتؤثر ذلك على الراحة تحت ظل الكفر .

  4-ولقد كان نصف المهاجرين إلى الحبشة –هجرة المسلمين الأولى –من النساء وبذلك فإنها قد شجعت الرجل على الوقوف في وجه الظلم فتحملت معه قسوة الغربة ,وعندما يذكر لنا التاريخ أن عبيد الله بن جحش وهو رجل من المسلمين قد ارتد عن الإسلام وتنصر, فإن زوجته رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها  أبت ذلك وثبتت على إسلامها , والقصة أنه بعد أن آمنت وزوجها عبيد الله بالله وحده ضيقت قريش عليهما الخناق وأرهقتهما اشد الإرهاق , ولما أذن رسول الله صلوات الله عليه للمسلمين بالهجرة كانت رملة وطفلتها الصغيرة حبيبة ,وزوجها عبيد الله في طليعة المهاجرين إلى الله بدينهم إلى حمى النجاشي بإيمانهم .وذات ليلة رأت حبيبة فيما يراه النائم أن زوجها عبيد الله يتخبط في بحر لجي غشيته ظلمات بعضها فوق بعض ,وهو بأسوأ حال .  .  فهبت من نومها مذعورة مضطربة ولم تذكر ما رأت لأحد حتى لزوجها لكن رؤياها مالبثت أن تحققت إذ لم ينقضِ يوم على تلك الليلة المشؤومة حتى كان عبيد الله قد ارتد عن دينه ,وجدت أم حبيبة نفسها بين ثلاث : فإما أن تطيع زوجها وترتد عن دينها وهو مالا تفعله ولو مشطت بأمشاط الحديد وإما أن تعود إلى بيت أبيها في مكة ,فتعيش مغلوبة مقهورة ,وإما أن تبقى في بلاد الحبشة وحيدة شريدة لا أهل لها ولا وطن ولا معيل, فآثرت رِضى الله سبحانه على ما سواه وأزمعت البقاء في الحبشة ، أرأيتم إلى هذا الثبات على الحق و الذي قد يفوق ثبات بعض الرجال .

5- وإن الطريق بين المدينة المنورة ومكة المكرمة معروف بوعورته ,إلا أن النسوة قد خرجن مع أزواجهن وإخوانهن مهاجرات حين سمح النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إليها , بل لقد كان بعضهن يهاجرن إليها فرادى كما فعلت أم سلمة رضي الله عنها .

7- وبعد أن كانت المرأة عرضة للنهب والسبي في حروب الجاهلية لا رأي لها فيما يجري حولها في الاقتتال بين القبائل لأسباب عصبية جاهلية قد تشارك فيها أبناءها في المفاخرة شعراً على أكثر الاحتمالات فإننا نرى الإسلام قد اصطحبها مع الرجل في جهاده مع الكفر , ويمكن أن نعدد أدوارها التي يمكن التحدث بها بكل فخر .ولابدَّ لنا  من أن نذكر أدوارها :-

- في الحروب والفتوحات والغزوات الإسلامية

- أدوارها في الحياة العامة .

- مشاركاتها العامة في الحياة الاجتماعية والأدبية .

- مشاركاتها في التشريعات الفقهية .

- أما عن مشاركاتها الاقتصادية نرى ذلك في قيام النبي قبل البعثة بالمتاجرة للسيدة خديجة رضي الله عنها. واستمرت المرأة في الإسلام تتاجر وتضارب بأموالها وتنزل إلى الحقل لتزرع وتبني إلا أنها لم تكتفِ بذلك , فإنها بعد تطور الدولة الإسلامية شاركت في قيادتها من الناحية السياسية فكانت العباسة و  زبيدة والخيزران وغيرهن قد لعبن أدواراً قيادية في سياسة الأمور أو في قيادة الدولة حين يختفي دور الرجل كما حدث مع شجرة الدر إحدى الملكات الفاطميات التي دحرت الروم في معركة ضارية في مصر,وفي الهند كانت (رضية بنت التمش) ملكة تحمي بلدها مدة طويلة , وكذلك كانت أروى بنت لأحمد الصليحية من ملكات اليمن والتي تمكنت من حماية بلدها من أطماع البلدان المجاورة ردحاً طويلاً, وما نقصد من ذكر هؤلاء إلا للتذكير بأن المرأة لم تكن عاجزة عن قيادة البلد في حال غياب الرجل عن ذلك ,وكانت تواجه بالطبع اعتراضات من بعض مَن يرى أن القوامة للرجل شرعاً حيث إن في هذا الأمر تفسيرات كثيرة . ويجب ألا ننسى في غابر الزمان ملكة سبأ الملكة بلقيس فقد كانت ملكة عظيمة في بلاد اليمن  وإن عرشها مزخرف بأنواع الجواهر و اللآلئ والذهب والحلي الباهر .وكانت حكيمة في تدبير أمورها وقد كان ذلك عندما بعث إليها سليمان بكتاب يأمرهم فيه بعبادة الله سبحانه نادت وزراءها وقومها لتهتدي برأيهم وتعتصم بحكمتهم فأجابوها أنهم أصحاب قوة وأبناء حرب ولما رأت ميل جندها للقتال والحرب اعترضت على طريقتهم في معالجة الأمر ومالت إلى الصلح فإن فيه الخير ورأت أن على الإنسان الحكيم أن يواجه الأمور بالحكمة والفطنة وقالت لهم (إن الملوك إذا دخلوا على قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) فقد سبقت بلقيس كل رجالاتها في الحكمة .

    

* أديبة وشاعرة سورية تعيش في المنفى