المرأة بين مطرقة الإباحية وسندان الرجعية1
المرأة بين مطرقة الإباحية
و سندان الرجعية
هيفاء علوان *
المقدمة
المرأة ، ذاك الإنسان الذي يصول ويجول , ويبني العقول , يصل ليله بنهاره يذوب ليضيء الحلكة لأبنائه , لقد تسربل يومها بالأسى , وعاشت الماضي في سرادق الردى ، وجفاها ثلة من الورى .
تباكى لأجلها المدعون المتحررون , وأقسموا أنهم لها ناصحون ولخدمتها مسخرون, ولعرشها بانون , ما أنصفها نعيق المتحررين , ولا زئير المتنطعين .
أقاموا لها المؤتمرات,وأمعنوا في الادعاءات ,فكانت الويلات , تحوم حول البنات , أثخن جراح نسائنا ثلة من المسلمين المتنطعين ,وتمنوا لها الشقاء والأنين ,وأمعنوا في إغفال صوت الحق والدين ,أرادوها كالجواري تنهشها الأسود الضواري ,فبعد أن سُفِهت الأحلام ,وساد القتام ,وانتفش الموت الزؤام ,جاءها الإسلام فارس الأحلام , وأيقظها من سبات المنام , ما صانها إلا الإسلام الذي أنصفها من اللئام ,نأى بها عن وهاد الحرام ,لترسو على شاطئ الأمان, هذبها بهدي خير الأنام , وأكرمها أيما إكرام وفضلها على كثير من الأنام,ووعدها بدار السلام إن صانت الذمام ونأت عن الحرام في هذه الصفحات أبوح للورى همسات نديات عبقات , تزينها هفهفات شجيات مائسات علَّها تشفي الصف المسلم من الهِنات وتبري سقامه والشتات. وتجتمع الأمة على مائدة القرآن ,فيأخذ الإنسان بيد أخيه الإنسان ,فيبلغا العنان ,وما يزال العبد في دأب وغليان وحب وإحسان حتى يبلغ الجنان ويحظى بالأمان وينال رضى الرحمن ويشاهده ويكلمه الله من غير واسطة ولا ترجمان .
إن القيم والفضائل هي المصدر والمرجعية وإن السيرة النبوية هي المنجم الذي فيه كنوز المعرفة والإيمان وفيه مشاعل الهداية وسنام المعاملات ,هذا المنجم الذي يمد الحياة بنسغ فيه العطاء والتصويب وطيب المعاملة وحسن السلوك يوائم بين قيم الحق الجليلة وبين الواقع المعاش, فلا ينحدر الإنسان المسلم إلى حضيض البهيمية ,ولا يشتط ويدعي أنه يعمل ويطمح للعيش في برج عاجي من المثالية ,ولا يكون له الفوز والفلاح إلا أن يفيء إلى منبع الهدى كتاب الله المحكم قولاً وعملاً,وإلى سنة الحبيب المصطفى وما حواه من مبادئ مشعة نعب منها ونقتفي أثر الحبيب قولاً وعملاً,لابد أن نلجأ لهذا في وقت يكثر فيه الجدل والمراء في أكثر أمور الدين خطورة , وقد تشُرَع الأسنة وتُقطع الرقاب في أمور ليست هي في صلب الدين , وقد يتجرأ بعض المتفيهقين على بعض تعاليم شرع الله الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فيتصدرون للإفتاء وما أكثر المفتون في زماننا هذا! !فقد يفتي بعضهم وما في قلبه ذرة من الإيمان ,وكثيراً ما تصبح العادات والتقاليد هي مصدر الفتوى ,وتكثر الآراء ويُصدق الرويبضة عند ذلك تتراجع التعاليم والقيم الشرعية وتتحكم بالاجتهادات الظروف الخاصة والمعاناة الفردية حيث في هذا الزمان يعيشها كثيرون من رجال ونساء ويحاولون التفتيش لإيجاد المشروعية الشرعية لما يعتقدون ويجتهدون .
وقد يكون في واقعنا بعض النساء والرجال قد عانوا في حياتهم تعرضوا في حياتهم لظروف خاصة في حياتهم الأسرية مع آبائهم أو أزواجهم أو زوجاتهم أو إخوانهم , قد يكون ما أصاب بعضهم تزمتاً لا أصل له في الدين ,بعيد كل البعد عن القيم الإسلامية الصحيحة ,وإنما قد يمارَس عليهم تحت شعار الإسلام أو بعض المفهومات المعوجة أو المغشوشة للتدين, ويحاول من يمارسونها أن يلبسوها ثوب الدين لفرض سلطانهم ,وقد يكون الدين منها براء ,ويعجز الذين يتعرضون لهذه المعاناة بسبب معاناتهم نفسها عن التفريق بين الصورة التي تمارس عليهم باسم الدين ’ وبين الحقيقة التي تقتضيها القيم الإسلامية فتجيء أحكامهم وآراؤهم فيها الكثير من عدم الروية والموضوعية والكثير من التجني على الحقيقة .
وكثيراً ما يتابع الإنسان السيرة الشخصية لبعض من يخاصمون القيم الإسلامية , أو يعادون هذا الدين فلا يلبث أن يكتشف السبب الحقيقي لمثل هذه المواقف الجائرة والأحكام الظالمة , ذلك أن اختزال القيم الإسلامية في موقف أو شخص أو زمان أو مكان - وهذا ما نعاني منه في وقتنا الحاضر –واعتباره مقياساً وعدم القدرة على تجريد الحقيقة من ظرفها كائنا من كان , واعتمادها معياراً يحدد الانحراف والخروج يمكن أن يعتبر من أخطر الإشكاليات والمغالطات التي يعيشها أعداء الإسلام وهم من بعض أبنائه وبناته الذين يسقطون ضحايا الصور المشوهة للتدين التي يمارسها الآباء أو الأزواج أو الإخوة أو مَن في حكمهم .ولعل الدخول في الإيمان والارتقاء إلى درجة توحيد الألوهية والربوبية التي أوضحت مفهومها النبوة الخاتمة وأصلتها في الرؤية الإسلامية هو الذي يشكل المصدر الأساس للحرية سواء بالنسبة للذكر والأنثى على حد سواء ولأجل أن نبين الحقيقة ونجلو الغبش والضبابية التي غشت عيون بعض ضعاف الإيمان كان لابد لنا من كتابة بعض الصفحات.
-1-
لا أخال أحدا ًفي زماننا هذا ولا سيما ممن يمتلكون قدراً من العلم والثقافة والفكر يجهل طبيعة وحجم إكرام الإسلام للمرأة ومنحها حقوقها وإعلاء شأنها بعد أن كانت في كثير من المجتمعات الجاهلية شيئاً من المتاع
الذي يرثه الإنسان من دون أن يكون لها أدنى حق ويشمل ذلك حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية غيرها ولأن المرأة المسلمة في مجتمعاتنا الإسلامية تتمتع بخصوصية واضحة جعلتها محط أنظار الكثير من المثقفين في العالم كله بما في ذلك العربي والإسلامي الأمر الذي قاد الكثير من هؤلاء للتعبير عن مستويات النقد لطبيعة دورها وممارساتها في مجتمعاتنا ولم يتوقف هؤلاء إلى حد استنهاض همة المرأة المثقفة الواعية والمتعلمة ليكون لها دور بارز في المساهمة في العديد من المؤسسات الثقافية والاجتماعية والثقافية وصياغة مستقبلها في المجتمعات المسلمة عندما يتم ذلك وفق معايير الشرع الإسلامي ,وربما تجاوز عدد غير قليل منهن وعبر منابر إعلامية إلى تهميش طبيعة دورها في مجتمعاتنا اليوم على ألا يعدو هذا أن يكون شكلا ًمن أشكال الممارسة الاعتيادية الطبيعية التي لا تعكس اهتمام المجتمع وقادة الرأي فيه لمنحها حقوقها . وربما أكثر ما يعني به هؤلاء هو الحديث عن قصورها في المشاركة السياسية وعبر مؤسسات العمل الثقافي والاقتصادي رغم حضورها في مجتمعاتنا , وفي المدى القريب نلاحظ كثرة البرامج التي تثير قضية أن تسوق المرأة السيارة ففي كل أسبوع وفي الفضائيات قد يُقدم أكثر من برنامج في هذا الموضوع المصيري ويوصم الإسلام بالتخلف والرجعية إن هضمت بعض البلاد الإسلامية المرأة في هذا الحق. إلا أن المؤسف أن يظل عدد من وسائل الإعلام العربية والغربية تمارس دور الوصاية على مجتمعنا,مصادرة منا الحق في اتخاذ ما نراه مناسباً لطبيعتها.من المؤسف أن تجد بعض وسائل الإعلام _خاصة الفضائية_تلح وعبر برامج حوارية على استضافة عناصر غير ملتزمة لتتحدث بحرية لا نظير لها بلا احتشام ولا اعتبار, بل تشعر بعدم إدراك هؤلاء لطبيعة الدور الذي يقوم به نصف المجتمع الثاني في أيامنا هذه.نجد عند هؤلاء قصور وعدم توضيح للرؤية في الحديث وإيضاح الحقيقة وتقديم معلومات دقيقة وصحيحة تعكس حجم المشاركة الجيدة الفاعلة للمرأة في مجتمعنا . . حينئذ يمكن لنا أن نُسكِِت كل تلك الأصوات التي تمارس وصايتها علينا .
تتسم نظرة الإسلام إلى المرأة بالشمولية والكمال وتبتعد عن الجزئية والتفاضلية في نظرتها إلى نصف المجتمع ،فما أجمل خطاب القرآن الكريم حين قال سبحانه وتعالى :
(يا
أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) النساء-ا-من هنا خلقت أمنا حواء من أبينا آدم عليه السلام وقطعت معه مرحلة الامتحان و الابتلاءات، وتقادمت السنون والأيام وكانت الحضارات التي سادت ثم بادت ، وقد أجحفت هذه الحضارات في حق المرأة وحادت عن جادّة الإنصاف.كانت المسيحية ترى أن المرأة باب من أبواب الشيطان وقرر أحد المجامع الكنسية في روما أنها حيوان نجس لا روح له ولا خلود وفي الهند نجد في أساطير (مانو) ما يعبر عن وصفها بالدنس ومقارنتها بالباطل , ولم تتحسن النظرة إليها حتى وقتنا الحاضر إلا قليلا ًبحكم تمازج الحضارات في المجتمعات الهندية .وفي اليونان لم تكن لها قيمة تُذكر سوى اعتبارها شيئا ممتعا ًللرجل يستخدمه للذته ومتعته ، لكنها بدأت تأخذ مكانة مهمة في المجتمع مع وصول الحضارة اليونانية إلى أوجها , وبدلا ًمن أن تتحرر بوصفها إنساناً كامل الأهلية أصبحت رمزاً للجمال المادي فانتشر الفساد والإباحية باسم الفن والجمال وأصبح التحرر مرادفاً للتحلل والفاحشة .واعتبرت المرأة عند الرومان مساعدة للشيطان , ونفسها لا تقارن بنفس الرجل فهي وضيعة لا تستحق الخلود في الآخرة وكان للرجل سلطة عليها مطلقة قد تصل إلى حد التعذيب والقتل.. ثم انقلب القانون فجعل لها استقلالية تامة دون ضوابط فتعدد الزواج والطلاق , وأصبح الزنا يعترف به القانون , وكانت الدعارة من أكثر المهن رواجا حتى بين العائلات العريقة . وفي المجتمعات اليهودية سويت المرأة بالخدم لأنها دون مرتبة الرجل وأجازت تلك المجتمعات لأبيها بيعها وهي صغيرة لأنها موصومة بطابع الخطيئة البشرية الأولى وكانت المرأة في اليهودية كمثيلتها في النصرانية بوصفها عنواناً للإغواء ومتاعا ًللذة والمتعة .أما العرب رغم اتصافهم بالمروءة والشهامة التي تحتم عليهم حماية المرأة و تبويئها مكانة متميزة في الأسرة وهذا في الجاهلية إلا أنها لم تكن تملك من نفسها شيئاً, فقد كانت تُستعبد وتُذل وتُكره على البغاء ولا تستفتى في الزواج , ويظاهرها زوجها وتعضل إذا كانت أرملة وغير ذلك من مظاهر المهانة والاستعباد ,ورغم كثرة الحديث عن الحرية التي ملكتها المرأة الغربية في العصر الحديث إلا أنها لم تستطع بعد أن تأخذ كثيراً من حقوقها ,وخاصة في ظل التشدق بحقوق الإنسان والمساواة وغيرها من الألفاظ التي تطبق معانيها بانتقائية , فنجدها مثلاً غير متساوية في الأجرة الوظيفية مع الرجل رغم قيامها بالعمل نفسه , كما أنها تستغل في الدعاية لتسويق مختلف السلع والبضائع , ويستغل جسدها ليكون مجرد شيء للاستهلاك وعرضه حسب قانون العرض والطلب نفسه,وغير ذلك من أنواع المهانة التي تتعرض لها المرأة ,والتي تؤكد أن المرأة مازالت تخضع لرغبات الرجل في عالم تسوده النزعة الذكورية المستغلة لجسد المرأة . ومنهم مَن أقر أن المرأة إنسان ولكنه خُلق لأجل الرجل فقط .
في الجاهلية كانت أكثر نفوس البشر قبل الإسلام إنصافاً للمرأة رغم غلبة القسوة على طبيعتها,ومرد ذلك في الدرجة الأولى إلى خصائصها العربية الفطرية .وقد رأينا قبائل برمّتها ورجالاً من أكابر القبائل ينسبون لأمهاتهم لا لآبائهم مثل ربيعة و فزارة وسليم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أنا ابن العواتك من سُلَيم)رواه الطبراني عن ابن عاصم بسند صحيح . و في رواية أحمد من بني سليم يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى نسوة من أصوله كل منهن تسمى عاتكة .وكان لبعض النسوة في الجاهلية أثرهن في كبار الأحداث ، وهذه معركة ذي قار من أضخم أيام الجاهلية سببها امرأة أرادها كسرى وأباها النعمان عليه, وحرب الفجار نشبت من أجل امرأة أراد بعض الشباب كشف نقابها وكذلك رأينا شعر الجاهليين طافحاً بالحديث عن المرأة وأثرها في تنشيط الفضائل لدى الشباب , وامتازت بعض البيوت في الجاهلية بإكرام البنت حتى لا تسمح بزواجها إلا برضاها هي كما حدث للخنساء إذ رفضت دريد بن الصمّة سيد بني هوازن لتتزوج من متلاف الذي ذاقت في ظله ضروب الشقاء ,لكن هذا الحظ من التكريم لم يكن منتشراً في كل جزيرة العرب إذ أن طبيعة البادية قد نالت من المرأة العربية أقسى منال, فقد قضى نظامها ألا تعترف بالحياة لغير القوي ,وكانت القاعدة المشتركة بين المرأة العربية وغير العربية قبل الإسلام أنها مسلوبة الحق وكان الاتفاق بين كليهما على الانحدار إلى مستوى الحيوانية .
عندما نتحدث عن وأد البنات من قبل بعض القبائل العربية خوف العار نجد أن قبائل أخرى –حتى في أيام قريبة من الرسالة الإسلامية –تولي أمرها لامرأة فقد ادعت( سجاح ) النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقادت قبائل تميم نحو الجزيرة تريد القضاء على المسلمين إلا أنها فشلت في ذلك وأسلمت فيما بعد . وجاء الإسلام ليخلصها من الأغلال التي أرهقت كاهلها ومن التفريط الذي مسخها ومن الإجحاف الذي ألم بها .فإذا كانت مدنية الغرب وهي وليدة الوثنية اليونانية والرومانية قد رضيت هذا المصير المزري فلا تنتظر من الإسلام وهو عدو الوثنية أن يرضى لها غير الانسجام الكامل مع قوانين الفطرة ,هذه القوانين التي لا تُكره المرأة على مالا يتفق مع كرامتها كإنسان ومع تركيبها اللطيف الرقيق كأنثى .
كان من آثار امتهان المرأة عند بعض الجهلة أن انطلقت أصوات بالهجوم على الإسلام فهم يريدون أي ثغرة ليعلنوا حربهم على هذا الدين العظيم .
ففي عصور الازدهار قام في الدنيا لأول مرة مجتمع تُحتَرم فيه المرأة كإنسان كامل الأهلية وتلاقي من المجتمع الاحترام كزوجة وأم صانعة للأبطال والعظماء وتُصان سمعتها عن اللغط وأقاويل السوء بعدم الاختلاط المشبوه مع الرجال إلا في أماكن العبادة ومجالس العلم. وفي عصور الانحطاط , أتى على المرأة عصور متباينة من حيث الرعاية للمرأة ومن حيث إهمالها نتيجة لتطور الحضارة الإسلامية وعادات المسلمين حتى انتهى الأمر بالمرأة في عصور الانحطاط إلى إهمالها إهمالاً تاما ًمما جعلها معطَّلة عن أداء رسالتها الاجتماعية التي حمَّلها إياها الإسلام . وينبغي أن نلاحظ في هذه العصور المظلمة أنه قد بقيت حقيقتان قائمتان بفضل الله سبحانه وحاشاه أن يَظلِم أو يقبل الظلم لعباده:
الحقيقة الأولى : أن حقوق المرأة التي قررها الإسلام بقيت مقررة في كتب الفقهاء على الرغم من أن المجتمع كان لا ينفذ من هذه الحقوق إلا ما يروق له منها ويعود هذا إلى أن الحقوق التي اكتسبتها المرأة المسلمة في الإسلام لم تكن حقوقاً أوحت بها ظروف اجتماعية طارئة ثم زالت ,وإنما كانت حقوقاً ثابتة جاء بها تشريع إلهي من فوق سبع سماوات لا يجرؤ أحد ولا يستطيع مهما علا شأنه في المجتمع أن يناله بالتغيير والتبديل . والحقيقة الثانية : أن عفة المرأة وسمتها العطرة وقيامها بواجبها تجاه أولادها وبيتها خير قيام , جعلت حقوقها باقية خلال هذه العصور رغم ميع الاضطرابات التي انتابت المجتمع الإسلامي في عصور الانحطاط وهذا ما جعل المرأة المسلمة محل غبطة شديدة من مثيلاتها ممن لم يحظين بمثل هذه المنح الربانية . ومن الحق أن نشهد بأن الأوساط غير الإسلامية في بلادنا استفادت من تقاليد المجتمع الإسلامي في صيانة عفة المرأة والابتعاد عن العبث بها سمعةً مشرفة أيضاً بالنسبة للمرأة الغربية وإن كانتا تتبعان ديناً واحداً وهذا ما نشاهده في الأسر المسيحية العريقة رغم ما أصابنا وأصابهم من عدوى التقاليد والأخلاق والعادات الغربية التي جعلت مكانة المرأة في الحضيض .لقد اهتم الإسلام بسلامة نسب الأطفال وعدم جمع المرأة بين زوجين ووضع ضوابط للرجل والمرأة , بدءاً من عملية الاختيار أو الانفصال مشروطة بالفقه والشريعة والعرف ما لم يتعارض مع النص , وتحريم الزنى للرجال ,والنساء على السواء حماية للطفل لما في ذلك من أثر سلبي خطير على نفسه وعقله ونشأته الاجتماعية . والعلاقات في الأسرة المسلمة تقوم على المودة والرحمة والترابط وصلة الأرحام وبر الوالدين وغير ذلك من الآداب التي تؤلف بين أفرادها . والحقوق في الأسرة متبادلة مع الواجبات فكل حق للزوج يقابله واجب عليه وكذلك ا لأمر بالنسبة للزوجة.
1- أول ما يطالعنا الإسلام ، إبطاله النظرة الجاهلية من حزن و شعور بالخزي و العار لدى ولادة الأنثى وهذا الحديث الشريف مصداق ذلك: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أكثر فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن وفي رواية فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة) .
2- اعتبار مسؤوليتها وتوجيه خطاب التكليف لها كالرجل قال تعالى:
( كل نفس بما كسبت رهينة ) (المدثر)
38. وقال تعالى:
(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) (النجم)- 39-
فالنفس في الآية الأولى والإنسان في الآية الثانية كلاهما يشمل الرجل والمرأة . وفي قول لابن ماجة (نعم رفع الإسلام عن المرأة الإلزام ببعض التكاليف لا لأنها غير أهل لها ولو فعلتها لم تقبل منها ولم تثب عليها , لكن أبيح تركها تخفيفا وترخيصا وبعدا عن مزاحمة الرجل كما في صلاة الجمعة والجهاد ولو أقرت حضور الصلاة الجامعة أو دخلت صفوف المجاهدة كان عليها حرج في الدين ) .
3- مطالبتها بالعلم والعمل (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين) .فالمرأة كالرجل لها الحق في طلب العلم, وفرص العلم متاحة لها قال تعالى
(يؤتي الحكمة مَن يشاء ومَن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) البقرة –269 .
وقد أبيح لها العمل والسعي لكسب الرزق ، فالرؤية الإسلامية تتيح للمرأة ممارسة العمل خارج مؤسسة الأسرة إذا لم يتعارض ذلك مع دورها داخل الأسرة، و في الوقت ذاته يحافظ الإسلام على كيان المرأة و فطرتها و خصائصها التي أودعها الخالق فيها ، من ممارسة الأعمال العنيفة مثل العمل في المناجم و التعدين و المهام الخطرة ، و يحترم الإسلام عمل المرأة في إطار المشروع و المرتبط بحاجة المرأة للعمل أو حاجة العمل للمرأة .وينبغي أن يكون واضحاً أن الإسلام أعلنها صريحة أن الإنسان يستحق عائد عمله الصالح النافع يستوي في ذلك الذكر والأنثى قال تعالى
(للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن )النساء 32 .
الآية تقرر مبدأ استحقاق العامل لعائد عمله المفيد للناس في الدنيا والآخرة دل هذا على أن عمل كل من الذكر والأنثى ليس ضائعاً عند الله , وإن عمل المرأة مأجور مما يدل على أن الحق في العمل المقرر بأصل الإباحة ويتساوى فيه كل من الذكر والأنثى , نعم لقد جُعِل لها الأجر على العمل الصالح كالرجل سواء بسواء
فلم يكن لها أجر أدنى من أجر الرجل. قال تعالى
(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أوأنثى بعضكم من بعض . . )آل عمران 195.
وهناك آيات أخرى تفيد نفس المعنى .
من الجدير بالذكر أن الإسلام يرفض أن يكون التنافس والتصارع بين الزوجين هو أساس العلاقة الزوجية أو إعلان تفوق طرف على الآخر , والتسليم بأن المولى عز وجل ميز كل طرف بخصائص تختلف عن خصائص الطرف الآخر ,ليس من أجل التكافل والتوافق فيما بينهما ,بالإضافة إلى أن الرجل هو المكلف بتحمل النفقات المالية والأعباء المادية للأسرة .
* أديبة وشاعرة سورية تعيش في المنفى