نزاع الصحراء بين الدبلوماسية المغربية و الإتحاد المغاربي
نزاع الصحراء
بين الدبلوماسية المغربية و الإتحاد المغاربي
الحسان القاضي
إذا تأملنا تاريخ منطقة المغرب العربي سنجد أنها كانت تشكل عبر تاريخها السياسي الطويل وحدة سياسية تتسع رقعتها الجغرافية أو تضيق حسب قوة السلطة السياسية أو ضعفها، و شكلت المنطقة مصدرا للحياة الروحية والثقافية لسكان الصحراء التي يسكنها البدو الرحل من القبائل.
وخلال فترة ما بين الحربين العالميتين شهد المغرب العربي، تكالب الدول الاستعمارية على المنطقة، كما شهد أيضاً نمواً واضحاً لعمليات النضال والكفاح لشعوبه بهدف الحصول على استقلالها، ولقد تطور الكفاح وتزايد مع تنامي الأهمية الإستراتيجية للمنطقة، ونمو الفكر السياسي وتبلور المصالح الوطنية.
وعلى الرغم من أن المغرب العربي قد بدأ مرحلة كفاحه بصورة مفككة، إلا أنه مع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان هناك تعاون عربي وتكاتف، بهدف تحقيق الاستقلال الكامل لكافة الدول العربية. ولقد أدى اكتشاف المواد ذات الأهمية الاقتصادية في إقليم الصحراء الغربية إلى زيادة حدة النزاع بين الدول الاستعمارية ، إلا أن إسبانيا تمكنت، ومن خلال عدة اتفاقيات استعمارية، من فرض سيطرتها الكاملة على إقليم الصحراء المغربية، ولكن بعد استقلال دول المغرب العربي، تحول الصراع من تنافس بين الدول الاستعمارية على الصحراء المغربية، إلى نزاع مسلح بين الأشقاء المغاربيين، شملت شرارته المغرب، موريتانيا والجزائر التي تدعم الحركة الانفصالية (البوليساريو) في الصحراء بمساعدة ليبية. و هو ما حول مشكلة الصحراء المغربية إلى واحدة من أدق وأخطر وأعقد المشكلات التي تهدد أمن و استقرار دول المغرب العربي ككل، خاصة بعد دخول أطراف إقليمية أخرى إلى دائرة النزاع، تريد أن تجد لنفسها دوراً في المنطقة.
فخطر المشكلة، ليس موجهاً فقط إلى دولة عربية واحدة؛ ولكنه يهدد تماسك كيان المغرب العربي ككل، بل و يخلق تيارا غير عربي؛ خاصة و أن مواقف الدول العربية غير متجانسة فيما بينها، إذ تنقسم إلى مؤيدة للمطالب المغربية في وحدة ترابه،التي تراها مطالبا مشروعة. وأخرى ترى أن الانفصال، الذي تتبناه جبهة البوليساريو هو أمر مشروع، وغيرهما من التيارات، التي لا تخدم التماسك العربي.
فهذه المشكلة لا تعد بؤرة للصراع الإقليمي وعدم الاستقرار في منطقة المغرب العربي فحسب، بل و يمكن اعتبارها بابا لتسرب القوى الدولية الهادفة إلى تجزئة وتفتيت وحدة التراب الوطني لأقطار المغرب العربي عامة والمملكة المغربية بشكل خاص.
فالمتتبع لدراسة تاريخ مشكلة الصحراء ومنطقة شمال أفريقيا وتأثيرها على العلاقات العربية، خاصة في هذه المنطقة، فضلاً عن المشكلات التي رافقت تطورات هذه المشكلة، سيدرك أنها أصبحت تشغل بال كل مواطن عربي(1) للأسباب التالية :
- أولا إن الصحراء المتنازع عليها بين العرب منذ عام1976 م، تمثل الصراع القائم بين المغرب و الجزائر ذات النهج النفعي القائم على ازدواجية المعالجة سواء في تسخيرها للبوليساريو أو في ابتزازها المتواصل لموريتانيا.
- ثانيا هناك اختلاف تعاطف الدول العربية مع كل طرف من هذه الأطراف المتنازعة، وما يثيره ذلك من احتمالات الأخذ بالحل التفاوضي أو الحل السياسي لمشكلة الصحراء المغربية.
- ثالثا أن زعماء دول المغرب العربي كانت تحدياتهم أكبر من طموحاتهم، حيث أن شعوب المنطقة متشوقة لهذا الاتحاد، خاصة وان أوربا تتحول إلى كتلة اقتصادية تجارية وترافقها وحدة سياسية. و بالتالي فإن قيام هذا الإتحاد سيمثل منطقة إقليمية سيكون لها تأثيرها على المشاريع المستقبلية للمنطقة بشكل خاص، و للأمة العربية بوجه عام، إضافة إلى ما ستضيفه لوزنها اقتصاديا واستراتيجيا إقليميا و عربيا و دوليا.
فالوضع السياسي لمنطقة شمال أفريقيا يخبر بأن مشكلة الصحراء المغربية كان لها الأثر البارز والسلبي في عدم التضامن المغاربي، بل و العربي أيضا، حيث أن المشكلة بين المغرب والجزائر أكثر مما هي بين المغرب وجبهة البوليساريو، و بالتالي فإن الجزائر هي الطرف الحقيقي في المشكلة، وهي المسئولة عن استمرارية الحرب مع المغرب، وقد سخرت كل طاقاتها المادية والمعنوية من أجل كسب التأييد لجبهة البوليساريو عربياً وأفريقيا ودوليا. و ليس هذا تحيزا منا للمغرب، و إنما الواقع يخبرنا بذلك، حيث نجد الجزائر هي الجهة المفاوضة والقادرة على إنهاء الأزمة وبيدها حل المشكلة.
ففي 17 فبراير1989 م انعقدت قمة مراكش، التي أسس بموجبها الاتحاد المغاربي، بفضل معاهدة ضمت كل من المغرب والجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا، والتي حلت محل معاهدة وجدة عام 1984 م، ومعاهدة الإخاء وحسن الجوار لعام 1983 م، كما أن المرونة السياسية والانفتاح والتراجع عن التصلب في المواقف من قبل هذه الدول، و خاصة المغرب والجزائر، والأطراف الأخرى عجل بقيام الاتحاد المغاربي، ولو انه تأخر كثيراً حيث كان من الواجب قيام مثل هذا الشكل منذ أكثر من ثلاثين عاما.
فمؤتمر طنجة الوحدوي عام 1958 م أكد على ضرورة الوحدة المغاربية، ولكن المشكلات والأزمات حالت دون ذلك ومن أهمها مشكلة الصحراء التي أثرت بشكل مباشر على وحدة دول المنطقة، و خاصة إذا استحضرنا اللقاءات التي حصلت بين الملك الحسن الثاني رحمه الله وبعض أعضاء " البوليساريو" (كل من: مصطفى بشير السيد وٕ إبراهيم غالي ومحفوظ على بايبا) عام1988 م، و التي أعطت انطباعا ببروز مؤشرات لإمكانية تسوية المشكلة، يضاف إلى ذلك النداءات التي وجهها الملك الحسن الثاني رحمه الله إلى الصحراويين في مخيمات "تندوف" (2).
كل هذه المعطيات أدت إلى إمكانية الدخول في التفاوض أو على الأقل، إيجاد أرضية له يمكن الانطلاق منها قصد إيجاد حل توافقي لمشكل الصحراء، إلا انه بالرغم من قيام الاتحاد المغاربي، و بالرغم من كل المبادرات واللقاءات الرامية إلى تسوية المشكلة، فقد ظلت معظم المشكلات المغاربية دون حل ومنها قضية الصحراء، و مشكل الحدود المغلقة بين المغرب و الجزائر.
و بانعقاد القمة الثانية لاتحاد دول المغرب العربي انتقلت رئاسة الاتحاد إلى أحدث رئيس آنذاك وهو الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي بلور شرعية حكمه عربياً ودولياً. وبالإضافة إلى هذا المكسب القومي فان القمة وفرت الأجواء لعقد لقاءات ثنائية ساهمت في خلق مناخ ايجابي لتطوير العلاقات الثنائية بين دول الاتحاد المتأثرة بالقضايا الموروثة ومنها قضية الصحراء. وفي ذلك الاجتماع تم الاتفاق بين الجزائر والمغرب على تطوير علاقاتهما بما ينعكس على الاتحاد وبشكل ايجابي، وان كل ما يتعلق بالاتحاد متفق عليه وهناك رغبه في توحيد المواقف خاصة تجاه السوق الأوربية المشتركة، وٕإيجاد سياسة خاصة بالعمل سوية، فضلا عن قضايا العمال ، كما جاء في البيان الختامي للمؤتمر المذكور تطوير التعاون مع الاتحادات العربية المماثلة، بل و اقر المؤتمر إيفاد مبعوثين لعدة دول عربية، بل
وعملت القمة على بناء المؤسسات :
- ففي يناير سنة 1990م تم إنشاءُ وإقامة الأمانة الدائمة للاتحاد وانتخاب أمين عام على غرار مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى أكاديمية العلوم وجامعة مغاربية في نفس السنة، ومصرف استثمار وتجارة خارجية في مارس 1991م، وقد اقر المؤتمر هذا المبدأ على أن يتم تنفيذه في قمة تونس التي كانت مرشحة آنذاك لاستقبال المقر، أما المسائل التنظيمية الأخرى، فمنها زيادة عدد أعضاء المجلس الاستشاري من خمسين إلى مائة عضوا على أن يجتمع في المغرب لإقرار هذا المسألة (3).
وكما أشرنا إليه، فقد شهدت تونس لقاءات ثنائية هامة لتطوير العلاقات بين الدول العربية وخاصة بين الجزائر والمغرب التي تعتبر هي حجر الأساس في بناء الاتحاد. وأدت المشاورات إلى إيجاد صيغة تفاهم بشأن نزاع الصحراء شرط أن يوافق الشرعية الدولية الدولية المتمثلة في الاستفتاء، وبناء على ذلك استقبلت الأمم المتحدة وفدا عن "البوليساريو" من اجل تنظيم عملية الاستفتاء، كما أن الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك أعلن "بأنه سيزور الصحراء".
ومن خلال هذه المستجدات، ومن خلال المؤتمر السابع "لجبهة البوليساريو"، يمكن أن نخلص إلى ثلاث استنتاجات أساسية:
- أولهما: أن الدبلوماسية المغربية كانت بصدد كسب الرهانين معاً،- ( رهان المغرب العربي و رهان التسوية مع الجزائر) - وربما سيتولد عنهما رهان ثالث يأتي كنتيجة للرهانين الأولين، وهو رهان التوصل إلى حل توافقي لمسألة الصحراء المغربية دون اللجوء إلى تنظيم الاستفتاء وذلك عن طريق التفاوض.
- ثانيهما: أنه من الطبيعي أن تؤدي التحولات التي شاهدتها منطقة المغرب العربي في ذلك الوقت، خاصة الانفراج في العلاقات بين المغرب والجزائر، إلى اقتناع قادة جبهة "البوليساريو" بان لا مجال للعب على التناقضات بين المغرب والجزائر.
- ثالثهما: أن بعض قيادات الجبهة قد أدركت أن الاستمرار في الحياة الحالية، في المخيمات وفي الشتات، يمثل مع الزمن خطراً على مستقبل الجبهة، مما دفع بالعديد منها إلى الرجوع إلى المغرب( إبراهيم حكيم الذي عينه الملك الحسن الثاني رحمه الله سفيرا متجولا، و عمر الحضرمي الذي عين عاملا بوزارة الداخلية)، وبشكل خاص بعد النداء الملكي. فالاستنتاجات الثلاثة تعطي رؤيا تفاؤلية بان الاتحاد المغاربي سيكون بمثابة إغلاق لملف الأعمال العسكرية بين المغرب و"جبهة البوليساريو"، لا سيما و أن المناخ العام آنذاك صار مهيئا لتسوية القضية.
1- جريدة الحياة القاهرية، بتاريخ: 25 1990/1/ .
2- خطاب الحسن الثاني، بمناسبة ثورة الملك و الشعب 20 غشت 1989 و خطاب محمد السادس بمناسبة عيد العرش ليوم 30/7/2006.
3- جريدة المساء: العدد : 2051 ليوم الاثنين 29 أبريل 2013.