نتنياهو والموقف العربي الرسمي
نتنياهو والموقف العربي الرسمي
منير شفيق
في المؤتمر الصحفي الذي عقده نتنياهو ووزير دفاعه يعالون بتاريخ 21/8/2014 كان الغضب والارتباك علامتين بارزنين في وجه كل منهما، وفي ما أدليا به من تصريحات سواء أكان في كلمتيهما أو في رد على بعض الأسئلة.
لا شك في أن حكومة الكيان الصهيوني وجيشه في أزمة إلى حدّ الاختناق. فمن جهة مُنِيَ العدوان العسكري بهزيمتين قاسيتين الأولى ميدانياً في فشل الهجوم البري وما واجهه من مقاومة دفاعية – هجومية على أعلى مستوى، والثانية في القصف الجوي والأرضي والبحري وقد استهدف المدنيين والحجر والشجر بهدف تركيع الشعب بسبب ضخامة ما خلفه من دماء وشهداء ودمار وجرحى، وإذا بالرد الشعبي يزداد صموداً ضدّه والتفافاً حول المقاومة ودعمها للاستمرار في الرد بكل قوة.
هذا وقد جاءت هاتان الهزيمتان بتصعيد للرأي العام العالمي، وخصوصاً الغربي، والأمريكي اللاتيني، تعاطفاً مع المقاومة والشعب والقضية الفلسطينية، وهجوماً على الكيان الصهيوني باعتباره معتدياً ومرتكباً لجرائم حرب.
ومن هنا لم يجد نتنياهو ما يؤكد عليه في مؤتمره الصحفي المذكور غير التأكيد على الدعم الأميركي – الأوروبي الرسمي له، والأخطر الإشارة إلى أن الموقف العربي ضدّ حماس ليخرج بنتيجة أنه في عدوانه على قطاع غزة وما ارتكبه من جرائم إبادة وفشل عسكري ليس معزولاً.
طبعاً لم يسبق في كل تاريخ الكيان الصهيوني وحروبه العدوانية، بما في ذلك في حروبه خلال العشر سنوات الماضية منذ معركة جنين، فحرب تموز/يوليو على لبنان وحرب 2008/ 2009 وحرب 2012 على قطاع غزة، أن أشار علناً أي من قاد أنه مؤيَّد من الموقف العربي، أو في الأقل، متقاطع معه، إلاّ في هذه الحرب على قطاع غزة. وقد تكرّرت مثل هذه الإشارات ومن دون أن يأتي رد رسمي عربي ينفيها، ويأخذ موقفاً موحداً ضدّ العدوان ونصرة للشعب الفلسطيني والمقاومة.
البعض حاول أن يقول أن لا حاجة إلى الرد على نتنياهو وقد صدرت تصريحات رسمية باستنكار العدوان وإدانة ارتكاباته بحق المدنيين، ومن ثم لماذا يرد عليه حين يشير إلى أن ثمة من يشاركه الموقف في حربه على قطاع غزة، وهي حرب، وبإجماع فلسطيني، على الشعب الفلسطيني كله وليس على قطاع غزة وحده أو على حماس أو الجهاد أو المقاومة، كما أن نتيجتها ستؤثر سلباً أو إيجاباً في مستقبل القضية الفلسطينية.
لو وضعنا جانباً تصريحات نتنياهو المتكررة في هذا الشأن، وقد أراد منها دعم موقفه في استمرار العدوان وقصف المدنيين، بالخصوص. ومن ثم عدم الرضوخ لشروط المقاومة والشعب الفلسطيني لوقف إطلاق النار، ولو تجاوزنا ضرورة الرد الرسمي العربي عليه لقطع دابر هذه الحجة في استمرار الحرب العدوانية، وذلك لنسأل كيف يصح أن تقترب أيام الحرب من الخمسين يوماً ولا تعقد قمة عربية واحدة ولم تصدر حتى دعوة لعقدها عدا من الرئيس التونسي الدكتور منصف المرزوقي.
لقد قيل الكثير حول ما وصلته الجامعة العربية وأمينها العام من سوء في القرارات والمواقف سواء أكان على المستوى العربي أم على مستوى مواجهة العدوان الصهيوني وقد بدأ هذا التدهور الانحطاطي منذ الموقف من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات 2002، ثم من حرب العدوان على لبنان 2006 ثم 2008/2009 على قطاع غزة، مع استثناء غير كاف في حرب 2012 على قطاع غزة. ولكن ما وصله هذا التدهور الآن فأمر لا مثيل له. الأمر الذي يوجب وضع حد سريع له. وذلك بعقد قمة عربية طارئة فوراً، وإن كان مثل هذا الطلب أصبح كالمناداة على من فقد الحياة أو فقد الحياء وهو حيّ يتواطأ. ولكن بالرغم من ذلك فابنتظار الوضع العربي الرسمي المزيد من الكوارث إذا ما استمر في موقفه المعيب من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وكان قد أزّم الوضع في سورية، ودعا قوات الناتو للتدخل في ليبيا.
يجب أن يُقال، وبالصوت العالي، أن العامل الوحيد الذي يسند العدوان الصهيوني على قطاع غزة من السقوط الذريع وإجباره على وقف إطلاق النار والرضوخ لشروط المقاومة، هو الموقف العربي الرسمي وبالتحديد المصري – السعودي في عدم الدعوة لعقد قمة عربية تحسم الموقف من موضوع العدوان، وتنصر المقاومة والشعب في قطاع غزة. بل قمة عربية تشدّد على ضرورة دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات ووقف تهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى وإطلاق كل الأسرى. أي تحرير الضفة والقدس وبلا قيد أو شرط.
هذا العامل أصبح هو الوحيد الباقي في مصلحة نتنياهو بعد هزيمة العدوان أمام المقاومة عسكرياً وبعد هزيمته أمام الصمود الشعبي العظيم في قطاع غزة، وبعد تصاعد الرأي العام العالمي ضد العدوان وتعاطفاً مع قضية فلسطين، وبعد دخول حكومة نتنياهو في أزمة وتصدّع. وبعد ما لحق بالموقف الأميركي – الأوروبي من ارتباك وإحراج بالرغم من استمرار دعمه للعدوان.
هنا يجب أن يُضاف عامل آخر كان سيُغني عن العامل العربي الرسمي المذكور أو كان سيَفرض السرعة في تغييره هو العامل الفلسطيني المتمثل بقيادة م.ت.ف حين لم تأخذ قراراً موحداً بإطلاق انتفاضة فلسطينية شاملة في الضفة الغربية والقدس. وذلك بفتح جبهة ثانية ملتهبة على العدو ومؤيديه. الأمر الذي سيفرض فوراً دعماً شعبياً عربياً وإسلامياً وعالميا هائلاً. ويفرض تغييراً في المواقف الرسمية ليس عربياً فحسب وإنما أيضاً على مستوى عالمي.
وعندئذ لا يتحقق الانتصار بوقف العدوان وتلبية مطالب المقاومة التي حملها الوفد الفلسطيني المشترك في القاهرة فقط. بل سيصحبه انتصار حتمي على مستوى القدس والضفة الغربية كذلك.