ارتدادات الصواريخ في تل أبيب
فهمي هويدي
صواريخ المقاومة في غزة أصابت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو وفريقه من حيث لا يحتسبون. ذلك أنها أحدثت شرخا قويا في الداخل الإسرائيلي لاحت بوادره خلال الأيام الأخيرة، حينما ارتفعت بعض الأصوات داعية إلى التحقيق في كفاءة إدارة المعركة وأوجه القصور التي ظهرت فيها. من أبرز ما قيل في هذا الصدد ما كتبه كبير المعلقين السياسيين في «معاريف الأسبوع» بن كاسبيت حين وجه إلى نتنياهو 30 سؤالا اعتبرها الأسوأ في حرب «الجرف الصامد». بدأت الأسئلة بمسألة الأنفاق التي كانت إحدى أهم مفاجآت حماس. إذ تساءل الكاتب عن مدى علم الجيش بها وكيف تصرف معها رئيس الحكومة وقيادة الجيش. كما تساءل عن التقديرات الخاطئة لسلوك حماس وعن الإخفاقات الاستخبارية التي حدثت، بحيث غيبت عن الجميع المعلومات الخاصة بقيادات حماس والصواريخ والأنفاق.
أعرب بن كاسبيت عن غضبه إزاء تكرار إسرائيل الحديث عن استغاثة حماس من أجل وقف إطلاق النار، في حين أثبتت الإجراءات أنه ادعاء غير صحيح، إذ الحقيقة أن إسرائيل باتت في مواجهة جيش حماس «المنظم والمدرب والمسلح والحازم، القادر على إطلاق مئات وآلاف الصواريخ على تل أبيب والقدس وأهم المدن الإسرائيلية، كما نجح في إغلاق مطار بن جوريون لمدة ثلاثة أيام، وفي مواصلة تحدى جبروت الجيش الإسرائيلي طوال شهر تقريبا».
تساءل بن كاسبيت أيضا عن أسباب تدهور العلاقة مع الحليف الأمريكي وتحويل الرئيس أوباما من صديق إلى عدو. كما تساءل عن غياب السياسة لدى حكومة إسرائيل وكيف أن حركة حماس والوضع الإقليمي يجرانها إلى مواضع لا تريدها، الأمر الذي من شأنه زيادة التباعد الدولي في تأييدها. كما تساءل عن أخطاء نتنياهو في التعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي أدت إلى إغلاق كل افق للتسوية، في الوقت الذي ظلت تتنامى فيه قوة حماس. وتتآكل قدرة الردع لدى إسرائيل، حتى باتت تسعى الآن جاهدة لوقف إطلاق النار.
من ناحية أخرى عرض المعلق السياسي للقناة العاشرة الإسرائيلية رافيف دروكر في مدونته عشرة أسئلة وجهها إلى نتنياهو كان من بينها: هل سبق للحكومة الإسرائيلية أن ناقشت خلال خمس سنوات ونصف بعد حرب الرصاص المسكوب جدوى الحصار المفروض على غزة؟ وهل فكرت في عرض تجريد غزة من السلاح مقابل رفع الحصار عن القطاع؟ وهل سبق للمسؤولين الأمنيين أن طالبوا نتنياهو بعدم الاعتراض على حكومة الوفاق الفلسطيني؟ وكيف كان كبار المسؤولين يتحدثون عن حرص حماس على التهدئة ولماذا انقلب الوضع؟ ولماذا لجأ الجيش إلى خطة «الجرف الصامد» وليس إلى خطط أخرى أعدها الجيش، وما هي أسباب التلكؤ في معالجة خطر الأنفاق؟ وعلى أي شيء اعتمد رئيس الحكومة ووزير الدفاع في تقديرهما بأن حماس ستوافق على المبادرة المصرية؟. إضافة إلى أسئلة أخرى عن إخفاقات الجيش ومواقف بعض وزراء الحكومة ورؤاهم الضيقة.
يوم الجمعة الأول من أغسطس نشرت «هاآرتس» افتتاحية بعنوان «مواضع خلل مقلقة في الجيش» تحدثت فيها عن أن «واقع القتال المتواصل في غزة يكشف عن مواضع خلل مقلقة في الجيش الإسرائيلي في الاستعداد للمعركة وفي شكل إدارتها. وفي حين يعرض الجنود والقادة في الميدان حياتهم للخطر يبدو أن قيادة الجيش اعتادت أن ترى في زيادة الميزانيات حلا لكل مشكلة، واستخدام قوة نار كبيرة لتنفيذ خطط عملياتية نموذجية ومتوقعة مسبقا»، كما تحدثت الافتتاحية عن إخفاق الاستخبارات في اكتشاف منظومة القيادة والتحكم لدى حماس. وشددت على أنه في ظل غياب المعلومات الاستخبارية اختار الجيش استخدام النيران الكثيفة ضد المناطق المأهولة وتعريض المدنيين للقتل والتشريد، الأمر الذي يزيد الكراهية بين الشعبين.
في ذات الاتجاه كتب ناحوم بارنيع في يديعوت أحرونوت يقول إن الضباط في مقر هيئة الأركان في تل أبيب يعلمون أنه يوم يتوقف إطلاق النار في الجنوب فسيبدأ إطلاقها في تل أبيب والقدس. وسيبدأ الجدل بالأنفاق: ماذا علمتم وماذا لم تعلموا. وماذا فعلتم وماذا لم تفعلوا. وسيبدأ الجدل حول نتائج العملية وفي إنجازاتها وإخفاقاتها.
لاحظ بارنيع أن النقاشات التي ستبدأ في الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي ستنحصر في عدد من القضايا المتعلقة بتأخير العملية، البرية وإلى أى مدى أضر القصف وإطلاق القذائف بالعملية، وما الذي استفاده السيد حسن نصر الله في لبنان من التجربة، وهل تعلم أن المستقبل كامن في الأنفاق وليس في القذائف الصاروخية.. إلخ.
الكلام أعلاه ليس من عندي. ولكنه اعتمد على تقرير مهم نشرته صحيفة «السفير» البيروتية يوم السبت لمراسلها في غزة حلمي سالم خبير الشؤون الفلسطينية. وقد حرصت على أن أضع خلاصته بين يدي القارئ لكي يطلع على وجه في المعركة ليس مرصودا في خارج إسرائيل، خصوصا أن الصحافة العربية والمصرية بوجه أخص تتعامل باستخفاف مع الجهد الذي تبذله المقاومة في غزة، وتهون من شأن فاعلية وآثار الصواريخ التي أطلقتها على إسرائيل.