ضبط الإعلام له ما وراءه

ضبط الإعلام له ما وراءه

أديب طالب *

[email protected]

اربعة حقوق تقوم عليها الديموقراطية اللبنانية، الحياة، التعبير، العقيدة، حماية حق الاقلية من تغول الاكثرية.

ما كانت هذه الحقوق بلا جذور في التربة المجتمعية والسياسية والثقافية، والاصح ان جذورها الحقيقية تستند الى كل النصوص المقدسة والى شرعة حقوق الانسان العالمية، اكبر منجز حضاري للبشرية. ان أي تعد على هذه الحقوق هو تعد على جذورها، قام به تاريخيا ديكتاتوريون ومشوهون، غلبت عليهم جيناتهم الحيوانية وبيئة تنامت فيها شهوة اغتصاب السلطة والثروة معاً.

الديموقراطية وحرية التعبير ومسقطها حرية الإعلام، امور بنيوية في نشأة النظام اللبناني وتبلوره منذ عام 1680م، امور ليست طارئة ولا عفوية.

قال وزير السياحة اللبناني ايلي ماروني: ان الإعلام مقدس خاصة ان لبنان بلد الحرية واذا تم تغيير الحرية في لبنان تغير كيان البلد.

السؤال المشبوه

ثمة سؤال مشبوه وغير بريء، لماذا هذا الاهتمام المفاجئ بالإعلام اللبناني وهامش الحرية الواسع فيه، وفي اثر اعلان نية اقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا؟

في جلسة مجلس الوزراء اللبناني الاستثنائية مساء الجمعة 2008815

قال وزير الزراعة الياس سكاف "نحن لا نتعدى على الاعلام ولكن من يتعدون على كرامة الناس يجب التصدي لهذا الأمر". حرية الاعلام كانت حتى لا يدوس اعداء الحرية كرامة الناس ويسرقوا أرواحهم وأموالهم!

دعا وزير الصناعة غازي زعيتر الى ضبط الاعلام.

طالب وزير الشؤون الاجتماعية ماريو عون "العوني" اتخاذ اجراءات لازمة من المجلس الوطني للاعلام لضبط الفلتان الاعلامي.

قال رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة: لسنا دولة بوليسية.

هل اثارة عناوين من طراز ـ الفلتان الاعلامي ـ ضبط الاعلام ـ ليست حرية الاعلام مطلقة ـ، هل هذه الاثارة تدل ان وراء الاكمة ما وراءها؟

هل وصلت العملة الرديئة الى لبنان لتطرد العملة الجيدة؟

ما يزال اللبنانيون والاحرار في منطقة الشرق الاوسط يذكرون تحفظ الوزير غازي العريضي وزير الاعلام السابق على نص الوثيقة العربية لضبط الاعلام الفضائي العربي الصادرة عن وزراء الاعلام العرب في 12/2/2008 وفضلاً عن التحفظ فقد أصر ان هذه الاتفاقية غير الزامية. ونضيف من عندنا، الى اي مدى تستطيع هذه الوثيقة ان تغلق الفضاء المفتوح؟

ذكرت التقارير الدولية ان 18% من سكان العالم يعيشون في ظل حرية الاعلام. وان 43% تغيب عنهم هذه الحرية. اما في منطقة الشرق الاوسط وشمالي افريقيا فـ2% احرار و98% غير احرار. من المؤكد ان للبنانيين حصة 99% من تلك الـ2%.

لماذا تضيق بعض العيون وتغص بعض الحلوق بهذا الانجاز الاسطوري اللبناني؟ هذا اللبنان الذي قال فيه الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد من أشهر مضت: "علينا ان نسقط اللبرالية في لبنان". أليس الضبط والربط ومنع الفلتان وحدود المسؤولية والمحاذير الوهمية مداخل صالحة للحكمة التي فاه بها الرئيس الايراني في جامعة طهران؟.

الإعلام ليس دكاناً

صحيح ان أي أداة او ساحة اعلامية ليست دكاناً لمالكها وان على هذا المالك ان يرعى حقوق الناس التي نصت عليها شرعة حقوق الانسان، ولكن الصحيح أكثر ان من يرى سوءاً في استخدام حرية التعبير امامه القضاء والقضاء فقط هذا بغض النظر ان كان الرائي مالكاً لمال قارون وحاملاً الـ ب 7 على كتفه او مالكاً لشروى نقير ومعه قضيب رمان فقط. كما وليس من حق الرائي او أي كائن بشري عرفه الوجود الانساني او سيعرفه ليس من حقه ان يقول أعطوا هذا حق ممارسة حرية التعبير فهو جدير بها أو امنعوها عن هذا لانه غير جدير.

لا تخافوا. ولمن خاف وعانى وقد يعاني ان تمس حرية الاعلام المقدسات وتهدد النشء والقيم المبادئ ـ وهذا من حقه ـ فنلفت انتباهه ونظره المستريب الى ان منظومة حقوق الانسان الدولية فيها ترابط وثيق بين حق حرية التعبير أي حرية الاعلام مثلاً وحق حرية العقيدة. ولا تستقيم احداهما إلا بالاخرى، وتبادل الاحترام بين هذين الحقين، فضلاً عن تكاملهما، أساس لتفاعل الحضارات لا صراعها، وضمان لمجتمع لا يتغول فيه طرف على طرف.

ان أي حديث عن ضبط الاعلام وضبط الفلتان الاعلامي وفق أي مقاييس يضعها هذا الضابط او ذاك هو شغب على الحرية لا يبرره الخوف من الريح المسمومة القادمة وعله تشجيع لقدومها، فضلاً عن انه يهيج الغرائز والفتنة ناعسة لعن الله من أيقظها.

              

* معارض سوري