حق التكافل الاجتماعي
الحقوق المالية والاقتصادية لغير المسلمين
في المجتمع الإسلامي
خامساً: حق التكافل الاجتماعي
دندل جبر
إن الفرد في المجتمع الإسلامي لا يمكن أن يهلك أو يتعرض للهلاك نتيجة عجز أو حاجة والناس يعلمون بحاله، لأن من حق الأفراد في هذا المجتمع التمتع بحقهم الاجتماعي في كفالة الدولة الإسلامية لهم ما داموا من رعاياها، فلا يجوز أن يبقى في المجتمع المسلم إنسان محروم من حاجياته الضرورية كالطعام والكسوة والمسكن والعلاج من الأمراض وغير ذلك مما يبعد عنه شبح الهلاك، ودفع الضرر عنه واجب ديني سواء أكان هذا الإنسان مسلماً أم غير مسلم.
- وهذه الرعاية التي تشمل غير المسلمين في المجتمع الإسلامي من قبل الدولة الإسلامية إنما وجدت لأن الإسلام ينظر إليهم من الزاوية الإنسانية أولاً وكونهم مواطنين ثانياً.
- وحق الموطن غير المسلم في كفالة الدولة الإسلامية له في "التكافل الاجتماعي" هو حق واضح تدعمه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ومن سيرة السلف الصالح من الخلفاء والعلماء.
أ- الكتاب:
1- قال الله تعالى: "والله يحب المحسنين" (آل عمران – 134) ورعاية المعاهد عند الحاجة والعوز أمر يعتبر من الرحمة والإحسان، والإسلام هو دين الرحمة والإحسان.
2- قال عز وجل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة - الآية رقم 2) وما من حق اجتماعي إلا ويدخل تحت كلمة "البر" الواردة في الآية الكريمة، وندع القرآن الكريم يفسر بعض مضمون هذا البر، بقوله تعالى: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة) (البقرة – 177).
3- قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (الممتحنة – 8).
4- قال الله عز وجل (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) (الدهر – 87).
ب- السنة:
1- قال صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الله تعالى. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (أخرجه أبو داود – تيسير الوصول – جــــ 2 ص122).
2- وقال صلى الله عليه وسلم: "أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله" (مسند الإمام أحمد بن حنبل – حديث رقم 4880).
3- وقال عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (تيسير الوصول – أخرجه الخمسة إلا النسائي – جــــ 2 ص36).
- ومن المعلوم أن من أهم مصالح الناس في دنياهم سدّ حاجاتهم الضرورية بكفالة من الدولة التي تمثل المجتمع، عند عجزهم عن سد هذه الحاجات.
4- عن سعيد بن المسيب أنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود فهي تجري عليهم" (الأموال – أبي عبيد القاسم بن سلام – ص613).
جــــ- من سيرة الخلفاء الراشدين وقادة المسلمين:
من معاني الآيات القرآنية ومن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، استرشد الخلفاء الراشدون وولاة الأمور وقادة المسلمين في معاملتهم لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي فأحاطوهم بالرعاية والعناية، فكان لهم نصيب في كفالة بيت المال كما للمسلمين عند العوز والحاجة، ومما ورد عن بعضهم:
1- روى البلاذري في تاريخه: "إن عمر بن الخطاب عند مقدمه الجابية من أرض دمشق، مرّ بقوم مجذومين من النصارى، فأمر أن يعطوا من الصدقات وأن يجري عليهم القوت" (البلاذري – ص177).
2- روى الإمام أبو يوسف في كتابه الخراج عن عمر بن نافع عن أبي بكر، قال: "مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم، وعليه سائل يسأل، شيخ كبير، ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة، والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله، فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" والفقراء: هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. قال: قال أبو بكر: أنا شهدت ذلك من عمر ورأيت ذلك الشيخ" (الخراج لأبي يوسف – ص132، 135 – 136).
3- كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه في صلحه مع أهل الحيرة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث جاء فيه ما يلي:
"وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام" (الخراج لأبي يوسف – ص144).
4- روى أبو عبيد في كتابه الأموال: أن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي المعروف: كتب إلى عامله في البصرة عدي بن أرطأة: "أما بعد.... وانظر من قبلك من أهل الذمة (أهل العهد) قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه..." (الأموال لأبي عبيد ص 45 – 46).
هــــــ- من أقوال العلماء:
1- يقول القرافي – رحمه الله – في حسن معاملة غير المسلمين من المعاهدين:
".... الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم، على سبيل اللطف والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال إذايتهم في الجوار – مع القدرة على إزالته – لطفاً منا بهم لا خوفاً منهم، والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم، وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم إلى جميع حقوقهم..." (المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية – مؤسسة آل البيت – الموجز في معاملة غير المسلمين في الإسلام – ص192 – عمان – 1994م).
2- ويقول الدكتور عبد العزيز كامل: (الدكتور عبد العزيز كامل – حقوق الإنسان في الإسلام – المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية – مؤسسة آل البيت – سلسلة معاملة غير المسلمين في الإسلام – جـــ 1 ص62 – عمان – 1989م).
"ويصل التكافل إلى عونهم على سداد ديونهم، ففي نهاية عهد خالد بن الوليد لأهل الحيرة الذي سبقت الإشارة إليه:
وشرطنا عليهم جباية ما صالحتهم عليه حتى يؤدوه إلى بيت مال المسلمين، فإن طلبوا عوناً من المسلمين أعينوا به، ومؤونة العون من بيت مال المسلمين" (الخراج لأبي يوسف – ص144 – 145).
3- فكاك الأسراء من أهل الذمة (أهل العهد):
نورد فكاك أُسراء، أهل الذمة في بحث التكافل الاجتماعي، لأن الجانب الأكبر في هذا الفعل في الغالب هو دفع المال من بيت مال المسلمين لفك الأسير "فإذا ما وقع الذميون (المعاهدون) أسرى في يد العدو فعلى الدولة الإسلامية أن تستنقذهم من أيديهم، ولو بدفع الفداء عنهم، قال الإمام الليث بن سعد: "أرى أن يفدوهم من بيت المال، ويقرون على ذمتهم" (أبو عبيد – الأموال – ص127).
"لا يختلف الحكم فكاك الأسرى من أهل الذمة (أهل العهد) عن الحكم في فكاك الأسرى من المسلمين، عملاً بموجب عقد الذمة الذي يقضي بأن يكون لهم مال من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف" (انظر: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وحاشيه ابن عابدين عليه – جـــــ 3 ص343).