وجهة نظر حول حقيقة الجيش العراقي الجديد، وأسباب الانتكاسات المتلاحقة
(الملحق العسكري العراقي السابق في واشنطن - من 24/10/2007 الى 1/11/2009) .
***
نص محاضرة في "مركز الحوار العربي" بواشنطن
الأربعاء 10 حزيران/يونيو 2015
***
المقدمة تعتبر الجيوش واحدة من أهم المؤسسات التي تعمل الدول على بناء قدراتها لغرض درء المخاطر والتهديدات الأجنبية ومعالجة التحديات الأمنية الداخلية لما في ذلك من أثر كبير على حماية المصالح الوطنية، والنظام السياسي والاستقرار الأمني والاقتصادي. اقترن تأسيس الجيش العراقي بتأسيس الدولة العراقية الحديثة في بدايات القرن التاسع العاشر المنصرم، بالتحديد خلال فترة الاحتلال البريطاني بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. تأسس الجيش العراقي عام 1921 كضرورة بريطانية لمواجهة التهديدات المتنامية للدولة التركية التي تأسست على أنقاض الإمبراطورية العثمانية ومطالبتها بولاية الموصل ومعالجة بعض حركات العصيان الرافضة للاحتلال الاجنبي آنذاك. تشكل الجيش بصورة رئيسة من الضباط العراقيين والعرب الذين تخرّجوا من الكلية العسكرية في الأستانة وخدموا في الجيش العثماني مثل نوري السعيد، وبكر صدقي، وياسين الهاشمي، وجعفر العسكري الذي كان أول وزير للدفاع وغيرهم. لم تكن الادارة العثمانية تتعامل مع فئات الشعب العراقي بشكل متساوٍ في الانضمام للخدمة في الجيش والقبول بالكلية العسكرية في الأستانة. لمحة تاريخية وأهمّ الحروب التي شارك بها الجيش العراقي مرّ الجيش العراقي منذ تأسيسه ولحين حلّه بقرار من الحاكم الإداري للعراق السفير بول بريمر إبّان الاحتلال الامريكي عام 2003 بمختلف مراحل التطور والنمو وبناء القدرات واشترك في العديد من الحروب والعمليات العسكرية الداخلية والخارجية وحقّق بعض النجاحات كما تعرّض الى بعض الانتكاسات. يمثل الجيش إحدى المؤسسات ذات الاهمية الاستثنائية في بناء الهيكل الاساسي لأي دولة في العالم بشكلٍ عام ودول العالم الثالث بشكلٍ خاص. إن السيطرة على أركان الجيش في منطقة كالشرق الأوسط يؤدي دائما الى السيطرة على مراكز القوة والحكم كتحصيل حاصل. نتيجة لتطور قدرات الجيش واكتمال بناء قياداته الرئيسية الجوية والبرية والبحرية. لعب الجيش العراقي دورا كبيرا في تغييرات الخارطة السياسية منذ استقلال العراق بشكل رسمي من الانتداب البريطاني عام 1932 وعلى مر الخمسين سنة اللاحقة، حيث شهد العراق عدداً من الانقلابات العسكرية قام بها بعض الضباط القادة الطامحين في السلطة، فكان الفريق بكر صدقي أول من قام بانقلاب عسكري عام 1936 أعقبه انقلاب رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ونتج عنه أول عمليات حربية ضد قوات الاحتلال البريطاني والمعروفة بحركات مارس في 2 مارس والتي انتهت بإعدام العقداء الأربعة كامل شبيب، وصلاح الدين الصباغ، وفهمي سعيد ومحمود سلمان. اشتراك الجيش العراقي في معارك فلسطين عام 1948 حيث لعب دورا كبيرا في تحقيق الانتصارات في جنين والخليل ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي آنذاك، وسقط عدد من الشهداء لا زالت شواهد قبورهم موجودة هناك إلى حد الآن. تلى ذلك انقلاب عام 1958 بقيادة الجنرال عبد الكريم قاسم الذي أعلن فيه نظام الحكم الجمهوري. وفي عام 1963 أسقط البعثيون حكومة الزعيم (رتبة عسكرية آنذاك) عبد الكريم قاسم بانقلاب عسكري أيضا، وكان ذلك بالتعاون مع عبد السلام عارف شريكه في انقلاب 1958. استلم حزب البعث الحكم في العراق إثر انقلاب تموزعام 1968 وأحكم قبضته عليه من خلال السيطرة السياسية والحزبية على الجيش والمؤسسات الأمنية والتعليمية والإعلامية والثقافية وكافة الدوائرالاخرى . حيث قام بتأسيس نظام شمولي يشبه إلى حدٍّ كبير النظام الشيوعي الذي كان الذي كان سائدا في الاتحاد السوفييتي آنذاك على الرغم من أن الحزبين يختلفان أيديولوجياً. بدأ نظام البعث حملة تصفية بكل العناصر في الجيش التي كان يشك بولائها لحزب البعث ومارس نهج "التبعيث" للعناصر المستقلة آنذاك وضيّق الخناق على أولئك الذين لم يرغبوا بالانتماء للحزب. لقد مارس النظام، ومنذ بداية تسلمه السلطة، إلى تعيين القادة الحزبيين في المناصب العسكرية الحساسة وشيئا فشيئا أصبح الانتماء للحزب أحد الشروط للتعيين والتطوع في الجيش. ومع تسلم صدام حسين الحكم وبدء الحرب العراقية الإيرانية، فإن مناصب القادة الحساسة أصبحت مقصورة على المقربين من رأس النظام نفسه ومن يثبت ولاءه من الفئات الاخرى. وفي فترة التسعينات أصبحت مناصب الإمرة والقيادة بمستوى اللواء والفرقة مقتصرة على فئة معينة وبالأخص على المقربين من الذين لديهم درجات حزبية قيادية مع بعض الاستثناءات النادرة، ومن الذين ثبت ولاؤهم لرأس النظام السابق على وجه الخصوص. اشترك الجيش العراقي في حرب عام 1973 على الجبهة السورية على الرغم من عدم إبلاغ القيادة في العراق آنذاك بخطة الحرب التي وضعتها مصر وسوريا، إلا أن القرار اتّخذ بزجّ الجيش حتى بدون استطلاع مما أدّى إلى الدفع بقوات الفرقة الثالثة المدرعة بالتحرك على المجنزرات (السرفة) باتجاه سوريا ليصلها بعد 24 ساعة، والاشتراك فعليا بالقتال بعد 36 ساعة. وهذه بالقياسات العسكرية تعتبر من عمليات التنقل الاستثنائية في العصر الحديث. للأسف لم يكتب لهذه المشاركة النجاح السوقي المرجو حيث تكبدت الفرقة خسائر كبيرة. وأهم أسباب ذلك هو سوء التخطيط الإستراتيجي وعدم التنسيق والإخفاق في إجراء استطلاع على المستويات التعبوية الدنيا لطبيعة الأرض والاكتفاء بالاستطلاع من الخريطة والتي لم تظهر حقيقة طبوغرافية الأرض. كانت الحرب العراقية الإيرانية إحدى أطول الحروب التقليدية التي جرت في القرن المنصرم واستمرت ثماني سنوات. استنزفت الحرب قدرات العراق اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وكانت نتائجها وخيمة على البلدين على حدٍّ سواء. على الرغم من أن الجيش العراقي دخل الحرب بقوات لا تتعدى الاثنتي عشرة فرقة إلا أنه خرج بقوات عسكرية تتعدى 41 فرقة بمختلف القطاعات أكبر حجما وأكثر قدرة مما جعله واحداً من أقوى الجيوش في المنطقة. لقد قررت القيادة السياسية آنذاك الدخول بحرب بسبب معلن هو شعور العراق بحيف جراء توقيع معاهدة الجزائر مع إيران عام 1975 والتي توجب بمقتضاها تقسيم الخط الملاحي لشط العرب إلى قسمين بخط التالوك. لم تلبث القيادة عند انتهاء الحرب أن أعلنت السبب الحقيقي بأن الحرب كانت بدفع من الغرب والدول الإقليمية وأعلنت العودة الى اتفاقية الجزائر برسالة شهيرة أرسلها صدام حسين إلى الرئيس الإيراني آنذاك رفسنجاني. كل ذلك حدث لأن النظام السابق قرّر وبشكل مفاجئ احتلال الكويت. كان احتلال الكويت القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال حيث كان يمثل سابقة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط والعالم، فكانت النتائج غير محسوبة على مستوى السوق العام وأدخل الجيش حرباً غير متكافئة كان من غير المنطقي زجه بها وأثّرت كثيرا على معنوياته وقدراته بشكل لم يمكن تداركه مستقبلا. لقد فقدت القوات العراقية اكثر من 60% من قدراتها نتيجة الانتكاسة التي حصلت كمحصلة لعمليات عاصفة الصحراء لتحرير الكويت عام 1991. استخدام الجيش العراقي لمكافحة العصيان داخلياً استخدم الجيش العراقي في عمليات داخلية لمكافحة العصيان ضد الأكراد شمال العراق وعلى فترات متفاوتة، وضد انتفاضة السكان الشيعة في الجنوب في عام 1991 بعد انتكاسة الجيش في الكويت. لقد كان استخدام القوة المفرطة، والأسلحة المحرمة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية هي أهم ما ميز هذه العمليات التي أثارت نزعات التمييز العنصري والطائفي لدى السكان الشيعة والأكراد. إن استخدام الجيش داخليا هو سلاح ذو حدين تؤدي نتائجه إلى فقدان الشعب ثقته بقواته المسلحة وإعطاء انطباع بأن الجيش أصبح جهاز اضطهاد مرتبطا بالنظام السياسي القائم. غالبا ما يصاحب ذلك انتهاكات لحقوق الانسان بسبب طبيعة تسليح الجيش وسوء الإدارة، وجهل كامل في تطبيق اتفاقيات جنيف الخاصة بقياسات التعامل وفق لوائح حقوق الإنسان نتيجة عدم تثقيف المنتسبين على ذلك، إضافة إلى عدم وجود تدريبات خاصة حول قواعد الاشتباك القريب للتعامل مع أي قوة معادية. كان للاستخدام السياسي للقوات المسلحة الأثر السلبي الكبير في تجيير القوات المسلحة كأداة من أدوات ديمومة النظام السابق واستبداده. فترة الحصار الاقتصادي و الاحتلال كانت الفترة بين 1991-2003 صعبة ومليئة بالتحديات على العراق بشكل عام وعلى القوات المسلحة بشكل خاص بسبب الحصار الاقتصادي الدولي الذي تمّ فرضه نتيجة لاحتلال الكويت مما أدّى إلى محدودية الموارد وحالة التضخم المالي وانخفاض قيمة الدينار العراقي إلى أرقام قياسية حيث انخفضت المعاشات إلى أرقام لم يسبق لها مثيل. ظروف فترة الحصار أدت إلى تناقص خطير في قدرات القوات المسلحة وبالتالي إلى تمهيد احتلال العراق فيما بعد عام 2003. إن أهم ما يميز هذه الفترة ما يلي :
أ. تفشي الفساد الإداري والمالي داخل المؤسسة العسكرية التي، على الرغم من الإجراءات المشددة للنظام السابق، إلا أن السيطرة على الفساد كان مهمة صعبة جدا، حيث امتد إلى القيادات وقيادات الأجهزة الاستخبارية والحزبية داخل المؤسسة العسكربة والأمنية. إن ذلك أدى إلى تفشي المحسوبية والشعور بالحيف والغبن وضعف المعنويات لدى أغلب منتسبي الجيش.
ب. تراجع قدرات الجيش نتيجة انعدام إدامة المعدات العسكرية وعدم توفر قطع الغيار الاحتياطية.
ج. نتيجة فرض خطوط منع الطيران شمالا وجنوبا، وإيداع طائرات القوة الجوية لدى إيران أدى إلى انعدام القدرات الجوية.
د. تردي المنظومة الإدارية واللوجستية للقوات المسلحة مما أدى إلى صعوبة إدامة القطعات بمواد تموين القتال مما أثّر على الجاهزية القتالية للوحدات والتشكيلات.
ه. تزايد نسب الغياب والتغيب والهروب من المؤسسة العسكرية إلى نسب غير مسبوقة مما اضطر النظام إلى اتباع عقوبات وممارسات قمعية ومهينة لآدمية منتسبي الجيش المتهمين بالهروب من الخدمة كقطع صيوان الأذن.
لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع انهيار القوات المسلحة العراقية في غزو عام 2003 بهذه السرعة وبالتالي أدى إلى احتلال العراق خلال 21 يوما فقط، إلا أن العارفين بوضع القوات المسلحة يتوقع ما هو أسوأ فكانت قدرات القوات والظواهر السلبية التي ذكرت آنفا عجلت بشكل كبير بما حصل فيما بعد. كان أكثر القادة يتحدثون بجلساتهم الخاصة عن الأسباب التي أدت إلى إدخال القوات المسلحة حروباً خاسرة مع أطراف عالمية فيما كان من المنطقي تلافيها سياسيا ودبلوماسيا. فتمّ احتلال العراق وسقوط بغداد واختفاء القيادات السياسية والحزبية والعسكرية يوم 9 نيسان 2003. باكورة الأخطاء حل الأجهزة الأمنية بضمنها الجيش السابق واحدة من أهم القرارات المثيرة للجدل التي اتخذت بعد احتلال العراق هي حل الجيش العراقي بقرار ارتجالي من قبل رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة السفير بول بريمر، ولعبت فيه أحزاب المعارضة العراقية الدور الاستشاري. كما ذكرت آنفاً وعلى الرغم من أن نظام البعث عمل على تجيير كافة مؤسسات الدولة سياسيا لتحييدها من أجل حماية النظام الدكتاتوري القائم منذ عام 1968 ولكن المراقب لتفاصيل سياسات النظام السابق يستنتج أن هذا القرار إضافة الى قرار اجتثاث البعث كانا قرارين غير حكيمين حيث أدّيا إلى تحول شرائح وقطاعات كبيرة ممن هم إما على الحياد أو لديهم رغبة كبيرة في تغيير النظام إلى الانضمام إلى المعسكر المعارض للتغييرالحاصل في العراق. إن فشل الإدارة الامريكية والحكومات العراقية المتتالية في وضع آلية ملائمة لهذا الموضوع الحساس جعل من هؤلاء المهنيين العسكريين مشروعا يقوض التغيير الحاصل من خلال إثارة المشاعر الوطنية داخل هؤلاء العسكريين الذين وجدوا أنفسهم ومن دون سابق إنذار في المجهول. كان يجب أن يحل هذا الموضوع إما بمصالحة وطنية شاملة أو بشكل قانوني ومهني. الأسباب التي أدت الى اتخاذ هذا القرار تعود لما يلي:
أ. كانت أغلب الأحزاب السياسية المعارضة تعتقد بأن الأجهزة الأمنية كلها بما فيها الجيش هي أحد أسباب اضطهاد الشعب العراقي كونها استخدمت من قبل النظام السابق في القضاء على الحركات والثورات التي كانت تعارض النظام وخصوصا الأكراد والشيعة. لقد هدد الاكراد والشيعة الأمريكان بأنهم لن يشتركوا في العملية السياسية إن تم استدعاء الجيش.
ب. لم تكن الولايات المتحدة ترغب ببناء جيش كبير وقوي لا يتعدى الخمسة فرق ولأن إعداد أفراد الجيش السابق كبيرة، وهو بالاساس كان يعاني من ترهل كبير بالعدد والرتب، لذلك فإن حل الجيش كان يشابه الى حد كبير إعادة بناءه.
ج. إن إعادة وبناء الجيش العراقي السابق يعني الشك في إعداد منظومة تدين بالولاء لشخص أو جهة معينة مما يعرض الحكم الهش الجديد في الحكم إلى مخاطر كبيرة سيما أن للجيش العراقي تاريخاً معروفاً بالانقلابات العسكرية خلال القرن السابق.
د. كانت وجهة النظر الامريكية (وهذا ما أعتقده) أن اعادة بناء الجيش العراقي السابق يثير المخاوف لديهم من أن الجيش عندما يصل إلى قدرات معينة فمن المحتمل أن يؤدي إلى تصادم مع القوات الأمريكية.
لم يكن حل الجيش القرار الأول والأخير بسلسلة القرارات المثيرة للجدل والتي أدت إلى مزيد من الأعداء وانخراط الكثيرين منهم في المعارضة واتخاذهم قرارا سياسيا بتبني المقاومة المسلحة ضد التواجد الأمريكي، ومن هذه الأخطاء:
أ. تشكيل مجلس الحكم على أسس نسب الكوتا لكل قومية وطائفة، من عدد من الشخصيات العراقية المعارضة والتي لم تكن تحظى بتأييد جماهيري كبيرعدا البعض منهم مما أرسل رسالة سلبية إلى الأكاديميين والمهنيين ورجال الدين ، سنة وشيعة وشيوخ العشائر وجعلهم يشعرون بالتهميش. إن ذلك شكّل أول شرارات الرفض السياسي للتواجد الأمريكي ومجلس الحكم المشكل.
ب. استصدار قرار من مجلس الأمن اعتبرت به قوات الولايات المتحدة الأمريكية قوات احتلال. إن ذلك بالنتيجة أعطى الشرعية للقيام بعمليات مسلحة لتواجد القوات الأمريكية.
تأسيس الجيش العراقي الجديد كإعادة لسيناريو عام 1921 عندما أسس البريطانيون الجيش العراقي، أصدرت سلطة التحالف المؤقتة أمراً بتاسيس جيش عراقي جديد في الشهر السابع عام 2003 وتم تأسيس تشكيل تحت مسمى (فريق التحالف للمساعدة العسكرية) بقيادة اللواء الأمريكي الجنسية بول إيتن وضم ضباط من مختلف دول التحالف. كان هذا التشكيل مسؤولاُ عن تأسيس الجيش وضم أقسام مشابهة لأقسام هيئة الأركان العامة. فبدأ استدعاء الضباط العراقيين الأقل من رتبة عقيد، حيث استثنى الأمر الذي أصدره السفير بريمر كافة الضباط من رتبة عقيد فما فوق من الالتحاق بالجيش. كان ذلك يعني استثناء عدد إضافي من الضباط للعودة إلى الجيش. لم يكن يعي المسؤولون الأمريكان آنذاك أن هذه السياسة لن تؤدي إلى شيء إلا إلى كسب أعداء للعراق الجديد. تم استدعاء عددٍ من الضباط وباشروا بالعمل كمستشارين بادئ الأمر، كانت وزارة الدفاع لم تتشكل بعد حيث كان أغلب ضباط المقر العام وأقسام الأركان العامة من دول التحالف. وبدأ التوسع بالتشكيلات وكان أول فوج تحت التدريب في معسكر كركوش تم تشكيله وفق نسبة الحصص الطائفية والقومية، كانت أول بوادر ضعف التركيبة في الفوج الذي تم تشكيله هو الاحتكاكات بين المنتسبين الأكراد والعرب وتعيين ضباط خارج ضوابط المنظومة العسكرية من أجل تحقيق التوازن الوطني في الوحدة العسكرية، أضافة إلى التعاقد مع شركة أمريكية لتدريب الوحدة. هذه النقاط كانت أول أهم نقاط الاختلاف مع ضباط ركن التحالف القائمين على تشكيل الجيش. فالتعيين خارج الظوابط المهنية يؤدي إلى فقدان المهنية، كما أن التدريب الذي اعتمدته شركة (فينيل) كان مختلفاً تماما عن مناهج وكراسات الجيش العراقي مما أدى إلى التنبيه لهما دون استجابة تذكر. إن ذلك أدى إلى تأسيس وحدات الجيش على أساس حصص طائفية. كان قرار الحاكم المدني آنذاك بدمج مقاتلي الأحزاب المعارضة للنظام السابق في المؤسسة الأمنية ذا تاثير سلبي على مستوى الكفاءة والأداء. إلا أن ذلك لم يكن واضحا في وزارة الدفاع كما في وزارة الداخلية نظرا لقلة عدد المدمجين في الوزارة مقارنة مع وزارة الداخلية. نظرا لتزايد التحديات التي كانت تواجه الوضع الأمني، فإن قوات التحالف بدأت تتغاضى عن كثير من شروط القبول لبعض المتطوعين لغرض زجهم في الميدان بأسرع وقت ممكن. إضافة إلى ذلك فإن إستراتيجية بناء القوة تم تعديلها أكثر من مرة نظرا لتعاظم المشاكل الأمنية فتم دمج وحدات الحرس الوطني المشكلة آنذاك بمعدل لواء لكل محافظة مع وحدات الجيش. كان بناء قدرات الجيش خلال هذه الفترة يمر بصورة متسارعة إلا أن مستوى الجاهزية القتالية للوحدات لا تزال بدائية ولا ترقى إلى مستوى الاشتراك في قتال فعلي. ومع تأزم الوضع الأمني كانت هناك أمور لوجستية وإدارية تواجه بناء الجيش، وهي كما يلي:
أ. التخصيصات المالية كانت قليلة لا تكفي لأن المخطط له كان بناء 4-5 فرق فقط فيما الإستراتيجية تطلبت زيادة عدد الفرق الى 8-9 فرق نظرا لسوء الوضع الأمني.
ب. الفشل في اختيار العناصر المؤهلة ذهنيا وبدنيا وعلميا للانخراط في الجيش الجديد، كانت أغلب المراتب تتطوع لعدم وجود وظائف أخرى والحصول على مرتب شهري.
ج. عزوف بعض ضباط الجيش السابقين من السنة الانضمام للجيش لعدة أسباب أهمها العامل الأمني الشخصي كون مناطق نفوذ الكثير من الجماعات المسلحة تقع على الأغلب في المناطق السنية. وبسبب مقاطعة السنة للعملية السياسية. كما أن بعض الضباط كان يشعر بأن الالتحاق للجيش الجديد في ظل الاحتلال غير مشرف.
د. لم يكن التدريب المعتمد من قبل القوات الأمريكية مطابقاً لتدريب الجيش العراقي السابق مما ولّد نوعاً من الإرباك أدى إلى صعوبة التاقلم مع الظرف الجديد.
ه. إخفاق المنظومة الإدارية التي اعتمدها الأمريكان في إمداد القوات العراقية والتي تعتمد على المتعهدين المدنين، فيما كانت المنظومة القديمة تعمل بشكل مركزي بسيطرة وحدات وتشكيلات الجيش، أدى ذلك إلى تفشي الفساد داخل الوحدات والتشكيلات مما أثّر كثيرا على بناء القدرات.
و. التركيبة الطائفية التي اتبعت في توزيع المناصب أسهمت بشكل كبير في إهمال المهنية. بعض التشكيلات كانت من تركيبة واحدة، خصوصا بعد دمج ألوية الحرس الوطني التي تم تأسيسها في المحافظات والتي ضمت تركيبة كل محافظة. كما أدى دمج بعض وحدات البيشمركة في تشكيلات الجيش التي عملت في المناطق المتنازع عليها إلى مشاكل بين وحدات الجيش. إن بناء العملية السياسية في العراق على أسس طائفية وحسب النسب السكانية لكل مكون قومي أو طائفي أدى إلى انعكاس ذلك على المؤسسة العسكرية مما أثّر سلبيا كما سأبحث لاحقاُ.
ز. إن اختيار ضباط غير كفوئين أو لم يتدرجوا لأشغال مناصب حساسة وتعيين مستشارين أجانب لكل منصب أدى إلى خلق طبقة من الضباط الذين يعتمدون بكل استشارة او اتخاذ قرار على مستشاريهم الذين هم بالأساس إما ضباط جيش أو متعاقدون مدنيون، ولم تكن لديهم خبرة ودراية بإمكانيات ومنظومات الجيش العراقي السابق المختلفة. إن ذلك أثر بشكل سلبي على مراحل البناء و التجهيز والجاهزية القتالية للوحدات.
لم يكن الجيش العراقي في الفترة هذه وحتى استلام الدكتور إياد علاوي الوزارة الانتقالية عام 2004 مرورا بوزارة الدكتور الجعفري حتى وزارة المالكي الأولى يعمل بشكل مستقل في قواطع العمليات عن قوات التحالف حتى عام 2008 حيث بدأ الجيش الامريكي بنقل المسؤولية إلى الوحدات التي تجتاز شروط الجاهزية القتالية. لم تشترك القوات العراقية بأي عملية بشكل مستقل عن قوات الجيش الأمريكي. كانت الأعوام من 2003إلى 2008 تمثل تحدياً جسيماً في بناء الجيش العراقي لم يواجهه جيش مسبقا، فكان يجب على وزارة الدفاع استقطاب متطوعين، وتدريبهم، وتسليحهم، وتجهيزهم وضمهم إلى وحدات وتشكيلات ثم انفتاحها فيما بعد في قواطع العمليات والاشتباك مع الجماعات المسلحة والإرهابية التي تنامت وقتذاك بوقت قياسي وفي ظروف استثنائية. بدأت شرارة تردي الوضع الأمني تتفاقم بشكل متسارع، ساعد في ذلك دخول مجموعات جهادية أجنبية وعدم مراقبة الحدود وتوفر حواضن محلية إلى زيادة وتيرة العمليات العسكرية التي كانت تتراوح بين استهداف للقوات الأمريكية والعراقية على حد سواء وعمليات إرهابية تستهدف المدنيين العزل وعمليات اغتيالات منظمة. كان العراق عبارة عن ساحة مفتوحة لكل من يريد تصفية حسابه مع الآخرين. كانت أبشع هذه العمليات استهداف السكان المدنيين والأهداف الهشة كالجوامع والأسواق العامة وغيرها. استخدمت هذه المجاميع شعارات محاربة المحتل للتغطية على الفظائع التي ارتكبتها بحق الشعب العراقي. أدى تفجير العتبة العسكرية (أحد المراقد المقدسة لدى الشيعة) في سامراء إلى تأزيم غير مسبوق بالتوتر الطائفي بين الشيعة والسنة، وتحوّل إلى مواجهات في بعض أماكن التماس في المناطق المختلطة بين المليشيات الشيعية والسنية. كان لتنامي هذه المليشيات وقدراتها أثراً كبيراً في إذكاء النزاعات الطائفية. لقد كان هذا التهديد أكبر من قدرات الجيش العراقي ذي القدرات المتواضعة ووحدات الجيش الأمريكي المتواجدة آنذاك مما حدا بالإدارة الأمريكية عام 2006 بزيادة عدد القطعات الامريكية بعملية سميت بالـ (Surge) وأدت الى استتباب نسبي بالأمن وتخفيف حدة التوترات في مختلف المناطق. عملت قيادة القوات المتحالفة عام 2007 مع العشائر السنية في المناطق الساخنة في محاولة لاستمالتها وحرمان التنظيمات المتطرفة كالقاعدة من حواضنها والتسهيلات اللوجستية المقدمة لها. بالفعل تم تشكيل تنظيمات مسلحة لمحاربة التنظيم في الانبار وديالى وصلاح الدين والموصل تحت اسم (أبناء العراق الصحوات) فنجحت في تقويض البنى التحتية وطردها خارج المحافظات عدا الموصل فالنجاح فيها لم يرقَ إلى ما تحقق في بقية المحافظات. تنامي القدرات (عملية صولة الفرسان) كان لإطلاق عملية (صولة الفرسان) عام 2008 ضد المليشيات الشيعية في البصرة وبغداد وبشكل مستقل من قبل القوات العراقية، الأثر الكبير كمؤشر لتنامي قدرات القوات المسلحة العراقية والعمل بشكل مستقل عن القوات الحليفة والتي كانت تقوم بدور الإسناد. كان النجاح السياسي دافعاً لبقية الشركاء السياسيين للاشتراك بفعالية أكبر نحو الاستقرار. إن نجاح العملية شجع قوات التحالف بنقل المسؤولية الأمنية إلى السلطات المحلية في المحافظات، وكذلك منح حرية أكبر لقيادات فرق الجيش العراقي في قاطع المسؤولية والعمل بشكل مستقل. لقد أصبح عدد فرق الجيش في نهاية عام 2009 13 فرقة مشاة وفرقة مدرعة واحدة عاملة متكاملة العدد والتجهيزات إضافة إلى ثلاث ألوية مكافحة الإرهاب. لم يكن بناء قدرات قيادة القوة الجوية مواكبا للتطور الحاصل في قيادة القوات البرية حيث تتطلب تخصيص موارد أكبر لتجهيزها بطائرات مختلفة الاستخدام بالإضافة إلى منظومة دفاع جوي. لقد تنامت قدرات سلاح طيران الجيش بشكل أفضل ولكنه لم يكن يوازي الطموح. السلبيات التي رافقت بناء القدرات
إضافةً إلى ما تقدم أعلاه، فإن العوامل أدناه تعتبر واحدة من المعرقلات التي عملت على عدم تنامي قدرات الجيش بشكل مضطرد:
خطة التسليح. لم تكن خطة تسليح وتجهيز القوات المسلحة التي أعدت عام 2006 تحقق واحدا من أهم متطلبات الإستراتيجية هو معالجة التهديد الحالي، حيث كان التهديد ولا يزال مواجهة عدو غير نظامي وتنظيمات مسلحة وإرهابية بالإضافة إلى ميليشيات مسلحة تفوق قدرات الجيش تسليحا وإستخباريا. كانت أكثر العقود المقترحة هي لاقتناء أسلحة تقليدية لمواجهة عدو نظامي وتقليدي كالمدفعية والهاونات والدبابات وطائرات الـ اف 16 التي لم تنفذ لحد الآن، فيما كان من الممكن استغلال مبالغها في التعاقد على تسليح الجيش بما يوفر لها سرعة الحركة والمرونة العالية والتدخل السريع بإنذار قصير كالطائرات المروحية والعجلات المدرعة ومعدات تطهير الألغام وتطوير الإستخبارات وتدريب الجيش على القتالات الخاصة. موازنة الدفاع: كانت موازنة الدفاع تمثل عبئا كبيرا على وزارة الدفاع حيث كانت التخصيصات التشغيلية تمثل نسبة تتراوح بين 60-70% من الموازنة الكلية نتيجة سوء التخطيط والإدارة في التعيينات خارج التوصيفات الوظيفية وعدم تبني منظومة لوجستية كانت تكلف الموازنة أرقاماً كبيرة، إضافة إلى الفساد المستشري. السيطرة على القوات المسلحة. تعتبر القوات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم المؤسسات التي تحاول القوى السياسية السيطرة عليها للأسباب التالية:
أ. السيطرة على القوات المسلحة يمثل السيطرة على الحكم وتمثل صمام أمان في البقاء بالحكم أطول فترة ممكنة.
ب. هواجس الحكام بالخوف من القادة العسكريين الطموحين الذين يخشى منهم القيام بانقلاب عسكري.
لذلك كان واحدا من أهم الأمور التي حاول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي فعلها هو السيطرة على مفاصل القوات المسلحة من خلال تأسيس مكتب القائد العام للقوات المسلحة وسحب صلاحيات الوزارات والوكالات الأمنية شيئا فشيئا مما أدى إلى احتكار السلطات بيد رئيس الوزراء حتى الأمور التي لا تستوجب البت فيها في مستوى رئيس الوزراء كتخصيص العجلات ومنح الإجازات للضباط والموافقة على الدورات وغيرها. لقد أخذ هذا المكتب دورا في منظومة القيادة والسيطرة فيما كان تنظيمه يفتقد إلى قدرات التخطيط، فألحقت به قيادات العمليات مما أدى إلى تضارب كبير في تعريف علاقات القيادة والسيطرة مما سهل عملية التملص من المسؤولية. كانت الإخفاقات والخروقات الأمنية تحدث دون معرفة المقصر لتعدد المقرات التي يستلم منها المقر المعني الأوامر. كان ذلك مخالفاً لأبسط أساسيات ومبادئ الحرب وواجبات الأركان في الميدان.
فترة ما قبل خروج القوات الأمريكية كانت الفترة من عام 2009 لغاية عام 2011 من الفترات التي حفلت باستتباب أمني نسبي لم يستغل بشكل مناسب توافقت خصوصا مع خروج القوات الأمريكية من العراق ولم تكتمل في حينها قدرات القوات المسلحة بما يتلاءم مع التحديات الكبيرة في الدفاع عن العراق أرضا وسماءً وماءً. فلم تكن أهم القيادات والأسلحة قد أكملت بناءها كالقوة الجوية والدفاع الجوي والقوة البحرية، قبل خروج القوات الأمريكية في نهاية عام 2011. وقد أثبتت الاحداث الحالية بأن قرار خروج القوات الأمريكية كان يمكن التأني به وكان يمكن ترشيد تواجد القوات بدلا من إخراجها كلها دفعة واحدة. كانت القضية السورية والوضع الأمني فيها يتطور بشكل متسارع نحو حرب أهلية بمقياس كامل وكان الدافع الرئيسي فيها حرب الإنابة الطائفية التي لم يكن العراق بمنأى عنها منذ عام 2003، كما لم يكن محصنا منها. كان يجب على العراق أن يتحسب للمتغيرات الأمنية في سوريا من خلال تقوية الجبهة الداخلية السياسية والاقتصادية والأمنية. إن تعقيدات المشهد السياسي والأمني في المنطقة نتيجة "الربيع العربي" في بعض دول المنطقة حتم هذه العواقب التي لا يمكن تلافيها. الجيش العراقي طائفي أم وطني؟ واحدة من الحقائق التي تجهلها وسائل الإعلام والتي لم يتم توضيحها من قبل إعلام وزارة الدفاع هي أن الجيش العراقي الجديد هو امتداد للجيش السابق، حيث ليس من المعقول أن يتم تدريب وتأهيل كوادر للجيش في ظرف أشهر. كما أن الجيش أشرف على تأسيسه الجانب الأمريكي وتم دعوة كافة الضباط عدا الذين كان يعملون بالاجهزة الإستخبارية والأمنية الخاصة والذين يشغلون رتباً قيادية في حزب البعث. إن عدم وجود أعداد كافية من الضباط في الجيش السابق من مكون معين كالأكراد أدى إلى ترشيح ضباط ومراتب ممن خدموا في تشكيلات البيشمركة، لقد تم ضم ألوية بيشمركة بأكملها لتشكيلات فرق الجيش العراقي للعمل في قواطع عمليات المناطق المنتازع عليها في كركوك والموصل وصلاح الدين. إن ذلك أدى إلى احتكاكات ومشاكل في موضوع القيادة والسيطرة فيما بعد. كثيراً ما تتداول وسائل الإعلام مصطلحات مثيرة للجدل للإشارة إلى الجيش العراقي وخصوصا بعد إعادة تشكيله عام 2003، إحدى هذه المصطلحات بأنه جيش طائفي يمثل الشيعة فيه الغالبية العظمى. إن الحقيقة غير ذلك من خلال تبني سياسية توزيع مناصب القيادة والإمرة تبعا للمحاصصة العرقية والطائفية. فمثلا إذا كان قائد الفرقة شيعياً فإن معاونه يجب أن يكون سنياً ورئيس الأركان كردياً والعكس بالعكس. إن هذه السياسة أدت إلى تهميش القادة المهنيين. كان أهم أهداف هذه السياسة هو تحقيق التوازن داخل المؤسسة العسكرية وعدم تهميش أحد. إن ذلك فتح الباب على مصراعيه للتدخل السياسي. إن عدد الضباط والقادة العسكريين والمدنيين من السنة والأكراد والشيعة الذين يحضرون جلسات مجلس الدفاع متساوية الى حدٍّ ما. لذلك فإن إطلاق تهمة الطائفية على الجيش العراقي هي جزء من عملية التأثيرالنفسي والتصوير الإعلامي، التي هي جزء للاسف من عملية البروباغندا التي لم تقابل بإستراتيجية إعلامية مقابلة من قبل وزارة الدفاع بإرسال رسائل معاكسة وبأدلة مادية لا تقبل الشك. إن الجيش العراقي غير طائفي ولم يمارس سياسة طائفية ممنهجة من أجل تهميش مكون دون غيره. إن الجيش العراقي وعلى مر مراحل بنائه وتطوره يعتبر ضحية الأنظمة السياسية التي حاولت تجييره لصالحها ولم تعمل على بقائه محايدا بعيدا عن التاثيرات والميول والاتجاهات السياسية أو الدينية أو العرقية، حيث كان من المفروض أن يعامل الجيش والقوات المسلحة عموماً على أنها مؤسسة دولة وليست مؤسسة حكومة. الانتكاسات المتكرّرة الأسباب و الحلول تعتبر الانتكاسات من المواضيع الحساسة والتي لها تأثير كبير على معنويات الشعب بشكل عام وعلى أفراد القوات المسلحة بشكل خاص. إن الانتكاسات المصاحبة لانهيار القوات يكون أكثر وقعا وتأثيرا سيما أن القوات المسلحة هي العمود الأساس للدفاع عن المصالح الوطنية. تعرض الجيش العراقي إلى عدد من الانتكاسات منذ تأسيسه ولحدّ الان، وللأسف فإن هذه القيادات المتتالية السياسية والعسكرية كانت تتبادل المسؤولية في أسباب الانتكاسات. كانت أكبر انتكاسة يتعرض لها جيش في التاريخ الحديث هي عندما أجبر الجيش العراقي على منازلة غير متكافئة إستراتيجيا وعملياتيا في حرب الخليج الثانية (احتلال وتحرير الكويت). تلتها الحرب الاخيرة عام 2003 والتي انتهت باحتلال العراق. كان لنتائج غزو واحتلال الكويت الأثر السلبي لتقويض قدرات الجيش العراقي نتيجة مواجهة 31 جيش دولة على رأسها ثلاث من الدول الدائمة العضوية وعدد كبير من جيوش الدول العربية والإسلامية. إن الأخطاء التي تحدث في المستويات الإستراتيجية العليا تؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر على قدرات البلد بأكمله ويكون إصلاحها مكلفاً جدا. لقد تعرض الجيش العراقي إلى تحطيم قدراته وإمكانياته التي كلفت العراق موارد اقتصادية وبشرية هائلة نتيجة توريطه في حرب غير متكافئة ضد قوات غير تقليدية مسلحة بأحدث الأسلحة المزودة بأحدث التقنيات. لقد استنزفت هذه الحرب قدرات الجيش بشكل كبير وادت إلى تقويض إمكانياته وقدراته بشكل كبير. لقد كانت أول انتكاسة ذات حجم كبير أدى إلى انسحاب غير منظم من الكويت اضطر الكثير من منتسبي الجيش من قطع الطريق الرابط بين الكويت والبصرة مشيا على الاقدام. أهم الاسباب التي أدت إلى هذه الانتكاسة والانتكاسة التي تلتها عام 2003 والتي انتهت باحتلال العراق هي كما يلي:
أ. الحرب بحد ذاتها هي خطأ إستراتيجي في الأهداف والتنفيذ.
ب. عدم التكافؤ بالقدرات والإمكانيات بين الجيش العراقي الذي يمثل تسليحه وتكتياته الجيل التقليدي لجيوش الحرب العالمية الثانية فيما كانت تمثل قدرات قوات التحالف، جيل السيطرة الجوية المطلقة والأسلحة الذكية والأعتدة الموجهة بدقة.
ج. القيادة و السيطرة وعدم إعطاء المرونة للقادة الميدانيين في اتخاذ القرار الملائم وحسب ظرف الميدان، حيث أصدر القائد العام آنذاك توجيها بعدم تنفيذ أمر الانسحاب من الكويت حتى لو خرج منه شخصيا.
د. طول ومحدودية خطوط المواصلات لإدامة القطعات الأمامية.
ه. فقدان السيطرة الجوية وتحقيق قوات التحالف للسيادة الجوية المطلقة.
و. التأثير الكبير على المعنويات باستخدام الحرب النفسية الفعالة من قبل قوات التحالف.
ز. عدم إيمان المقاتلين وبضمنهم القادة بعدالة القضية التي يقاتلون من أجلها.
ح. استخدام إجراءات تعسفية كفرق الإعدامات في الخطوط الخلفية لغرض منع تسرب الوحدات الأمامية.
تعاقبت النكسات خلال الفترة السابقة التي تلت انسحاب الجيش الأمريكي عام 2011 تراوحت ما بين نكسة على المستوى التعبوي بمستوى فوج أو لواء إلى مستوى العمليات بمستوى فرقة أو قيادة عمليات منطقة. إن ماحدث من انتكاسة في الموصل لم تكن مفاجئة لأولئك الذين يعرفون عن قرب الظروف التي كانت تعيشها وحدات الجيش. كان لتأثير الوضع في سوريا وما يجري في المنطقة بشكل عام تاثيراً سلبياً على تردي الأوضاع الأمنية من خلال الاستقطاب الطائفي الشيعي – السني الذي تأسس ما بعد عام 2003، إن أهم هذه الأسباب هو ما يلي:
أ. إشغال المناصب الوزارية والوكالات الأمنية المهمة بالوكالة بدلاً من الأصالة. وسحب صلاحيات الوزارات من قبل مكتب القائد العام الذي كما ذكرت آنفا أدى إلى تملص القادة من المسؤولية.
ب. الفساد الإداري والمالي المستشري للقادة والآمرين.
ج. الخلاف بين قيادة العمليات والسلطة المدنية للمحافظة أدى الى وجود شرخ في العلاقة استغلتها التنظيمات المسلحة وبالأخص داعش للنفوذ من خلاله .
د. ضعف الإستخبارات وعدم قدرة وكالات الإستخبارات العراقية المختلفة من مجاراة مستوى التهديدات وحجم العمليات الجارية.
ه. فشل الإستراتيجية الإعلامية العسكرية لمواجهة الحملة الإعلامية المنظمة لتسقيط المؤسسة العسكرية.
و. عدم بناء إستراتيجية عسكرية وأمنية وطنية وإشراك جميع القوات العسكرية الوطنية بما فيها البشمركة وأبناء الصحوات التي قاتلت القاعدة ودمجهم في القوات الأمنية.
ز. فقدان القيادة والسيطرة التي تعتبر من أهم العوامل التي تساعد على إدارة العمليات.
ح. الانكسار النفسي وهبوط المعنويات نتيجة
أولا. الشعور بالغبن وعدم العدالة.
ثانيا. القتال المستمر لفترات طويلة دون وجود فترات استراحة.
ط. عدم وجود خطة أمنية للطوارئ واستخدام الاحتياطات في الظروف التي تتطلبها.
ي. عدم تكامل جاهزية القوات العراقية ووعدم تيسر الإسناد الجوي الكفؤ.
ك. فقدان ثقة السكان من خلال بث الإشاعات والعمل على تشويه صورة الجيش أمام القاعدة الجماهيرية وإطلاق التسميات المثيرة للفتنة والنعرة الطائفية.
ل. التدخل السياسي في تعيين القيادات نتيجة المحاصصة (التوازن الوطني).
م. فشل المنظومة الإدارية في تقديم الإسناد اللوجستي المطلوب ولأسباب تتعلق بالفساد الإداري.
ن. الإخفاق في اختيار العناصر الملائمة وانعدام التدريب المستمر لقطعات الجيش عموما.
س. عدم وجود فترات راحة وإعادة تنظيم حسب القياسات العسكرية للوحدات المشتبكة بالقتال لفترات طويلة أثّر كثيرا على الضبط العسكري ومستوى الأداء والجاهزية القتالية للمنتسبين والوحدات بصورة عامة.
التوصيات لأجل بناء قوات مسلحة مهنية قوية قادرة على حماية المصالح الوطنية وإعادة بناء جسور الثقة مع القاعدة الشعبية، فإنه ينبغي العمل بما يلي:
أ. يجب أن تكون المؤسسة العسكرية فوق الميول والاتجاهات.
ب. توافق الأحزاب السياسية على جعل مؤسسات الدولة خالية من التقسيمات الطائفية.
ج. يجب أن يكون الدستور كفيلاً بتحديد الصلاحيات والضمانات بعدم التدخل في عمل المؤسسة. إن منصب القائد العام للقوات المسلحة هو منصب مناط لرئيس الوزراء حسب الدستور ويتخذ من خلاله قرارات الحرب والسلم أما القائد العسكري العام للقوات المسلحة فهو القائد العملي لهذه القوات.
د. إعادة بناء القوات المسلحة على أسس مهنية وفق ضوابط وسياقات تحدد اختيار القيادات.
ه. اتّباع سياسة تسليح وفقا للتهديدات الحالية والمستقبلية.
و. تجسير الفجوة بين القوات المسلحة والشعب بكافة شرائحه من خلال وضع خطط العمل العسكري للشؤون المدنية، وإستراتيجية علاقات عامة وإعلامية لإبراز الصورة الحقيقة ومجابهة الإعلام الموجه المعادي.