عوالم جاردن سيتي

 النسا هو كلمة السر في تلك الهيستريا التي صاحبت افتتاح الترعة، وهي حالة تذكرني بالأفلام المصرية التي تتظاهر فيها الزوجة العقيم بالحمل لتحصل على اهتمام الزوج، وكأن لسان حال شاويش الانقلاب:

أنا لست سارقا

أنا لست لصا

احترموني أتوسل إليكم

لم يقتصر الأمر على استجداء الاحترام المفقود، ويبدو أن الهيستريا المسعورة ومحاولة تضخيم حفر مجرد ترعة طولها 35 كيلومترا، مردها أيضا إلى عقد نقص شديدة لدى الشاويش, فبدا كمن يحاول تعويض عقد ترسبت منذ أيام الطفولة البائسة التي قضاها مع الدجاج في حارة اليهود.

فتارة يحاول تقليد السادات حين أعاد افتتاح قناة السويس سنة 1975 بزي عسكري مبرقش، ونظارة شمس مضحكة تذكرك بالقذافي، وتارة يلوح للفراغ لأشخاص غير موجودين لادعاء شعبية مزعومة.

زيه العسكري المبرقش وتلويحه لكائنات شبحية لا توجد إلا في مخيلته، جعل الفقرة كلها تبدو كما لو كانت مشهدا منتزعا من فيلم قديم، وبدا شبيها بعبد السلام النابلسي وهو يؤدي دور حسب الله السادس عشر، ولم يكن ينقص المشهد سوى أمطار الملوخية تسقط على رأسه.

ورغم أن الفقرة التالية فقدت معظم قدرتها على الإمتاع, الا أن الفواصل عوضت ذلك بصورة عبقرية.

فتجده في بداية الفقرة الثانية يرتدي حلة مدنية، فتتبادر إلى ذهنك على الفور مشاهد من الأفلام القديمة حين كانت الراقصة تبدل ثيابها في غرفة تبديل الملابس بعد أن تؤدي رقصتها، لتجول بين "الترابيزات" وتضحك لهذا وتبتسم لذاك على طريقة "هيهيء يا شيري" لتفوز بزبون.

ولا أشك لحظة في أنه تدخل بنفسه ليضع تلك اللمسات التي تكشف عن عقلية مسطحة ضحلة، نبتت من الأفلام القديمة وسينمات الترسو، ولا ريب أنه استحضر مشاهد لسامية جمال وزينات علوي ونعيمة عاكف وغيرهن.

أعادت تلك الرؤية "الكباريهاتي" واللمسات السوقية، للذاكرة مشهد عيدان القصب و"الجونينة" منذ ما يزيد قليلا على السنة.

الفقرة الأكثر إمتاعا في الحقيقة كانت فقرة الأوبرا، ومشهد الكاميرا التي كانت تسقط على وجهه أحيانا لتجده يصفق في عبوس وعدم فهم، وهو ما أضحكنا كثيرا، وكان المشهد سيبدو طبيعيا أكثر لو كان كتكوت الأمير هو من يقف على خشبة المسرح.

ذكرني منظر الشاويش وهو يقف على ظهر المحروسة ثم يبدل ثيابه ليرتدي حلة مدنية، وكل ذلك الحشد من اللمسات السوقية والسعار الإعلامي، والرغبة في إقناع الشعب "بالعافية" بأن حفر ترعة طولها 35 كيلومترا وعمقها 6 أمتار هو إنجاز تاريخي، بما نقلته اعتماد خورشيد منذ سنوات في كتابها عن صلاح نصر الذي قال لها في صراحة ذات مرة: "قبل الثورة (يقصد انقلاب 52) كنا ديدان الأرض".

اللمسات السوقية امتدت حتى إلى الميادين والشوارع، وظهرت في وصلات رقص شديدة السوقية، وعبرت عن نفسها في عدد من الدباديب الضخمة التي تم وضعها في الشوارع، فيما بدا كما لو كان حفل افتتاح محل كشري أو مقهى، وهو ما لم يفوته موقع BuzzFeed  الإخباري الذي أعد تقريرا ساخرا نشر فيه صور تلك الدباديب مع تعليقات كوميدية.

وعلى الرغم من أن الصحف الأجنبية أفسدت فرحة مؤيدي الانقلاب بتقارير لاذعة من نوعية

"توسعة لا يحتاجها العالم"

"مستبد مصر يحتفل بـ"بتوسعة" لم يطلبها أحد لقناة السويس ".

والخبراء الذين قال أحدهم للوول ستريت الشهر الماضي، "لا أفهم المنطق وراء تلك التوسعة، بينما تتراجع أهمية القناة مع انخفاض واردات الاتحاد الأوربي من البترول".

وعلى الرغم من أخبار القطار الصيني الجديد الذي يقطع الرحلة إلى مدريد في أسبوعين بدلا من ستة أسابيع عبر قناة السويس، مما سيعني انخفاضا جديدا في إيرادات القناة.

على الرغم من ذلك، كانت الفقرات ممتعة وكأننا نشاهد مجموعة من عوالم شارع محمد علي في أثناء انتقالهن لجاردن سيتي.

وبعد أن راحت السكرة وجاءت الفكرة وانفض السامر عزيزي مؤيد الانقلاب، بقي أن تمسك بآلتك الحاسبة لتحصي دخلك الشهري من الترعة الجديدة وتنتظر الرخاء القادم.

[email protected]

وسوم: العدد 628