رسائل كيم إيل سونغ السوريّ
تحوّلت سوريا، في وسائل الإعلام العالمية، إلى حالة معقدة صعبة على الفهم والتحليل والاستقراء، لكنها تدهورت، في عيون أغلب مواطني الأرض غير المنخرطين مباشرة في الصراع، إلى صورتين رئيسيتين متقابلتين تتغذيان من بعضهما بعضاً.
تظهر البلد في الصورة الأولى باعتبارها مغناطيساً منتجاً وجاذباً لأشكال الطغيان والشرّ والإجرام المحلي والإقليمي والعالمي الذي يصبّ على سكان البلد نيران البراميل المتفجرة وغازات الكيمياء السامة وصواريخ الدول «الصديقة»، وتبدو في الصورة الثانية مركزاً طارداً للهاربين من الجحيم الباحثين عن بلد يؤويهم.
يتقاطر السوريون، في الصورة الثانية، ومعهم لاجئون مثلهم عراقيون وفلسطينيون وأفارقة وآسيويون، من كل فج عميق باحثين عن دولة تحميهم من دون أن تعاملهم كتهديد أمني أو كشعب أدنى، متحملين في سبيل ذلك مخاطر الموت غرقاً (عبر بحر إيجة أو المتوسط أو قناة المانش) أو اختناقاً (كما حصل في الشاحنة التي وجدت في النمسا) أو برداً (بعد أن اكتشفنا أن منهم من يجتازون القطب الشمالي للوصول إلى أوروبا).
على المستوى الدبلوماسي تتابع الأمم المتحدة سياحتها في معالم الجرح السوري وآخر إشارات ذلك جاءت من المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي يحاول الالتفاف على عقدة استعصاء خروج الرئيس السوري بشار الأسد من الحكم، باقتراحه اكتفاءه بـ»سلطات بروتوكولية» في فترة حكم الهيئة الانتقالية الحاكمة التي ستتشكل من تفاوض النظام مع المعارضة، فيما يبدو شكلاً من أشكال المفارقة الساخرة لأنها تفترض أن الرئيس سيقبل التنازل عن صلاحياته التي مزّق شعبه ودمّر مدنه وبلداته وقراه للحفاظ عليها.
لكنه يعني أيضا أن المفاوضات الحقيقية لو تمت فستكون مع داعمي النظام من الروس والإيرانيين القادرين على فرض تسوية الرئيس «البروتوكولي»، فهل يتّفق هذا مع ما يجري على الأرض؟
آخر المستجدات كانت ما نقلته الصحافة الإسرائيلية عن المشاركة المباشرة الروسية والإيرانية بالدعم الجوّي للنظام السوري، وهو أمر حصل بالتأكيد على تغطية أمريكية، فكيف يستقيم هذا إذن مع اقتراح دي ميستورا، الذي تزامن مع التصريح المشؤوم المتكرر لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أن الأسد «ما زال رئيساً شرعيّا تماماً»؟
القبول الأمريكي للتدخل الجوّي الروسي يتناظر بسهولة مع ما فعلته في العراق حين سمحت بمشاركة طيّارين إيرانيين في غارات بغداد على تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإذا عطفناه على ضغط واشنطن على أنقرة للدخول في الحملة على «الدولة الإسلامية»، فهو يتقارب مع الطرح الروسيّ حول «الجبهة الإقليمية والعالمية» لقتال التنظيم، والذي اقترح ضمّ تركيا والسعودية إليها إلى جانب النظام السوري.
ارتفاع الطائرات إذن من كل حدب وصوب للإغارة على «الدولة الإسلامية» هو نتاج تنسيق أمريكي – روسيّ ضد التنظيم ولكنّ الخلاف المتبقي بينهما (وبين السعودية وقطر وتركيا من جهة، وإيران من جهة أخرى) يتعلق بمصير بشار الأسد الذي تصرّ روسيا على تعويمه وتصرّ أمريكا على خروجه (كوسيلة للإبقاء على النظام).
وفيما تقوم «الدولة الإسلامية» المزعومة بتدمير التراث الحضاري لسوريا والهجوم على المعارضة السورية في ريف دمشق وحلب، يحاول النظام، أثناء ذلك، القول إن مصير رئيسه ليس موضوعاً على طاولة المفاوضات، من خلال ارتكاب مجازر أكبر، وإعاقة صفقات إيران السورية الصغيرة من قبيل تفاوضها مع حركة «أحرار الشام» لإنقاذ من تعتبرهم «سوريين مفيدين» من الشيعة الذين يسكنون قريتين في إدلب، عبر مبادلتهم مع «سوريين غير مفيدين» من السنّة في بلدة الزبداني.
لكنّ أكثر حركات النظام سوريالية وغرابة في جوّ «القيامة الآن» السوريّ هي افتتاحه حديقة للزعيم الكوري «الخالد» كيم إيل سونغ في دمشق، رمز الطغيان الآسيوي المطلق الذي نجح في توريث حكمه لابنه وحفيده غريب الأطوار، وهي رسالة «باطنية» من أبي حافظ (بشّار) لمواليه وأنصاره عن قدرته على توريث سوريا (أو ما تبقى من أهلها) إلى ابنه المدلل.
رأي القدس
وسوم: العدد 632