العراق... وماذا بعد الموصل؟

د. نزار السامرائي

المقدمة

نهاية عام 2012م وصل الاحتقان الشعبي في المحافظات العراقية السنية حداً لم يعد ممكناً السيطرة عليه، لا من قبل الحكومة التي تمثل الشيعة، عبر احتكار سلطة صنع القرار السياسي في العراق، على وفق ما صممه الاحتلال الأمريكي في قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية، الذي أصدره الحاكم المدني بول بريمر في 8 آذار/ مارس سنة 2004م، وبدأ العمل به في 28 حزيران/ يونيو من السنة ذاتها، استناداً إلى مبدأ المحاصصة الطائفية العرقية غير المتكافئ، وهو ما تم تكريسه في "الدستور الدائم" للعراق الذي تم الاستفتاءعليه في 15تشرين الأول/ أكتوبرعام 2005م .

إن الاحتلال الأمريكي الذي مارس تمييزاً على نحو غير مسبوق في تاريخ العراق ضد أبنائه من أهل السنة استناداً إلى منطق ثأري، بأنهم أدوات النظام الوطني السابق للاحتلال، في الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية والإدارية، ومما فاقم من عقدة الأمريكان تجاه أهل السنة في العراق، أن المقاومة المسلحة التي اندلعت ضد قوات الاحتلال كانت سنية الانتماء، وأطلق الأمريكيون على المناطق الأكثر اضطراباً واشتعالاً بالثورة المسلحة اسم (مثلث الموت السني)، وانطلاقاً من رد فعل غبي تغاضت الولايات المتحدة عن أدوار تخريبية مدمرة في الشأن العراقي نفذتها بصورة مباشرة، أو بواسطة مليشيات شيعية، تأسس بعضها في إيران، مثل فيلق بدر، وهو الذراع العسكرية للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، والذي تأسس في إيران في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982م، أو مثل جيش المهدي الذي أسسه مقتدى الصدر، وصار يعرف فيما بعد بالذراع العسكري للتيار الصدري، وقد تفرع عن جيش المهدي لاحقاً معظم المليشيات الشيعية الأكثر تطرفاً منه، بالرغم من تطرفه وعدائه الشديد لأهل االسنة، وقد مارست تلك الميلشيات شديدة التطرف والعداء للمسلمين، القتل لأهل السنة على الهوية، وقامت بالتهجير والتطهير الطائفي لهم، مما أدى إلى تغيير جوهري في التركيبة السكانية لبغداد وعدد مهم من المدن العراقية ذات الطابع السني، غير أن مليشيا جيش المهدي التابعة للتيار الصدري، هي صاحبة السجل الأكثر دموية في ذروة حرب تصفية الحساب مع المكون السني بعد تفجير القبة الذهبية للمزار المقدس عند الشيعة في مدينة سامراء السنية بنسبة 100% من السكان، لأن السنة حُمّلوا أوزار ذلك التفجير، بعد أن تضاربت الأنباء بعد وقوعه بفترة قصيرة حول الجهة التي قامت به وساهم الإعلام الحكومي بتأجيج نار الفتنة الطائفية عندما ألقى بالمسؤولية على "تنظيم القاعدة"، وهذا ما دعا المرجع الشيعي الأعلى "علي السيستاني" إلى إصدار بيان، اعتبر بمثابة فتوى دينية للشيعة بأن يعبر كل واحد منهم عن "غضبه" بالطريقة التي يراها مناسبة، وفي غضون ساعات تم قتل عشرات الآلاف من السنة، وخاصة في مدينة بغداد، بعد أن رفض الجنرال "جورج كيسي" قائد القوات الأمريكية في العراق بُعَيد وقوع التفجير، إغلاق جسور بغداد على نهر دجلة، التي تربط جانبيْ الكرخ والرصافة، أو إغلاق الجسور الواقعة على قناة الجيش في شرقي بغداد، وهي المنطقة التي تضم المناطق الشيعية الأكثر تخلفاً، والتي تميز سلوكها على الدوام بالغوغائية وعمليات السلب والنهب التي شهدتها بغداد في أوقات الأزمات وانقطاع حبل الأمن.

ومع أن الجنرال كيسي يتحمّل المسؤولية الكبرى في إراقة الدماء في بلد تحتله قواته، عندما كان بإمكانه منع القتل الأهوج، لكنه لم يفعل، إلا أن حكومة بغداد التي كان يرأسها إبراهيم الجعفري وفرت الحماية الرسمية لقطعان المليشيات التي كانت تتجول بالسيارات الحكومية لتقتل المواطنين العزل وتحرق مساجد السنة على من فيها، وتصادر ما تبقى منها، بعد أن نشرت الفوضى والرعب في كل مكان، وسط ذهول عربي وصمت دولي، وبعد عدة سنوات قال الجنرال كيسي: إن المعلومات التي توفرت له أثناء عمله في العراق، تؤكد أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي خطط ونفذ عملية التفجير، وهنا سيبرز سؤال معقد، والجواب عنه أكثر تعقيداً، كيف تسمح إيران لنفسها أن تنسف واحداً من رموزها المقدسة؟

ويكمن الجواب في أن من يعرف أساليب إيران وبراغميتها، لا تصيبه الدهشة من إقدامها على أية خطوة ترى أنها ستنعكس عليها بنتائج إيجابية كبيرة، من خلال تفجير بناء من الطابوق المذّهب.

ماذا حصل في حزيران 2014م؟

وما هي أسباب الثورة؟

منذ اليوم الأول للاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003م، باشرت الولايات المتحدة بانتهاج سياسة ممنهجة تقوم على تشجيع الشيعة على احتلال المراكز الحساسة في مختلف الدوائر المدنية والعسكرية والأمنية، استناداً إلى أن الشيعة هم الأغلبية الساحقة في العراق، وهذه الفرضية "المكتبية" صنعتها نوايا وتوجهات مراكز صنع القرار الأمريكي، الذي كان قد عقد العزم على غزو العراق واحتلاله، واستبعاد الأغلبية، أي أهل السنة، الذين يعتبرون البناة الحقيقيين للدولة العراقية الحديثة، إذ تؤكد تلك الحقيقة أرقام البطاقة التموينية التي تم استحداثها بعد الحصار الإقتصادي على العراق عقب دخوله الكويت عام1991م، واعتمدتها الأمم المتحدة بشكل رسمي آنذاك كأساس لعدد السكان في العراق .

ومع مجيء بول بريمر كأول حاكم مدني أمريكي لإدارة حكم العراق عقب الاحتلال الأمريكي له، فقد كرس بريمر سياسة إقصاء أهل السنة، وبتشريعات تجعلهم متهمين حتى يُثبتوا براءتهم، فقد أصدر سلسلة من القرارات التي لها قوة القانون، والتي ترسخ هذا التهميش لأهل السنة، وهي :

أولاً: قرار حل الجيش العراقي .

ثانياً : حل عدد كبير من مؤسسات الدولة الأخرى ، مثل :

أ‌-     ديوان رئاسة الجمهورية .

ب‌- وزارة الثقافة والإعلام .

ت‌-  جهاز المخابرات العامة .

ث‌- قوات فدائيي صدام .

ج‌-  مديرية الأمن العامة .

ثالثاً : إصدار قانون اجتثاث البعث .

وألقت هذه القرارات بملايين الرجال على حافة البطالة، ولم تتوقف ملاحقة المواطنين السنة على تلك القرارات الجائرة فقط، بل تعدتها إلى إصدار قانون الإرهاب رقم 13 لسنة 2005م، والذي صدر بالجريدة الرسمية في 9/11/2005م، وجاءت مادته الرابعة وكأنها مفصلة على مقاسات أهل السنة تحديداً، لتشكل سابقة قانونية ألقت بأثقالها على أبناء المكوّن السني البريء في الحقيقة من هذه التهم،  والمذنب وفق أحكام هذا القانون الجائر!! حتى صار اسمها المتداول شعبياً "المادة 4 سُنّة ".

أصبح سُنّة العراق هدفاً لملاحقات المليشيات الشيعية المدعومة من قبل قوات الحكومة، من جيش وأجهزة أمنية، فامتلأت السجون بمئات الألوف من الشباب والكهول، وحتى كبار السن والنساء تم أخذهم كرهائن بدلاً من الابن والأخ المطلوبين بموجب المادة4 إرهاب، ومورست عمليات تعذيب ممنهجة مع المعتقلين، وتم انتزاع اعترافات مختلقة (و) لا أساس لها، ووصل الحال بالمعتقلين أنهم تعرضوا للاغتصاب الجنسي، في ظاهرة غريبة جداً عن العراقيين وعن كك القيم الإنسانية، وتعبرعن سقوط القيم العراقية العربية الإسلامية عند هؤلاء!!، وقد ميّزت العراقيين على مر التاريخ، وترافق ذلك مع تحول المدن العراقية السنية، والأحياء السنية في مدن العراق الأخرى، إلى ساحة لحرب تصفيات وإبادة جماعية على الهوية، لم ينج منها شيخ كبير أو طفل رضيع أو امرأة، فقتلت المليشيات الشيعية من أهل السنة أكثر مما قتلت القوات الأمريكية، وعاش أهل السنة في مدنهم تحت كابوس غير معهود من الرعب، وتم إحراق الشبان من أبناء السنة وهم أحياء، بعد تعليقهم على أعمدة الكهرباء في أكبر ظاهرة إرهابية عرفها تاريخ العراق، وهذا لم يسجل حتى خلال احتلال بغداد وتدميرها على عهد هولاكو عام 656هـ/1258م .

 إن الإرهاب الجمعي الذي عاشه أهل السنة في بيوتهم ودوائرهم وأحيائهم ومدنهم، أدى إلى حالتين متصادمتين في وقت واحد، الأولى: غضب عارم على سلوك الحكومة الإجرامي، والثانية: خوف وصل في بعض المراحل إلى جبن أشعر العراقي بالخزي والعار أمام أسرته، لعجزه عن الدفاع عنها بما يليق به وبها .

مقابل أساليب الإذلال التي اتبعت ضد السنة كأفراد وجماعات، فإن ممثليهم في الحكومة المركزية وفي الإدارات المحلية، ومع كل الولاء الذي منحوه للمالكي كشخص، وللشيعة كمكون وكمعتقد، فإنهم بقوا على هامش المسؤولية، وكان الشيعة ينظرون إليهم باحتقار شديد، وكأنهم رعايا من دون حقوق، أو مواطنون من درجات متدنية، وتم منعهم من مزاولة أبسط حقوقهم الوظيفية، وكان بمقدور موظف شيعي من الدرجة الثامنة "أدنى درجة في السلم الوظيفي العراق" التحكم بقرارات الوزير أو وكيل الوزارة أو المحافظ أو المدير العام، وهذا النمط من السلوك اللا أخلاقي كان سائداً في الممثليات الدبلوماسية العراقية في الخارج، حتى بدأ التذمر يصل مداه، بعد أن راح الناس يسخرون من حالة الذل والاستكانة التي تلبس بها السنة الذين قبلوا بأن يكونوا ضيوفاً على وليمة الشيطان .

بدأ الحراك الشعبي سلميّاً عندما دوُهم مكتب وزير المالية رافع العيساوي، نهاية عام 2012م، وتم اعتقال مرافقيه ووجهت لهم تهمة الإرهاب بموجب المادة الرابعة من قانون رقم 13 لسنة 2005م، وهذه هي المرة الثانية التي يتعرض لها مسؤول سني كبير لمثل هذا الظرف المذل، إذ كان طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية تعرض لتهمة مماثلة، وصدرت بحقه مذكرة اعتقال بتاريخ 17/11/2011م، وعبر إجراءات متطابقة أقدمت عليها السلطة القضائية التي تم إخضاعها لرغبات نوري المالكي الجامحة.

كانت حادثة وزير المالية بمثابة القطرة التي فاض عنها كأس صبرأهل السنة، ليس دفاعاً عنه بقدر ما هو تعبير عن رفض لمنطق التعامل الفوقي معهم من جانب الشيعة، وإشعاراً لهم بأن أهل السنة رقم صعب، ولا يمكن تخطيه في المعادلة السياسية العراقية، وإن سكتوا حيناً على القهر والظلم، فاشتعلت محافظة الأنبار بالاحتجاجات السلمية، وامتدت إلى خمس محافظات سنية بما فيها بغداد، ولكن نوري المالكي تعامل معها باستخفاف وغباء، فوصفها بأنها فقاعة نتنة سرعان ما تنفجر، وهدد المحتجين بأنهم سينهون ما لم ينتهوا من تلقاء أنفسهم، وقال بأن المواجهة هي بين أنصار الحسين وأنصار يزيد، في محاولة مفضوحة للحشد الطائفي ضد سنة العراق، وهو بهذا الموقف قد جعل أهل السنة في العراق في دائرة الاستهداف، بسبب مسؤوليتهم عن دم الحسين بن علي رضي الله عنهما!!، ولذلك ارتكبت بحقهم جرائم القتل والتهجير على أوسع نطاق، وحولت الأحياء السكنية إلى مقابر فوق الأرض، أو إلى مدن أشباح، وبعد نحو عام من بدء الحراك الشعبي ارتكبت أجهزة الأمن الحكومية جريمة دهم منزل النائب أحمد العلواني، وتم اعتقاله بموجب المادة 4 إرهاب، من دون نزع الحصانة النيابية عنه، كما تم قتل شقيقه.

ومنذ أن وقع هذا الحادث تحول الحراك السلمي إلى ثورة شعبية عاشتها محافظة الأنبار، وعادت مدينة الفلوجة مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، والتهبت الأرض مرة أخرى بالقذائف والبراميل المتفجرة والصواريخ، وامتدت الاشتباكات إلى مدن محافظة الأنبار، وتململ أهل السنة غيظاً، وشعر الناس أن الزعماء السُنّة الذين جاءوا مع الاحتلال، ثم اشتراهم المالكي بثمن رخيص، لم يلتزموا بما سبق لهم أن أعلنوا عنه من تبنيهم لقضية دفع الظلم والتهميش الواقع على مواطنيهم وأهليهم من أهل السنة، إذ أنهم قدّموا مصالحهم الخاصة على المجازفة بالوقوف بوجه طغيان المالكي، وبدأت مشاعر الغضب تتجمع وتتراكم في الصدور التي أصابها الجزع ونفاد الصبر، وانعدام الوسائل اللازمة لوضع حد للتسلط الشيعي بدعم أمريكي وإيراني على مقدرات أهل السنة.

انفجر الوضع دفعة واحدة في سامراء يوم الخميس 5/6/2014م، ووقف العراقيون على أطراف أصابعهم انتظاراً للخطوة اللاحقة، ففي غضون دقائق انهزمت القوات الحكومية من مواضعها، وتقدم الثوار وأصبحوا على مسافة مئات الأمتار من المرقد ذي القبة الذهبية، وذهب إعلام السلطة الشيعية الحاكمة إلى أن "داعش" هي التي قادت الهجوم، وأنها كانت تهدف تفجير القبة الذهبية مرة ثانية، في إسقاطات أرادت من خلالها القول أن أهل السنة لن يتوقفوا عن استهداف مراقد الشيعة ما لم يتم ردعهم، حتى إذا اقتضى الأمر تصفيتهم إن لم يتحولوا إلى التشيع !!.

ولكن عملية سامراء لم تكن أكثر من صفحة واحدة وتمرين لقياس ردود فعل قوات الحكومة، ولو أن المهاجمين أرادوا تفجير القبة ما احتاجوا أكثر من ثلاث دقائق للاندفاع نحو وسط المدينة حيث المرقد .

وفي التاسع من حزيران ،الاثنين /9/6/2014م، كانت الموصل مركز محافظة نينوى، تُسَلّم مفاتيحها للثوار الذي خططوا لتحريرها بدقة وإحكام، ونتيجة لهول الضربة التي هزمت قوات المالكي، وكانت تفرض جواً مسموماً وإرهابياً على الموصل، فقد زعم المالكي أن هناك خيانة مقابل دفوعات مالية تسلمها كبار الضباط كي يخلوا مواضعهم، ومن جانب آخر ركز الإعلام على أن من نفذ الهجوم هم من عناصر داعش، ومع أن هذا ليس صحيحاً قطعياً، فإن إعلام الحكومة بتركيزه على الدور المنفرد لداعش في هزيمة أكثر من ثلاثين ألفاً من القوات الحكومية، إنما أعطى مؤشراً على المستوى المتدني لمعنويات القوات الحكومية، لكن القراءة الأخرى للمشهد العراقي تقول بأن ما حصل هو نتيجة تضافر جهود قوى سياسية وعسكرية، من بينها ضباط سابقون، يشعرون بأن واجبهم الوطني والقسَم الذي أدّوه للحفاظ على وحدة أرض العراق وصيانة سيادته واستقلاله، ما زال سارياً ولم يسقط عنهم، ولهذا عبروا عن صدق ارتباطهم به في كثير من المناسبات والانتفاضات والثورات التي شهدتها مدن العراق، كما أن الحراك الشعبي الذي تعامل معه المالكي بتعالٍ وعجرفة، استدعى ردة فعل بمستوى آخر من الحراك، يكون فيه الاحتكام للبندقية هو الصفحة الوحيدة التي يفهمها نوري المالكي، ولهذا وجدت الثورة حاضنة شعبية واسعة وأكثر تشدداً من الثوار أنفسهم، لأن هذه الحاضنة كانت تدفع ثمن انتمائها للمكون السني، سواء تحركت أو لم تتحرك ضد الحكومة الشيعية، فالمليشيات تستهدف المدن والأحياء السنية بعمليات الدهم والاعتقال والتعذيب في المعتقلات، ولعل أسوأ ما تمارسه هو تنظيم الدوريات وسط المدن، وهي ترفع شعارات عبر مكبرات الصوت تسيء إلى معتقدات أهل السنة وأمهات المؤمنين زوجات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، وكان كثير من السنة يرون في ذلك أسوأ ما يمكن أن يتعرض له إنسان، من دون أن يمتلك أداة الرد عليه، ولم يسأل أحد منهم من هو الذي قاد الثورة، أو من هو صاحب الدور الأكبر فيها، المهم عندهم هو أن الثورة انطلقت!! وعليها يعلق المكون السني آمالاً لإعادة الكرامة إليه، ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هناك وجوداً لداعش في الثورة المسلحة، إلا أن ثقل داعش في الثورة يبقى محدوداً، وأن هناك مبالغة مقصودة من جانب أطراف محلية وإقليمية ودولية، لها مصلحة في تصوير الثورة على أنها من إنتاج داعش، من أجل تأليب القوى المؤثرة في الساحة العراقية على الثورة العراقية.

ما هو الحل ؟

المقترحات والتوصيات؟

بعد أن انطلقت ثورة أهل السنة في العراق على الظلم الذي تعرضوا له من قبل سلطات حكومية ومليشيات شيعية تعمل بأوامر إيرانية وغطاء حكومي، نلاحظ أن إيران كشفت موقفها الحقيقي، فبعد أن أصدر علي السيستاني فتوى "الجهاد الكفائي" نرى أن طهران كانت على عجلة من أمرها في إعلان وقوفها بكل ما لديها من طاقة لحماية مزارات الشيعة في العراق، وهذه الأكذوبة باتت شماعة تعلق عليها دولة الولي الفقيه ذرائعها ، لتبرير تدخلها في كل مكان تضع عينها عليه، ومن يدري ربما سيأتي اليوم الذي تقيم طهران فيه مزاراً في "نوفيل لو شاتو" قرب باريس، وتعتبره مقاماً للخميني، لأنه أقام في المنطقة بضعة أسابيع قبيل عودته إلى طهران في الأول من شباط/ فبراير 1979م، ثم تحوله إلى مزار جديد للشيعة المولعين بإقامة الأضرحة والمزارات وتقديم الأضاحي لها، لأنها ترى في ذلك مركز استقطاب ثم إشعاع للتوسع والهيمنة في كل الاتجاهات.

إن جانباً مهما من أسباب الخلاف بين العراق وإيران يعود إلى هذه القضية بالذات، لأنه لا يوجد شعب يحب النواح والبكاء على موتى غادروا الحياة منذ أكثر من 1400 سنة مثل الشيعة، وخاصة الإيرانيين منهم، لأنهم بالأصل يبكون على ملك مُضاع، ويحاولون إلباسه رداءً دينياً طائفياً، وإيران اليوم تدخلت في سوريا باسم الدفاع عن مرقد السيدة زينب، فما بالك بقبري أبيها وأخيها؟!  

إن إيران تتحرك من دون أن تقيم وزناً لردود الفعل العربية والإسلامية والدولية، وهي تنشر التشيع بقوة السيف، كما حصل في إيران في بداية حكم إسماعيل الصفوي (ولد في 25 تموز/يوليو 1487م ومات في 23 أيار/ مايو 1524م) وقد قتل الملايين من أهل السنة في إيران بعد أن خيّرهم بين التشيع أو القتل، وما يحصل اليوم في العراق وسوريا، هو استنساخ لما حصل في حكم الصفويين، طالما لم أنها لم تواجه بموقف عربي إسلامي صلب من جانب الدول الإسلامية، التي هي دول سنية، يفترض أن تحافظ على أهل السنة في العراق وتحفظ مصيرهم، وخاصة من جانب دول الخليج العربي، إذ هي أكثر المناطق تعرضاً لخطر الزحف الشيعي الصفوي.

إن المطلوب عربياً وإسلامياً، ثم إقليمياً، وقفة حازمة بوجه إيران، وإشعارها بأن قتل أهل السنة وتهجيرهم من مناطق سكناهم تمهيداً لتشييع العراق، أمر لن يسمح به مهما كانت الظروف، وأرى وأن يصار إلى تنسيق سياسي على مستوى استراتيجي بين المملكة العربية والسعودية ومصر وتركيا، ثم اتخاذ موقف سياسي موحد تجاه خطط إيران، وأرى أن على هذه الدول أن تزيل ما بينها من خلافات سياسية وتتجاوزها، لأنها مهددة جميعاً بالتمدد الشيعي، كما أن دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة بتجاوز خلافاتها البينية، وأن تعمل كجدار صلد لمواجهة إيران التي تنتظر لحسم معركتها في العراق، ثم لتنتقل إلى منطقة الخليج العربي، التي تنظر إليها على أنها منطقة المجال الحيوي لها.