لقاء روحاني وقاسم سليماني يمهد لتنفيذ الاتفاق النووي داخليا وخارجيا، وحسم صراع تعيين «وكيل أمريكا الحصري في إيران»

تعتبر التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني، حسن روحاني، في اجتماع كبار قادة الحرس الثوري وتغطية الإعلام الإيراني «الخاصة» لقاءه مع قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، نهاية حقبة «تقسيم الأدوار» التي بدأت منذ الكشف عن البرنامج النووي الإيراني في صيف عام 2002، بين الحكومة الإيرانية من جهة كالذراع الدبلوماسي للنظام الإيراني، ومن الجهة الأخرى الحرس الثوري الذي يمثل جزءاً كبيراً من المتشددين في إيران، لتمرير الصفقة النووية مع الغرب بالحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات والتنازلات الغربية لصالح طهران. وجاء هذا اللقاء الذي يمثل تقارباً واضحاً بين المعتدلين والمتشددين في إيران في الوقت ذاته، بالتزامن مع فشل المتشددين في الولايات المتحدة الأمريكية في تمرير مشروع القرار الذي يرفض الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول 5+1.

ويظهر أهمية ورمزية هذا اللقاء في مراسم الاستقبال الرسمي وحرس الشرف لحضور الرئيس الإيراني، وغطت وسائل الإعلام الإيرانية هذا اللقاء بشكل خاص وتحديداً تم التركيز على لقاء الرئيس روحاني واللواء قاسم سليماني. وطالب الرئيس الإيراني الحرس الثوري دعم ومساعدة الحكومة بإعادة إعمار البلد والقيام بدور فعّال في هذا الجانب، وقال إن إيران لديها أعداء آخرين مثل البطالة والتضخم والجفاف والتصحر وضعف الأخلاق والإيمان في المجتمع فضلاً عن الصهاينة والأمريكان والإرهابيين، وأضاف أنه يجب عليهم التغلب على المشاكل الداخلية أيضاً. وسيفضي طلب الرئيس الإيراني بحضور أوسع وأكبر للحرس الثوري في الاقتصاد والتجارة مما عليه الآن، وسيستحوذ على المزيد من الثروة الإيرانية. وحالياً الحرس الثوري لديه امبراطورية صناعية وتجارية واقتصادية في إيران، ويسيطر بشكل مباشر على ما يقارب 40 في المئة من المشاريع الكبيرة في قطاعات عديدة من البنية التحتية إلى السياحة والنقل والطاقة والطرق والبناء والاتصالات. ويقدر الدخل السنوي للحرس الثوري من أنشطته الاقتصادية ما يقارب 12 مليار دولار، ويشكل هذا المبلغ سُدس الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وتصاعدت حدة الملاسنة الكلامية بين بعض قادة الحرس الثوري والمسؤولين الحكوميين خلال الأشهر الأخيرة ووصلت إلى القائد العام للحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، وحسن روحاني نفسه. وشملت هذه الملاسنات مجموعة واسعة من المواضيع والقضايا من الاتفاق النووي ومكافحة الفساد والأنشطة الاقتصادية للقوات العسكرية والسياسة الخارجية إلى القضايا الثقافية وحالة العفة والحجاب وصلاحيات مجلس صيانة الدستور في إيران. وبالتزامن مع الملاسنات بين الحرس والحكومة، وجهت وسائل الإعلام التي يديرها مكتب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي بشكل مباشر وغير مباشر، تهديدات إعلامية لإدارة روحاني، ومنها هددت صحيفة «كيهان» بانقلاب عسكري لتصحيح مسار وتوجهات الحكومة.

وفي تصريح بارز وأكثر شهرة قال حسن روحاني «إذا اجتمعت البندقية والصحف والمال والإعلان في مكان واحد، سيحصل الفساد لا محال، فالتجربة البشرية اقتضت الفصل بين هذه السلطات». وفي موقف آخر، انتقد الرئيس الإيراني كيفية الخصخصة في إيران، واعتبر الحرس الثوري بأنه أعاق عمل الحكومة وحرّف مسار أنشطتها، وقال إنه يجب تنفيذ الخصخصة بشكلها الحقيقي وليس تغيير التسمية فقط، وتبقى السيطرة بيد «السلطة غير المسلحة» و»السلطة المسلحة»، بالإشارة إلى الحكومة والحرس الثوري. وفي لقاء سابق مع قادة الجيش الإيراني، أكد روحاني أنه لا تقتصر وظيفة الحفاظ والحماية على الثورة الإسلامية وإنجازاتها على الحرس الثوري فقط، بل الدستور كلّف نواب البرلمان والمجلس الأعلى للأمن القومي والجيش الإيراني وباقي مؤسسات النظام للحفاظ على إنجازات الثورة الإسلامية العظيمة. بينما شدد آية الله علي خامنئي خلال لقاء سابق مع قادة الحرس على أنه يجب أن يحضر الحرس الثوري في جميع المجالات العملية والفكرية والثقافية والاقتصادية للحفاظ على الثورة الإسلامية.

وفي تغيير موقف واضح وسريع، خلال لقائه الأخير مع قادة الحرس الثوري، حثّ حسن روحاني القوات المسلحة مساعدة الحكومة للتغلب على المشاكل التي تحيط بالبلاد وعلى وجه الخصوص الاقتصادية، وفق مادة 147 من الدستور الإيراني، وقال يجب على الحرس الثوري وقوات الباسيج والجيش والشرطة أن تدعم الشعب والحكومة لزيادة الإنتاج والإعمار والنمو الاقتصادي. وتساءل الرئيس الإيراني قائلاً «هل يمكننا أن نضع يداً على يد وننام براحة بال في الوقت الذي يتعرض فيه إخوتنا المسلمون في اليمن والعراق وسوريا والبحرين وأفغانستان وباكستان وسائر البلاد الإسلامية في منطقة شمال أفريقيا لمجازر في ظل مؤامرات الأعداء؟». وشدد على أن كل ما قام به الإرهابيون خلال الأعوام الأخيرة، عاد النفع فيه إلى أعداء الإسلام والضرر على «الشيعة». وأكد أن الجمهورية الإسلامية يجب أن تصل إلى تلك المكانة من القدرة الاقتصادية بحيث يشعر العدو بأن مناصبته العداء لإيران تضرّه وأن الصداقة معها تنفعه. وأضاف حسن روحاني «ينبغي أن نصل إلى تلك النقطة من قدرة الردع بحيث يتضرر من يريد فرض الحظر علينا، ولو وصلنا إلى هذه النقطة، فحينها تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية منيعة ومحصّنة من الضرر».

وتظهر هذه التصريحات تدشين مرحلة جديدة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية للقيام بمهام واسعة وأكبر بكثير من السابق لصالح الغرب انطلاقاً من طهران، مروراً بأفغانستان وباكستان والبحرين وسوريا والعراق، وصولاً إلى شمال أفريقيا وسائر البلاد الإسلامية (كما صرح روحاني نفسه) وكشف عن بعض زوايا هذه المهام قبل فترة قليلة علي فلاحيان، وهو مقرب من مراكز صنع القرار في إيران وعضو كبير في مجلس خبراء القيادة ووزير المخابرات الأسبق، حيث اعتبر التوصل إلى الاتفاق النووي مع الغرب الخطوة الأساسية لإنشاء حلف استراتيجي بين طهران وواشنطن. وسنشهد تعاوناً متكاملاً بين الأجنحة والمؤسسات في إيران لتمهيد الأرضية المناسبة لتفيذ الاتفاق النووي داخلياً وعلى وجه الخصوص خارجياً. ومن زاوية أخرى، يكشف اللقاء الأخير بين الحكومة والحرس الثوري الاقتراب من حسم الصراع بين أجنحة النظام الإيراني المتصارعة على تعيين «الوكيل الحصري في طهران للتعامل مع واشنطن» وهذا التحول يعتبر خسارة أخرى لرئيس مجمع تشخيص مصـلـحـة النـظــام الإيراني، علي أكبر هــاشــمــي رفـســنـجاني، مقـابل علي خامنئي، الذي تلقى ضربة موجعة مؤخراً من المرشد الأعلى بسجن نجله، مهدي هاشمي رفسنجاني، لفترة 10 سنوات بتهمة الفساد الاقتصادي.

وسوم: 634