غاب العقل ف.... ضاع المجتمع
سالم الزائدي
واقعنا اليوم وفكرنا المتجدد هو الإطار في هذا المقال. تدخل مشكلتنا اليوم في نطاق الصراع الفكري بين أطياف المجتمع وهنا لا بد من الخوض في بعض المسائل :
أولها : دراسة الواقع الليبي وما يحدث فيه من صراعات وتناحرات بين مجموعات ذات خلفيات متباينة والتجاذبات والتأثيرات الخارجية التي باتت تفرض مسارات على الثورة الليبية تبعدها عن هدفها وتفرغها من هويتها .. أن نبدأ بدراسة موضوعية تؤدي الى طرح حلول ونتائج ملموسة ، كما لا بد من ملاحظة المسافة البعيدة التي بتنا نراها بين العلم و الضمير في بلادنا، و أرى أن العلم بغير ضمير ليس إلا خراب للروح ، وُنُذكر أنه من الآن فصاعداً على " رئيس البلاد القادم " ورئيس الحكومة أن يتحرر من عقدة السلطة وينظر إلى ثورة 17 فبراير وبناء الدولة الجديدة من زاوية الواجبات توضع على كاهل كل فرد ، لا أن يراها من زاوية الحقوق تمنح لشخصه أو يمنحها لنفسه أو لحاشيته ، فالحقوق كثيراً ما تتداول في بلادنا، فما أغراها من كلمة يجتذب إليها الإنتفاعيين ، بينما كلمة الواجبات لا تجتذب غير النافعين الوطنيين .. مع العلم .. أن كلمة الواجب على الصعيد السياسي توحد وتؤلف ، بينما كلمة الحقوق تفرق و تمزق .
ثانياً : دعونا نتشارك ونعمل على تصعيد وتيرة الوعي في المجتمع و التركيز على تصفية الرواسب من العقول وذلك بالتزامن مع مرحلة البناء الكامل، وهذا يتطلب منا دعم مفهوم الوطنية والإنتماء والتحفيز والريادة ، بمعنى كيف نفهم معنى الحرية ونطبقها في حياتنا ؟ وكيف نبني تقدمـا ً يكون نبراساً لشعبنا و بلادنا لان الثقافة والحضارة لا تتحقق بمجرد القيام بالثورة و إعلان التحرير و إصدار دستور بل يتطلب منا الحرص على إدراجه في منهج تربوي يهدي إلى تقويم جديد في ضمير كل مواطن ليبي .
ثالثا نتكلم عن العِلمَ .. كثير من أصحاب القرار يرى في الشهادة العلمية معيار لريادة مؤسسة ما أو منصب .. ولكن هذا المعيار لوحده قد أخفق كثيراً في السابق كما أخفق الآن أيضاً عند البعض ، لذلك أقول إن العِلمَ الذي لا تصحبه كفاءة وأمانة وطنية ، ولا يترجمه عمل ، يظل ترفاً لا مكان له في وطن ما يزال فقيراً في الوسائل والأطر، إذن من هنا علينا أن نهتم و ندرس معنى و مفهوم الفعالية وعلى الأخص في مجال التسيير ووسائله ( الإدارة و الدولة ).
في هذا الوقت من تاريخ ليبيا ، نريد أن نحارب الجهل من خلال واقعنا ....و حالنا لا يخفى
على أحد، حيث أننا أمام مشكلتين .. مشكلة موروثة من عهود سابقة حاولت تدمير بلادنا والمشكلة الثانية كيفية معالجة السلبيات فى ظل دولة المؤسسات والدستور الذي سوف ينشأ، فالعهد الجديد يتأسس تحت إشراف دولة بشرط أن لا يكون مجرد إعلان للسيادة الوطنية إعلاناً مسجلاً في السطور الأولى من الدستور ، بل يكون أداة لتنمية هذه السيادة.
رابعا ً نتحدث عن التنمية ولاشك إن تحقيقها يتطلب الكثير من العمل إنها تتطلب عرق الأحياء في عملهم المشترك من أجل مواصلة الكفاح و الذي سوف ينقلنا من مقتضيات الثورة إلى متطلبات البناء .. فالدولة تصنع نفسها بما تنجز من أعمال .
لا نريد الحداثة الراهنة في مجتمعنا دون التأمل في خطوطها العريضة ، فالمرحلة الحالية والقادمة هي الجهاد الأكبر الذي يتطلب منا العمل و الصبر والتخطيط المُمنهج في بناء التنمية المستدامة.
أواصل النداء لأصحاب القرار في هذه المرحلة بمشاركة المجتمع المدني والإعلام بكافة وسائله، علينا جميعاً الاهتمام والتركيز على المواطن فى الداخل ، فهي دعوة لكي نتأمل واقعنا الثقافي وتراثنا ورصيدنا التاريخي الفاعل والمؤثر من خلال السعي لتلوين أفكارنا و توحيدها وفق ما يؤهل مجتمعنا على مختلف شرائحه العمرية حتى لا يصبح مجال أفكارنا مساحة صامتة .
أملي أن نزيد و نكرس رابطة التعاون بين الخيرين في بلادنا للقيام بمسؤولياتهم و المساهمة في بناء الوطن والمواطن وخاصةً في هذه المرحلة، وعلمنا أن النفس البشرية يلزمها قدر معين من التوتروالجرأة والشجاعة لكي توجد الفعالية و الحيوية و الحركة.