تداعيات أسر المستوطنين الثلاث
معين الطاهر
عشره ايام مرت (حتى تاريخ كتابة هذا المقال) على عملية أسر المستوطنين الثلاثة. ورغم تبجح العدو الدائم بانه يعرف الضفة الغربية بالميلمتر. واستباحة الضفة الغربية من خليل الرحمن الى اقصاها. بما فيها رام الله العاصمة المؤقتة للسلطة الفلسطينية. ومقر إقامه رئيسها. واعتقال ما يزيد عن 400 مواطن. تم تحويل معظمهم للاعتقال الاداري (اي بدون تهمة محددة)، بما فيهم 24 نائبا. و54 أسيرا محررا سبق إطلاق سراحهم في صفقة شاليط. واستشهاد 6. وجرح العشرات. ومداهمة أكثر من الفي منزل. واستدعاء الاف من جنود الاحتياط. ووسط استمرار التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة وقوات العدو برعاية امريكية مستمرة.بالرغم من هذا كله الا انه لم يتم العثور على المستوطنين بعد. وبدا واضحا للعيان أن ثمة كرة ثلج تتشكل وتكبر يوما بعد يوم. وان حجرا قد أُلقي في بركة راكدة. قد بدأ يشكل عشرات الدوائر التي تكبر وتتسع بحجم الوطن والقضية. سواء كان ذلك من حيث الاجراءات الصهيونية المتتالية، او من حيث الفعل الفلسطيني المواكب لها.
من ناحية شعبية استقبلت الجماهير بفرح عارم هذه العملية. رغم علمها بما ستتحمله من عقوبات. وما ستتكبده من تضحيات. إذ ان حلم اطلاق سراح الأسرى وسط اضرابهم المستمر يداعب كل فلسطيني، ويسيطر عليه.
اطلقت الجماهير على العملية اسم "الشلاليط". في جمع لاسم الجندي الاسرائيلي شاليط، وفي استعارة لجمع كلمه "شلوط" بالعامية. وهي تعني الركل بالقدم على المؤخرة. كما احتلت مواقع التواصل الاجتماعي صوره رمزية لثلاثة أصابع في إشارة الى "الشلاليط" الثلاثة. وعم كل فلسطين في الداخل والشتات اجواء غاضبة عبرت عن المزاج الشعبي ضد تصريحات بعض المسؤولين الفلسطينين. تطورت في الأيام الآخيرة الى اشتباكات مؤسفة مع رجال الشرطة، اعقبت الاجتياح الصهيوني لمدينة رام الله.
تجلى الموقف الفلسطيني الرسمي بدايه بنفي عملية الخطف من أساسها، واتهام العدو بافتعالها. وأنها مسرحية لم يحسن العدو اخراجها - على حد تعبير أحد أعضاء اللجنة المركزية لفتح – وهدفها التهرب من الالتزامات الاسرائيلية، واضعاف الرئيس محمود عباس، وإعادة احتلال الضفة. متناسين أن الاحتلال لم يفارقها. متندرين بحسب احد الناطقين الرسميين بأن المختطفين يستجمون الآن على شاطئ حيفا.
لاقت هذه الرواية رواجا لفترة محدوده. معتمده على المبالغة في تصوير قوة الجيش الاسرائيلي. لتثبت استحاله قيام مثل هذه العمليات. وذلك قبل أن تكذبها إجراءات العدو على الأرض الفلسطينية. ولم تسفر سوى عن زرع البلبلة في النفوس، في محاولة قصيرة النفس لمنع الأطراف المعارضة من استثمار هذه العملية.
أجهز خطاب الرئيس محمود عباس في مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية على مثل هذه الروايات. اذ اعترف بوقوع عملية خطف لأولاد تبذل السلطة جهودها لإعادتهم إلى حضن أمهاتهم، وأدان العملية بشدة. متوعدا منفذيها بمحاسبتهم. وحملهم ضمنيا مسؤولية الاجراءات الاسرائيلية. بل اعتبر ان هدف هذه العملية هو تدمير السلطة الفلسطينية التي لا تستطيع مواجهة اسرائيل عسكريا. ومتعهدا باستمرار التسيق الأمني مع اسرائيل حماية للشعب الفلسطيني، متعهدا بعدم تكرار الانتفاضة التي جلبت للشعب الفلسطيني المآسي. في حين اعتبر البعض ان ما حدث هو بمثابة انقلاب على المصالحة، وإنهاء لها إذا ثبت أن ل "حماس" ضلعا في العملية.
وعلى العكس من ذلك تألق الدور الهام الذي تؤدية النخب السياسية والجماهير في فلسطين المحتلة 1948. في ظل الانشغال المستمر لقيادات المنظمة بالمفاوضات منذ اوسلو. واضحت حنين الزعبي زعيمه فلسطينية غير متوجه، حين رفضت اطلاق صفة الارهاب على العملية، واعتبر محمد بركة ان الارهاب الحقيقي هو في خطف نواب التشريعي. وممارسات الجيش الاسرائيلي. في حين اعتبر البعض ان تصريحات مسؤولي السلطة بمثابة صدمة للشعب الفلسطيني.
دفعت مواقف السلطة الفلسطينية ورموزها،بموازاة الاجراءات القمعية الاسرائيلية. الى استقطاب حاد ربما تشهده الساحة الفلسطينية للمرة الأولى منذ اتفاقيات اوسلو. وأوضح بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة فرز بين اتجاهين، اخذت معالمهما تتضح، والمسافة بينهما تتسع.اتجاه يرى في المقاومة بكل اشكالها، بما فيها الانتفاضة. والعمل المسلح، والمقاومة الشعبية حقا مشروعا للشعب الفلسطيني. وينبغي ممارسة الأشكال المتاحة منها حسب الظروف الموضوعية، واحتياجات المرحلة. واتجاه يتمسك بالمفاوضات. والتنسيق الأمني ويرى في انتفاضة الشعب خطرا عليه. ويعتقد بعدم القدرة على مواجهة المشروع الصهيوني. والآلة العسكرية الاسرائيلية الا عبر الوسائل السلمية، والتي اثبتت التجربة انه يلوح بها. ولا يستخدمها الا ضمن سياسة النصف خطوة التي لا تكتمل.
ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أنه حتى لو تم العثور على الأسرى بعد هذه المدة. وسواء كانوا أحياء أم قتلى، فإن هذا لن يمس من قيمة هذه العملية النوعية الجريئة، والناجحة بكل المقاييس. ولا من تداعياتها المستقبليه. فنحن أولا وأخيرا أمام عملية بطولية عبرت عن أماني شعبنا في تحرير أسراه. ووجهت صفعة كبيرة لتعنت العدو وجبروته. وللتنسيق الأمني معه. وفتحت الباب واسعا أمام تكرارها بصيغة أو أخرى. في ذات الوقت التي ألهبت وستلهب النضالات الجماهيرية، والأساليب المختلفة لمقاومة الاحتلال. ولمعارضة الاستمرار في المفاوضات، والتنسيق الأمني مما قد يوحي ببداية تشكل مرحلة جديدة في النضال الوطني الفلسطيني، ستتضح ملامحه خلال الأيام والشهور القادمة.