فوضى التسميات ..نحو ميزان دقيق للشهادة!
هل كان باسل حافظ الاسد شهيدا؟ و هل كان هلال الاسد شهيدا ؟! حسنا.. سنمتنع عن الضحك! و سننتقل الى أسامة بن لادن , فهل مات أسامة بن لادن شهيدا ؟ و هل مات أبو مصعب الزرقاوي شهيدا؟! بالتأكيد يوجد الملايين من المسلمين السنة يعتقدون في ذلك اعتقادا جازما ! لكونهما وفقا لهم ( جاهدا في سبيل الله لإقامة شريعة الله , و قاتلا أعداء الاسلام الصليبين و اليهود و الروافض.. الخ) و لكن و بالمقابل يوجد ملايين البشر حول العالم بمن فيهم مسلمين يصفون بن لادن و الظواهري بالإرهاب, و قد شعروا بالسعادة الغامرة لقتلهما. لننتقل الآن الى الحدث السوري , فمنذ بداية الثورة كان النظام السوري يصف قتلاه بالشهداء و يمجّدهم و يعلّق نعوتهم مدبّجة بالآيات القرآنية, وفقا لمراسيم الدفن الاسلامي الخاصة بالشهداء[ حيث الشهيد لا يغسّل و لا يكفّن على سبيل المثال] و كذلك كانت فصائل الجيش الحر و الفصائل السنّية تصف قتلاها بالشهداء و تمجّدهم و تقيم لهم المراسيم و الشعائر الخاصة بالشهداء, و كذلك نفس الأمر عند قتلى المليشيات الشيعية و حزب الله.. و أكثر من ذلك كانت داعش تنعي قتلاها في مواجهة شقيقتها جبهة النصرة تحت مُسمّى الشهداء, لكونهم يقاتلون من يصفونهم بالمرتدّين, و كذلك كانت جبهة النصرة تنعي قتلاها في مواجهة شقيقتها داعش بالشهداء لكونهم يقاتلون من يصفونهم بالخوارج! و كلاهما ينتميان الى الفئوية العقائدية الاسلامية السنِّية نفسها, و كلاهما يقصدان إقامة " دولة الخلافة الاسلامية و تحكيم شرع الله في الناس " !!
من هو الشهيد؟ ما معيار تصنيف قتيل معيّن بكونه شهيدا أم غير شهيد؟! سيجيب أحدهم – و ربّما غالبيتنا- المعايير هي من كتاب الله و سنَّة الرسول, و سيستشهد بآيات و أحاديثا منسوبة للنبي, و لكن للمفارقة كلّ فئويِّة اسلامية ستحتكر توصيف الشهادة لقتلاها فقط , و ستحجب هذا الوصف عن قتلى الآخرين- و هم مسلمون مثلهم- و كل فئوية اسلاميّة ستشهد ربّما بنفس الآيات و نفس الأحاديث في التدليل على صواب حكمها !
لماذا سُمّي الشهيد شهيدا؟
سنقترح ثلاث اجابات وفقا لمرجعية الايمان الاسلامي, و سنعقّب عليها تباعا :
-الاجابة الاولى: أفاد الحنفيةُ والشَّافعيةُ أن الشهيدَ سمي شهيدًا؛ ذلك أن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وملائكته يشهدون له بالجنة [ ابن عابدين/ الدر المختار 1/ 848]
نقول: هذا من أخبار الغيب وهو غير قابل للتحقّق في الحياة الدنيا, و بالتالي فهو معيار لا يصلح لتوصيف شهيد مخصوص.
-الاجابة الثانية: علَّل الشيخ صالح آل الشيخ أنَّ التسمية عائدةٌ لكون الشهيد يشهد بدمه أنه من الصادقين، فكما أن الشهود في توثيق الحقوق يُثبتون ما كُتِبَ على الشهادةِ بتوقيعٍ خاصٍ بهم؛ أو حتى ببصمتهم؛ فإن الشهيد يوقع على صدقه مع الله بدمه، فدمه شهيدٌ على حبه لربه، ودلالةُ إيثارهِ ما عند الله على ما عنده [ لماذا سمِّي الشهيد شهيدا؟ محمد الأسطل – شبكة الألوكة]
نقول: معيار الصدق و تعميده بالدم , لا يكفي لتوصيف موت شخص ما بكونه شهيدا بمرجعية عموم الناس عبر العصور , فالآلاف المؤلّفة من المسلمين السنّة الذين يقاتلون في داعش و تنظيم القاعدة هو يقاتلون صادقين و يعمّدون اخلاصهم بالدم بما قد يصل لدرجة تفجير أنفسهم في قتال من يُسمّونهم كفّارا و مرتدّين و روافض, و كذلك الآلاف المؤلفة من المسلمين الشيعة الذين يقاتلون مع حزب الله و المليشيات الشيعية هم يقاتلون صادقين و يعمّدون اخلاصهم بالدم! يقاتلون مَن يُسمونهم كفارا أو نواصب.. و تاريخيا لا ننسى شجاعة طياري الكاميكازي اليابانيين.. أو شجاعة الجنود النازيين في الحرب العالمية الثانية, فالصدق و الاخلاص لعقيدة أو فكرة ما ليس بمعيار صحّتها و هو ليس بمحلّ تقدير لهذا الشخص, الكثيرون يقاتلون و يموتون في سبيل عقائد عنصرية تبرر القتل و سفك دم الأبرياء !
-الاجابة الثالثة: نسوقها على لسان حديث منسوب للنبي الكريم " ثم إن الشهيدَ يُبعث يوم القيامة وله شاهدٌ بقتله، وهو دمه؛ لأنه يُبعث وجُرحه يتفجر دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك "
نقول: هذا من اخبار الغيب, و هو غير قابل للتحقق بمقياس عموم الناس عبر العصور , و كل من يصفُ قتلاه بالشهداء ينسب هذا الحديث لنفسه حصريّا دونما الآخرين.
*
سنقترح التعريف التالي للشهيد ,بكونه من يموت في سبيل أولويات الحياة و العدل و الحرّية , و هي أولويات يقرّها عموم الناس عبر العصور من مختلف العقائد و الثقافات , و هي اولويات عليها تقوم الحياة و تنمو بها , إن هذا الشكل للموت المُسمَّى شهادة ليس بحكر على عقيدة معينة أو قومية أو فرد معين , بل هو شكل نجده عند الجميع بشكل أو بآخر.. أحيانا تحت مُسمّى في سبيل الله ..في سبيل الوطن.. في سبيل الانسان ..الدفاع عن النفس ...ردع الظلم ..الخ. و هذا معيار قابل للتحقق.. مُشترك ..و الشهيد وفقا لهذا الاعتبار ..لا يؤذي أحدا في شهادته.. و لا يبررا ظلما يقعُ بحقّ طرف آخر. و الشهادة وفقا لهذا الاعتبار ..لا تتعارض مع مفهوم الايمان الاسلامي ..و لا تتعارض كذلك مع الوعد الأخروي للشهداء المؤمنين و الثواب...بل إنّ هكذا فهم و مفهوم للشهادة يعزز البعد الحيوي و الثوري في الايمان.
*
دخل شهداء الثورة السورية الى الجنة ,فوجدوا شهداء الجيش العربي السوري هناك قبلهم! تفاجئوا بهم!
قال شهداء الثورة السورية: لماذا أنتم هنا؟
قال شهداء الجيش العربي السوري: نحن استشهدنا في سبيل الله و في سبيل الوطن و وحدة التراب السوري, و لكن لماذا أنتم أيها الارهابيون هنا ؟
قال شهداء الثورة السورية بل نحن من مات في سبيل الله و في سبيل الحرية ولتطبيق شرع الله و ليس أنتم يا عبيد الاسد!
بعد ذلك نظر كلاهما الى الشعب السوري فلم يجداه في الجنة , و للمفاجئة وجدوا الشعب السوري كله في النار! استغربوا ذلك؟!
و سألوا الشعب السوري , لماذا أنت يا شعبنا العظيم في النار؟ قال الشعب السوري: لقد كفّرتمونا بالله و الوطن و كل شيء.
" "النص السابق هو لنكتة سورية متداولة
*
- من يؤمن بكون الجنة هي فقط للمسلمين على طريقة داعش...فهو ليس بشهيد و ليس في سبيل الله.
-من يؤمن بكون الجنة هي فقط للمسلمين على طريقة السلفية الجهادية ..فهو ليس بشهيد و ليس في سبيل الله.
- من يؤمن بكون الجنة هي فقط للمسلمين على طريقة شيعة ولي الفقيه أو الشيعة الامامية ..فهو ليس بشهيد و ليس في سبيل الله.
- من يؤمن بكون الجنة هي فقط للمسلمين...فهو ليس بشهيد و ليس في سبيل الله.
- من يؤمن بكون الجنة هي فقط لليهود أو للمسيحيين فقط.. فهو ليس بشهيد و ليس في سبيل الله.
- من يقاتل في سبيل اقامة شريعة تشرعن السبي أو الجزية أو تفرض النقاب على النساء مثلا ..فهو ليس بشهيد و ليس في سبيل الله .
*
الله تعالى غنيّ عن العالمين ..و عندما نجد اقتتالا أو فعل قتل أمامنا ..نحن لا نسأل عن مصالح الله في هذا الاقتتال و القتل! بل نسأل عن مصالح المتصارعين و عن مصالح القاتل في ذلك.
الله محبة ...الله عدل...الله رحمة...بسم الله الرحمن الرحيم.
وسوم: 641