شيء عن العراق..
عقاب يحيى
وفي العراق انتقاضة، كل مقوماتها الموضوعية موجودة من سنوات، بينما تفاعلت العوامل الذاتية متداخلة على امتداد اليام، واتخذت تلاوين مختلفة من الرفض ، والمقاومة، والاحتجاج، وحين بدأت ثورات الربيع العربي لم يتأخر العراق..لكن عديد المفاعلات أجهضت تلك المحاولات، ومنها قوة زخم المعادين، والإهمال الإعلامي المقصود .. وسط الضجيج، وتداعيات أحداث البحرين..
ـ الحالة العراقية أربكت جميع الاتجاهات السياسية العربية على اختلاق توزعاتها. لقد نام عديد"الديمقراطيين" في أحضان إسقاط النظام السابق بقوة الغزو والتدمير، وكأنهم ارتاحوا من عقدة كبرى كانت تؤرّق أحلامهم، وععديدهم سكت على دستور بريمر، وإجراءاته الرهيبة بحق العراق : دولة، وجيشاً، ومؤسسات، وبشراً، ومستقبلا، وبمن جاؤوا بهم من عصافيرهم المدجنة، وجياعهم المكلوبة وهي تخرج من بطن التاريخ أكاذيب المطلومية المشبعة بالحقد التفتيتي ضد الآخر : الأوطان بالنتيجة، ثم التواطؤ المكشوف، والسري بين الإدارة الأمريكية وإيران.. وتسليم العراق للنفوذ الإيراني علانية، وإعمال مباضع التقسيم، والشرذمة، والمحاصصات، والنهب، والإفساد كي لا يبقى من العراق سوى الرايات الجوفاء عمّا يقال ديمقراطية، وانتخابات، وقوائم.. وهيصات مشبعة بالطائفية وتقسيماتها.
ـ أهمل الديمقراطيون فعل المقاومة.. خوفهم أن تكون"صدّامية"، وإسلامية.. وأن تعيد الأوضاع السابقة، فطنّشوا على ما فعلته، وعديدهم وجّه لها الاتهامات والتصنيفات القاسية، وهو يتخندق : مباشرة، آأو من حيث النتيجة في صفوف الطائفيين، والأمريكان ، والإيرانيين .. في حين كان يمكن ممارسة التأييد بمنهج نقدي، ومطالبة تلك القوى المقاومة بتجسيد التعددية، وبنقد التجربة الأحادية ونسفها من الذهن والمقولات، وكل ما يقرب لها ويقترب منها.. من تمجيد، وعبادة الأشخاص، والحزب الواحد، القائد، والفرد المعصوم، وعلى أن المستقبل هو الذي يحكم، من جديد، وعلى ضوء التطورات، على أية قوة وفقاً لممارساتها وصدقيتها..
ـ الحقائق الفاقعة تقول : أن الحالة العراقية تضمر في داخلها عوامل الثورة في كل صعيد ومجال، وأن قطاعات شعبية متعددة، وأطيافاً مختلفة، بما فيها عديد المحسوبين على الشيعة، والعروبيين المؤمنين بالانتماء للوطن بدءاً، ومحوراً، وبما يتخطى أية ارتباطات دينية، أو مذهبية، أو حزبوية.. تشعر بالحاجة غلى التغيير، وتنتظر الفرصة المناسبة لإعلان ذلك.. وقد جاءت تلك الفرصة، وإن أريد تغطيتها بصبغة داعشية ملغومة المقصد والإخراج ..
*****
لقد تابعنا أحداث العراق منذ بداياتها، ودعونا من زمن لتحالف قوي بين قوى الثورة السورية والعراقية، ورصدنا بموضوعية جوهر القوى الفاعلة في الانتفاضة الحالية، والتي تتكوّن من مجموعة تيارات وتنظيمات وفاعليات، ليست داعش فيها سوى حالة محدودة، وأن أهداف الثورة تتجاوز الحالة المذهبية إلى صلب الديمقراطية، والتغيير الشامل لأسس النظام الهجين الذي فرضه الغزو، وكرّسه الطائفيون ومن خلفهم غيران، كي يستعيد العراق وحدته المجتمعية، والسياسية، القائمة على ىالتنافس السياسي، وليس العرقي، أو الديني، أو المذهبي، وباتجاه تكريس الديمقراطية نهجاً، ونظاماً للجميع .
ـ إن عودة العراق إلى ممارسة دوره الطبيعي يمثل اليوم رافعة حقيقية لثورات الربيع العربي، وفي مواجهة المشروع القومي ـ المذهبي الإيراني، والخارجي، وعلى قاعدة تأمين الحقوق لجميع المكونات، وتجسيد المساواة التي يحميها دستور عصري لعراق موحد، وبما يدعو أطياف الثورة السورية للقاء مع مثلاتها العراقية. كما أن الدول العربية مدعوة لإيلاء أحداث العراق الأهمية التي تستحق، وتقديم الدعم الطبيعي للانتفاضة التي تهدف إلى حماية جغرافية ووحدة ومستقبل الوطن العربي، وأولها دول الخليج المعرضة لكثير من التداعيات الخطيرة في حال نجاح المشاريع البديلة، وإجهاض ثورات الربيع العربي في سورية والعراق ـ على وجه الخصوص .